القضية الجنوبية بين ضرورات الاستقرار ومتطلبات الشراكة العادلة    خمسة قرارات تُقلقهم: وعشرات الآلاف لم تُحرّك فيهم ساكناً!    57 دولة عربية وإسلامية تجتمع في الدوحة.. هل تستطيع ردع إسرائيل    أقمار صحيفتي 26 سبتمبر واليمن يضيئون سماء جبهة الإعلام المقدسة    سياسي عراقي: محاولات الكيان الصهيوني لاختراق اليمن عبر المرتزقة مصيرها الفشل    يوفنتوس يعمق جراح إنتر برباعية    أتلتيكو يستفيق ب «الغواصات الصفراء»    نابولي يعود بالنقاط الثلاث من فيورنتينا    أحلام تُطرب جدة    الدكتور عبدالله العليمي نائب رئيس مجلس القيادة يقوم بزيارات ميدانية في عدن    اليونايتد ضد السيتي.. ديربي مداواة الجراح وتخطي البداية المخيبة    منظمة صحفيات بلاقيود: مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    الكشف عن 85 جريمة مجهولة    صحيفة صهيونية: اليمن يقف "عقبة" أمام "التطبيع"    اليوم العالمي للقانون: نحو تعزيز سيادة القانون في عدن والجنوب    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    بايرن ميونيخ يضرب هامبورج بخماسية    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    ماسك يدعو إلى حل البرلمان البريطاني    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    صنعاء.. الغرفة التجارية بالأمانة تصدر البيان رقم (1) التصعيدي ضد الجمارك    في محراب النفس المترعة..    سارة قاسم: الإصلاح منح المرأة مكانتها ورسخ حضورها في مختلف المستويات    الوزير البكري يطلع على استعدادات فريق تضامن حضرموت لبطولة كأس الخليج للأندية    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    مدير عام المنصورة يؤكد على الاهتمام بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة    سلطة بن الوزير تفشل في الإستفادة من الشمسية الإماراتية والانقطاعات تتضاعف    الأربعاء الدامي في صنعاء .. جريمة حرب وفاشية جديدة في استهداف الصحافيين    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    الداخلية : ضبط 161 متهما بينهم مطلوبون أمنياً في محافظة اب    مجلس الأمن يجدد التزامه بوحدة وسيادة واستقلال اليمن ويدين احتجاز المليشيا موظفين أممين    العلامة مفتاح يواصل زياراته التفقدية للوزارات    الاطلاع على أضرار السيول بالجدار الساند لحي وطن في مديرية السدة    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    مدير عام مديرية البريقة يتفقد عدداً من مناطق المديرية    محافظ حضرموت يبحث مع أورتسلا صيانة محطات الكهرباء    شرطة الممدارة تستعيد حافلة مسروقة وتضبط المتهمين    مستشار الرئيس الفلسطيني: دماء أطفال غزة أحيت الضمائر    سريع يعلن عن عملية عسكرية بصاروخ انشطاري متعدد الرؤوس    القبض على متهم بجريمة قتل والشروع في قتل رجل وامرأة    ضغوطات سعودية على الانتقالي تثمر في تحييد البحسني والمحرمي    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    حين احتملنا ما لا يحتمله جبل    مجلس الأمن يدين الهجوم الإسرائيلي على الدوحة و يؤكد دعمه القوي لسيادة قطر    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    توقف مصنع سجائر محلية الصنع وسط انتشار انواع من السجائر المهربة    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    مركز الهدهد يدين العدوان الصهيوني على المتحف الوطني بصنعاء    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبوءة شاعر: إياك يا شعب الجنوب أن "ترتبش"(1)!
نشر في حياة عدن يوم 31 - 05 - 2012

أقرأ باستمرار ما تيسر من أشعار الشاعر العملاق شائف الخالدي الذي جمعت كافة أعماله الشعرية بمساعدة أسرته وأصدقائه وهيأتها كاملة للنشر وأصدرت بعض منها خلال السنوات الماضية.. وأجد كل يوم بين أبياته الشعرية ما يكشف عن حدس الشاعر وتنبؤه بكثير من مسارات ونتائج الأحداث التي اثبتت الأيام صحتها...
أقف اليوم في محطة من محطات النبوءة في شعر هذا المارد المخضرم , الذي طمح ان يرى وحدة حقيقة طالما ناضل من أجلها وصلى في محرابها .. لكن انتكاستها والغدر بها وبصناعها الحقيقيين في حرب اجتياح الجنوب عام 94م جعلت الشعب الجنوبي يرفض ما نتج عن تلك الحرب من انقضاض على الوحدة الحقيقية وتحويلها إلى وحدة غنيمة وفيد وضم والحاق ونهب لثروات الجنوب وطمس هوية شعبه وتاريخه .. وهو ما عبر عنه شاعرنا بوضوح منذ وقت مبكر, فقد عز عليه (عسكرة) مدينته عدن وهو يشاهد جحافل العسكر والمدنيين القادمين عقب الاجتياح المشؤم صيف 94م يعبثون بأمنها ويتجولون بالرشاشات في شارعه الأثير (السوق الطويل) الذي لم يألف مثل هذه المناظر الغريبة التي تتعارض مع قيم المجتمع المدني الحضاري الذي تمثله مدينته عدن.. فذكَّر هؤلاء العابثين بأمن وطمأنينة عدن والجنوب كيف كانوا فيما مضى يدخلون بسلام آمنين بعد أن يتركون (جنابيهم) خلفهم في كرش وديعة حتى عودتهم إياباً.. لا أن يدخلوها مدججين بالسلاح ويعبثوا بأمنها وطمأنينتها كما كان حالهم بعد نصرهم الموهوم.. يقول الخالدي في زوامله التي نظمها عقب حرب 1994م منتقداً تلك السلوكيات الغريبة:
طالت سُبُلْكُمْ يا الفروخ المُنْتَهِشْ


واصبح لكم داخل عدن قاله وقِيْل
كُنتوا تحطُّون الجَنَابي في كِرِشْ


واليوم رشاشات بالسّوق الطويل
دار الفلك يا سُوسة الحَبّ النَّخش


حَبِّي ذهب ذي كُنت أكِيْلهواسْتَكِيْل
والبُرْ أصْبَحْ ذي بمخزاني "فِنِشْ"(2)


جابوا بديله بُرّ ما هو شيبديل
طَعْمَهْ سُقطري مُرّ مَاهَلْ مَنْ حَوَشْ


با يقْبَلَهْ مَغْصُوب والفاقهقليل(3)
إن شاعرنا يتحسر على دوران الزمن, وتبدل الأحوال نحو الأسوأ للأسف الشديد.. ومع ذلك فأنه لم يفقد الأمل أو يرضخ للأمر الواقع أو ينكسر معنويا أو نفسياً.. وهذا قمة الانتصار.. لأن الهزيمة النفسية تفقد المرء بارقة الأمل, وتجعله خانعاُ ذليلاً.. لا حول له ولا طول ..يتقبل الظلم والجور الواقع عليه دون أية رد فعل.. وكأن ما حدث له قدر منزل من السماء.. وليس من صنع بشر غدروا بالعهود والمواثيق الوحدوية .. وهذا ما أدركه شعبنا الأبي الذي تقبل نتائج الحرب الظالمة مكرها وامتص مرارتها بصمت.. لكنه لم يذعن أو يستكين لها, بل أخذ يتطلع إلى يوم الخلاص والفكاك من هذا الوضع الذي لا يمت إلى (الوحدة) بصلة.. بل وأي وحدة بقيت بعد غزو واجتياح الجنوب واستعماره بشهادتهم بعد اختلافهم ..وها هو شاعرنا يحث شعبنا على الثبات وعدم الارتباك.. لأنه صاحب حق وقضية عادلة لن تضيع.. يقول في وصيته التي اختتم بها زوامله السابقة عام 94م:
إيَّاك يا شعب الجنوب أن تَرْتَبِشْ


شُفها مراحل مثلما عابر سبيل
ما حَدْ بها دائم على حِيْلِهْ وغَشْ


لوَّل رحل وآخر مُراعي للرحيل
ما أروع هذه الكلمات المجلجلة والمدوية التي خرجت من فوه هذا العملاق في وقت مبكر كان فيه شعبنا يلملم جراحه ومعاناته من هول الصدمة الكارثية التي حلت به.. إنها نبوءةتجلت فيها فراسة شاعر حكيم رأى في (نصرهم) المزعوم حينها هزيمة قادمة لا محالة, وشبهه بسحابة صيف عابرة.. ستزول حتماً لأن ما بُني على الغش والحيلة والاحتيال مصيره الزوال, مهما طال به المآل..
وبعيداً عن الاجتهاد في المسميات, فلا يمكن لأحد أن يغفل حقيقة تاريخية وهي أن دولتين هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية أعلنتا وحدة سلمية طوعية بينهما في 22مايو 1990م, دون إشراك أي من الشعبين, ولم يمر العام الأول حتى كشف النظام الأسري القبلي في صنعاء عن نواياه للاستئثار بها والتخلص من الشريك المبادر في تحقيقها, فأضاع بذلك فرصة تاريخية نادرة لمشروع (وحدة سلمية) كان ينبغي أن تكون مناراً لوحدة عربية شاملة من المحيط إلى الخليج.. لكنه قضى عليها في مهدها في حرب ظالمة غاشمة وأفقدها بذلك أهم شروط ومقومات بقائها.. ومن غير المعقول استمرار الوحدة كما هي أو فرض بقائها بالقوة, على شعب أرادها سلمية وطوعية, فغُدر به وبوحدته.. وأي تفكير بفرض (الوحدة بالقوة) مجدداً على شعبنا الجنوبي جريمة لا تقل ضرراً عن حرب الاجتياح الظالمة.
وختاماً..ما أحوجنا اليوم للتمسك بصرخة شاعرنا تلك..إياك يا شعب الجنوب أن ترتبش..فما ضاع حق وراءه مطالب.. وحق شعبنا بيِّنٌ واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.. وعليه أن يعض عليه بالنواجذ.. وأن يواصل نضاله السلمي المشروع حتى بلوغ هدفه المنشود .. وعلى قوى الحراك الجنوبي بمختلف مكوناتها وأطيافها وقياداتها في الداخل والخارج أن تتجاوز خلافاتها الثانوية وأن ترتقي إلى مستوى مطالب الشعب, وأن لا تقدم مجتمعة أو منفردة على اتخاذ أي قرار مصيري دون الرجوع إلى استفتاء الشعب الجنوبي صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيره وتحديد خياراته.. حتى لا نكرر الغلطة التاريخية المتسرعة والمتهورة التي أقدمت عليها قيادة الحزب الاشتراكي اليمني فكانت وبالاً عليها وعلى شعبناالجنوبي..ما نزال ندفع ثمنها حتى اليوم...وإيَّاك..إيَّاك يا شعب الجنوب أن ترتبش !
1 ترتبش: ترتبك, وتختلط عليك الأمور. (الزوامل من ديوان الشاعر شائف الخالدي: زوامل شعبية).
2 فنش: منتهي(من الانجليزية).
3 سقطري: يقصد الصَّبر السقطري. الفاقة: الرغبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.