لمشهد السياسي العربي يتوقف حاليا على الصراع بين أسلمة الدولة من عدمها. في تونس، مصر، ليبيا والدول الأخرى التي أجرت أو ستجري انتخابات قريبة، اختزلت المنافسة السياسية بين الأحزاب على الحكم الإسلامي من عدمه. لا نرى خطابا سياسيا يتحدث عن دور الدولة في تشكيل اقتصاد مصر أو انتشالها من حالة شبه الإفلاس التي تعانيها، ولا نسمع زخما كافيا حول مؤسسات المجتمع المدني أو المشاركة السياسية، بل بالعكس، أضحت النقاشات السياسية في فترة الانتخابات مركزة أساسا على تطبيق الشريعة الإسلامية أو علمانية الدولة. يمثل هذا التوجه تهديدا لتعددية الدولة، وخطرا على الوضع الاقتصادي في المستقبل القريب. في الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، النقاش السياسي الرئيسي بين الجمهوريين والديمقراطيين هو حول دور الحكومة الفيدرالية ومدى صلاحياتها. فما بين جمهوريين يطالبون بعدم تدخل الدولة في جباية الضرائب والتحكم بالاقتصاد، وديمقراطيين يطالبون بحكومة كبيرة تفرض ضرائب كبيرة وترسي مشاريع كبيرة لتحريك الاقتصاد. بجانب ذلك، نجد أحزاب سياسية في أوروبا، مثل حزب الخضر، تركز خطابها السياسي على أهمية التنمية المستدامة والتعددية وحماية البيئة. في المملكة المتحدة يركز حزب المحافظين على استقلالية السوق والمحافظة الاجتماعية، بينما يركز حزب العمال على النقابات العمالية والاتحاد الأوروبي. الخطاب السياسي في الدول المتقدمة مرتكز أساسا على الاقتصاد ودور الدولة في تسيير العملية الاقتصادية. لا تحتمل مصر اليوم تصعيدا سياسيا حول دور الدين في حكم الدولة، مهما كان حديثا ناجحا في استدراء عواطف المواطنين. رئيس مصر القادم ليس مفتيا يصرح مثل حازم صلاح أبو إسماعيل بأن الحصول على ضرائب للدولة من أندية القمار وكازينوهات الرقص عار. كذلك، لا تحتاج مصر إلى حزب سياسي يسمى جماعة الإخوان المسيحيين. كما لا تحتاج مصر إلى رئيس يشتري أصوات الناخبين بالقول إن تفجير الخط الذي يربط مصر وإسرائيل هو عمل وطني وليس إرهابيا. مصر تحتاج آلية اقتصادية واضحة لانتشالها من الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعانيه. لم يجتمع الملايين في ميدان التحرير لأن مصر لم تكن دولة إسلامية، تظاهروا لأن الحالة الاقتصادية للفرد كانت متردية. نريد أن نسمع مرشحا سياسيا في العالم العربي يتحدث عن دور الدولة الاقتصادي، عن خطط مواجهة الفقر المائي، وعن خطط واضحة لمجابهة البطالة ورفع مستوى دخل الفرد. *من عبدالعزيز طرابزوني