span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/قراءة صادق ناشر ظن كثيرون أنه بإعلان وقف الحرب الأخيرة التي كانت دائرة بين السلطات اليمنية والمتمردين الحوثيين في صعدة وعمران لمدة ستة أشهر، ستبدأ صنعاء بالالتفات إلى معالجة بقية الملفات الداخلية التي تشكل مصدر قلق وخوف على مستقبل البلاد ووحدتها، إلا أن الواقع أظهر أن الحرب لم تنته كما كان يخطط لها، فيما استمرت بقية الأزمات التي تواجه البلاد تتفاعل وتتطور إلى أسوأ مما كان عليه الوضع قبل انتهاء الحرب مع الحوثيين . خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة منذ انتهاء الحرب في صعدة دخلت صنعاء في أزمات أخرى، أولاها الغرق في الساحة الجنوبية، حيث بدأت تتصاعد الأمور بشكل أخطر مما كانت أوضاع ما قبل الحرب في الشمال، وثانيتها الدخول في أتون أزمة سياسية عميقة مع المعارضة لا تجد صنعاء “الوصفة السحرية” لاحتوائها، وتتمثل هذه الأزمة في عدم توصل أطراف الحياة السياسية، الحاكم والمعارضة معاً، إلى اتفاق سياسي يتيح للبلد أن يذهب إلى الانتخابات التشريعية المقبلة من دون أية مشاكل أو احتقانات . وصار كل طرف من طرفي المعادلة السياسية في البلاد يشد الحبل من جهته حتى إن الكثير من المراقبين صاروا يتوقعون انفجار الموقف بين الطرفين في أية لحظة، إذ إنه كلما اقترب الطرفان من الحل كلما ابتعدا عنه أكثر، خاصة وأن الطرفين بدآ باللجوء إلى الشارع، حيث أخرجت المعارضة أنصارها إلى شوارع العاصمة صنعاء وبعض المناطق المهمة في تحد للحاكم، فرد عليها الحزب الحاكم بمهرجان ضخم حشد له في العاصمة صنعاء . رافقت هذه الأجواء اعتصامات عديدة لمنظمات المجتمع المدني أجبرت معها الحزب الحاكم على التحذير من تنفيذها تحت يافطة “الحفاظ على الأمن والاستقرار”، وجرت مواجهات عدة بين قوى الأمن والمعتصمين في أكثر من منطقة، ما جعل منسوب الاحتقان يرتفع إلى أعلى حد له، ودفع بالمخاوف من انزلاق الأوضاع إلى ما هو أسوأ إلى واجهة الأحداث، في وقت بدأت فيه المساعي السياسية بين الحزب الحاكم والمعارضة تتراجع إلى الخلف أكثر وأكثر . span style=\"color: #800000\"تباينات سياسية لا يترك الرئيس علي عبدالله صالح فرصة إلا وهاجم فيها خصومه السياسيين ويتهمهم بأنهم تحولوا إلى أعداء للوحدة وللأمن والاستقرار، يتساوى في ذلك أنصار الحراك الجنوبي وأحزاب اللقاء المشترك مع المتمردين الحوثيين في الشمال، الذين يقول صالح إنهم يريدون العودة بالبلاد إلى عهد ما قبل الثورة، ومع الانفصاليين في الجنوب الذين يريدون إعادة الواقع الذي كان قائماً قبل إعادة تحقيق وحدة البلاد في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار من العام ،1990 بل ويتهم المعارضة بإقامة تحالفات مشبوهة مع الطرفين، بالإضافة إلى تنظيم “القاعدة”، الطرف الذي أثبت أنه لايزال حاضراً من خلال العملية التي نفذها مؤخراً واستهدفت موكب السفير البريطاني بصنعاء تيم تورلوت . مع ذلك، فإن صالح لا يزال يدعو المعارضين إلى الحوار و”التفاهم” من أجل إخراج البلاد من أزماتها الراهنة، معتبراً أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن عبرها حل الاحتقانات التي تواجه البلاد، لكن صالح يشترط على معارضيه أن تكون هذه الحوارات برعاية المؤسسات الرسمية للبلاد، أي مجلس النواب أو مجلس الشورى، معتبراً أن أية دعوات لعقد حوارات خارج هاتين المؤسستين “مضيعة للوقت” . ويرى صالح أن المعارضة تحاول بطريقة أو بأخرى جر البلاد إلى فراغ دستوري عبر رفضها التوقيع على محضر اتفاق الثالث والعشرين من شهر فبراير/شباط من العام الماضي، والذي يحتوي ثلاث قضايا رئيسة، تتمثل الأولى في الشروع بإجراء تعديلات دستورية بغرض إحداث إصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية واسعة، والثانية تشكيل اللجنة العليا للانتخابات التي سبق وأن اتفق على إعادة تشكيلها، والثالثة التحضير للانتخابات التشريعية المقرر أن تشهدها البلاد العام المقبل، بعد أن اتفق الحزب الحاكم والمعارضة على تأجيلها لمدة عامين . ويرى صالح أن الحزب الحاكم أخطأ خطأ فادحاً بتأجيل الانتخابات التي كان من المفترض أن تجرى في شهر إبريل/نيسان العام الماضي، وأنه لن يكرر هذا الخطأ مرة ثانية . أما المعارضة فإنها ترى موقفاً مغايراً لموقف الحاكم، وترى أن الحزب الحاكم غير جاد على الإطلاق في دعواته العديدة للحوار، وأن ما يتحدث عنه بشأن الحوار إنما هو لاستهلاك الوقت ليس إلا للوصول إلى الانتخابات بشكل منفرد، وهذه الخطوة من شأنها تعكير الأجواء بين الجانبين والتملص من اتفاق فبراير، الذي تقول المعارضة إنها ستعمل على تطبيقه بمفردها . ويرى الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح عبدالوهاب الآنسي أن “الحزب الحاكم لا يوقع الاتفاقيات لأجل الخروج من الأزمات المتراكمة بدليل أنه يأتي وقت التطبيق لهذه الاتفاقيات لاختلاق أزمات جديدة”، مشيراً إلى “مضي المعارضة ولجنة الحوار الوطني وكل القوى الخيرة بتنفيذ اتفاق فبراير من جانب واحد” . وفي ظل هذه التباينات بين موقفي الطرفين تبقى الأزمة السياسية تراوح مكانها، بل وتزداد تعقيداً، خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة في صعدة، حيث لاتزال هدنة وقف إطلاق النار مع الحوثيين هشة، وتتحدث السلطة والحوثيون على السواء أن كل طرف يتربص بالآخر، في محاولة لفرض أمر واقع على الأرض، بالإضافة إلى ذلك الأوضاع المتوترة في الجنوب، إذ إن فرص تطبيع الأوضاع في هذه المناطق، بخاصة المثلث الخطير (الضالع، لحج وأبين) لاتزال بعيدة المنال في ظل استمرار التوترات والمواجهات المسلحة بين الجيش وأنصار الحراك الجنوبي الداعي للانفصال، وعمليات القتل التي صارت بمثابة وجبات يومية، إذ لا يمر يوم من دون أن تحدث مواجهات مسلحة بين الجانبين . وعلى الرغم من أن المعارضة ترى في المعالجات التي يتبعها الحزب الحاكم لمعالجة الأوضاع في الجنوب هي السبب وراء الاحتقانات القائمة في الجنوب، إلا أن الرئيس صالح يعتبر أن ما يحدث اليوم في الجنوب “يعد امتداداً لثقافة الحزب الاشتراكي بعد الوحدة الذي أشاع أن صنعاء عاصمة غير آمنة وأنهم مستهدفون من الإرهاب ومن حركة الإخوان المسلمين”، مشيراً إلى أن “الاشتراكيين كانوا يستهدفون بعضهم بعضاً ويلصقون التهمة بالدولة وبحزب التجمع اليمني للإصلاح باعتباره كان يحارب الاشتراكيين والشيوعيين” . الخطورة أن الأوضاع في المحافظات الجنوبية زرعت الكثير من الظواهر السلبية التي لم يكن يعرفها اليمنيون قبل الوحدة، ومنها استعداء أبناء المحافظات الشمالية من قبل أبناء الجنوب، وهو أمر يقلق السلطات الأمنية في البلاد ويضع تحديات جدية أمام قضية السلم الاجتماعي في البلاد. ويرى صالح أن “الهدف من هذه الثقافة هو حصول رد الفعل من قبل إخوانهم في المحافظات الشمالية ضد إخوانهم في المحافظات الجنوبية بهدف النيل من الوحدة الوطنية” . span style=\"color: #800000\"واقع جديد ومختلف منذ ما بعد إعلان وقف إطلاق النار سعى الحوثيون والمعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك إلى فتح صفحة في تأريخ العلاقات بينهما، فلأول مرة يوقع المتمردون الحوثيون اتفاقاً مع قوى سياسية في البلاد، فخلال الشهر الماضي وقع الحوثيون والمعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك اتفاقاً بهدف التنسيق بين الجانبين في الأمور التي تخص أوضاع البلاد، وقد أثار هذا الاتفاق غضب الحزب الحاكم الذي هاجم المعارضة، متهماً إياها بأنها تعقد تحالفات مشبوهة مع قوى خارجة عن النظام والقانون، إلا أن المعارضة تتساءل إن كان توقيع اتفاقية إنهاء الحرب بين الدولة والحوثيين هو أمر خارج عن القانون . يرى الحزب الحاكم أن هناك “تحالفاً مشبوهاً بين أحزاب اللقاء المشترك والعصابات الحوثية وعناصر الحراك الانفصالي والقاعدي”، وأن “على أبناء اليمن أن يكونوا حذرين ويقظين لهذه التحالفات المشبوهة” . لكن الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح عبدالوهاب الآنسي يدافع عن الاتفاق المبرم مع المتمردين الحوثيين، ويرى أنه “نص على نبذ العنف واعتماد النضال السياسي السلمي، عوضاً عن الحروب التي تعالج بها السلطات أزمات البلاد” . في ظل هذه الأجواء لا تزال قضية الانتخابات التشريعية واحدة من القضايا التي لا تزال محل خلاف بين طرفي الحياة السياسية، وعلى الرغم من تهديد الحزب الحاكم من أنه سيمضي لوحده في الانتخابات، إلا أنه يتراجع بعد كل تهديد، ويدعو الطرف الآخر إلى الحوار تلحق دائماً بعبارة “للمرة الأخيرة” . مسؤولون في حزب المؤتمر يؤكدون أن الحزب سيمضي في التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة منفرداً من دون اتفاق مع المعارضة بعد أن شعر المؤتمر بأن المعارضة غير جادة في الحوار . ويتهم الحزب الحاكم أحزاب المعارضة ب “عدم الجدية في معالجة الاختلافات بشأن الانتخابات”، وأنهم يتهربون من هذا الاستحقاق الديمقراطي، لكن المعارضة ترى أن الذهاب إلى الانتخابات من دون إصلاحات انتخابية حقيقية هو مشاركة في إفساد الحياة السياسية . ويقول الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني المعارض الدكتور ياسين سعيد نعمان إن أحزاب المعارضة لم تعلن مقاطعتها الانتخابات، لكنها طالبت بإصلاحات طلبها الطرفان ( المعارضة والحزب الحاكم )، لكنه قال إنه “إذا ما استمر المؤتمر الشعبي العام الحاكم بنفس أسلوب التعامل تجاه الاتفاقيات والحوارات المطروحة سيكون لكل حادث حديث” . span style=\"color: #800000\"خيارات الحل يراهن الكثير من المراقبين على حل الأزمة القائمة اليوم بين الحزب الحاكم والمعارضة بتدخل خارجي، خاصة وأن هذا التدخل قد بدأ يتبلور من خلال مبادرة يرعاها المعهد الديمقراطي الأمريكي، بالإضافة إلى بوادر تحرك سوري على خط الأزمة، حيث زار وفد سوري العاصمة اليمنية صنعاء وأجرى حوارات مع كافة أطراف الحياة السياسية في البلاد . ويشير هؤلاء إلى أن الطرفين صارا بحاجة إلى راع خارجي يخرجهما من الأزمة التي يغرقان في تفاصيلها، فهما يدركان أن البلاد بحاجة إلى الخروج من الأزمات الطاحنة التي تمر بها البلاد، كما أنهما يدركان أن التأخر في حسم الأمور الخلافية بينهما سيوسع من شقة الخلاف ويصبح أمر ردمه غير سهل بالمرة . ومن بين الحلول التي يمكن أن يقبلها الطرفان تلك المتعلقة بمعالجة قضية الانتخابات التي تعتبر الأكثر حساسية لدى الطرفين، فالحزب الحاكم يرى فيها استحقاقاً دستورياً لابد من تنفيذه خوفاً من الوقوع في فراغ دستوري، فيما ترى المعارضة أن الحزب الحاكم يريد جر المعارضة إلى ملعب غير مهيأ بالمرة . ويرى كثيرون أن الطرفين يمكنهما التوافق حول زمن محدد لإجراء الانتخابات مع إجراء بعض الإصلاحات الضرورية التي تطالب بها المعارضة، لضمان إجراء انتخابات نزيهة في حدها الأدنى، أما بدون ذلك فإن الطرفين سيجدان نفسيهما أمام وضع كارثي، ومواجهة على الشارع ستكون أرجح الاحتمالات . ويتخوف الحزب الحاكم من وصول الطرفين إلى هذه المعادلة، ذلك أن النزول إلى الشارع من قبل المعارضة سيفرض على الحاكم نزولاً مماثلا، وهو ما يحدث فتنة حقيقية، وبها سيضاف حطب جديد في القدر اليمنية لن يكون بعدها من الممكن احتواء نيرانه . ومن الخيارات المطروحة أن تتوافق أطراف الصراع كلها حول تسوية سياسية تجعل من مناسبة مرور عقدين على الوحدة فرصة لإنقاذ البلد المنكوب بأزمات مزمنة وتصحيح الأخطاء التي رافقت السنوات العشرين وأدت إلى ما أدت إليه من معارك سياسية وحروب متواصلة . وربما ذلك يفهم من حديث الرئيس علي عبدالله صالح الذي أعلن عن “جديد” سيعلنه بعد يوم غد (السبت) لمناسبة مرور عقدين على الوحدة ب “طي صفحات الماضي وفتح صفحة جديدة مع كل أبناء الوطن أينما كانوا في الداخل والخارج” . ويرى مراقبون أن هذه الخطوة، إذا ما تم اتخاذها من قبل الرئيس صالح، فإنها ستكون فرصة حقيقية لإعادة الأمور إلى نصابها، أو على الأقل إعادة التوازن الذي افتقدته الحياة السياسية في البلاد منذ ما بعد الحرب الأهلية التي اندلعت خلال العام ،1994 والتي غيبت صيغة الشراكة الجماعية لإدارة حكم البلد، وهي الصيغة التي توافق عليها فرقاء الحياة السياسية في الشمال والجنوب قبل قيام إعلان دولة الوحدة 1990 .