البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    سالم العولقي والمهام الصعبة    يافع تودع أحد أبطالها الصناديد شهيدا في كسر هجوم حوثي    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    لليمنيّين.. عودوا لصوابكم ودعوا الجنوبيين وشأنهم    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    نصف الراتب المتعثر يفاقم معاناة معلمي وأكاديميي اليمن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل بدأت مرحلة ما بعد عبد الله صالح؟
نشر في حياة عدن يوم 09 - 03 - 2010

span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن
الهدنة التي تم التوصل اليها قبل شهر في شمال اليمن صامدة، وهي السادسة من نوعها بعد ست جولات قتالية بين الحكومة والحوثيين. وفي الوقت الذي يلملم النازحون عائلاتهم ويضمد المصابون جراحهم، يتركز الاهتمام الحكومي والاغاثي على اعادة اعمار ما تهدم من صعدة وسط سؤال كبير: هل تستطيع الحكومة معالجة الأسباب الحقيقية التي فجرت الحرب المتواصلة (على تقطع) منذ خمس سنوات، أم أن الهدنة الجديدة ستكون كالهدنات السابقة، فاصلاً بين حربين؟
العارفون يقولون ان المقاتلين الحوثيين لا يملكون خيارات أخرى باستثناء الموافقة على وقف اطلاق النار، لأنهم استنزفوا مخزونهم المادي والمعنوي، وسوف يوظفون الهدنة الجديدة في اعادة تجميع قواهم، والحكومة من جهتها تعرضت لضغوط اقليمية وأخرى دولية من اجل وقف القتال في مؤتمر لندن الأخير، بعدما تبين أن الحرب تراوح مكانها في ما يشبه الاستنزاف.
وقد بدأت الهدنة عندما وافق الحوثيون على ستة شروط تتمثل في الانسحاب من المباني الرسمية، اعادة فتح طرقات الشمال، اعادة الأسلحة المصادرة من الجيش وقوات الأمن واطلاق سراح السجناء العسكريين والمدنيين (بمن فيهم السعوديون) والتعهد بعدم مهاجمة الاراضي السعودية والانسحاب من المواقع الجبلية. وهكذا توقف حمام الدم، واعيد تشغيل مطار صعدة، وبدأ تفكيك حواجز الطرق... لكن النازحين ظلوا نازحين وقد ينتظرون اشهرًا او سنوات قبل ان تنتهي الفتنة، بعدما فقدوا ديارهم وسبل عيشهم، وهذا يعني ان 250 ألف نازح ومشرد سيظلون يعتمدون على المساعدات الانسانية في انتظار ان يلوح حل سياسي واضح في الافق.
span style=\"color: #800000\"نعود الى السؤال: هل تستطيع الحكومة اليمنية معالجة أسباب الحرب الحقيقية في العمق ؟
الجواب المحدود التداول هو ان التحديات الاقتصادية التي تواجه يمن علي عبد الله صالح تزيد الاوضاع الامنية والسياسية تعقيدا، وقد تأثرت سلباً كل خطط التنمية، وجهود الحد من الفقر، وخطط التوظيف وتوفير الخدمات العامة، بسبب الروابط الوثيقة بين الاقتصاد والامن والاضطرابات الداخلية والعنف الذي اضر كثيراً بسمعة اليمن باعتباره يوفر فرصا للاستثمارات الخارجية.
وما هي التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها اليمن؟
span style=\"color: #800000\"نقرأ في دراسة وضعها فريق عمل من مؤسسة كارنيغي (تقع في 35 صفحة):
لايزال اليمن أفقر بلد في العالم العربي. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانه في العقدين المقبلين إلى مايزيد على 40 مليون نسمة. هذا التوسع السريع في عدد السكان الذين يزدادون فقراً، سيفرض ضغوطاً لا تُحتمل على الحكومة. فالحرب الأهلية الدائرة في صعدة ضد المتمردين من الطائفة الزيدية الشيعية، والحركة الانفصالية المتجددة في الجنوب، وعودة ظهور تنظيم القاعدة، كلها أمور تهدد الدولة اليمنية. وفي حين أن أياً من هذه التحديات لم يتحوّل بعد إلى تحدّ خطير، إلا أنها ستتقاطع كلها عشية الانتخابات الرئاسية في العام 2013 ، في الوقت الذي يكون فيه اليمن في حاجة إلى معالجة مرحلة انتقالية وشيكة في الزعامة السياسية. وفي خضم الاحداث السياسية الدرامية الداخلية، والحدود التي يسهل اختراقها، والسكان المدججين بالسلاح، والانخفاض السريع في منسوب المياه الجوفية، والسجلّ الضعيف أو غير الموجود لسيطرة الحكومة المركزية، فإن البلد يُواجه مستقبلاً قاتماً للغاية، ما لم تتّخذ السلطات اليمنية خطوات دراماتيكية اليوم.
إن أي حدث فردي - أوعلى الأرجح تجمّع أسوأ الأحداث التي تتجاوز قدرة الدولة على السيطرة - يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تآكل سلطة الحكومة المركزية في اليمن ويزعزع الاستقرار في المنطقة. ويمكن أن يؤدي نشوب أزمة إنسانية كبرى، ربما بسبب المجاعة الشديدة أو فشل المحاصيل، إلى حالة لاجئين طارئة كبيرة، لن تكون الحكومة قادرة فيها حتى على تقديم خدمات الإغاثة الأوّلية. كما أن اندلاع أزمة في ميزان المدفوعات، لا يعود فيها النظام قادراً على استرضاء المناطق الحضرية التي تحصل على الخدمات الحكومية، سيكون أمراً كارثياً. إن عدم القدرة على تحقيق التوازن بين المصالح والقوى الأخرى المهتمة باليمن في مرحلة ما بعد الرئيس صالح، يمكن أن يؤدي إلى حدوث فراغ في السلطة، مع احتمال أن تصبح المناطق المنعزلة أكثر استقلالية عن الحكومة المركزية في صنعاء.
تضيف: لقد نجا اليمن دوماً من الأزمات في الماضي، لكن هذه التحديات المتشابكة والمُعقَّدة لم يسبق لها مثيل في درجتها ونوعها. وفي حين لا تملك البلاد سوى القليل من الحلول الواقعية لمشاكلها اليوم، إلا أن خياراتها ستكون أقل وأسوأ في المستقبل. وبينما لا يمكن لليمن معالجة أي من هذه القضايا بشكل كامل، إلا أنه يمكنه بالتأكيد التقليل من تأثيرها على الأمن الإقليمي. وعلى أي حال، ازداد ببساطة ثمن التراخي كثيراً، بالنسبة إلى كل من اليمن والولايات المتحدة.
span style=\"color: #800000\"وفي الدراسة نفسها نقرأ:
يُحاصر اليمن هذه الأيام بمروحة من التحديات التي تُهدّد كلاً من استقراره الداخلي والأمن الإقليمي. ولذا، يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التحرّك الآن، قبل أن تزداد الأوضاع تدهوراً، لمساعدة اليمن على مواجهة هذه التحديات. وفي حين نجا اليمن من أزمات في الماضي، إلا أن تلك الأزمات كانت تميل إلى أن تكون أحداثاً استثنائية، بينما المشكلات العديدة التي يواجهها الآن لم يسبق لها سابق في مداها ونطاقها تشمل هذه المشكلات الإرهاب الدولي، والتطرّف العنيف، والصراع القبلي والديني، والنزعات الانفصالية، والتهريب عبر الحدود. أما المحاولات لإقامة حكم وطني فعاّل، فقد أحبطتها الحدود التي يسهل اختراقها، والسكان المدججون بالسلاح، والغياب التاريخي لسيطرة يُعتد بها للحكومة المركزية. ويشكّل اليمن ذو الموقع الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والصومال، جزءاً من منطقتين مختلفتين لكنهما مترابطتان، هما شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي. وهذه الحقيقة غالباً ما تُحبط التحليلات السياسية: فاليمن مُستبعَد من مجلس التعاون الخليجي الثري، لكنه في كثير من الطرق أكثر تكيّفاً من جيرانه في شرق إفريقيا. إذ يمر أكثر من 3 ملايين برميل من النفط عبر ساحل البلاد يومياً من خلال المياه الخطرة، حيث شن الإرهابيون الإسلاميون والقراصنة الصوماليون هجمات بحرية ناجحة عدة، ما يُهدّد بعرقلة التجارة الدولية وتدفّق النفط والغاز الحيوي.
وتتقاطع التحديات الاقتصادية والديموغرافية، وتحديات الأمن الداخلي لتهدّد استقرار اليمن. وتُعد الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الافق في طليعة مشاكل البلد. فالاحتياطي النفطي اليمني ينضب سريعاً، في ظل وجود عدد قليل من الخيارات الممكنة لاقتصاد مستدام في حقبة ما بعد النفط. علاوة على ذلك، يتم حالياً استهلاك الموارد المائية المحدودة في البلد على نحو أسرع كثيراً من تجديدها. وتفرض الزيادة السريعة للسكان الذين يزدادون فقراً ضغوطاً غير مُحتملة على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية. ويتعرّض الأمن الداخلي إلى الخطر من جانب الإرهاب الإسلامي الذي تضخّم بسبب عودة ظهور تنظيم القاعدة، والعصيان المسلّح في الشمال، وتزايد نشاط الحركة الانفصالية في الجنوب.
إضافة إلى ذلك، يفاقم الفساد وغياب سيطرة الحكومة المركزية في معظم أنحاء البلد هذه التحديات، فضلاً عن التغير الوشيك في القيادة السياسية. فقد حكم الرئيس علي عبدالله صالح الجمهورية اليمنية منذ توحيد الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب في العام 1990 . ومن المقرَّر أن تجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2013 . ومن غير الواضح ما إذا كان صالح سيتأهل لخوض الانتخابات المقبلة، لما من شأنها أن تكون فترة ولاية ثالثة، كما ليس له أي خليفة واضحة. وستكون حكومة ما بعد صالح مُثقلة بشكل خطير بسبب تزاوج انخفاض الإيرادات وتضاؤل قدرة الدولة. يعد اليمن أفقر بلد في العالم العربي، ومعدّل النمو السكاني فيه، الذي يتجاوز 3% سنوياً، هو من بين أعلى المعدلات في العالم. والحكومة لم تتمكن من تقديم خدمات تعليمية ملائمة أو غيرها من الخدمات العامة للسكان الذين يتزايدون بسرعة، والذين أكثر من ثلثيهم تحت سن ال 24 سنة، وتبلغ نسبة الأمية بينهم أكثر من 50%. وقد رفع ترنّح الاقتصاد، وضعف تأهيل القوة العاملة معدّل البطالة إلى 35%، وهو ما يوازي المعدّل الذي وصلت إليه في الولايات المتحدة أيام الكساد الكبير. وقريباً، سوف تَحدّ الأوضاع الاقتصادية القاسية في البلاد من قدرة الحكومة على توفير الأموال اللازمة للمحافظة على تماسك البلد. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان إلى 40 مليوناً خلال العقدين المقبلين، وهو الوقت الذي لن يكون اليمن فيه دولة منتجة للنفط، كما أن موارده المائية سوف تتقلّص بشدة.
وكثيراً ما ناقش المراقبون وضع اليمن باعتباره دولة فاشلة، وهذا لسبب وجيه: فنظراً إلى ضعف سيطرة الحكومة المركزية على البلاد، فهي غالباً ما كانت على حافة الفوضى، إلا أنها تمكّنت دائماً من تمرير الأمور. وقد عجّل فشل نظام صالح في دعم قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تدعو إلى استخدام القوة لإخراج القوات العراقية من الكويت في العام 1990 ، في التسبب في واحدة من هذه الأزمات. إذ تمّ خفض المعونات الأميركية والغربية الخليجية العربية إلى حد كبير كخطوة انتقامية، وطُرد نحو مليون عامل يمني من المملكة العربية السعودية. كما أن توحيد شمال اليمن وجنوبه في وقت سابق من العام 1990 والحرب الأهلية العام 1994 التي حاول فيها الجنوب الانفصال، فرض تحديات كبيرة على الحكومة المركزية. لكن، خلافاً لهذه التحديات الفردية، فإن المشاكل التي تواجه البلاد اليوم متعددة ومتداخلة، وكل واحدة منها تمثّل تهديدات خطيرة لمستقبل اليمن، ومن المحتمل أنها جميعاً ستُضمر القدرة المحدودة للدولة.
إن أي حدث فردي – أو على الأرجح تراكم أسوأ الأحداث التي تتجاوز قدرة الدولة على السيطرة - يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تآكل سلطة الحكومة المركزية في اليمن وإلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي نشوب أزمة إنسانية كبرى، ربما بسبب مجاعة شديدة أو فشل المحاصيل، إلى بروز حالة لاجئين طارئة كبيرة، لن تكون الحكومة قادرة فيها حتى على تقديم خدمات الإغاثة الأوّلية. كما أن حدوث أزمة في ميزان المدفوعات، لا يعود فيها النظام قادراً على استرضاء المناطق الحضرية التي تحصل على الخدمات الحكومية، سيكون كارثياً.
عن الحكومة المركزية في صنعاء. لكن، وعلى رغم كل ذلك، يفخر اليمن بكونه مجتمعاً مرناً نسبياً سبق له أن تحمّل كثيراً، بقليل من المساعدة من صنعاء. وفي الواقع، يمكن لتواضع التوقعات في بعض الجوانب، في شأن قدرة الحكومة اليمنية على التعامل مع الأزمات في المستقبل، أن يساعد على التقليل من آثارها المحتملة. فلأن المحافظات الريفية والتقسيمات الادارية في اليمن، لا تعتمد راهناً على صنعاء لتأمين السلع والخدمات، فإن ما يحدث على الصعيد الوطني في المستقبل قد لا يحدث فرقاً كبيراً بالنسبة إلى الكثير من السكان.
لكن، إذا ما استمرت سلطة وشرعية الحكومة المركزية في التدهور، فقد يتحوّل اليمن ببطء إلى مناطق ومدن تتمتع باستقلال شبه ذاتي. هذا المسار حدث في بلدان أخرى، مثل الصومال وأفغانستان وكانت له عواقب وخيمة. ثم، من شأن البروز التدريجي لهذه الحالة من شبه انعدام القانون في اليمن توفير فرص للمتطرفين الذين يوجّههم تنظيم القاعدة أو يلهمهم لإعادة تجميع وتنظيم وتدريب أنفسهم، والشروع في عمليات ضد الأهداف الأميركية والحليفة في جميع أنحاء منطقة الخليج.
ولا توجد حلول مثالية لمشاكل اليمن اليوم، ولا يمكن تجنّب أي من التحديات الملحّة الكثيرة التي يواجهها. لكن، مع ذلك، يمكن اتخاذ خطوات للتخفيف من آثار تلك المشاكل. فالولايات المتحدة لها مصلحة في مساعدة اليمن على التعامل مع مشاكله، نظراً إلى أهمية البلاد الاستراتيجية بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي الأميركي وأهداف السياسة الخارجية، لأن تكلفة عدم التحرك ستكون كبيرة للغاية. وعلاوة على ذلك، فإن من شأن المراوحة الآن أن تؤدي إلى خيارات أقل وحتى أسوأ في المستقبل.
span style=\"color: #800000\"تحديات متشابكة
تستطرد الدراسة انه يكمن مستقبل اليمن عند تقاطع ثلاثة تحديات رئيسة مترابطة: اقتصادية وديموغرافية والأمن الداخلي. إن استنفاد الموارد الطبيعية الحيوية، والآثار المترتبة على التباطؤ الاقتصادي العالمي، والفساد والبطالة والتضخم، تشكّل أهم خطر اقتصادي على البلاد على المدى الطويل. فاليمن هو أفقر بلد في العالم العربي، وهو يزداد فقراً، بسبب السياسات الحكومية التي يزيدها تعقيداً ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على استيعاب عدد متزايد من السكان في سوق العمل المحلية.
وتُعتبر صادرات النفط، التي تؤمّن أكثر من 75% من العائدات الحكومية، بالغة الأهمية بالنسبة إلى الاقتصاد اليمني. وتعتمد الحكومة على العملة الصعبة التي توفّرها مبيعات النفط لتمويل نفقات الدولة. والأهم من ذلك، أنه في ظل غياب مؤسسات الحكم الناضجة والمستقرة، فإن عائدات النفط تساعد على الحفاظ على شبكات رعاية واسعة توازن المصالح المتنافسة بين مختلف القبائل وأصحاب المصلحة الآخرين.
إن التناقص السريع لاحتياطي النفط، إضافة إلى الانخفاض الهائل في أسعار النفط العالمية كان له تأثير شديد على الاقتصاد اليمني. فالإنتاج ينخفض في كلتا المنطقتين اللتين تتركز فيهما احتياطيات النفط اليمني (حوض مأرب في وسط البلاد، وحوض مسيلة في الشرق) حيث تقترب الحقول من نهاية دوراتها المفيدة. وتنقسم احتياطيات النفط في اليمن إلى 97 منصة تنقيب وإنتاج برية وبحرية، منها اثنتا عشرة منصة منتجة فقط. أهم هذه المنصات مأرب (منصة 18)، ومسيلة (منصة 14)، وشرق شبوة (منصة 10 )، وجنّة (منصة 5)، وغرب إياد (منصة 4). وقدّرت شركة بريتيش بتروليوم أن احتياطيات اليمن المؤكدة من النفط تبلغ 2.8 بليون برميل (تقول الحكومة اليمنية إن هذا الرقم يقلّل بشكل كبير من الاحتياطيات، لكن تبقى ادعاءات صنعاء بلا دليل).
وقد انخفضت صادرات النفط في اليمن بشكل حاد في السنوات الأخيرة، من أكثر من 450 ألف برميل يومياً وقت الذروة في العام 2003 إلى حوالى 280 ألف برميل يومياً في كانون الثاني(يناير) 2009 ، وفقاً لما يقوله أمير سالم العيدروس، وزير النفط والمعادن. وما لم يتم العثور على أي اكتشافات جديدة، فإن خبراء الطاقة يقدّرون أن تتوقف صادرات اليمن من النفط في غضون عشر سنين.
ويؤكّد البنك الدولي أنه بحلول العام 2017 ، لن تكسب حكومة اليمن أي دخل من النفط. وهناك تقديرات أخرى بأن الاحتياطيات النفطية المؤكدة ستُستنفد في غضون خمس سنوات فقط. وقد أخفى الارتفاع الاخير في الاسعار المدى الحقيقي لانخفاض إنتاج النفط، ما أتاح لليمن جني المزيد من المال على الرغم من بيع كميات أقل من النفط الخام. وبما أن الأسعار العالمية قد انخفضت من الرقم القياسي الذي سجّلته في صيف العام 2008 ، فقد تعرّضت البلاد إلى ضربة مضاعفة، لجهة إيرادات الوحدة وإجمالي الوحدات المباعة. وبينما يُعتبر انخفاض الاحتياطيات مسؤولاً عن هبوط الإنتاج، فقد أدى ضعف الصيانة والقدرة المحدودة لقطاع النفط في اليمن إلى تفاقم المشكلة.
وفيما يعتبر تضاؤل احتياطات النفط مصدر قلق رئيسياً، فان النضوب السريع للمياه في نهاية المطاف أكثر مدعاة للقلق. فالنقص في إمدادات المياه حاد في جميع أنحاء البلاد، وقد تصبح صنعاء، التي ينمو سكانها بمعدل 7% سنوياً نتيجة لزيادة التحضر، أول عاصمة في العالم تنفد فيها المياه. هذه الأزمة ناجمة عن عوامل عدة، بما فيها ارتفاع الاستهلاك المحلي، وسوء إدارة المياه، والفساد، وعدم وجود سيطرة على الموارد، والإسراف في تقنيات الري. فحتى قبل خمس سنوات خلت، لم يكن هناك وزارة للمياه والبيئة، واليوم، لاتزال الرقابة القانونية محدودة. ووفقاً لتقرير صدر العام 2009 عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يُعتبر اليمن من بين أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه، ولديه واحد من أدنى معدلات نصيب الفرد من توافر المياه العذبة. وبسبب عدم وجود أي رقابة قانونية جدّية قابلة للتنفيذ، يتم استخراج المياه من طبقات المياه الجوفية بأسرع مما يجري تجديدها. ففي العام 1998 ، انهار حوض المياه في تعز، وهي من أكبر المدن. وتُقدَّر معدلات استخراج المياه في صنعاء حالياً بنحو أربعة أضعاف معدلات تجديدها، والحوض هناك وفي عمران على وشك الانهيار، ويُقدَّر أن ينهار حوض صعدة بعد ذلك بفترة وجيزة.
ووفقاً لأحد التحليلات الحديثة، فإن تسع عشرة من طبقات المياه الجوفية الإحدى والعشرين في البلاد لا يتم تجديدها. وفي بعض الحالات، يجري الآن استخراج المياه الأحفورية غير المتجددة. في السنوات القليلة الماضية، انخفض منسوب المياه الجوفية في اليمن حوالى مترين، أو 6.6 أقدام، في السنة، ما دفع إلى حفر الآبار بشكل أعمق. وهذا يؤثّر في جودة المياه، حيث لاحظت مؤسسة الأبحاث البريطانية تشاتام هاوس في تحليل رزين، أن جودتها تتدهور بسبب زيادة تركيز المعادن. وغالباً ما يتطلب انخفاض منسوب المياه الجوفية استخدام آلات الحفر الخاصة بالنفط.
وفي حين أن هناك الآن نظاماً قانونياً قائماً لضمان الاستخدام العادل والمنصف للمياه السطحية، لا يوجد مثل هذا النظام القانوني للمياه الجوفية. ونتيجة لذلك، فإن أي شخص يريد الحصول على المياه (ويستطيع تحمّل كلفة ذلك)، يحفر بئراً ويستخرج ما أمكنه من المياه. وقد قدّر عبد الرحمن الإرياني، وزير المياه والبيئة، أن نسبة 99 % من عمليات استخراج المياه غير مرخّصة.
span style=\"color: #800000\"التحديات الديموغرافية
ثاني أهم مروحة من التحديات التي تواجه اليمن تكمن في الديموغرافيا. فعلى الرغم من أن معدّل النمو السكاني انخفض قليلاً في السنوات الأخيرة، إلا أنه من بين أعلى المعدلات في العالم حيث يزيد قليلاً عن 3.4 % سنوياً. ونتيجة لذلك، فإن أكثر من ثلثي السكان هم دون سن ال 24 عاماً. ويتوقّع محللون غربيون ويمنيون على حد سواء، أن يتضاعف عدد السكان في اليمن في العقدين المقبلين، ليصل إلى أكثر من 40 مليون نسمة. الفقر في اليمن حاد، حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل السنوي أقل من 900 دولار، ونحو نصف عدد السكان يكسبون أقل من دولارين يومياً. ويشكّل معدّل وفيات الأطفال مصدر قلق كبيراً، وذلك ناجم جزئياً عن الرعاية المحدودة للغاية قبل الولادة وبعدها. صحيح أن البرامج الصغيرة التي وضعتها الجهات الأوروبية المانحة حقّقت بعض النجاح في مكافحة هذه المشكلة، إلا أن الاطفال اليمنيين لايزالون يموتون بسبب أمراض الطفولة التي يمكن الوقاية منها.
هذه التحديات الديموغرافية تفاقمها وعورة التضاريس والتشتت الجغرافي للسكان. إذ ينتشر سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة في حوالى 135 ألفاً من القرى والمستوطنات. الكثير من القرى اليمنية نائية وتنتشر عبر المنحدرات الجبلية والأودية الصحراوية، فيما يعيش أقل من ثلث السكان في المناطق الحضرية. وبالتالي لم تتمكن الحكومة المركزية من بسط وجود حكومي أو تقديم أكثر من خدمات اجتماعية أساسية لمثل هؤلاء السكان الذين ينتشرون على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، تضطر العديد من المستوطنات لأن تكتفي ذاتياً إلى حد كبير، وتؤسس مراكز الرعاية الصحية والمدارس والخدمات الاجتماعية الأخرى الخاصة بها. وفي المستقبل، فإن قدرة الحكومة المركزية على ممارسة سيطرتها بصورة فعّالة في جميع أنحاء البلاد، وتوفير الخدمات الأساسية، ستكون موضع شك خطير، على رغم أنها تكافح من أجل القيام بذلك الآن.


span style=\"color: #333399\"* نقلا عن الكفاح العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.