شرطة تعز تعلن القبض على ثلاثة متورطين في جريمة اغتيال أفتهان المشهري    تنفيذية انتقالي كرش تناقش الأوضاع المعيشية والأمنية بالمديرية    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    السعودية تعلن عن دعم اقتصادي تنموي لليمن    عطوان يصف تهديدات كاتس بالهذيان! ويتحدا ارسال دبابة واحدة الى صنعاء؟    مساء الغد.. المنتخب الوطني للناشئين يواجه قطر في كأس الخليج    صلاح يتقدم على سلم ترتيب أفضل صانعي الأهداف في تاريخ البريميرليغ    شباب المعافر سطروا تاريخهم بقلم من ذهب..    الكابتن محمد جعبل يغادر المستشفى بعد تماثله للشفاء    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    توزيع 25 ألف وجبة غذائية للفقراء في مديرية الوحدة    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    عبدالله العليمي: الدعم السعودي الجديد للاقتصاد اليمني امتداد لمواقف المملكة الأصيلة    ضرورة مناصفة الانتقالي في اللجنة القانونية: لتأمين حقوق الجنوب    رئيس الإصلاح: لمسنا في تهاني ذكرى التأسيس دفء العلاقة مع القوى الوطنية    عرض كشفي مهيب في صنعاء بثورة 21 سبتمبر    "العفو الدولية": "الفيتو" الأمريكي السادس ضد غزة ضوء أخضر لاستمرار الإبادة    فعالية لأمن محافظة ذمار بالعيد أل11 لثورة 21 من سبتمبر    قذائف مبابي وميليتاو تعبر بريال مدريد فخ إسبانيول    وزير الخدمة يرأس اجتماعا للجان دمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    تعز.. خسائر فادحة يتسبب بها حريق الحوبان    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من 6 محافظات    0محمد اليدومي والإصلاح.. الوجه اليمني لانتهازية الإخوان    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    هولوكست القرن 21    نزال من العيار الثقيل يجمع الأقرع وجلال في نصف نهائي بطولة المقاتلين المحترفين بالرياض    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    وكالة تكشف عن توجه ترامب لإصدار مرسوم يرفع رسوم تأشيرة العمل إلى الولايات المتحدة    الصحفي الذي يعرف كل شيء    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قلت ما يجب أن يقال    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الانتقالية ,, هكذا ينبغي ان تكون ,,
نشر في عدن أون لاين يوم 26 - 01 - 2013

جاءت الشريعة المحمدية الخاتمة , بثورة شاملة في المفاهيم والاعتقادات والتصورات , اعادت صياغة منظومة متكاملة من القيم والمبادئ في شتى الجوانب التي تهم حياة الانسان وكرامته وتحفظ له كلياته العامة الخمس , دينه ونفسه وعقله ونسله وماله , تلك الشريعة التي اسست ودعت وشجعت وحفزت كل مصلحة تحفظ حقوق الانسان وحرياته في العبادات والمعاملات وسائر شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,,
وفي مقالنا اليوم سنحاول عزيزي القارئ ان ندلو بدلونا في احدى الملفات الساخنة على ساحتنا وما اكثرها , سنعبر سوية ونحن نستند الي قول الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) , الي موضوع العدالة الانتقالية , مفهوما ومنطوقا , وسنستجلي تجارب سبقت في هذا المجال , ونتساءل , ما المعايير الاساسية وما المبادئ المطلوبة للعدالة المنشودة , وكيف نضبط هذا المفهوم ونفقه احتياجاته ومستلزماته , وأين تقع المصلحة الشرعية والتشريعية التي يكفلها مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الذي اختلف المختلفون حوله وحواليه , وما حال العدالة الانتقالية في مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة , وهل بالإمكان ان ترتفع النسب المتوقعة للنجاح في تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية , والمصالحة الوطنية في بلادنا
بداية , نحن متفقون على ان العدالة مطلب جوهري من اهم مطالب ثورات الربيع العربي التي قامت في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والعراق الان , ومتفقون ايضا انه مفهوم واسع يندرج تحته معانى عظيمة وأقسام متعددة منها , العدالة الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والجنائية ,,,
والعدالة في اللغة تعتبر مصدر مشتق من العدل الذي هو ضد الجور والظلم , وقد نص عليه القرآن الكريم في مواضع متعددة منها قول الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ) , و( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ) , ولقد وردت احاديث وآثار لا حصر لها , تؤكد تأصل وترسخ هذا المعنى في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام منها ( انما اهلك الذين من قبلكم انهم اذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد , واني والذي نفسي بيده لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) , وقوله حين كان في سفر وقام صلوات الله عليه بمهمة جمع الحطب وقال : ( اكره ان اتميز عليكم ) , وقول عمر لزوجته التي صنعت حلوى بالزيادة التي فاضت من القوت اليومي المخصص له ( هذه زيادة , فقومي لبيت المال رديها ) و ( ومتى استعبدتم الناس ) و ( ودس على خذي تكفيرا لذنبي ) و ( فوالله ما انصفناه ) في الشيخ اليهودي الذي اسقط عنه الجزية ووفر له عمر معاش من بيت المال ,, وغيرها كثير , هذا هو العدل ,
اما العدالة فقد وجدناها بإشكالها المتعددة في السياسة الشرعية , التي تعنى بأمور الحكم وتدبر سياسته , ومن امثلتها السريعة , رفض عمر الفاروق لتقسيم الاراضي المفتوحة في العراق والشام ومصر على المقاتلين الذين فتحوها وفضل تركها وقف لأهلها وللأجيال المتعاقبة , و قضية فرض التسعير الذي كان منهى عنه كمثال اخر , حرص عمر في المثالين على تحقيق العدالة الاجتماعية التي يجب ان تراعى فيها المصالح المشروعة والمعتبرة للأغلبية ان لم يكن الجميع ,,,
ولكن ما العدالة الانتقالية ؟ وما حالها ؟
العدالة الانتقالية تعنى تحقيق العدل والإنصاف للضحايا المنتهكة حقوقهم وحرياتهم اثناء فترة الانتقال من مرحلة النزاعات المسلحة الي مرحلة التأسيس لانتقال سلمي ديمقراطي للسلطة , وعندنا تجربة عدالة انتقالية مازالت خطواتها متعثرة وبطيئة , بل ملغومة ومهددة بالانفجار وهي تخطو في سعيها الحثيث للتخلص من التركة الثقيلة التي تم توريثها من الحكم العائلي الاستبدادي ,,
وكما تعرفون اعزائي , فان هذا المفهوم يحمل في طياته العديد من التحديات الصعبة التي تحتاج بداية الي ارادة سياسية حقيقية , وتصميم جبار من الثوار لتحقيق اهداف ثورة التغيير والمرور الي بناء السلام الدائم الذي يعزز التنمية المستدامة , ويدعم الانتقال الديمقراطي السلمي , ويعالج الانتهاكات ويحاسب مرتكبيها ويجبر ضرر الضحايا , ويشرع لإصلاحات قانونية ومؤسسية لازمة لإنجاح التجربة التى تخوض مخاضها العسير ,,
في الحقيقة , عند دراسة التجارب العالمية في مسالة العدالة الانتقالية , كالتجربة الالمانية والتجربة الارجنتينية , وتجربة جنوب افريقيا , وتجربة تشيلي , وتجربة المغرب , وتونس ومصر , سنجد انه حدثت منذ سبعينيات القرن العشرين حوالي 30 حالة صراعات سياسية طبقت فيها معايير العدالة الانتقالية بإشكالها المختلفة , من التحكيم , والاهتمام بالحقائق , والتعويض , وتطبيق المحاكمات وغيرها ,,,
,,, وكان القاسم المشترك بين العديد من تلك التجارب هو مسالة لجان الحقيقة , بمعنى اللجان الوطنية التي انشئت والتي كانت تسعى لتقصي الحقيقة , والبحث عن الاسباب الرئيسية التي ادت الي الصراعات السياسية , وبخاصة في المؤسسات التي تتبع الدولة مثل المؤسسة العسكرية والأمنية , بهدف وضع الحلول والمعالجات للعديد من الممارسات الخاطئة والقيم السلبية السائدة في تلك المؤسسات , لضمان عدم تكرارها مستقبلا ,,
وفي بلادنا نصت التسوية السياسية في احد بنودها على اقرار قانون للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية , وبعد مرور اكثر من 15 شهر منذ توقيع المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية في 23/11/2011م , , لم ينجح الفرقاء السياسيين في تقديم مشروع للعدالة الانتقالية يفي بالغرض من اقرارها في انهاء الانقسام ونزع فتيل الصراع وتعويض المتضررين ومحاكمة المتسببين في الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب التي حدثت ,
وللأسف الشديد قامت القوى السياسية التي تمثل الثورة بتقديم حصانة للطاغية وزبانيته بدون ادنى مقابل , وها نحن اليوم نجني ثمار تلك السياسات البليدة , وما العجز عن الاتفاق على مشروع القانون القديم او الجديد للعدالة الانتقالية على عيوبه وعلاته , في مجلس الوزراء او مجلس النواب إلا انموذجا لذلك الفشل الذريع في ادارة العملية السياسية , حيث يصر المخلوع وأذنابه في حكومة الوفاق على عرقلة التسوية , وتصل حماقة ووقاحة بعضهم الي رفض مشروع القانون بكل ما فيه فلا يعترفون بثورة ولا بضحايا ولا بتعويض ويقاومون بشراسة فكرة انشاء لجنة تتقصى الحقائق , لأنهم يعرفون جيدا نتائجها سلفا , تلك النتائج التي ستفضح جرائمهم امام الشعب والعالم ,,
هكذا ينبغي ان تكون ,,
وفي الواقع عند التعمق في التشريع الذي تقدم به الساسة في مشروعي قانوني العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في نسختيه القديم الذي لم يتفق عليه والجديد الذي قدمه الرئيس عبدربه منصور هادي الي مجلس النواب لإقراره ورفضته احزاب اللقاء المشترك , سنجد ان القانونين اتفقا في تعريف المصالحة الوطنية على انها عملية للتوافق الوطني على اساسها تنشا علاقة بين الاطراف السياسية والمجتمعية قائمة على التسامح والعدل وإزالة اثار صراعات وانتهاكات الماضي من خلال مجموعة من الاجراءات المنصوص عليها بهذا القانون والقوانين الاخرى الهادفة الي تحقيق الامن والسلام الاجتماعي والمصالحة بين افراد المجتمع ,,,
وباعتقادي هذا التعريف غير كاف ويجعل العدالة شئ هلامي غير قابل للامساك او القياس , ويصورها وكأنها شبح مهما اجتهدنا في مطاردته فالنتيجة سراب ولا فائدة منها , تكاد تلمس انعدام الرؤية المتكاملة في مشروعي القانونين وبالتالي في رؤوس من قدمه لنا ,,,,
ان العدالة الانتقالية ليست فقط تقصي للحقائق او كشف للحقيقة او اصدار قوانين جديدة , او اصلاح للمؤسسات العامة , بل العدالة الانتقالية مفهوم اكبر من ذلك وأعمق بكثير , وترتكز على منظومة تعتمد على مدى النجاح في رد حقوق الضحايا , وما التعويض المادي او المعنوى الا جزء فرعي في هذه المنظومة , اما الجزء الاساسي فيها برأي فهو وجوب محاكمة كبار مجرمي النظام السابق , تجار الحروب , تلك الحرب التي اشعلوها ضد الشعب الذي ثار لإسقاط ظلمهم وجبروتهم , فساموه سوء العذاب , الحرب التي دفع ثمنها الشهداء والمواطنين الأبرياء ,, هذا هو جوهر العدالة ولبها وقاعدتها الاساسية ,, وبهذا فقط تكون العدالة مع هؤلاء , وهكذا فقط ينبغي ان تكون ,, وبهذا فقط نستطيع ان نضبط مفهوم العدالة على معايير فقه القيم الذي يحفظ الدماء ويرعى الحقوق ويدافع عن المظلومين والمنكوبين , وإلا فلا حاجة لنا لهدير السياسيين وجعجعاتهم الجوفاء حتى الان ,,,
مبادئ العدالة الانتقالية
واليكم أهم مبادئ العدالة الانتقالية التي ندعو الي ادراجها في قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وسنسردها بالشكل التالي :
- كشف حقيقة ما حدث من انتهاكات لحقوق الانسان وخصوصا في المؤسسات والأجهزة العامة ومنها المؤسسة العسكرية والأمنية , وفضح المتسببين فيها امام الرأي العام المحلي والدولي ,,
- حق الضحايا في جبر ضررهم وتعويضهم تعويضا عادلا حق اساسي ولا يتنافى التعويض الذي تقدمه الدولة مع حق الضحايا في محاكمة الجناة , ولا يعتبر التعويض تنازلا عن المحاكمة بأي حال من الاحوال , والمطالبة بالقصاص او بإسقاطه او العفو عنه هو من حق اولياء الدم والمتضررين فقط ولا يجوز لأحد التعدي على هذا الحق او مصادرته ,,
- التعويض للضحايا وجبر ضررهم يعنى اعتراف من قبل المجتمع والدولة بفضل تضحيات هؤلاء المتضررين , ويعنى بالضرورة التكريم المعنوي الكبير لهم ولأسرهم , والتعويض لا يكون فقط تعويض مادي بل لابد ان يصاحبه التعويض المعنوي الذي يتمثل في اقامة المتاحف والمعارض والنصب التذكارية وإطلاق اسماء الشهداء على الشوارع , وتحديد يوم 11 فبراير كعيد وطني للثورة الشبابية الشعبية السلمية , وغيرها من الامور التي تجعل الثورة حاضرة في ذاكرة الوطن وضمير الاجيال المتعاقبة ,,,
- تعتبر محاكمة ومعاقبة المتسببين في جرائم القتل والجرح والتعذيب والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وغيرها من الانتهاكات هي العمود الفقري لأية عدالة انتقالية , وضمانة اكيدة للانتقال السلمي نحو التحول الديمقراطي بسلاسة وشفافية , ونحو المصالحة الوطنية على اسس العدل والمساواة والكرامة ,, ,
- الجرائم الجنائية التي ارتكبت بحق الافراد والممتلكات والمدن والقرى جرائم لا تسقط بالتقادم وحق الضحايا في اللجوء الي القضاء حق اصيل يجب ان ينص عليه القانون الانتقالي ,,
- الاصلاح المؤسسي يقوم على دراسة الاسباب التي ادت الي الممارسات الاجرامية في مؤسسات الدولة العامة ووضع المعالجات لتلك الاختلالات حتى نمنع تكرار ما حدث ,,
- صلاحيات واختصاصات هيئة الانصاف والمصالحة الوطنية , لابد ان تكون الهيئة مستقلة ويشترك فيها كافة اطياف المجتمع وتشكيلاته وقواه السياسية والاجتماعية , على ان تضم في عضويتها ممثلين عن الضحايا وبخاصة الشهداء وممثلين عن منظمات المجتمع المدني , وممثلين عن السلطة القضائية ومتخصصين في القانون وعلم الاجتماع وعلم والنفس وغيرها من التخصصات الهامة ,
- لابد من ضبط الخلط العجيب في صلاحيات الهيئة والتوسع الحاصل في منح السلطات المتداخلة بمشروعي القانون والتي منها (سلطة استدعاء أي فرد او مسئول او شهود , سلطة الحق في الحصول على المعلومات بكافة الوسائل القانونية ومن أي مصدر , سلطة تحري وتقصي , سلطة تحقيق في الادعاءات بموجب جميع الشكاوى والبلاغات المقدمة اليها بكل الانتهاكات , سلطة استماع الي كافة ضحايا الانتهاكات , وسلطة الضبط القضائي , وسلطة تفتيش الاماكن ومصادرة للأدوات والوسائل التي استخدمت في الانتهاكات التي حدثت , سلطة حكم بمعنى اصدار حكم بالتعويض لجبر الضرر , سلطة بحث عن حالات الاختفاء القسري , وسلطة حماية للشهود والضحايا ) , كل هذا سيجعل تحقيق الهيئة لمهامها من الناحية العملية في حكم المستحيل , لان اطلاق صلاحيات الهيئة سيدخلنا في مواجهات حقيقة مع المؤسسات الرسمية للدولة كالنيابات والمحاكم , وسيتصادم عمل الهيئة فعليا مع القوانين السارية المفعول , ولابد من اعادة ضبط الصلاحيات بشكل اكثر وضوحا ودقة ,,,
- نقترح انشاء نيابة متخصصة بقضايا العدالة الانتقالية اسوة بنيابة الاموال العامة والنيابة الجزائية المتخصصة بقضايا الارهاب , مع انشاء محكمة متخصصة لذات الغرض , لأنها المؤسسات المخولة قانونا خصوصا والنيابات بالفعل لديها ملفات لانتهاكات والأدلة القانونية التي جمعت في حينها , وقد قطعت النيابة والمحاكم شوط في متابعة تلك القضايا وقد صدرت احكام بالفعل بحق من ارتكبوا جرائم بحق المتظاهرين السلميين ,,
- ضبط العلاقة بين الهيئة والمحكمة المختصة بحيث يعطى الحق لأي شخص في الالتجاء الي القضاء للمطالبة بحقوقه مع اعطاء الاولوية للهيئة فان عجزت عن الحل الودي حول الملف الي المحكمة المتخصصة للبت فيها على وجه السرعة والاستعجال ,
- اعطاء الهيئة مهمة الاشراف والمتابعة والتنسيق مع الجهات القضائية التي ذكرناها في الفقرة السابقة , مع بقية الاختصاصات التي وردت في الاسباب التي دعت الي انشاء تلك الهيئة ,,
- انشا لجان مجتمعية مساعدة يشارك فيها المجتمع في كشف الحقائق ووضع المعالجات التي تصب في خدمة قضية العدالة الانتقالية , ومن امثلة اللجان , لجنة المرأة والطفل , ولجنة للانتهاكات التى وقعت على موظفي الدولة , الطلاب والطالبات في الجامعات والمدارس , لأصحاب السواعد السمراء ,وأصحاب الاحتياجات الخاصة , للمعتقلين , للنشطاء الذين تعرضوا للتعذيب , للشهداء , للمخفيين قسريا , ولغيرهم ,,
- اقتصار المصالحة الوطنية على مدة السنة التي تفجرت فيها الاحداث الدامية كما جاء في مشروع القانون الجديد , او قصرها على الاحداث منذ 1990 في المشروع السابق فيه نوع من القصور , وباعتقادي ستظل هناك ملفات مفتوحة تنغص وتحجم أي انجاز على مستوى المصالحة والسلم الاجتماعي والاستقرار , لذلك نقترح مد الفترة منذ تولي صالح نهاية السبعينات وحتى صدور القانون ,
- لنجاح الاصلاح المؤسسي المنشود يجب ان تعطي الهيئة صلاحيات واسعة في هذا المجال من فحص المؤسسات , فحص الاداء , الانظمة واللوائح التنظيمية الداخلية , الاداريون , الموظفون , والمؤسسة التي يثبت فسادها او تورطها في انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان بأدلة كافية تحول الي النيابات والمحاكم المتخصصة ,,
- ايضا لأغراض انجاح المصالحة والعدالة الانتقالية لابد ان توجد مادة تنص على الزام الرئيس المخلوع وأفراد عائلته بإعادة الاموال المنهوبة سواء الموجودة داخل اليمن او خارجها , مع امكانية ان تنشا لجنة خاصة باسترداد الاموال تتبع الهيئة مباشرة ,,
- العدالة الانتقالية بحاجة لقانون عزل سياسي لصالح وأقاربه وأذنابه في المؤتمر الشعبي العام الذين يكيلون للوطن كل اشكال التآمر والتخريب , ولابد من اخضاع قضية الممارسات التي يقوم بها الرئيس المخلوع وأذنابه على اساس قانون العدالة الانتقالية وليس على اساس قانون الحصانة المرفوض قلبا وقالبا , , لذلك فإسقاط قانون الحصانة وإخضاعه ورموزه لمبادئ العدالة الانتقالية من خلال تقديمه للمحاكمة هو عين العدالة المنشودة من قبل الثوار والضحايا ,,
العدالة الانتقالية في شرع المصطفى
وأخيرا اختم بمن اشرقت بداية المقال به , بمحمد رسول الله عليه افضل صلوات الله ورحماته وبركاته , نبي العدالة بلا منافس , هناك بعض الكتابات تروج لأفكار غير صحيحة على اطلاقها ومنها ما يتعلق بالعفو العام الذي اصدره رسول الله يوم الفتح حين قال : يا معشر قريش ما ترون اني فاعل بكم ؟ قالوا : اخ كريم وابن اخ كريم , قال : " اذهبوا فانتم الطلقاء " فعفا عنهم بعد ان مكنه الله من رقابهم , فضرب اروع المثل في العفو والصفح عن الجناة بعد القدرة عليهم والتمكن منهم ,,
ونحن نقول ان العفو العام لم يكن شاملا للجميع كما يعتقد البعض , والصحيح ان الرسول امر بقتل كبار مجرمي قريش وأشدهم عداوة للإسلام , وعند ابو بكر الجزائري في كتابه ( هذا الحبيب يا محب ) يعدهم ثمانية مجرمين من الرجال وأربع نسوة , فإما الرجال فهم عكرمة بن ابي جهل , وصفوان بن امية بن خلف , وعبدالله بن سعد بن ابي السرح , وعبدالله بن حنظل , والحارث بن وهب , ومقيس بن صبابة , وعبدالله بن الزبعري , وهبار بن الاسود , وهؤلاء امر بقتلهم قبل توبتهم , وقد تاب واسلم وحسن اسلامه كل من عكرمة وصفوان وعبدالله بن ابي السرح وعبدالله الزبعري , وقتل الاربعة الباقون , وأما النساء فهن هند بنت عتبة , وسارة مولاة عمرو بن عبد المطلب, وقينتا عبدالله بن خطل كانت تغنيان وتهجوان رسول الله , فأسلمت هند , واحدى القينتين , وقتلت الاثنتان الاخريان ,,
وفي كتاب الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري ذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اهدر دماء تسعة نفر من اكابر المجرمين , وأمر بقتلهم وان وجدوا تحت استار الكعبة , وزاد على الرجال عبد العزي بن خطل الذي قتل فعلا وهو متعلقا بأستار الكعبة ,,,
وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمتثل الى قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولى الالباب ) ويؤسس لمرحلة جديدة من العدالة تقوم على التصالح والتسامح وتنهي حقبة طويلة من الصراعات الدموية المسلحة , هو ما نطالب به الان من ضرورة محاكمة كبار مجرمي النظام السابق وتقديمهم للعدالة التي بدون انصافها للشهداء والجرحى والمعتقلين وللمواطنين الابرياء , هؤلاء هم المعنيون الاساسيون بالعدالة , فأنها ستظل اوهام تداعب مخيلة الساسة , وأحلام مسكونة في ضمير الضحايا الذين ينبغي ان لا يظلوا مغلوبين على امرهم الي ما لا نهاية ,,
يقول الشاعر الكبير محمد محمود الزبيري في رائعته التي بعنوان اشجاني وآلامي
في ذمة الشعب اشجاني وآلامي وفي هواه تباريحي وتهيامي
آمنت ان لنا حقا وأن لنا شعبا سينهض من كابوسنا الطامي
وان في ظلمات الغيل مأسدة غضبى على كل خوان وظلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.