span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/قراءة عبدالملك شمسان السلطة تستدعي السفير الأمريكي بصنعاء وتبلغه رسميا احتجاج اليمن على انتهاك سيادتها وعلى قصف الأبرياء في مأرب وفي مقدمتهم الشهيد جابر الشبواني وتعلن تعليقها لجميع اتفاقيات الشراكة مع الولاياتالمتحدة في مجال مكافحة الإرهاب وتهدد بإعادة النظر في تواجد مئات من الضباط الأمريكان في صنعاء فضلا عن مطالبة الولاياتالمتحدة -ضمن سلسلة مطالب- بالاعتذار رسميا عن عملية القصف التي أجرتها في مأرب مساء الاثنين من الأسبوع الفائت والالتزام بالتعويض العادل لليمن والضحايا.. هذه ردة الفعل الرسمية التي لم تحدث، وهذا ما يفترض حدوثه -كردة فعل في حدوده الدنيا قياسا بحجم الحدث- لكنه لم يحصل على أرض الواقع، وبدلا من ذلك أوفدت عددا من كبار المسئولين في المؤسسة الأمنية للالتقاء بمشائخ مأرب بهدف إقناعهم بأن مقتل الشبواني كان خطأ وعليهم أن يقدروا ذلك... انصبت جهود السلطة لمحاولة تبرئة ساحتها من هذا الخطأ ولم يعنها أنها مسئولة عن التنسيق للعملية مع الولاياتالمتحدة ضد أبناء شعبها، هذا إن كان حصل هناك تنسيق، كما لم يعنها أن تخرق الولاياتالمتحدة كل المواثيق الدولية وتنتهك سيادة وطن وتقصف مواطنيه. لقد كان الهدف من تصنيع طائرة مقاتلة بدون طيار هو الوصول إلى آلية عسكرية فتاكة تقوم بمهمة القصف الأمن بما لا يتطلب المخاطرة بحياة جندي أمريكي لأن تعرض جندي أمريكي للخطر -وإن كان في مهمة وطنية تحقق لبلده المصالح والمكاسب- أمر لا يقبله الشعب الأمريكي بسهولة، لكن كل هذه الاحتياطات والتكاليف المادية المضاعفة في إنتاج هذه الطائرة وقيامها بالمهمة كان الهدف منه قتل العديد من أبناء اليمن حيث لا قيمة للإنسان والحياة!! فالولاياتالمتحدة -وهي صاحبة المصلحة من العملية- غير مستعدة للمغامرة بحياة واحد من أبنائها مقابل عدد من اليمنيين موتهم محقق، وقد يصلوا إلى العشرات كما حدث في المعجلة بمحافظة أبين!! لهذا لا يمكن توقع قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعم للديمقراطية في دول العالم الثالث وإن تظاهرت بذلك، فالدولة الديمقراطية التي تحكمها سلطة منبثقة من الشعب وتعبر عن رأيه وتخشى أن يعيد النظر في بقائها على الكرسي يستحيل عليها أن تسمح للولايات المتحدة أو غيرها بانجاز مهام من هذا النوع. قبائل مأرب انتفضت عن بكرة أبيها من منطلق أن السلطة متواطئة مع الأمريكان على قتل الشبواني ورفاقه وفي حال ثبت لهم أنها بريئة من ذلك -وهو ما تسعى السلطة لإثباته- فإن الحادثة ستصبح «قضاء وقدر» يجب التسليم به من غير محاسبة لأحد. هي المرة الأولى التي تنفذ فيها عملية من هذا النوع وتلتزم واشنطنوصنعاء الصمت حيالها، فلا صنعاء تبنت العملية كما فعلت في حادثة قصف المعجلة في أبين في سبتمبر الماضي وحادثة قصف الصعيد في شبوة إذ أعلنت أنها هي من نفذت العملية بتنسيق مع الولاياتالمتحدة وباركها الرئيس أوباما في خطابه لرئيس الجمهورية والمتضمن تهنئته بنجاح العملية. لا صنعاء أعلنت قيامها بالمهمة وتفاصيلها ومبرراتها، ولا واشنطن باركت العملية أو أعلنت قيامها هي بالعملية على غرار قصف الحارثي في ذات المحافظة. والواضح أن هناك ارتباكا من قبل الطرفين ناشئ من كون أحدهما خدع الآخر، ويتطلب الأمر وقتا تجري فيه التفاوضات بينهما للاتفاق على خداع مأرب والشعب اليمني عموما، والأهم هو أن تعترف الولاياتالمتحدة بأنها هي الطرف الخادع حتى وإن لم يكن الأمر كذلك، وأن تتحمل -بالتالي- تبعات هذا الاعتراف وتبرئة ساحة السلطة، ذلك أن السلطة لا تستطيع تحمل تبعات ثبوت ضلوعها في التآمر على الشبواني أو التواطؤ على قتله إذ ستخوض معركة مفتوحة مع قبائل مأرب، وربما تتوسع بانضمام قبائل الجوف كحلفاء لقبائل مأرب، وسواء انضمت قبائل الجوف أم لا فإن مأرب وحدها قادرة على فعل الكثير، وما نشهده اليوم من إطفاءات للكهرباء في معظم المناطق اليمنية وفي مقدمتها العاصمة خير دليل على موقف السلطة وأنها الحلقة الأضعف في هذه المواجهة وفضلا عن ذلك ستستعر الأزمة التي ستأخذ شكل انقطاع للمشتقات النفطية والغاز وما سيعقب ذلك من غلاء للأسعار وخسائر يتكبدها قطاع التجارة والاستثمار ومختلف قطاعات الشعب، ناهيك عن أن استمرار المواجهة مع مأرب سيفاقم الأزمة الشاملة التي تشهدها اليمن وسيضيف محافظة جديدة إلى عداد المحافظات المحرم على السلطة دخولها فضلا عن إجراء انتخابات فيها وفضلا عن أن المواجهة ستتيح فرصة ذهبية للحوثي ليتمدد شرقا. كما أن من أهم النقاط التي تستدعي اعتراف الولاياتالمتحدة بأنها الطرف الخادع حتى وإن لم يكن الأمر كذلك، هو وجود آبار النفط في هذه المحافظة، فهي مضطرة لهذا الاعتراف، أو -على الأقل- مساعدة السلطة اليمنية في إثبات ذلك لأبناء مأرب حيث لا تحتاج السلطة لأكثر من ذلك، والقبائل لا تحتاج لأكثر من هذا الإثبات الذي يبرئ السلطة ولا تهتم -بعده- لكون السلطة مسئولة أيضا عن حدوث ذلك بالخطأ ولا لكونها مسئولة أيضا عن حماية شعبها في حال كانت الولاياتالمتحدة هي الطرف المنفذ للعملية. وللسلطة تجارب مع هذه القضية أثبتت لها أن القبائل المستعدة لخوض حروب مفتوحة ضدها لا يسعها عندما يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدة سوى التزام الصمت والقبول بالتعويضات المختلفة التي تذهب للمشائخ، فهذه قبيلة خولان -إحدى أعتى القبائل اليمنية وأشدها بأسا- تحتفظ بسجل حافل من المواجهات مع السلطة وقيام بعض المنتسبين إليها بأعمال خطف للأجانب وقطع للطرق، لكنها -وعلى امتداد جريمة اختطاف الشيخ المؤيد واعتقاله من قبل الولاياتالمتحدة- التزمت الصمت إلا من بعض فعاليات «النضال السلمي» نظمتها للتعبير عن رفضها لما حدث وللمطالبة بالإفراج عن الشيخ المؤيد الذي يعد أحد وجهائها، وهو ذاته الموقف المطلوب اليوم من قبائل عبيدة في مأرب، وهذا ما سيحدث إذ المسالة مسألة وقت يزيد أو ينقص يجري خلاله إثبات براءة السلطة وأن العملية أمريكية صرفة. وربما أن على المملكة العربية السعودية -بحسب ما جرت عليه العادة كشريك «داخل في الخسارة خارج من الفائدة»- أن تساهم في إعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة المحاذية للجوف على حدودها ولدرء احتمال تمدد الحوثي هناك. span style=\"color: #800000\"مفهوم الأمن القومي التقدم الذي أحرزته إيران خلال ثلاثة عقود من عمر الثورة الإسلامية هو تقدم طبيعي بما تمتلكه من مقومات ومقدرات أضيفت إليها إرادة سياسية، لكنه يبدو تقدما مذهلا وخارجا عن الحدود الطبيعية عند مقارنة إيران بالدول العربية التي تمتلك مقومات ومقدرات أكبر وأنظمة أطول عمرا، وهو ما لخص أسبابه كاتب أمريكي بقوله إن إيران حققت تفوقا على المملكة العربية السعودية «المعتمدة على أصدقائها». فهذا الاعتماد على الأصدقاء (أي على الولاياتالمتحدة بالطبع) هو السبب الجوهري الكامن وراء تخلف المملكة مقارنة بإيران رغم إمكانياتها المذهلة، والحقيقة أن هذا ليس وصفا مقتصرا على المملكة، بل ينسحب على معظم الدول العربية -إن لم يكن عليها جميعا- وفي مقدمتها اليمن. ومن أبرز القضايا التي يتضح فيها هذا الاعتماد على «الأصدقاء» هو غياب مفهوم «الأمن القومي» لدى هذه الدول، حيث «الأمن القومي» لديها هو -فقط- رضا الإدارة الأمريكية عنها. وإن يكن في هذا الكلام مبالغة، فما هي السياسة اليمنية المتبعة أو -على الأقل- ما هي الإجراءات التي قامت بها لحماية أمنها القومي؟ إن عمليات القصف التي تقوم بها الولاياتالمتحدة في عمق المجتمع اليمني أو تقوم بها السلطة اليمنية نيابة عنها، هدفها -كما صرح البيت الأبيض- حماية الأمن القومي للولايات المتحدة، بينما اليمن التي تنفذ فيها العمليات ليس لها أمن قومي!! والأحداث الدائرة في مأرب لفتت الانتباه إلى أن مجرد خلاف بين الدولة وقبيلة أو أكثر في محافظة مأرب كفيل بخنق صنعاء وعزلها عن العالم بمنع وصول الطاقة إليها من المشتقات النفطية والغاز والكهرباء، بل ربما يحدث ذلك بمجرد خلاف مع قبيلي في مأرب يملك قذيفة «آر بي جي»، وللقارئ أن يتخيل أي وضع ستؤول إليه البلاد في اللحظات الأولى من أي حرب تخوضها مع طرف خارجي -لا سمح الله!؟ هنا تستدعي الذاكرة حادثة احتلال ارتيريا لجزيرة حنيش واتضح يومها الغياب التام لأي احتياطات عسكرية في الجزر اليمنية إلا من عدة أشخاص لم يكن بإمكانهم فعل شيء أمام القوة الغازية، ولم تكن السلطة اليمنية محتاجة للتفكير -مسبقا- بعمل شيء هناك ضمن مفهوم «الأمن القومي»، إذ أن الأمن القومي الحقيقي هو رضا الولاياتالمتحدة، ولم تكن بحاجة لتحريرها بالقوة بعد وقوعها تحت الاحتلال المهين إذ حصل من قبل دولة فقيرة ناشئة، فالولاياتالمتحدة قدمت الدعم المطلوب لصنعاء بما مكنها من استعادة الجزيرة بعد تعهدها بعدم التدخل للمصالحة بين الفصائل المختلفة في الصومال، واستطاع الإعلام الرسمي أن يواري سوءة السلطة اليمنية ويطمس عجزها السابق واللاحق من خلال التغني بالعقلانية واللجوء إلى الحل السلمي الذي جنب اليمن حربا محققة، وكأنه كان بإمكان السلطة تحرير الجزيرة بالحل العسكري وعزفت عن ذلك تحت تأثير «الحكمة اليمانية»!! وتستدعي الذاكرة -والأسى يبعث الأسى- حرب 94م، لتتجلى «الحكمة اليمانية» في صورة أخرى، إذ أن قيادة الحرب الانفصالية في عدن استهدفت صنعاء -خلال تلك الحرب- بعدد من صواريخ «سكود» ذات القوة التدميرية العالية، واستهدفت تحديدا القصر الجمهوري ومنزل الرئيس لكنها أخطأت الهدف وبما يبدو للمتعاطف مع تلك القيادة الانفصالية أنها عقلانية استهدفت الجزء الأعلى من هرم السلطة وتجنبت آبار النفط ومشاريع الطاقة في مأرب لأنها لم تكن تقصد الإضرار بالوطن، والحقيقة أنه لا أسوا ولا أضر بالوطن من إعلان الانفصال ومحاولة ذلك عمليا، أما تجنبها لمحافظة مأرب فلم يكن إلا حفاظاً على مشاعر «الأصدقاء» الداعمين للانفصال في الولاياتالمتحدة ومصالحهم، وحرصا على عدم إثارة حفيظتهم باعتبار أن دعمهم ورضاهم مطلوب لتحقيق الانفصال أولا، ومطلوب بعد الانفصال ثانيا لأن رضا الولاياتالمتحدة هو الاسم الجامع لكل تفاصيل «الأمن القومي» الضامن لاستمرار دولتهم المنشودة في الجنوب. لقد كانت صنعاء وما تزال معتمدة كليا على الأصدقاء من الولاياتالمتحدة، وكان مشروع الانفصال معتمدا كليا على الولاياتالمتحدة أيضا إلا أنه لم ينجح لاعتبارات كثيرة. وربما أن أي مشروع سياسي «انفصالي أو وحدوي، سلمي أو غير سلمي» يرشح نفسه بديلا للنظام الحالي على جزء من الوطن أو على الوطن كله، عليه أن يدرك ضرورة مد جسور العلاقة مع الولاياتالمتحدة وعدم الاقتصار على موقف الرافض لها ولسياساتها، فلا إمكانية للعبور من غير هذه القناة إلا بمعجزة، والطرف الذي سيتمكن من العبور -رغم صعوبة هذا الأمر- سيجد نفسه مكشوفا ومعرضا للسقوط الفوري إذ لم يرث من النظام السابق أيا من مفردات الأمن القومي.