كثر الحديث هذه الأيام على التصعيد في اليمنوالجنوب رغم أطلاق مبادرة من دول الخليج العربي لحل الأزمة المستفحلة في اليمنوالجنوب وانعقاد مؤتمر حوار في صنعاء لهذا الشأن. مما أربك المشهد وساد اللغط والتحريف للحقائق على الأرض. ولأزالت هذه الضبابية يتوجب علينا من توضيح الملابسات وتفنيد المفردات والوقوف عندها بشفافية حتى يعرف القاصي والداني الصورة الحقيقية للأوضاع بمجملها وتقديم المعالجات بما يفقهه العقل والمنطق بعيدا عن التعصب. ومن ضمن أول استفسارات حول ذلك المندرجة في الأستغراب, لماذا تلذذت النخب الحاكمة في اليمن بعذاب شعبي الجنوبواليمن منذ 22 مايو 1990. هذا السؤال يفسر مدى فضاعة حجم التآمر من قبل قوى النفوذ في صنعاء على الشعبين في البلدين الجارين رغم معرفتهم بالواقع واستحالة تطبيق أجندتهم الشيطانية. وأن أستمراريتهم في غيهم السياسي لامحال نتيجته كارثيا؟. والأفضع أنهم يدعوا ويزعموا قدرتهم البلهاء في فهم البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكفيلة لإنجاح مغامرتهم النكراء التي خلصت إلى عذاب وقتل ودم وضياع ولاختزال طموحات الشعبين وتاريخهم لتذهب إلى أيادي عصابات لاتفقه في مصالح الشعوب سوى جشعها وغرائزها النتنة التي أفتضحت في بشاعة الجرائم النكراء بحق الشعبين لتنتكس في ماآلت إليه الأوضاع يومنا هذا؟. والأغرب من هذه الوقائع ذهاب الإقليم والمجتمع الدولي خلف أجندات تلك القوى المتنفذة وكأن لاشئ حدث ويحدث جراء سياسات نظام تلك القوى المتنفذة المتربعة على سدة الحكم سابقا ولاحقا.
وعلاوة على هذا الوضع التراجيدي فأن مخرجات مؤتمر موفنبيك الصنعاني تجاوز حتى مشاركة الأطراف المشاركة اليمنية لتلتهم كل أوراقهم ورقة بن عمر , واستحوذت على القرار النهائي لطي صفحات مسلسل ديكوري بعيد عن الواقع الملموس وتخرج من فوهات مدفعية المؤتمر ستة شظايا لم تنفجر بل كانت فاسدة لعدم جودة تطابقها مع كل الأهداف المطروحة لتصويبها. وارتدت مخرجات تقسيم وتجزئة الجنوب إلى ذات المربع دون ما يكون لها قبول شعبي من شعب الجنوب وتعارضها الكلي مع أرادته في استرداد حقوقه الوطنية المتمثلة في أستعادة الهوية والدولة. ويحصل كل هذا في ظل ادعاءات الكل أن الوحدة فشلت وأنه قد وقع ظلم وجور ونهب وقرصنة لثروات الجنوب وأراضيه وممتلكاته وأن تتم معالجة قضية الجنوب بشفافية وبدون خطوط حمراء. وأنها المفتاح الرئيس لكل القضايا القائمة في الساحتين اليمنيةوالجنوبية وحلها يفتح الطريق لكل مشاكل اليمن. لكن مانشهده اليوم في مخرجات مؤتمر الحوار لايتناسق مع ماسمعناه. وتخرج المسرحية بمأساة جديدة في ليس تقسيم الجنوب ولكن تذويبه وأستمرارية صنعاء لاحتلاله واستحواذها لثرواته وكأن لمن تصيح يافصيح صار عنوان المرحلة القادمة؟.
أعتمت عدسة ممثل الأممالمتحدة وأنسدت في ما حشيت به من صور لايريد القائمون عليها من تصفيتها بصور حقيقية من الواقع الجنوبي ومليوناته العشر وكل وقائع جرائم نظام الاحتلال اليمني ولاحتى تم النظر إلى مايحمله المشهد برمته من الجنوب من رفض مطلق من أول يوم لصدور المبادرة الخليجية لعدم حتى ذكرها لا من قريب أو بعيد وكذا الإعلان على المخرجات القاتلة؟
والتي بموجبها شرعنت قوى النفوذ ومراكز القوى التقليدية وقررت مايحلو لها وأصبحت سيد القرار بعد أستحواذها له واحتوائها لثورة التغيير الشبابية وإنتاج ذاتها من جديد. وتملي قرار تقسيم الجنوب على الورقة الدولية في جعبة بن عمر؟. وبمباركة دولية وإقليمية ثبتت مظلة الحماية عليها.
وهي ذات الحيل التي تعودت عليها مراكز النفوذ في اليمن مستفيدة من خبرتها في الحكم ومخزون رصيدها المالي من الفساد وموالاتها القبلية في ظل شرود مستمر للمجتمع الدولي والإقليمي خلف مصالحهم ومصالح شركاتهم المستخرجة للثروات في الجنوب تحديدا وسيطرة قرارات بلدان المنشأ من قبل تلك الشركات المستنزفة لخيرات البلاد بشكل همجي ووفق اتفاقيات مجروحة بالفساد وشهوانية ذوي النفوذ العسكري والقبلي في صنعاء؟.
مؤتمر الحوار الصنعاني تم تجهيزه دون دراسة حقيقية للقضايا الجوهرية المسببة للأزمة القائمة وخلى إلى ترقيع مشاكل السلطة في صنعاء والمتصارعين عليها فقط دون ما يؤسس للقضية الجنوبية أرضية مناسبة في المبادرة الخليجية بل وتم تجاهلها نهائيا لتضحي ورقة ديكورية يستفاد من حضور شخوص معينة بتسمية تمثيل حراكي جنوبي بالرغم من تناقص عددهم ليصل إلى أقل من ستة أفراد دون تمثيل شعبي حقيقي جنوبي لهم.
تمت الطبخة وخرجت من فرن موفنبيك صنعاء محرقة تماما لايستفاد حتى أقتياتها حيوانيا وتنتهي اللعبة وتحرق المراحل وتخلط الأوراق والنتيجة تجر فشلها خلف عربة من جاء بها أساسا وتبناها بمعزل عن أرادة الشعبين في الجنوبواليمن.
اللعبة تمحورت في أطار واحد لاغير يتلخص في أحتواء عملية التغيير في صنعاء وبناء الدولة لرفض عقلية مراكز النفوذ لها وتضرر مصالحها بقيام الدولة. وقُيد الجنوب بمصير اليمن ليعود إلى ماقبل الدولة والقبيلة ويتفاخر به حتى من يدعي نفسه قوى وطنية يمنية؟. ويبقى الجنوب تحت رحمتهم ويطوي صفحاته الحضارية كبلد آخر لا يتصل باليمن لا بالتاريخ ككيان سياسي موحد ولا الموروث والهوية.
حيث عمدت تلك القوى المتنفذة على نقل بلاوي القتل والاغتيالات إلى الجنوب من على متن سيكلات الموت ويرتكبون جرائمهم دون وازع ضمير أو أخلاق. لينزف الجنوب والعالم في صمت مطبق لما يجري!!.
وهل يعتبرونها رسائل لمخرجات مؤتمرهم الفاشل في صنعاء التي أدمنت تلك القوى على أنتظارها؟. أوانها خطوة أستباقية من الترهيب والترغيب للأستكانة وقبول مثل هذه السموم الناقعة من المخرجات؟. وقفل الملف نهائيا وهو حلمها الذي من المستحيل تحقيقه مادام هناك على أرض الجنوب طفل يحب وأم تنجب؟.
خلاصة المشهد ؟أن واقعان اليوم يتشكلان في اليمنوالجنوب ويشهد في اليمن أستقطابات خطيرة بذات العقلية من تحالفات حرب 1994 لشن حرب على الجنوب والتي لم يتم الإعلان عنها, وكل يوم تتغير الخارطة العسكرية والأمنية وتترتب عليها الجيوسياسية على الأرض وتصبح الحوثية لما تحمله من عقيدة رقم صعب وتدخل في الصراع المتعدد وتشرف اليوم في أرحب على صنعاء بل وتتواجد لها أمتدادات وتحالفات في صنعاء في أطار دوائر الصراع بين الأقطاب المختلفة, حاملة أجندة سياسية خاصة بها ومشروعها القائم في تعديل خارطة السلطة وقواها ومفهومها وتوجهاتها وفق لمزيج من الرؤى الممكنة لوصولها إلى تحقيق أهدافها. مع أن حقيقة الواقع في الجنوب تبلورت كعقيدة في وجدان الناس وتمسكهم بالهوية والدولة كحامل لخروج الجنوب من المستنقع اليمني ولتحمي تلك الدولة أبناءة وحقوقهم وتكفل الدفاع عن حياتهم.
وبتعقيد الوضع الميداني الحوثي وانعكاساته الايجابية على المشهد الأمني والعسكري والذي قد يؤدي قريبا إلى وصولها إلى السلطة لذلك لابد على الحركة الحوثية الممثلة بأنصار الله من أعطاء إجابات سريعة في رؤيتهم للتعامل المستقبلي مع قضية شعب الجنوب؟.
وأما الأقلمة بإخراج المسرحية الدرامية في موفنبيك صنعاء تحتضر لتضادها ليس مع القوى المذهبية بل والقبلية وقوى النفوذ السياسية والعسكرية والحزبية التي تنظر إلى المشهد من واقعها الخاص دون أعطاء بقية الأطراف اهتمام بها وهي عقلية جرت العادة عليها في حكم اليمن منذ 1200 سنة حين قدوم الأمام الهادي إلى صعده من المدينةالمنورة في أطار المعادلة اليمنية بتجاذب المذهب والقبيلة لطرفيها مع توازن مع مراكز النفوذ العسكرية والسياسية الدينية, تتحكم في تثبيتها مصالحها ومكانتها في السلطة.
وعلاوة على ذلك يبقى الصراع مستفحلا بين اليمن الأعلى والأسفل وفق عقدة الحاكم والمحكوم بفلسفة الأئمة ولكن كلاهما يرون في بقاء الجنوب يمنيا مسألة حياة أو موت وأن اختلفوا في المصالح والأهداف ولكنهم عند الجنوب كلهم في الهم شرق؟
وفي الوقت الذي تم فيه اختطاف الثورة الشبابية من قبل القوى التقليدية المتنفذة خلصت الحكاية مع الثورة الشبابية بالضياع فعليا وشكليا كما تم الادعاء بتحقيق أهدافها وأن المشكلة مع الجنوب ليس في الوحدة وإنما عهد المخلوع علي صالح والذي حنث بالوحدة. وأن الرئيس المؤقت المعين الشكلي هادي ووزير دفاعه ورئيس وزرائه جنوبيين؟ وأن الجنوب يحكم في صنعاء؟ حدوثه يرددها الكل ويدرون أنهم يضحكون على أنفسهم فقط؟.
طالما والوضع هكذا وسيستمر لم ولن يرى أحد النور ولاحتى نهاية النفق والذي لاينتهي.
يبقى السؤال مطروح كيف الحل؟ وللخروج من مأزق النفق هذا, وحفاظا على الدم والمال والجهد والوقت والطاقات نرى ضرورة الامتثال والأستجابة لأرادة الشعبين بعيدا عن العواطف في تقييم الواقعين تقيما موضوعيا من حيث وضع المعالجات النهائية بأطلاق مبادرة لقضية الجنوب تفضي إلى البدء في مفاوضات ندية مع اليمن بأشراف دولي تؤسس الارتكاز على قاعدة الإرادة الشعبية الجنوبية في استرداد حقوقه الوطنية. وبما يعزز من استمرارية أواصر الأخوة ووشائج العلاقات الاجتماعية في الجوار والتاريخ في العيش متجاوران كما التاريخ إلى قبل عقدين ونيف يحكي لنا ونعرفه كلنا لا غالب ولا مغلوب فيه وإطلاق عنان بدء مرحلة عودة الجنوب إلى مكانته كما كان وأفضل منها ويسمح لليمن من تأسيس دولة مدنية سيدها النظام والقانون؟. وهو الأسلوب الأمثل والمنطقي لتجاوز مرحلة الاحتضار الشاروني المفروض حاليا من خلال ماتم أستعراضه, وعودة الحياة إلى الشعبين.
ولينتهي الصداع القادم من جنوب الجزيرة إلى الجوار والعالم ويتم القضاء على الإرهاب والفوضى واستتباب الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة والعالم. وتتقاطع مصالح الإقليم والعالم مع مصالح شعبي البلدين بما يعمل على نهضة الشعبين وتطويرهما وتعويض مافات عليهما من ضياع العديد من حلقات التطور الإنسانية في العالم أثناء عملية الركود القسرية التي رافقت كل المراحل السابقة. والله من وراء القصد.