(أنتبه يا جمال ،فهناك 99% من الشعب السوري مسيس..) هكذا قال الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي للرئيس جمال عبدالناصر بعدما فرغا لتوهما من التوقيع على اتفاقية الوحدة الفاشلة بين بلديهما مصر وسوريا عام 1958م،ربما كان حدس الرئيس القوتلي ينبئه بالقادم حينها المتمثل بالغطرسة والاستعلاء الذي مارسها الجانب المصري بكل رموز قياداته ربما باستثناء الرئيس جمال عبدالناصر- مع تشكيك البعض لهذا الاستثناء-، والذي أثبتت قادم الأيام حينها ان الشعب السوري فعلا مسيس ومن الصعب أن يمرر الطغاة العتاة ولو باسم الوحدة والقومية تعسفهم وقهرهم ،وطفق الشعب السوري منذ الوهلة الأولى لتدشين الهيمنة الوحدوية يقاوم ويرفض ان تمتهن كرامته ولو باسم الوحدة العربية التي كانت باسمها ترتكب الآثام والجرائم ولا تزال حتى اللحظة وفي اليمن نموذجا لهذا المسلك الوحدوي المشين المتدثر بحكم عربي بحجم الوحدة. وما هي إلا فترة قصيرة استنشق فيها السوريون هواء الحرية من بعد ان تحقق لها الفكاك من ربقة الظلم الوحدوي حتى دخلت في عناء حزب البعث وقهره الذي لا يزال حتى الساعة يبطش (أسده الكاسر) بمثالبه الناشبة بجسم سوريا وشعبها المكلوم الذي لا يجوز له ان يخرج عن طاعة ملك الغابة وكأنه شعب قطعان مواشٍ في غابة موحشة ،وكل هذا باسم التصدي للعدو الصهيوني الذي لم تطلق طلقة واحد بالجولان السوري منذ عام 1967م ولم تستنفر بارجة واحد باللاذقية بوجه طيران بني صهيون وهي تقصف العمق السوري، مثلما تستنفر اليوم لدك أحياء المدينة. انتفضت سوريا اليوم بوجه حكم فاسد قمعي لم يزرع إلا لها غير المآسي وكتم الأنفاس طيلة أربعة عقود عجاف، منذ أن تسنم الأسد الكبير الحكم عنوة مطلع السبعينات ليخلفه شبله الضاري (مبشرا) بعهدٍ جديد بعد أن تم تفصيل جديد للدستور ليناسب حكم الشبل الصغير، وإرجاع إحدى مواده إلى سن الشباب ليتزاوج معها الزعيم الضرورة الجديد بعد وفاة الأب الملهم. ربما من حسن حظ الشعوب العربية ومنها الشعب السوري والشعب اليمني والليبي أنها تقع تحت أنظمة حكم غبية وان كانت قمعية، فهذه الأنظمة تلوك بكل غباء نفس العبارات وهي تقمع شعوبها حتى افتضح غبائها وجعلت من نفسها مسخرة أمام العالم.،فالإرهاب والجماعات المسلحة هي نفس العبارة التي يستخدمها إعلام هؤلاء الأغبياء. ففي الوقت الذي يتحدث فيه بعث سوريا عن انه يواجه مجموعات مسلحة يعلن عن إلغاء قانون الطوارئ المفروض منذ أكثر من أربعة عقود، فان كان هذا النظام فعلا يواجه جماعات مسلحة حد زعمه فلماذا يلغي قانون أحكام عرفية هو بأشد الحاجة له؟ الجواب بكل بساطة هو ان النظام البعثي يعرف أكثر من غيره انه أمام ثورة شعبية فجرتها عقود من الضيم والقهر ومصادرة الحريات ولهذا فقد عمد إلى إلغاء القانون انف الذكر كنوع من استرضاء الشعب وتخفيف عنه حلقات القهر التي تلف عنقه. أمعن الطغاة بظلمهم ونسوا أنهم أمام شعوب وان طال صبرها تحت ساطور الجزار إلا انه شعوب مسيسة بامتياز وحين تنتفض لا تستطيع آلة القمع بكل جبروتها ولا بأكاذيب إعلامها كبح جماح ثورة شعوب فلتت من عقال القهر والهوان، وقد فطن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لسجية هذه الشعوب مبكرا ومنها سجية الشعب السوري الحر ومنحه حرية الانفصال المشرف عوضا عن التوحد المذل ،بعد أن شوه بحلم التوحد غطرسة صبيان الحكم المحيطين به، ولم يفطن أغبياء الحكم اليوم في صنعاء ودمشق وطرابلس الغرب والقاهرة وغيرها من الدول العربية التي لا تزال ترزح دون حراك لها تحت هيمنة أوغاد الحكم القمعي لحقيقة أن الشعوب العربية تصبر طويلا وتعاقب وبيلا وتشرع بعد ذاك لترتيب الدنيا. *خاتمة بطعم المر مع الشاعر احمد مطر: (لمن نشكو مآسينا ؟ومن يُصغي لشكوانا ويُجدينا ؟أنشكو موتنا ذلاً لوالينا ؟وهل موتٌ سيحيينا ؟! قطيعٌ نحنُ .. والجزار راعينا ومنفيون .. نمشي في أراضينا ونحملُ نعشنا قسرًا ... بأيدينا ونُعربُ عن تعازينا .. لنا .. فينا !!!فوالينا .. أدام الله والينا رآنا أمةً وسطًا فما أبقى لنا دنيا..ولا أبقى لنا دينا !! [email protected]