span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/ بقلم سعد محيو هل هو "الانفجار العظيم" في اليمن؟ أجل. وتكتكات ساعة هذه اللحظة بدأت بالفعل على ما يبدو. إذ أينما يمّمنا وجهنا، نجدنا أمام حالة كلاسيكية من حالات انحدار الكيانات السياسية إلى وضعية "الدولة الفاشلة". وللتذكير، يُطلق على الدولة نعت الفاشلة في الظروف التالية: فقدانها السيطرة المادية على أراضيها، أو على احتكارها شرعية استخدام القوة داخل هذه الأراضي. تآكل سلطتها الشرعية في مجال اتخاذ القرارات الجماعية. عدم قدرتها على توفير الخدمات العامة لمواطنيها. تحوّلها إلى ساحة صراع للدول المجاورة أو الدول الكبرى. السمات الرئيسة الأخرى للدولة الفاشلة تشمل وجود حكومة مركزية ضعيفة أو غير فعّالة، والفشل في بلورة هوية وطنية موّحدة، وتفشّي الفساد والإجرام على نطاق واسع، وانحدار اقتصادي حاد. الآن، إذا ما طبقنا هذه المعايير العامة على الحالة الخاصة لليمن هذه الأيام، سنكتشف أنها تنطبق عليه حرفاً بحرف. فعملية بناء الدولة الحديثة فيه وصلت إلى طريق مسدود، بعدما فشلت السلطة المركزية طوال نصف قرن من حياة الجمهورية، في نقل ولاء المواطنين من القبيلة والعشيرة والطائفة إلى الدولة بمؤسساتها الشرعية، وإداراتها المدنية، وقواعدها القانونية. وهذا الفشل ترافق مع فشل آخر لا يقل خطورة: بقاء الهوية الوطنية اليمنية حبيسة حفنة ضئيلة للغاية من المثقفين والسياسيين الذين اقتصر وجودهم وتأثيرهم على بعض أحياء المدن. وكما هو معروف في تاريخ نشأة الدول أو زوالها، حين تغيب الهوية الوطنية، تحل مكانها سريعاً الهويات “القاتلة” ما قبل الحديثة (وفق تعبير رفيق معلوف) ، وعلى رأسها الهوية القبلية والمذهبية. وهذا عادة يكون إيذاناً إما بأفول نجم هذه الدولة، أو بانفجار حروب أهلية لا نهاية لها فيها. الدولة اليمنية فاقمت هذه الخطورة، حين استخدمت هي نفسها الأوراق القبلية والطائفية (ومؤخراً الورقة الأصولية المتطرفة) لتثبيت أركان وجودها، وهذا في حد ذاته تناقض أيما تناقض مع مبرر وجود الدولة نفسها. ثم ان خدمات الدولة الاجتماعية والصحية تكاد تكون قصراً على مناطق محظوظة معيّنة، أو على فئات معيّنة، في إطار حالة عامة من الفساد والمحسوبية. وهذا ما دفع قطاعات واسعة من المجتمع إما إلى البحث عن ملاذات في البُنى الاجتماعية التقليدية، أو للجوء إلى العنف للحصول على هذه الخدمات. هذه المعطيات حوّلت اليمن إلى أشلاء، في حين كان الغرب يصفّق لواجهة الديمقراطية التي أقامها النظام لتبرير طلبه الدعم والمساندة والمساعدات. فالجنوب يكاد ينفصل الآن عن الشمال، بعدما أدى تجاهل تظلمات الجنوبيين المُزمنة إلى تشويه الصورة القُدسِيّة التي لطالما أسبغها كل اليمنيين على فكرة الوحدة. وبعض الشمال يكاد ينفصل عن الشمال، بعد أن برز الحوثيون كقوة سياسية- عسكرية يُعتد بها شطرت الزيديين إلى شطرين، ودمجت لديهم ما هو سياسي- اقتصادي بما هو إيديولوجي- مبدئي. والمنظمات الأصولية المتطرفة، التي فرّت من السعودية والقرن الإفريقي، أوشكت على تحويل اليمن إلى أفغانستان أخرى أو حتى إلى ما هو أسوأ: صومال آخر. كل هذه الطامات تُنذر ب"انفجار عظيم". لكن، رغم ذلك، ثمة طامة كبرى أضخم تكمن تحت الأرض اليمنية لا فوقها! ما هي؟ إنها نفسها التي حدثت في اليمن في القرن الثالث الميلادي، ثم مجدداً في القرن السابع الميلادي، حين دُمّر سد مأرب، ما دفع أعداداً ضخمة من اليمنيين إلى الهجرة إلى شمال إفريقيا والأطراف الشمالية من شبه الجزيرة العربية. اليمن اليوم يعاني من نقص حاد في إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد. وقد تصبح صنعاء، التي ينمو سكانها بمعدل 7 % سنوياً نتيجة لزيادة التحضّر، أول عاصمة في العالم تنفد فيها المياه. هذه الأزمة الوجودية ناجمة عن عوامل عدة: ارتفاع الاستهلاك المحلي، سوء إدارة المياه، الفساد وعدم وجود سيطرة على الموارد، والإسراف في تقنيات الري. ووفق تقرير صدر في العام 2009 عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يُعتبر اليمن من بين أكثر الدول ندرة في المياه، ولديه واحد من أدنى معدلات نصيب الفرد من توافر المياه العذبة. وفي دراسة حديثة للباحث كرستوفر بوتشيك انه نظراً إلى عدم وجود أي رقابة قانونية جدّية قابلة للتنفيذ، يتم استخراج المياه في اليمن من طبقات المياه الجوفية بأسرع مما يجري تجديدها. وفي العام 1998 انهار حوض المياه في تعز، وهي من أكبر المدن. وتُقّدر معدلات استخراج المياه في صنعاء حاليا بنحو أربعة أضعاف معدلات تجديدها، والحوض هناك وفي عمران على وشك الانهيار. ويُقّدر أن ينهار حوض صعدة بعد ذلك بفترة وجيزة. ووفقا لأحد التحليلات الحديثة، فإن تسعة عشر من طبقات المياه الجوفية الإحدى والعشرين في البلاد لا يتم تجديدها. في السنوات القليلة الماضية، انخفض منسوب المياه الجوفية في اليمن حوالي المترين في السنة، ما أرغم على حفر الآبار بشكل أعمق. وغالباً ما يتطلب انخفاض منسوب المياه الجوفية استخدام آلات الحفر الخاصة بالنفط. وفي حين أن هناك الآن نظاماً قانونياً قائماً لضمان الاستخدام العادل والمنصف للمياه السطحية، إلا إنه لا يوجد مثل هذا النظام القانوني للمياه الجوفية. ونتيجة لذلك، فإن أي شخص يريد الحصول على المياه (ويستطيع تحمّل تكلفة ذلك) يحفر بئراً ويستخرج ما أمكنه من المياه. وقد قدّر عبد الرحمن الإرياني وزير المياه والبيئة، أن نسبة 99 % من عمليات استخراج المياه غير مرخصة. ويوضح بوتشيك أن استيراد منصات الحفر إلى اليمن لا يخضع إلى أي رسوم جمركية أو الترخيص أو ضرائب. ويُقدّر المسؤولون في وزارة المياه والبيئة أنه اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2009، كان هناك أكثر من 800 منصة حفر خاصة تعمل في البلاد. وفي المقابل، لا توجد سوى ثلاث منصات في الأردن، ولا يزيد عددها في الهند، التي يفوق عدد سكانها بأكثر من 50 ضعفاً سكان اليمن، عن 100 منصة. span style=\"color: #800000\"الانهيار الثاني صنعاء قريباً بلا مياه. شُحّ في كل أنحاء البلاد. انهيارات متتابعة لأحواض المياه: ألا تعيد كارثة انهيار سد مأرب نفسها بعد 1300 سنة من وقوعها؟ وإذا ما كان هذا صحيحاً (وهو كذلك بالتأكيد) أي تأثيرات سيخلّفها ذلك على منطقة الخليج العربي؟ مأساة سد مأرب الجديدة في اليمن لن تبقى محلية في أي حال، بل قد تُصبح في أي وقت خليجية أيضاً. فدول مجلس التعاون الخليجي برمتها، ستكون معنية بها من الألف إلى الياء، بسبب جملة عوامل ديموغرافية وجغرافية واقتصادية، وأيضاً قومية ودينية وأخلاقية، إذ إن تعداد سكان اليمن سيقفز إلى أكثر من 40 مليون نسمة خلال عقدين إثنين من الآن. وهذا يعني أن اليمن، الذي يعتبر الآن أفقر بلد في العالم العربي، حيث 40 % من السكان يعيشون تحت حافة الفقر (دولار ونصف الدولار في اليوم)، سيصبح أكثر فقراً بما لا يقاس في المستقبل القريب. وبالطبع، مع الفقر المدقع تأتي الهجرات الواسعة والحروب الأهلية المُرعبة ذات الأبعاد الإقليمية المُحتمة. ويعتقد العديد من المحللين الغربيين المختصين في الشأن اليمني أن الانفجارات المذهبية والمناطقية الراهنة، تجد جذورها في الواقع في المُعطى الاقتصادي. فالحرب الأهلية الدائرة في صعدة ضد الحوثيين، والحركة الانفصالية في الجنوب، وبروز تنظيم ، تعود في جّلها إلى الفساد وسوء توزيع الثروات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وغياب التخطيط الحكومي السليم. إلى ذلك يجب أن نضيف التناقص السريع لاحتياطي النفط، حيث انخفضت الصادرات بشكل حاد في السنوات الأخيرة من أكثر من 450 ألف برميل يومياً وقت الذروة في العام 2003، إلى حوالى 280 ألف برميل يومياً في كانون الثاني) يناير) 2009، وفقا لأمير سالم العيدروس وزير النفط والمعادن. وما لم يتم العثور على أي اكتشافات جديدة، فإن خبراء الطاقة يُقدّرون بأن صادرات اليمن من النفط ستتوقف في غضون عشر سنين. ويؤكد البنك الدولي أنه بحلول العام 2017 لن تكسب حكومة اليمن أي دخل من النفط. وثمة تقديرات أخرى تشير إلى أن الاحتياطيات النفطية المؤكدة ستستنفد في غضون خمس سنوات فقط. الصورة، إذاً، قاتمة للغاية. وكما يدل الآن انطلاق المنظمات المتطرفة من اليمن إلى السعودية ودول أخرى، فإن احتمال انهيار اليمن ستكون له فوراً مضاعفات جسيمة على دول الخليج المجاورة، سواء على صعيد التدفق الكثيف لجماهير الجائعين (كما حدث قبل 1400 سنة) أو على صعيد تصدير الإرهاب والصراعات الإقليمية. لكن، ماذا في وسع دول الخليج ان تفعل؟ الأمر يحتاج، أولاً، إلى قمة خليجية طارئة لدراسة الوضع اليمني من كل جوانبه، سواء منها الآنية او تلك المتعلقة بالمستقبل القريب والخطر. ويحتاج، ثانياً، إلى وضع اليمن في غرفة العناية الفائقة الخليجية عبر بلورة خطط إنقاذ سريعة له. ورغم أن فكرة ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي تبدو مخيفة للخليجيين في ظل الظروف الراهنة، إلا أن مضاعفاتها على الديناميات الداخلية في اليمن قد تكون في غاية الأهمية والإيجابية. وأخيراً، ما لم تتدخل دول مجلس التعاون الآن لإغلاق الملف اليمني المتفجّر، ستجد نفسها بين فكي كماشة حريقين لاهبين إثنين في المنطقة: العراق واليمن، ومن ورائهما الصومالوأفغانستان وباكستان. وبالطبع، حين تشب النيران في غرفتين من غرف منزلنا، لا نستطيع ببساطة الادعاء بأن الأمر لا يعنينا، طالما أنها لم تصل بعد إلى غرفنا. span style=\"color: #800000\"الأبعاد الاقليمية هذا عن الأبعاد الداخلية لأزمة اليمن. لكن أليس ثمة حقاً أبعاد إقليمية خارجية خطيرة لهذه الأزمة؟ الأطراف الإقليمية المُتنازعة على اللوحة العامة في منطقة الخليج، تؤكّد ذلك أناء الليل وأطراف النهار. وهذا واضح من الحملات الإعلامية العنيفة المتبادلة، التي يبدو فيها الحوثيون والجنوبيون اليمنيون مجرد جسر تعبر فوقه (في الاتجاهين) الصراعات الإقليمية، تماماً كما الأمر بالنسبة إلى طوائف لبنان. لكن المسألة قد تكون في الواقع سايكولوجية أكثر منها جيو- سياسية. صحيح أن المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق العميق مما يجري على حدودها وفي عمق أراضيها، وكذلك لما يجري في داخل دولة مُجاورة تُعد 23 مليون نسمة قد تتحوّل بين ليلة وضحاها إلى “دولة فاشلة” مُصدرة للإرهاب، على غرار الصومالوأفغانستان وقبلهما العراق، ما قد يصب في النهاية في مصلحة إيران. وصحيح أن من حق إيران، في المقابل، أن “تشك” في أن الحملة على الحوثيين، هي في جانب منها جزء من الجهود لاستكمال الحصار عليها في المشرق العربي. هذا رغم أنه من المشكوك فيه إلى حد ما أن تكون لها علاقات وطيدة مع الحوثيين، سواء إيديولوجياً او لوجستياً. لكن، حق الشك شيء، وحقيقة وجود المشكوك فيه شيء آخر. ولأن الأمر كذلك، لماذا لا يحاول الطرفان جلاء هذه الصورة السايكولوجية، قبل أن يتحوّل نزاع اليمن من “الحرب الصغيرة” التي هو عليها الآن إلى حريق إقليمي يلتهم الأخضر (أو ما تبقى منه) واليابس؟ الأغلب أن الشكوك المتراكمة على مدى العقد الأخير في منطقة الخليج ومحيطها، نسفت العديد من جسور الحوار والتواصل، ومعها فرص الفهم والتفاهم. لكن الأوان لمّا يفت بعد لاجتراح الحلول. وهذا لأسباب ثلاثة: الأول، أن مشاكل صعدة والجنوب يمنية داخلية بامتياز، حتى ولو بدا أحياناً أنها تتقمّط أبعاداً إقليمية. فما يريده الحوثيّون هو نفسه ما يريده الجنوبيون: دولة يمنية عادلة لا تمييز فيها ولا إقصاء، ومخارج من لعنة الفقر والمرض وانسداد آفاق المستقبل لدى الكثرة الغالبة من المواطنين المطرودين من جَنّة السُلطة القَبَلِية- العسكرية الراهنة. الثاني، أن الحلول العسكرية لا ولن تحل شيئاً في مجتمع قَبَلي مُعقّد كاليمن. ولذا، فإن الفرص تبقى واردة دوماً للعثور على حلول وسط وتسويات سياسية. والثالث، أن مجلس التعاون الخليجي لم يُدلِ بعد بدلوه في هذه الازمة. لكنه مع ذلك يبدو الطرف الأبرز المؤهّل لوقف رش الزيت على النار ووضع إطار للحلول في اليمن، إن لم يكن الآن فعلى الأقل بعد ان يهدأ غبار العمليات العسكرية على الحدود اليمنية – السعودية. في أيار (مايو) الماضي، أي قبل أشهر عدة من الجولة الاخيرة من الاقتتال اليمني، أوصى تقرير ل “مجموعة الأزمات الدولية” بأن تستخدم الحكومة اليمنية الوسائل التقليدية في مجالي الاسترضاء الشعبي (عبر العطايا) والتسامح الاجتماعي والديني، لخلق دولة أكثر تمثيلية. كما أوصى التقرير دول الخليج والحكومات الغربية بممارسة نفوذها لحمل كل من صنعاء والمتمردين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول وسط. تقرير عقلاني؟ بالتأكيد، خصوصاً وأنه في جانب منه يُوضح للأطراف الإقليمية المعنية بأن النظّارات السايكولوجية، غالباً ما تعرض صورة مشوّهة وغير حقيقية للواقع الجيو – سياسي الحقيقي. على أي حال، أثبتت التطورات الأخيرة في اليمن أن الدولة اليمنية مصابة ب”الحَوَلْ”، فيما العولمة التي تتحكم بنير العالم هذه الأيام عوراء. لماذا؟ لأن هذه هي حقيقة الحال، وعلى كلا المستويين العالمي المتعولم واليمني المحلي. فعلى المستوى الأول، لم تحرّك الاسرة الدولية ساكناً، طالما كان اليمنيون يقتلون اليمنيين، والفقراء يذبحون المفقرين، وطالما أن كل الفظائع ترتكب داخل القفص اليمني. لكن، ما أن مُسّت شعرة واحدة من الرأس الغربي خلال محاولة اختطاف الطائرة إلى ديترويت، حتى ملأ الضجيج الكاسح العالم بأسره. فتداعت الدول الغربية إلى عقد مؤتمر طارئ حول اليمن في لندن، وأكد الرئيس الأميركي أوباما أنه، كما ديك تشيني وجورج بوش، لا يقل "حربجية" عن عتاة الصقور الجمهوريين، وبدأ الحديث عن مرحلة جديدة من الحرب العالمية ضد الإرهاب. هذه كانت العولمة قيد التنفيذ. لكنها عولمة من نوع خاص للغاية. إذ ليس فيها سوى عين واحدة لترى شيئاً واحدا: المصالح الرأسمالية الغربية التي من أجلها يكون إعلان الحرب وشنّها كشربة ماء. هي عوراء إلى درجة أنها تنسى أن أمن اقتصاداتها بات مرتبطاً أشد الارتباط بأمن أو لا أمن دول فقيرة كاليمن والصومالوأفغانستان وباكستان، وأن الحرب وحدها لن تكون كافية لتأسيس نظامها العالمي الجديد. هذه النقطة الأخيرة كان قد أكد عليها أحد أبرز منظّري البنتاغون والعولمة توماس بارنيت. فهو شدّد في دراسة بعنوان خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين” على أن الولاياتالمتحدة لاتزال تعمل على أساس ردود الفعل على الأزمات. صحيح انها تدخلت عسكرياً في حقبة التسعينيات بأكثر مما فعلت طوال الحرب الباردة، إلا ان البنتاغون صنّف هذه التحركات تحت خانة” العمليات العسكرية” لا تحت خانة “الحرب”، وكأنه يريد ان يقول انها لا معنى إستراتيجي لها. وهذا غير صحيح، في رأي الكاتب. فالعمليات العسكرية وحالات الانتشار الحربي تركزت في تلك الاجزاء من العالم المُستبعدة مما يسميه “مركز العولمة الفاعل”. وهو يعرّف هذا المركز كالآتي: 1- أي دولة او منطقة تكون فاعلة إذا ما كانت تتفاعل مع مضمون التدفقات التي تتأتى من خلال إدماجها ما هو قومي بما هو اقتصاد عالمي (الأفكار، المال، الاعلام). 2- أي دولة او منطقة تكون فاعلة حين تسعى الى تنسيق “قواعد حكمها الداخلي” مع الحكم العالمي الصاعد للديمقراطية، وحكم القانون، والأسواق الحرة. 3- أي تكون “غير متصلة” (بنظام العولمة) حين تفشل في كسب ثقة الشركات متعددة الجنسيات بها. وهذا يمكن ان يحدث لأن الدولة تكون ثيوقراطية، أو معزولة جغرافياً، أو مرتبطة بالعالم عبر حكومة فاسدة. اليمن تنطبق عليه جُل هذه المواصفات. وهو فوق ذلك يبدو في وضعية حَوَلْ حقيقية، حيث تركّز حكومته عيناً عسكرية على الشمال وأخرى استخبارية على الجنوب، قافزة بذلك فوق الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تسببت بثورة الحوثيين وتمرّد الحضرموتيين. بيد أن شيئاً من هذا لا يهم الغرب المتعولم. “القاعدة” هي الآن همه الوحيد. ولذلك، ومن أجل ذلك، تذكّر مؤخراً أن ثمة دولة نازفة ومتألمة على خريطة العالم اسمها اليمن وقرر مد يد العون لها. العون لمن؟ للحكومة نفسها التي تسببت أخطاؤها بكل الانهيارات الراهنة، مقابل ما بدأت تفعله الأسبوع الماضي حين بدأت في شن حملة أمنية شاملة على تنظيم القاعدة في كل أنحاء البلاد، تلبية لطلب أميركي مباشر. حقاً إن هذه عولمة عوراء، وبامتياز أيضاً.
span style=\"color: #333399\"نقلاً عن صحيفة الكفاح العربي