الوحدة قيمة إنسانية ووطنية ودينية جاءت لتحقيق العدل والمساواة ولتوحيد بلدين مزقهم التشطير سنوات عديدة والارتقاء بهما في إطار دولة وطنية واحدة تحقق تطلعات الشعب وأمانيه في الحرية والديمقراطية والتقدم. السلطة بما هي أداة يفترض أنها حاصلة على تكليف من الشعب لحمل هذا المشروع الوطني الكبير وإنجاز كافة الأسباب التي تتعلق بالحفاظ عليه مصان وبعيدا عن النزوات الفردية والرغبات الطائشة بما يحفظ حق الشعب في العيش موحدا وسالما من كل أذى. وإذا ما سلمنا واقعا بأن الوحدة قيمة ومشروع كبير والسلطة أداة لحمل هذا المشروع والحفاظ عليه بما يلبي رغبات وتطلعات الشعب لا رغباتها هي أو الفرد وإذا ما قمنا بعمل مقاربة بين النظري والعملي الواقعي فإننا سنكتشف بلاشك أن الأداة التي يفترض أنها كلفت القيام بهذه المهمة فشلت فشل ذريع في إنجاز مهمتها على أكمل وجه وليس عيبا أن تعترف بذلك عوضا عن المكابرة. ومع مرور الأيام تزداد الأدلة والبراهين على هذا الفشل حتى غدا استمرارها منفردة في هذه المهمة أشبه بالانتحار تقود نفسها وتقودنا إليه إن لم يكن وجودها أصلا من أساسه أصبح مشكلة بحد ذاته فيما هي تحاول تصديرها للآخرين من دون وعي وإدراك لحساسية المرحلة وتعقيداتها. الكثير من المشروعات والأطروحات التي تقدم وتطرح بين الحين والأخر هي في جوهرها تعالج قضيتان هما قضية الوحدة وقضية السلطة والمعروف أن المعالجة لدينا ما تزال تبحث في أسباب الفشل والإخفاق لتخلص إلى العلاج المناسب والناجع للمشكلة القائمة هذا على الرغم من أن الشباب اليوم"القوة الثالثة" قد خلصوا إلى حل بعيد كل البعد عن ما تطرحه (النخب) يقضي بإزالة أو بتر السلطة أو النظام الحاكم تماما ويتبلور في صورة الفعل (أرحل) باعتباره علة جسد البلاد المنهك. ولما أصبح هم اليمنيين اليوم بعد ظهور وتنامي دعوات الانفصال في الجنوب هو كيفية إنتاج الحلول العملية للحفاظ على الوحدة فإن نقدهم وغضبهم سيتوجه حتما إلى الأداة الحاملة لها وهي التي تثبت الوقائع أنها تعيد إنتاج نفسها بكل مساوئها وأكثر حتى في أحلك الظروف وأعقدها بعيدا عن تطلعات الجماهير وإنما بوسائل القوة والمال التي أثبتت فشلها غير بعيد في كل من مصر وتونس. إن تجريب المجرب خطأ ثبت نظريا وعمليا وتاريخيا ولما تحاول الأداة الحاملة لمشروع الوحدة الدفاع عنه بالقوة أو بمزيد من الاستحواذ والإقصاء للشركاء فيه وفي الحياة السياسية والحزبية ضنا منها أنها بذلك تحقق تطلعات الجماهير وتدافع عن همومهم المشتركة فإنها في الأخير ستصل بنا إلى نتيجة حتمية هي أنها تحفر القبر للجميع إن لم يتنبه الشعب لذلك وينتفض ليجعل القبر لها وحدها أو لينقذ السفينة بجميع ركابها من الطوفان. دعونا نكون أكثر تفاؤلا من غيرنا ونتحلى بقدر من الصبر سواء كنا في الشارع أو على كراسي السلطة ونبدأ جميعا في العمل على أيجاد مخارج سلمية للمشكلة والعمل على خلق أداة جديدة إن كان ما يزال ذلك ممكنا فعلا عبر الحوار على أن تتوافر فيها كل العوامل والشروط المؤهلة للانتقال بمشروع الوحدة من وضعه الكسيح والجامد إلى وضع أخر أكثر ديناميكية قادر على التفاعل والمشاركة والحركة وحمل تطلعات الناس وأمالهم صوب المستقبل الذي ينشدوه فضلا عن تحديد الأولويات للمستقبل أو إعادة ترتيبها والتي يفترض أن تتقدم للعمل ضمن هذا المشروع وفي إطاره وتساهم في تقويته و الحفاظ عليه أقول ذلك وأنا أعي جيدا أن ما حدده ونطق به أبناء الجنوب سواء في الحراك أوخارجه قبل سنوات من أنه لا أمل في الإصلاح في ظل هذا النظام وحددوا موقفهم منه سلفا أصبح يتردد صداه الآن في شوارع تعز وأمانة العاصمة وربما غدا في إب وذمار والحديدة.. حتى يجد النظام نفسه محاصرا من جميع الجهات فيقع فريسة للغرور والتعالي والقوة الكاذبة والأوراق المحروقة التي يحاول اللعب بها في وقت عصيب وحساس. إن عدم إذعان النظام لصوت العقل واستمراره في توظيف الأدوات القديمة في ظل موجة الغضب التي تجتاح الشارع العربي وهبوب رياح ثورات التغيير القادمة من تونس ومصر وما بدأ يتبلور خلال الأيام الماضية في كل من محافظات تعز وعدن وصنعاء من فعل شبابي ثوري سيؤدي لا محالة إلى فرز حقيقي وحتمي في صفوف الشعب في الشمال قبل الجنوب وسيكون عليهم أن يختاروا إما الأداة (السلطة) التي ترفض كل الحلول وتقف عقبة كأداء أمام التغيير وإما (الوحدة) وهو مشروعهم الكبير الذي حلموا به وتطلعوا من خلاله إلى تحقيق الشراكة والعدل والمساواة والعيش الكريم. وبعيدا عن خطاب التجزئة الذي ينبغي أن يسود عليه اليوم خطاب التغيير الشامل في صورة الشعار(أرحل) أو ما يضاهيه فإن الشعب في الجنوب والشمال أصبح يوحده اليوم هم واحد وهو إيجاد دولة حقيقية قائمة على الشراكة والعدل والمساواة في ظل نظام مدني ديمقراطي ونظام اقتصادي يراعي مصالح الجميع بالعدل والتوازن بين الطبقات ومن حق بعض أعضاء الفيس بك أن يحلمون أيضا (بعدن كعاصمة لليمن) وهذا حق وحلم مشروع فعدن قبلة المدنية والتحضر على مر العصور والأزمان وهي مهيأة اليوم لتقود قاطرة التغيير والتحول على امتداد اليمن. هذا التلاحم والتطلع الذي يسود سيفقد السلطة أو النظام الحاكم مناصريه مع مرور الوقت وسيقوده التعنت والمكابرة إلى نفس المآل الذي وقع فيه غيره وستصبح فزاعات الخوف التي يطلقها على الوحدة وسلاح البلطجية لكبح جماح الجماهير نوعا من الترف وأتصور أن الجيش وأفراد الأمن إذا ما استمرت الاحتجاجات والتظاهرات هم أول من سيتخلى عنه مستفيدين مما حدث في مصر وتونس لأن بقاء الوضع كما هو عليه يعد هو التهديد الأكبر للوحدة وليس غيره وبالتالي فإنه من المنطقي أن ينتصر أبناء الشعب اليمني لوحدتهم بدل الانتصار لفرد أو أسرة تريد أن تستأثر بكل شيء متجاوزين من يريد الزج بهم في حروب أهلية لا طائل منها لذلك فإن الثورة أو اللحظة التاريخية كيفما كانت ورغم استثنائية الوضع في اليمن ستظل سارية المفعول لديهم لأنها الخيار الأنسب في تبديد الخطر والتهديد الذي يواجه المشروع الوطني مهما كانت الكلفة.