لم يمض الكثير من الوقت على التئام الأفرقاء السياسيين في الحكم والمعارضة على مائدة الحوار الوطني بعد اتفاقهم على تأليف لجنة من 200 شخصية لإدارة حوار وطني يفضي إلى حلول توافقية للأزمة اليمنية حتى عادت الأطراف إلى مربع الخلاف وسط تحذيرات من سيناريوهات كارثية تنتظر اليمن نتيجة الإخفاق في استثمار ما اعتبر فرصة الحوار الأخيرة . المشهد الجديد للأزمة اليمنية تشكل بعد سلسلة تداعيات بدأت بتقديم حزب المؤتمر الحاكم بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح مشروعاً لتعديل قانون الانتخابات إلى البرلمان لمناقشته وشروعه بالتحضير للانتخابات خارج دائرة التوافق السياسي لتعلن أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك (ستة أحزاب سياسية من اليسار والإسلاميين) تعليق مشاركتها في اللجان الفرعية المنبثقة عن لجنة الحوار الوطني لتفتح هذه التداعيات الطريق أمام جولة جديدة من التخندق والاتهامات المتبادلة التي طالما عصفت بالشارع اليمني لسنوات . على أن اتفاق قطبي المعادلة السياسية تأليف لجنة للحوار الوطني وشروعها في التهيئة لحوار متكافئ يفضي إلى حلول وطنية للأزمات كان حدثاً كبيراً في المشهد السياسي اليمني كونه وضع حداً لعمليات التخندق التي أفرزتها معادلة الأغلبية والأقلية ونقل الأطراف السياسيين إلى دائرة التوافق، إلا أن الخطوات التي شرع بها الحزب الحاكم للتحضير للانتخابات خارج دائرة التوافق كانت مخيبة للآمال كما أثارت انتقادات واسعة كونها مثلت عودة إلى الوراء، ما دعا الرئيس اليمني إلى توجيه رسالة إلى مجلس النواب يدعوه فيها إلى سحب مشروع تعديل قانون الانتخابات . واتخذ حزب المؤتمر الحاكم مؤخراً خطوات للتحضير للانتخابات المقررة في أبريل/ نيسان 2011 مستعيناً بغالبيته في المجلس النيابي التي قررت مناقشة مشروع تعديل القانون الانتخابي بالتوازي مع شروع اللجنة العليا للانتخابات التي تقول المعارضة إنها غير شرعية بإعداد السجل الانتخابي بحجة أن موعد هذا الاستحقاق الذي لم يعد يحتمل التأجيل وخصوصاً وأن الفترة المتبقية لا تتجاوز الخمسة أشهر فيما يجري التحضير لفعالية كبيرة بحجم الانتخابات النيابية . وعلى مدى الفترة الماضية كانت هذه القضايا محور خلافات عميقة بين الحكم والمعارضة وآلت إلى توقيعها اتفاق فبراير/ شباط 2009 الذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات النيابية سنتين لإتاحة الفرصة للأحزاب التوافق بشأنها . على أن سحب الرئيس اليمني لمشروع تعديل قانون الانتخابات من البرلمان مثل مبادرة إيجابية خففت من وتيرة الأزمة المتصاعدة إلا أن بقاء ملفات أخرى وفي مقدمها “شروط الحوار السياسي وعمل لجنة الانتخابات” وضع الغاما في طريق الحوار بل وجعل من حظوظ اليمن في توافق بعيدة كثيراً ولا سيما في ظل حرب الاتهامات المتصاعدة بين الحكم والمعارضة بعرقلة مسيرة الحوار . span style=\"color: #800000\"أجواء مشحونة ثمة إجماع بأن تداعيات الأيام الماضية أفرزت مناخاً متأزماً أعاد إلى الأذهان حال الانسداد السياسي الذي وسم العلاقة بين الأحزاب السياسية اليمنية في الأعوام الماضية خصوصاً مع تمترس الأفرقاء في خندق الشروط لمواصلة الحوار السياسي تحت مظلة لجنة الحوار الوطني . بدا ذلك واضحاً في خطاب الأزمات الذي هيمن على بيانات الأحزاب وفي مقدمها المعارضة التي حذرت من “تداعيات سيكون لها عواقب وخيمة” في حال مضي حزب المؤتمر في وضع العراقيل أمام الحوار في إشارة إلى الترتيبات التي شرع بها للتحضير للانتخابات بصورة منفردة ناهيك عن حزب المؤتمر الحاكم الذي حذر هو الآخر من تداعيات كارثية نتيجة إصرار بعض القوى السياسية في عرقلة الحوار الوطني والخروج به إلى مسارات أخرى تستهدف تعميق الأزمات وتأجيل الانتخابات المقبلة . وكان لافتاً اتجاه الحزب الحاكم في خطابه إلى التلويح بالعنف بتأكيد قيادة الجيش بأن “الحوار الذي لا تظلله راية الوحدة ولا تحكمه مصالح الوطن العليا خيانة لن يُسمح بارتكابها”، وأن الديمقراطية التي لا تلتزم بالدستور والقانون ليست ديمقراطية، وإنما فوضى عارمة تشرعن لقانون الغاب ومطالبتها من سمتهم أصحاب المشاريع الصغيرة الكف عن العبث والإضرار بالوطن ومصالحه العليا .إلى تحذيرهم من اللعب بالنار . هذه المعطيات أثارت مخاوف واسعة من تعثر الحوار السياسي ما دعا سياسيين وأكاديميين إلى إطلاق تحذيرات من مخاطر داهمة تنتظر اليمن في حال انهيار عملية الحوار السياسي إلى تأكيدهم بأن إخفاق اللجنة المشتركة المؤلفة من حزب المؤتمر الحاكم وحلفائه وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك وشركائها لا يعني إلا خطوة أولى نحو انتقال اليمن من دائرة الجدل السياسي المدني الديمقراطي إلى مربع العنف . span style=\"color: #800000\"مخاوف التأجيل وفقاً لقياديين في حزب المؤتمر الحاكم فإن قرار البرلمان الشروع في مناقشة مشروع تعديل قانون الانتخابات وشروع اللجنة العليا في إنجاز ترتيباتها وكذلك القرار الذي أصدره الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لتأليف “مرجعية عليا” من رجال الدين للتشاور وإبداء الرأي حيال القضايا الوطنية لم يكن سوى محاولة لإنقاذ البلد من براثن أزمة سعت إليها أطراف سياسية عن طريق الدفع باتجاه تأزيم الحياة السياسية وافتعال الأزمات، وأخيراً وضع العراقيل أمام لجنة الحوار الوطني واستخدامها شماعة لمخطط تأجيل الانتخابات للمرة الثانية في مخالفة للدستور . ويشير هؤلاء إلى أن ملامح هذا السيناريو بدت واضحة في عمليات تحريض وتعبئة الشارع في المحافظات الجنوبية التي شهدت عمليات تخريب واسعة النطاق تستهدف الدولة وأمن المجتمع، كما بدت واضحة في ارتهان بعض الأحزاب السياسية لقوى بداخلها تدفع باتجاه تأزيم الأوضاع من طريق عرقلة أي خطوات للتحضير للانتخابات النيابية في موعدها الدستوري في أبريل/ نيسان ،2011 ومحاولة توظيف لجنة الحوار الوطني لصالح إنجاح مشروعها في التأجيل للمرة الثانية بما يتعارض مع اتفاق فبراير/ شباط 2009 الموقع بين الأحزاب في الحكم المعارضة والذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات سنتين . وذهب حزب المؤتمر إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن “من يسعون إلى تأجيل الانتخابات وتفخيخ الحوار السياسي لا يسعون فقط إلى إجهاض فرص الحوار والتوصل إلى توافق وطني حول القضايا التي سيجري التحاور بشأنها، بل إنهم يرمون إلى الزج بالبلاد في أتون الفوضى والانفلات العارم” . span style=\"color: #800000\"شروط سياسية حتى اليوم لم تقدم المعارضة تصوراً بشأن الانتخابات النيابية المقبلة كما لم تطرح تصورات بشأن كيفية إدارتها وفقاً لاتفاق شباط 2009 الذي نص على تنظيمها في نيسان 2011 في حين لم يبق على هذا الموعد هناك سوى خمسة أشهر في حين أنها أعلنت في غير مرة تمسكها بالاتفاقات الموقعة مع الحاكم وبالحوار الوطني المفضي إلى توافق بشأن القضايا المختلفة ومنها ملف الانتخابات وتعديلات القانون الانتخابي . وتحمل المعارضة الحزب الحاكم مسؤولية الأزمة الراهنة كونه أخل بالتزاماته في اتفاق شباط ،2009 وظل طيلة الفترة الماضية يماطل في الحوار ما أدى إلى ضياع الكثير من الوقت سعيا لوضع الجميع في مربع الأمر الواقع . وتتحدث المعارضة عن عراقيل ومعوقات عديدة وضعتها السلطة ولا تزال أمام مسار التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل ومنها إعطاؤه الضوء الأخضر للجنة العليا للانتخابات فاقدة الشرعية للتحضير للعملية الانتخابية خارج دائرة التوافق الوطني والمماطلة في تنفيذ الإجراءات المتعلقة بتهيئة الأجواء والمناخات التي نص عليها اتفاق شباط ،2009 وعدم استكمال الإفراج عن المعتقلين المشمولين في خطاب رئيس الجمهورية لمناسبة الذكرى العشرين للوحدة، واستمرار الأجهزة الإعلامية الرسمية الممولة بالمال العام من مخالفة الضوابط المتفق عليها ما أدى ويؤدي إلى تعكير أجواء التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل، فضلاً عن قيام السلطة بتنفيذ إجراءات اقتصادية زادت من معانات المواطنين واستمرارها في انتهاك الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور وبالأخص حقوق وحريات الناشطين السياسيين والصحفيين مما انعكس بدوره سلباً على المناخ المطلوب لإنجاح التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل . span style=\"color: #800000\"تباينات واتهامات رغم مبادرات التهدئة الأخيرة التي ظهرت في قرار الرئيس اليمني سحب مشروع تعديل قانون الانتخابات من البرلمان فان التباينات بين الأحزاب السياسية اليمنية في شأن تنظيم الانتخابات النيابية في موعدها المحدد في أبريل/ نيسان ،2011 وكذلك عمل اللجنة العليا للانتخابات والتوتر الحاصل في المحافظات الجنوبية لا تزال تمثل جداراً أمام مسيرة الحوار السياسي . وتؤكد أحزاب المعارضة على أهمية أن يلبي الحاكم إلغاء الخطوات التي اتخذتها اللجنة العليا للانتخابات في التحضير لانتخابات صيف 2011 وتأجيل أي خطوات في هذا الجانب لحين التوصل إلى توافق تحت مظلة لجنة الحوار الوطني لضمان انتخابات نزيهة وحرة وعادلة تلبي مطالب المجتمع في التغيير وتطوير التجربة الانتخابية الذي ظلت مدى السنوات الماضية تعيد أنتاج الأزمات في اليمن بصور مختلفة . span style=\"color: #800000\"موقف معارض ولم تخل ردود فعل الحزب الحاكم من خطاب تخوين واتهامات إذ رأى قياديون أن الشروط التي تطرحها المعارضة لمواصلة الحوار الوطني مقابل تأجيل أي خطوات بشأن التحضير للانتخابات لحين التوافق بشأنها بما في ذلك التوافق على تعديل قانون الانتخابات، ليس سوى محاولة لزرع ألغام في أرضية الحوار السياسي . وإلى ذلك فان محاولتها الخلط بين إجراء الانتخابات في موعدها والحوار يخفي مقاصد غير بريئة وفيه استهداف للحوار والديمقراطية في آن، كما أن الشروط التي تطرحها المعارضة في هذا الإطار غير منطقية إلا إذا فسرت وفقاً لتوجهاتها بعد التوقيع على اتفاق شباط ،2009 على أنها مصّرة على تلك المواقف السياسية الرافضة للحوار تحت ذرائع مختلفة وغير منطقية ما يعني الإصرار على إفراغ الديمقراطية التعددية من محتواها . ويشير هؤلاء إلى أن عودة أحزاب المعارضة إلى وضع الشروط من جديد ليس له معنى سوى نصب الافخاخ وزرع العراقيل في طريق الحوار للهروب منه عبر هذه الشروط التي ليست إلاّ ذرائع ومبررات تم تجاوزها بالاتفاقات والتوافق على إجرائه مع إمكانية التوافق على متطلبات تسوية الملعب الانتخابي بصورة ضامنة لحريتها ونزاهتها وشفافيتها . span style=\"color: #800000\"مخاوف المستقبل يتفق كثيرون على أن سيناريوهات كارثية تنتظر اليمن في حال لم توفق الأحزاب السياسية في استثمار “الفرصة الأخيرة” لإدارة حوار تحت مظلة لجنة الحوار الوطني وبمشاركة كافة الأطراف بما في ذلك قوى المعارضة في الخارج والحراك الجنوبي والحوثيون وغيرهم . ويرى الدكتور محمد الظاهري أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن القلق من اخفاق هذه الفرصة يكمن في إمكان وصول أطراف العملية السياسية في اليمن إلى غياب الثقة السياسية في ما بينهم، والدفع بالمعارضة السلمية إلى الانتقال إلى مربع العنف . ويشير إلى أن هناك معارضتين في اليمن “معارضة عنيفة ثمة مخاوف من أن تتسع في إطار نياتها تحقيق مطالبها وأخرى سلمية تتمثل بأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك وشركائه ويخشى أن تصل إلى مرحلة تفقد معها الأمل في الاستمرار بهذا الطريق خصوصاً وهي مهددة بأن تفقد بعض مناصريها أو عدداً من كوادرها إذا استمرت في هذا التعقل الزائد ولا تتخذ مواقف واضحة حيال ما يحدث . وفي ظل العراقيل التي توضع أمام عمليات التهيئة للحوار السياسي الحاصل اليوم يرى الدكتور الظاهري أن هناك مخاوف من أن تتحول العملية إلى حوار شكلي قد لا يساعد أحزاب المعارضة حتى في إقناع شركائها وحلفائها بجدواه . ويشير إلى أن هناك حاجة إلى زرع الثقة بدلاً من وضع العراقيل والأشواك أمام الحوار، كما أن هناك حاجة إلى فتح نافذة أمل للمعارضة السلمية بدلاً من أن ندفعها باتجاه مربع العنف.