span style=\"font-size: medium;\"هل الحضارة تراكم تاريخي .. أم أنها واقع حياة قائمة وحسب ؟ كثير من المؤرخين يتحدثون عن حضارات سادت ثم بادت ، على اعتبار أن كل حضارة لها عمر زمني ، أو بالمصطلح التجاري تاريخ صلاحية ، ما تلبث بعده أن تتلاشى وتضمحل لتكون مجرد شيء من التاريخ ليس أكثر ، ولتنقطع صلتها بما بعدها .. لكن الشعب اليمني له رأي آخر في هذه المسألة ، هذا الشعب الذي انطلقت منه أولى الحضارات الإنسانية منذ فجر التاريخ قبل أن تختفي لتنضوي تحت عنوان الحضارات التي سادت ثم بادت ، وليعود هو إلى حمى القبيلة ، وإلى حمل السلاح نتيجة مراحل التجهيل التي عصفت به بعدها ، وبعد أن كان من أسبق الشعوب للدولة المركزية والشورية ، ووصول المرأة إلى سدة الحكم (بلقيس)، و(أروى الصليحي) ، هذا الرأي أفصح عنه الشعب اليمني عملًا لا قولًا خلال ثورته على نظام علي صالح .. عندما استرد كل ميراثه الحضاري لينظم ثورة أقل ما يمكن أن توصف به .. أنها من أقل الثورات العربية دموية ، وأكثرها سلمية قياساً بحجم قطع السلاح التي تكتظ بها منازل اليمنيين ، وقياساً بحضور القبيلة كسلطة ، ومن ثم تراكم منتجات عهود مظلمة من الفقر والتخلف ، وغياب معظم ملامح البناء الحضاري . أكثر المراقبين كانوا يراهنون في مستهل قيام الثورة اليمنية على إمكانية استمرار نهجها السلمي ، وعلى قدرة هذا الشعب على كظم غيظه ، ومن ثم الانجرار باتجاه استخدام السلاح الذي يقع في متناول يده ، وربما الدخول في أتون حرب أهلية دامية ، لكن اليمنيين خيبوا كل تلك الظنون عندما استطاعوا أن يقودوا ثورتهم طوال كل هذه الأشهر ، وحتى الآن على ألأقل ، بأقل قدر من الخسائر ، وصولا إلى الاتفاق على نقل السلطة من خلال المبادرة الخليجية التي وقعت مؤخراً في الرياض .. صحيح سالت هنالك دماء شوهت بعض ملامح هذه الثورة ، لكنها ورغم مأسويتها تبقى في حسابات الواقع دون مستوى ما كان يُعتقد أن يحدث في اليمن ، وهو الواقع الذي ناهز حد اليأس .. وجعل من اعتلاء سدة السلطة في اليمن أمرا موازيا لامتطاء الليث كما كان يقول الشاعر اليمني أحمد منصور : قالوا أتطمع في حكم البلاد غدا ... فقلت لا أبتغي صنعا ولا عدَنا فأتعس الناس في الدنيا وأنكدهم ... من يمتطي الليث أو من يحكم اليمَنا وهو يصور المدى الذي بلغه اليمن من الظلمة نتيجة حقب طويلة من الانقطاع عن موروثه الحضاري ، إلى درجة الزهد في السلطة إلا من قبل بعض المتسلطين ، قبل أن يعود مجددا ويثبت للعالم عبر ثورته أنه رغم كل ما مرّ به من السواد .. إلا أنه قادر على استرداد كل أمجاده التاريخية البيضاء سلوكاً وعملًا ، وليؤكد أنه لا يزال يرتبط معها بحبل السرة ، لهذا أقول : ليست توكل كرمان وحدها من يستحق جائزة نوبل ، فشعب اليمن كله يستحقها وأكثر ، هل قلت لكم : إنني مبهور بهذا الشعب ، هذا ما أريد أن أقوله.. span style=\"color: rgb(0, 0, 255);\"* الرياض