أن موضوع الجنوب .... يبدو على السطح بسيطاً وواضحاً ولكنه في العمق معقد مثل كرة من الخيوط التي تداخلت أطرافها .... فالجنوب قد طحنته حملات السلطة وحربها الضروس ضد الجنوب .... فتشاهد هياكل الدمار ما زالت ماثلة ي بعض القرى والمدن الجنوبية , ومقابل هذا المنظر الإنساني يبرز منظر الشمال وهو يشيد العمارات الشاهقة ويقيم الكباري الممتدة ........ وأن نتائج الهيمنة الشمالية وفرض الوحدة بالقوة ولدت الإحساس بالغبن لدى الجنوبيين وهواجس الخوف مما أضعف الشعور بالوحدة عند الجنوبيين وولد الإحباط الدائم والكبت لقلة تكافؤ الفرص بين الشمال والجنوب , والذي يحدّق اليوم في عيون الجنوبيين سيرى في عيون الجنوبيين الحزن واليأس الذي رافق وحرَّك أبناء الجنوب في كل احتجاجاته على مر ست سنوات , وهذا الحزن واليأس جزء من حسرة وندم على تحقيق الوحدة وقلق على المستقبل ..... وبقية هذه العقدة من الوحدة في صميم الإنسان الجنوبي نفسه , وداخل نسيجه الذي صمد في مراحل الهجمات الشرسة ولاحقته الرصاص ..... وهناك جيلاً شاباً يتحسر على اثنين وعشرين سنة من حياته لا يعرف كيف مرت عليه . فنحن أبناء الجنوب عندما رأينا الثورة الشبابية التي تبناها أخواننا في المحافظات الشمالية ضد النظام السابق تضامنا معهم , فهم أحسوا أنهم في ثورة حقيقية لشعورهم بالغياب الطويل لسلطة القانون , ويستطيعون من خلال هذه الثورة أن يبلورون أعادة صيغة الوحدة حسب مفهومهم ......فثورة أبناء الجنوب طيلة ست سنوات لم يتضامن معنا أبناء الشمال . فمن خلال هذا التباين في المواقف أيقن الجنوبيون أن هناك تباين في الحقوق السياسية والاجتماعية بين الشمال الجنوب ورغم تضامن أبناء الجنوب مع أبناء الشمال إلا أنه كانت لهم وجهة نظر من اللاعبين القدامى الجدد هم نفسهم الذين يلعبون بالبيضة والحجر في آن واحد , فهم لا يزالون يمارسون السياسة الشطرية من زاوية الحصول على كل شي وهذا الأمر جربوه أبان النظام السابق فربحوه بقوة السلاح ويريدون اليوم ربحه بواسطة بلاغة الحنجرة السياسية ..... ولا أخفيكم هنا أن هناك تركة مثقلة من المخاوف والقلق والتوتر في نفوس الجنوبيين التي لم تندمل جراحهم ولعل هذا الجرح الذي نزف طويلاً يفيدنا في تطبيب مئات الجروح الشمالية التي تقرحت ....