تفكيك عبوة ناسفة إلكترونية لشبكة تجسس صهيونية غرب طهران    رئيس الوزراء يناقش مع وزير العدل مستوى تنفيذ خطة الأولويات العاجلة    قائد أركان كتائب القسام يثمن الموقف اليمني المساند لغزة وفلسطين    عن "حروب الانهاك والتدمير الذاتي واهدافها"    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 21 يونيو/حزيران 2025    الصهاينة يشكون التكتيكات الإيرانية ويصفونها بحرب استنزاف    اسرائيل تعلن مقتل قيادات عسكرية ايرانية وخوض اكثر الحروب تعقيدا وفيدان يؤكد انها تدفع المنطقة الى كارثة    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين حروف الرازحي.. رحلة الى عمق النفس اليمني    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    هل أعداء الجنوب يلبسون طاقية الإخفاء    الأرصاد يتوقع هطول امطار على بعض المرتفعات ورياح شديدة على سقطرى ويحذر من الاجواء الحارة    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    ترحيب حكومي بالعقوبات الأمريكية الجديدة على شبكة تمويل وتهريب تابعة للمليشيا    شبكة حقوقية تدين إحراق مليشيا الحوثي مزارع مواطنين شمال الضالع    نكبة الجنوب بدأت من "جهل السياسيين" ومطامع "علي ناصر" برئاسة اليمن الكبير    علي ناصر يؤكد دوام تآمره على الجنوب    بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر    العميد بن عامر يعلق على طلب الكيان من الخليج بدفع فاتورة الحرب    حشوام يستقبل الأولمبي اليمني في معسر مأرب    بقيادة كين وأوليسيه.. البايرن يحلق إلى ثمن النهائي    الأحوال الجوية تعطل 4 مواجهات مونديالية    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    هذا أنا .. وفي اليمن روحي    إخماد حريق نشب بمنزل بمنطقة حدة    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    قبل أن يتجاوزنا الآخرون    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    كارثة كهرباء عدن مستمرة.. وعود حكومية تبخرّت مع ارتفاع درجة الحرارة    اختتام ورشة إعداد خطة العام 1447ه ضمن برنامج سلاسل القيمة في 51 مديرية نموذجية    اعمال شغب خلال مواجهة الاهلي المصري مع بالميراس واعتقال مشجع أهلاوي    الذهب في طريقه لتكبد خسائر أسبوعية    المبرّر حرب ايران وإسرائيل.. ارتفاع أسعار الوقود في عدن    خسائر معهد "وايزمان" نحو اثنين مليار شيكل جراء القصف الإيراني    بوتافوجو يفجر كبرى مفاجآت المونديال بإسقاط سان جيرمان    ميسي يهدد عرش رونالدو العالمي    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    نتائج الصف التاسع..!    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    كأس العالم للاندية : ميسي يقود انتر ميامي لفوز ثمين على بورتو    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العم حسان ... مات
نشر في حياة عدن يوم 06 - 06 - 2012

الحاج حسان أخيرا أسعف إلى مستشفى حكومي لمرض طارئ ألم به، لم يستطع شراء ما وصف له من دواء تدهورت صحته ومات.
نعم هو نفسه العم حسان كما يطلق عليه رفاقه بلغ ال ( 60 ) من العمر لكن من يراه ظن انه تجاوز ذلك بكثير، تماما مثل معظم اليمنيين، كان مقطوع من شجرة، كما نطلق لمن لا أسرة له، ويكتفي بوجبة بسيطة واحدة ينتزعها بكده وعرقه، و غرفة حقيرة لا يمتلكها يأوي إليها ليلا.
كان يمضي نهاره وليله مابين عمله غسل الخضروات عند بائع للخضار في الحي الذي يسكن فيه، مقابل بضع ريالات لا تفي لوجبه بسيطة واحدة، وبين مذياع صغير ممسكا به قرب أذنه، ينقل إليه كل أخبار الوطن ابتداء من حالة الطقس وأسعار السلع إلى اجتماعات الحكومة و ( منجزات السلطة ) حتى كان النشيد الوطني أعذب عنده من موسيقى ( موزارت ).
كان لا يقرا ولا يكتب لكن باستطاعته أن يسرد لك التاريخ اليمني وجغرافيته.
عندما وصل إلى المستشفى أدرك فعلا بأنه مقطوع من شجرة غريب في وطن، حيث كان كل شي يخبئ تحت سترته شبح الموت، ابتداء من تذمر الأطباء إلى أنين المرضى إلى محتوى روشتة العلاج الذي لا يملك ثمنه، إلى بؤس المستشفى وخدماته، تذكر انجازات حكومته في المجال الصحي عندما كان يسمع ذلك من خلال مذياعه، ولم يرى الآن إلا أضغاث أحلام.
نصحه احدهم برفع مناشدة عبر الصحف لفاعلي الخير لمساعدته في تكاليف علاجه، وكان ذلك بمثابة سهم صوب إلى قلبه، زاده حسرةًً وألماً، وأغرورقت عيناه بالدموع، وبصمت بدا كأنه يعيد شريط عمره المثقل بالمعاناة .
لم يَدُرْ في خلد العم حسان أن الوطن الذي أمضى جل عمره في خدمته، والاطمئنان إلى أخباره كل ليلة، وحفظ تاريخه وجغرافيته، والاستماع إلى ( انجازاته ) وأناشيده الوطنية، ها هو في الأخير يستسمحه عذراً أنه لم يستطع أن يوفر له حقنه مضاد أو قرص دواء و ربطة شاش. وها هو ينزع منه الحياة بعد ما نزع عنه الصحة بسبب الفقر.
أي وطن هذا أحبه عم حسان وتخلى عنه الآن، ولم يبق لديه إلا استبداله بمناشدة لفاعلي الخير، وطن لم يستطع توفير حقنة دواء له تخفف عنه الألم وتساعده على النهوض من جديدٍ.
بل أي مفسدً في الأرض أراد بذلك العمل انتزاع الوطن من قلب عم حسان ، وهو الذي عاش متيماً به، وإن سكن في غرفة حقيرة، أو كانت وجبته ( الروتي والشاي ).
نعم عم حسان عجز عن شراء دواءه مثله مثل الكثيرين ومات بصمت، وروشتة علاجه مازالت في جيبه المهترئ إلا من بضع ريالات لا تفي بحقنة واحدة.
عم حسان لم يطلب أكثر من العلاج في مستشفى حكومي مع أن حقه أكثر من ذلك، ولكن قدره أن يموت في وطن فاخر فيه كثيراً باعتباره ( وطن الإيمان والحكمة والمنجزات ).
هكذا إذاً يفعل الفساد المستشري وأكثر، ويصبح الإهمال والتسيب سيِّدا الموقف، ويصبحان عناوين رئيسية لمرافق خدمية تتعلق بحياة المواطن صحته وتعليمه وغذائه، وخطة ممنهجة، لم يقتلا فقط العم حسان وغيره، ولكن قد يغتالا أيضا الولاء والانتماء.
لا أبالغ ولا أتحدث عن مأساة مقتطفة من رواية البؤساء، مع إن الأمر يفوق ذلك، أنها حالة من عشرات الحالات، موجودة بيننا يقتلها العوز والإهمال وتدني الخدمات، إنهم ضحايا دولة شعارها الموت لمن لا يمتلك قيمة علاجه وغذائه.
مات عم حسان رحمة الله عليه وهو لم يَدْرِ من ( قاتله )، وبقيا مؤشر مذياعه الحزين كما كان عليه، على ضفاف وطن، عاش محباً له، وقلب له ظهر المجن.
مات العم حسان ولسان حاله يقول ( بلادي وان جارت عليَّ عزيزة )، وكفَّنَهُ فاعل خير أيضا.
أعجب كثيراً لذاك الفارق المذهل مابين عم حسان الذي لم يجد قيمة دوائه ومات بصمت وبين فاسد يسرق المليارات من قوت الفقراء والذي كلما عطس توجه لأكبر مشافي أوربا للفحص والاستجمام.
بين من أحب وطنه واخلص له ومات متيما به وكفّنَهُ فاعل خير، وبين من يختلس مليارات الوطن ويبيع ما على الأرض وما في جوفها بيعة سارق ويعلق له النياشين، وتعطى له الأوسمة وفقدانه خسارة على الوطن والشعب .
مات العم حسان وهو غير مستوعب ، إن المساواة وهم ، والتامين الصحي خرافة ، وحقوق الإنسان دعاية للاستهلاك الداخلي والخارجي .

لا ادر حتى اللحظة من قائل ( من لا بيت له لا وطن له ) ولكن بالتأكيد ستكون لمرء أدرك أخيرا أن الوطن الذي لا يوفر ابسط المتطلبات الضرورية لأبنائه ، سكنهم وعلاجهم ، غذائهم وتعليمهم ، ممكن نسميه أي شي آخر إلا وطن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.