التظاهر قيمة حضارية يعبر فيها المتظاهرون عن تأييدهم أو اعتراضهم تجاه سياسة أو مواقف سياسية معينة، وهذا ما هو متعارف عليه في كل البلدان التي تسمح بالتظاهر والاحتجاج بالوسائل السلمية المدنية، لكن المتظاهرين لا يمكن أن يسلكوا سلوك البلطجة والسوقية. أقول هذا على هامش ما جرى يوم السبت 29 يناير 2011م، حيث كنا مجموعة من الناشطين السياسيين والبرلمانيين والصحافيين ذكورا وإناثا، انطلقنا من نقابة الصحفيين الواقعة بالقرب من تقاطع شارع الزراعة مع شارع العشرين في العاصمة صنعاء، باتجاه السفارة المصرية الواقعة في شارع جمال، لتقديم التحية للشعب المصري وحركته الاحتجاجية الداعية للتغيير. لم يحمل الناشطون معهم إلا الأقلام وبصحبتهم المصورون ومراسلو الفضائيات ووكالات الأنباء ولم يشهروا هراوة ولم يحملوا عصا ولا بندقية، وعندما وصل المتظاهرون قرب مقر أمانة العاصمة الواقع في قاع العلفي، تقافز مجموعة من المعترضين يهتفون، "علي عبد الله صالح" ثم " بالروح . . بالدم. . نفديك يا علي". لم يأبه المتظاهرون لهذه المجموعة ربما من منطلق أن التظاهر حق للكل ولم يكن ملفتا للنظر أن يهتف الجماعة بهتافات متناقضة مع ما في المسيرة، لكن الغريب أن المجموعة تكاثرت في دقائق واستمر أفرادها في رفع أصواتهم وسيرهم بمرافقة المسيرة الأصلية، لا بل لقد راح البعض يرفع الهراوات والجنابي في وجه الناشطين، وعند نقطة معينة ، عند مدخل شارع جمال الذي كان مغلقا بحزام من رجال الأمن، بدأت المجموعة الطارئة في مهاجمة الناشطين ومطاردة البعض والتهجم على البعض الآخر، والتضييق عليهم والتحرش بالفتيات وقذفهن بألفاظ نابية. في هذه اللحظة كان كاتب هذه السطور قد طلب من رجال الأمن الفصل بين الطرفين وعدم السماح بتحول المسيرة إلى معركة بالأيدي لكن الأمر الغريب أن المجموعة الأمنية لم تتدخل ولم تحاول منع البلطجية من الاعتداء على أفراد المسيرة، بل تركت الطرفين يتنازعان وتقف هي متفرجة، في حين لم يكن في وارد الناشطين الذهاب إلى معركة بالأيدي، بينما كان الطرف الآخر مزود بكل وسائل العراك، واستمر في ملاحقة الناشطين حتى بعد تشتيت المجموعة وملاحقة الفتيات ومحاولة الاعتداء عليهن. البلطجة ليست سلوكا سياسيا، وهي وسائل السوقيين وأبناء الشوارع، وعندما تتحول إلى سلوك للسياسيين فإن هذا يمثل إساءة كبرى للسياسة التي يفترض أنها سلوكا مدنيا راقيا له ضوابطه ومعاييره النبيلة. غالبية الذين شاركوا في الفعالية كانوا يعتقدون أن المجموعة التي اعتدت على الفعالية هم من السوقيين والبلاطجة العاديين، لكن اتضح فيما بعد أن الذين يقودون الجماعة هم عدد من رجال الأمن، وقال لي أحد المشاركين أنه رأى بعض ضباط الأمن الذين اعتدوا علينا عند السفارة التونسية يوم 15/1/2011م بين المعتدين على الناشطين ولكن هذه المرة بملابس مدنية، وهو ما يعني أن طرفا سياسيا وأمنيا هو من رتب هذا النوع من الفعل، وإذا ما تأكد ذلك فإنه سيكون مؤشرا ليس على قوة حضور السلطة وثقتها بما تفعل وإنما على ضعفها وعجزها عن اتباع السبل الحضارية في خوض النشاط السياسي المدني والاستعاضة عنها بالبلطجة والسلوك السوقي. السلطة ليست بحاجة لسلوك البلاطجة لتستعرض قوتها السياسية وتتصدى لنشاطات المعارضين لها، فهي تقيم المهرجانات الحاشدة وتحشد لها آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين رغما عن رغبتهم، وتحرض موظفي الدولة وأفراد المؤسسات العسكرية والأمنية ضد المعارضين مصورة إياهم على أنهم أعداء للوطن، فلماذا تلجأ للبلاطجة وتحرضهم ضد الفعاليات التضامنية وتمنع رجال الأمن من حماية النشطاء من هذه البلطجة والسوقية؟ إنه الانحدار بالسلوك السياسي إلى قاع السوقية، وهو ما يسيء إلى أصحابه قبل أن يسيء إلى المستهدفين منه وهو في كل الأحوال ليس علامة قوة لمن يسلكه بل إنه دليل ضعف فضلا عن إنه دليل على افتقاد صاحبه لأخلاقيات السياسة وشروطها النبيلة. برقيات: * لا أحد يمكن أن يمنع أي مجموعة من تنظيم مسيرة أو مهرجان، لكن الغريب أن ترسل السلطة بلاطجتها لتنظيم مسيرة ومهرجان في نفس زمان ومكان الفعاليات التي يقيمها المعارضون، وهو ما حصل يوم الخميس الماضي عندما ذهب متظاهرون باسم المؤتمر ليقيموا فعالياتهم في نفس مكان وزمان فعاليات اللقاء المشترك، وهذا دليل ضعف لا دليل قوة لدى السلطة. * إلى السيد رئيس جهاز الأمن القومي: ما دام رجالك مضطرون للجوء إلى البلطجة، أرجو أن تعلموهم بأن التعرض لأعراض وأرواح الناس فيه مسئولية جنائية ومساءلة قانونية، وهذا السلوك يمثل جرائم لا تسقط بالتقادم.
span style=\"color: #800000\" رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني.