الكشف عن مصير الحوالات الخارجية الوادرة عبر البنوك الموقوفة.. وموعد بدء سريان قرار البنك المركزي في عدن    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    جماعة الحوثي تطلب تدخل هذا الطرف الدولي لوقف تصعيد الشرعية وقرارات "مركزي عدن"    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    "إنهم خطرون".. مسؤول أمريكي يكشف نقاط القوة لدى الحوثيين ومصير العمليات بالبحر الأحمر    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
العراف «التقدمي» قد أشار عليه بالانضمام إلى الوحدة، ولم يكن عبدالناصر وفقاً لمقولة هيكل، مقتنعاً بخطوة الإمام، إلا أن شكري القوتلي أقنعه، وكان للقوتلي حجة في ذلك أولاً: رأى أن إجابة طلب الإمام خطوة وحدوية لايجب التردد فيها، وثانياً: إنها تفتح طريقاً للحضارة حتى تدخل اليمن وثالثاً: أن قبول اليمن في دولة الوحدة من شأنه أن يخفف الضغط على العناصر الوطنية في اليمن ذاتها، ورابعاً: إذا لم يقبل طلب الإمام، فمعنى ذلك أن يترك للآخرين لكي يضموه إليهم، وكان هناك اتحاد هاشمي عراقي أردني يجري التحضير له وكان هناك خلاف مصري سعودي نشأ بسبب الموقف المتباين من مشروع «ايزنهاور» وكانت الدعاية المضادة للوحدة، توحي وكأن الوحدة قد جاءت باعتبارها عملاً مضاداً للملوك، وعلق هيكل بعد ذلك بثلاث سنوات، فقال: وليس ذنب القوتلي أنها لم تكن خطوة نحو الوحدة، وأنها لم تفتح طريقاً ولو لشعاع ينفذ بالحضارة داخل اليمن، كانت في الواقع خطوة عاطفية غطت على الحقيقة.
وفي نفس الوقت أبرق الإمام إلى الملك سعود يبلغه قراره بالاتحاد مع مصر وسوريا، قائلاً في برقيته «إن وحدة العرب هي الأمنية الكبرى التي كنا ننتظرها ونجاهد في سبيل تحقيقها، وهي الطريق لقوة العرب وتصفية الاستعمار في وطنهم.
وفي 5 فبراير 8591 وصل البدر إلى القاهرة، يحمل معه مقترحات والده، واستقبله عبدالناصر وبدأت المباحثات الرسمية بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة، ومثل اليمن فيها وفد برئاسة البدر ولي العهد، فيما ترأس وفد الجمهورية العربية المتحدة علي صبري وزير شئون القصر الجمهوري.
ولم يواجه المتفاوضون صعوبة في التوصل إلى صيغة اتحادية مقبولة من الطرفين، وهذه الصيغة نقلها البدر إلى والده للاطلاع عليها، والإذن بإبرامها وبعد موافقته عاد الأمير البدر إلى القاهرة ومن القاهرة إلى دمشق فبلغها في 2 مارس 8591 وكان عبدالناصر قد سبقه إليها في أول زيارة له كرئيس للجمهورية العربية المتحدة حيث استقبلته دمشق استقبال العظماء، تلهج الألسن باسمه، وتخفق القلوب بحبه.
وفي 8 مارس 8591 أعلن عبدالناصر عن قيام اتحاد الدول العربية بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة أمام حشد كبير من الجمهور السوري واللبناني، وقد أشاد عبدالناصر في خطابه هذا بموقف الإمام أحمد، الذي كان أول المتحمسين للانضمام إلى الوحدة العربية، وقال إن موقفه هذا «إنما يعبر عن الأهداف العربية التي كنا ننادي بها دائماً والتي كان يعمل من أجلها الآباء والأجداد، لقد نسب عبدالناصر الفضل لأهله، واعتبر خطوة الإمام أحمد نحو الوحدة عملاً إيجابياً دون أن يقلل من جهود البدر الذي بدا أكثر حماساً للوحدة، وكان الأقرب إلى أهدافها وشعاراتها، ووقف البدر يخطب في الجموع، مشيداً بجهود عبدالناصر في سبيل تحقيق وحدة الأمة العربية، منبهاً قوى الوحدة إلى المؤامرات الاستعمارية التي مزقت هذه الأمة، وتسعى دائماً إلى تفريقها.
لقد نصت معاهدة الاتحاد على حق كل من اليمن والجمهورية العربية المتحدة في الاحتفاظ بشخصيتها الدولية، مع التزام الدولتين بالسياسة الخارجية التي يضعها المجلس الأعلى للاتحاد وتكوين قوات مسلحة للاتحاد، وتنظيم الاقتصاد على أسس متفق عليها، وأنشأت الاتفاقية «المعاهدة» مجلس أعلى للاتحاد من رؤساء الدول ومجلس اتحادي، وألحقت به ثلاثة مجالس، واحد للدفاع وآخر للاقتصاد، وثالث للثقافة.
ونصت بقية مواد المعاهدة على أمور عديدة تتعلق بتنظيم العلاقة بين أجهزة الاتحاد المختلفة وأكدت مواد أخرى على إقامة مؤسسة نقدية، وإصدار عملة يمنية جديدة ولم تكن هناك عملة يمنية قديمة وحددت مواد أخرى النظام الدفاعي واختصاصات القائد العام للقوات المسلحة، ورئاسة هيئة الأركان، كما نصت بقية المواد على تأسيس مجلس للثقافة، وآخر للاقتصاد وتحديد مهامهما واختصاصاتهما.
وأعلن عن تعيين المشير عبدالحكيم عامر قائداً عاماً للقوات المسلحة لقوات الدول العربية المتحدة، وتأليف المجلس الاتحادي من 21 عضواً ستة يمثلون الجمهورية العربية المتحدة، وستة آخرون يمثلون اليمن، واختيرت الحديدة مقراً دائماً للاتحاد، والقاهرة مقراً مؤقتاً، واتفق على أن ينعقد المجلس دورياً، كما تحولت المفوضيات في كل من القاهرة وصنعاء إلى دار للنيابة «نيابة الاتحاد» بعد الإعلان.
لقد قبل الإمام على مضض ماتم التوصل إليه واعتبر البدر قد تمادى كثيراً فيما تم التوصل إليه مع الجمهورية العربية المتحدة، وهذا هو السبب أن علاقته بالبدر قد تعرضت لشيء من الفتور، وعندما لاحظ أن بعض مواد الاتفاق ستضعه في موقف حرج، منع الحديث عنها في وسائل إعلامه القليلة، وحتى منع البدر من الحديث حول مضمون الاتفاق وهذا مالاحظه المراقبون، وقام بعد ذلك بطرد صحفيين مصريين هما السيدان صلاح جلال مندوب اخر ساعة ومحمد رفعت من دار الهلال، في الوقت الذي كان وفد من بريطانيا يقوم بزيارة رسمية لليمن، وقد احتفى به بصورة ملفتة للانتباه.
لقد استبشر الناس في اليمن خيراً من الاتفاق الجديد، ربما وجدوا فيه للمرة الأولى نافذة يتسرب منها نور يضيء سماء وطنهم المظلمة، ويفتح لهم طريقاً للتقدم والخلاص.
وينفض عنهم غبار الماضي كما توقع «القوتلي» واحتفل أنصار الاتحاد وماأكثرهم بالبدر العائد إلى الحديدة بعد توقيع الاتفاق، وألقيت الخطب التي امتدحت مواقفه الوطنية والقومية، وبالغ بعضهم في وصفه حتى لقبه «بالأمير الجمهوري» ثناءً وتودداً وانتقل الوفد إلى تعز ولقى نفس الترحيب من الجماهير المحتشدة.
رافق البدر في رحلة عودته حسين الشافعي نائباً عن الرئيس جمال عبدالناصر، حاملاً معه تحيات الشعب العربي في الجمهورية العربية المتحدة، وتحيات الزعيم جمال عبدالناصر مهنئاً شعب اليمن بهذا الإنجاز الكبير، وأعلن أن الرئيس عبدالناصر منح الإمام أحمد «قلادة النيل» وأنه كلفه بتقليد هذا الوسام إلى جلالته تقديراً لمواقفه الصادقة والعروبية، مادحاً البدر ووصفه بأنه موضع آمال مواطنيه، ووعد بتقديم المساعدة والمساندة لليمن، كان ذلك من باب إظهار المشاعر والعواطف البعيدة عن الواقع.
ومن باب المجاملة السياسية التي تطلبها الموقف وهي أمور ليس لها مكان لدى الإمام الذي نظر إلى الاتفاق من باب المصالح والمكاسب.
وكما كان للاتفاق أنصاره، كان له معارضوه، الذي رأوا فيه تهديداً لمصالحهم وتقويضاً لمكانتهم، وانتصاراً جديداً للبدر في ساحة الخلاف والصراع معه ومع والده.
وقاد هذه المعارضة الحسن، أو أنصار الحسن إذا أردنا الدقة في التعبير، لأن الحسن لم يكن أمامه في الظاهر سوى تأييد الاتحاد والإشادة به، وبزعامته واعتباره مكسباً كبيراً للأمة.
أو كما قال: إنها إرادة رب العالمين» يريد بها أن يتم نعمته علينا ولو كره الكافرون.
في المقابل كان أنصاره في صنعاء ومناطق أخرى من اليمن يوزعون منشورات تندد بالاتحاد وتحذر من الانضمام إليه، واتهموا مصر بأنها تريد احتلال اليمن عبر المشاريع التحالفية كما وصفوا الاتحاد بأنه واجهة شيوعية، وكانت صور عبدالناصر قد علقت في صنعاء والمدن الرئيسية إلى جانب صور الإمام لكن الإمام رأى إنه مجرد رفع صور عبدالناصر، كان يقلل من مكانته، فأمر بإنزالها، وأعلن أن لا ملكاً سواه.
وأيد الزبيري والنعمان خطوة الإمام، وبالتجربة لم تبهرهم الدعاية الإعلامية التي رافقت قيام الاتحاد، لقد طالبوا بتنفيذ ماتم الاتفاق عليه لقد اعتبروا الاتحاد كلمة موجزة لكل مطالب الإصلاح..على أن يبدأ بتطبيقه، وكأنما كانوا يدركون أن الاتحاد يراد به تحقيق أغراض لا علاقة لها بأهدافه.
وفي الجانب العربي رفضت كل من القدس وبغداد الاعتراف بالجمهورية العربية المتحدة وفي 41 فبراير 8591 أعلنتا عن تأسيس الاتحاد «الهاشمي» بين الأردن والعراق فكان تفسير إعلان قيام الاتحاد الهاشمي في معظم البلدان العربية على أنه رد فعل، لمواجهة النتائج والطاقات التي يحملها ميلاد الجمهورية العربية المتحدة، وبالتأكيد فأنهما نظرتا بخيبة أمل واضحة إلى انضمام اليمن إلى الجمهورية العربية المتحدة، وحاولتا معاً القيام بجهد دبلوماسي للتأثير على القرار اليمني، واحتضنت الرياض لقاء ضم كل من الملك سعود، والأمير البدر، وسمير الرفاعي وزير خارجية الأردن، وبرهان الدين باشا وزير الدولة في حكومة العراق، كان الهدف منه هو ثني اليمن عن قرارها الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة، ولكن الأطراف الثلاثة فشلت في إقناع البدر، وظل اليمن على موقفه، وكان أولى به الانضمام إلى الاتحاد الهاشمي للقرابة الأسرية البعيدة،بين حكام اليمن والعراق والأردن وللتقارب في نظام الحكم، ولم يكتف الإمام برفض الانضمام إليهم بل بادر بدعوتهم للانضمام إلى الجمهورية المتحدة العربية كان الإمام قد اتخذ قراره وفقاً لحسابات خاصة به لم تفهمها الأطراف الأخرى، وكان مقدراً للنتائج التي يمكن أن تترتب على المضي في تنفيذ القرار.
أما الجمهورية العربية المتحدة وبالرغم من إدراكها لما يعنيه قيام الاتحاد في مثل هذه الظروف العربية الحرجة، فإن رئيسها قد بادر إلى تهنئة الملوك الهاشميين بقيام الاتحاد الجديد «الهاشمي» لقد اعتبره بأي صورة من الصور خطوة وحدوية كان يجب الإشادة بها.
وفي نفس الوقت كشفت «الأهرام» يوم 61 فبراير، أي بعد يومين من قيام الاتحاد، عن وثيقة «سرية خطيرة » تؤكد أن إسرائيل قد استشيرت في الاتحاد بين العراق والأردن، وأنها وافقت عليه، لكي تمنع الأردن من الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة، وقد رأت أن في اتحاد الأردن مع العراق أقل خطراً على أمنها من انضمام الأردن إلى مصر وسوريا وربما إنها تلقت ضمانات بأن القوات العراقية لن تدخل الأردن، ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن هذا الموضوع، وقد قصد الأمريكيون أن يقنعوا المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى الاتحاد الهاشمي لكن موقف السعودية كان واضحاً إذ رفضت السعودية الاتحادين، وبقيت على موقف الرفض هذا.
ثم جاءت التطورات في العراق لتقلب موازين القوى في المنطقة حيث سقطت الملكية، وأعلنت الجمهورية في يوليو 8591 وكان حدث الثورة في العراق كبيراً في أثره على الأطراف الإقليمية والدولية، ووقفت مصر إلى جانب الثورة في العراق وكذلك اليمن، حيث قام البدر بزيارة رسمية إلى بغداد في الشهر التالي هنأ قيادة الثورة وأكد أن التوافق في قيادة الاتحاد العربي كان قائماً في مجال السياسة الخارجية برغم أن التغيير جاء بالجمهورية بديلاً عن الملكية، إلا أن الأمر لم يقتصر على ذلك لقد رفعت الثورة في العراق من معنويات المناضلين كما استبشر بها أحرار اليمن ووجدوا فيها نصيراً آخر لمواقفهم ونضالاتهم.
وبعد أشهر أعلن عن أسماء المجلس الاتحادي، وأبلغ الإمام الجمهورية العربية بأسماء مندوبيه في هذا المجلس وهم، محمد بن اسماعيل المنصور، ومحمد علي عثمان، وأحمد محمد الباشا، وحسين علي الويسي، وعبدالرحمن أبو طالب، وأحمد محمد الشامي وعين الإمم حسن بن إبراهيم نائباً عنه في الاتحاد، كما أعلن في القاهرة عن أسماء جانب الجمهورية العربية المتحدة وهم: إحسان الجابري، والشيخ عبدالواحد تاج والدكتور حسن خلف، ورياض الميداني، والقائمقام أحمد أنور، وعدنان الأزهري.
كما أعلن بأن علي الدسوقي سينوب عن الرئيس جمال عبدالناصر في صنعاء وفي 3 سبتمبر أعلن عن افتتاح أول جلسات المجلس الاتحادي بحضور كل من عبدالناصر والبدر.
وأعلن عبدالناصر في هذه الجلسة «أن الشعب العربي كله يؤمن اليوم أن القومية العربية هي سبيل العزة والكرامة، وهي سبيل الحرية، وهي سبيل القوة، فإذا تحققت الحرية، فلابد أن تتحقق القوة، وإذا تحققت القوة أو تحققت الوحدة فلابد أن تتحقق الحرية..لقد حاول الاستعمار بالتفتيت والتقسيم، وحاول بالوقيعة والدس أن يباعد مابين العرب، ويشتت أفكار أبناء الوطن الواحد حتى ينفذ بينهم..ويسيطر عليهم، ولكن الوعي العربي كان أقوى من الاستعمار، وأفطن لقد اكتشف الخديعة لقد تسلحت القومية العربية الوعي وحاربت وكافحت طويلاً..وهي تعرف كل الوسائل التي تعمل على إضعافها.
“ وكان خطاباً شاملاً تناول فيه أهم القضايا الساخنة في العالم، وكانت حينها قضية “ فرموزا” «الصين الوطنية» تكاد تنذر بحرب عالمية جديدة.
وكانت مواقف اتحاد الدول العربية قريبة من مواقف الصين الشعبية، بعيدة عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، إذ وقفت الصين الشعبية تؤازر الشعوب العربية في مواجهتها مع القوى الصهيونية والإمبريالية، وتؤازرها في نضالها من أجل التقدم الاجتماعي والديمقراطي، وقدمت الصين مساعدات كبيرة لليمن، وكذلك آزرت مصر في مواقفها القومية،
لكن اليوم ونحن نقرأ أفكار عبدالناصر يتسرب إلى قلوبنا شيء من الأسى والحزن الشديدين ، لماذا؟ لأن أحلام جيل القومية العربية قد أجهضت، وأن قوى الشر والخديعة التي أشار إليها زعيم القومية العربية قد انتصرت،وأن الوعي العربي الذي تحدث عنه قد تراجع، ومع ذلك فلا يبدو أن أفكار هذا الرجل قد فقدت بريقها ولمعانها وجاذبيتها بالنسبة لجيل وشباب هذا العصر.
نصح أحرار اليمن من الداخل القيادة المصرية بالتحلي بالصبر وهي تتعامل مع الإمام أحمد،ذلك أنهم كانوا على اعتقاد بأن الإمام إنما يريد استخدام الاتحاد والعلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة لكي يحقق أهدافاً غير الأهداف التي وضعت للإتحاد، وهم يعرفون أن حماس البدر وثقته بعبد الناصر لاتغير في الموقف من شيء، إذ يمسك الإمام بمقاليد الأمور في البلاد، وهو وحده الذي يقرر أي السياسات وأي الأهداف يختار. وأيها ينفذ وأيها لا ينفذ...وتوقعوا أن يمضي الاتحاد وبخطى وئيدة بطيئة جداً في أثناء حياة الامام وقد تسرع هذه الخطى إذا تولى البدر الحكم.
وكان تقدير أحرار اليمن صحيحاً، إذا أدركت مصر بعد ذلك، أو هي بدأت تدرك بعد مضي أشهر على قيام الاتحاد ،أن كل مايتم الاتفاق عليه كان يجري تأجيله أو ترحيله من حين لآخر، ولم يتقدم الاتحاد خطوة واحدة إلا ماكان إعلانياً، وبالرغم من أن حماس الجماهير قد ازداد بسبب ما أشعلته الثورة في العراق من إحساس وطني وقومي عارم، تحول مع الأيام إلى رغبة ملحة في انتفاضة مماثلة في اليمن...جعلت الحكام في اليمن في قلق مستمر، وخوف دائم، من المصير المحتوم ، ولكن ربما يلجأ الإمام وولى عهده إلى تنفيذ بعض مواد الميثاق لتهدئة الخواطر، وسوف تعتبر خطوة من هذا النوع يقدم الإمام عليها آخر ورقة يلعب بها لإسكات الشعب الذي يميل كل الميل إلى التغيير.
لقد كانت هناك مشكلة أمام القيادة المصرية في التعامل مع اليمن،وهي أن عليها أن تحقق شيئاً من التوازن في سياساتها الرسمية بين البدر وأحرار اليمن، فقد كان عليها أن تؤكد مساندتها رسمياً للبدر، وفي نفس الوقت كان عليها أن تجد طريقة أخرى لمساندة ودعم الأحرار،يقول فتحي الديب” وفي سبيل إذابة هذه الحساسيات،قمنا وبصفة مستمرة بتزويد البدر بكل ما يحتاجه من خبرة، ولم نتوقف عن إعداده وبكل السبل، وتهيئته ليكون حاكماً عادلاً وصالحاً..ولكن الإمام كان لنا بالمرصاد فكلما خطونا خطوة إلى الأمام حاول أن يعيدنا...خطوات إلى الوراء...واضعاً العراقيل أمامنا، الأمر الذي جعل شهر العسل في العلاقات بيننا وبينه محدودة، وعلاقات الثورة به تتخذ مساراً أشبه بالمد والجزر”
وابتداء من عام 9591 حاولت مصر تقديم المساعدة لليمن عن طريق إقامة الشركات المشتركة ،أو عن طريق إرسال الخبراء من مختلف المجالات بما فيها المجال العسكري، ولكن الإمام كان يتقبل هذه المساعدات بحذر شديد، وبشيء من وسوء الظن، ومرض الإمام ، وغادر اليمن إلى إيطاليا للعلاج، وعند عودته من روما عن طريق البحر، قابله الرئيس عبدالناصر على ظهر السفينة «سدني» وكان ذلك هو اللقاء الثاني والأخير بعد اللقاء الأول في جدة في ابريل 6591م وصدر عن لقاء الرئيس والإمام بيان مقتضب حول وضع الاتحاد بين البلدين، والخطوات المقبلة، والمشروعات المزمع تنفيذها بمقتضى ميثاق الاتحاد، وإنهما «الرئيس والإمام» تبادلا وجهات النظر في سائر شئون العالم العربي، وكان بياناً اعتيادياً وما كان يمكن أن يكون غير ذلك فالإمام العائد من رحلة علاجية كان يعرف أن وضعاً قد استجد في بلاده من بعده، وأن البدر قد استقدم المزيد من الخبراء المصريين في المجالات المختلفة ومنها المجال العسكري.
وكان لديه بعض الشكوك، أن هؤلاء الخبراء قد ساهموا في تأزم الوضع الأمني في البلاد.
وبالرغم من أن الإمام استطاع حتى نهاية 9591 التحكم بحزم في التأثير الذي كانت تحدثه اتفاقية الاتحاد بينه وبين الجمهورية العربية، إلا أنه لم يتمكن من أن يمنع تحول هذه المساعدات فيما بعد إلى عامل ايجابي لصالح قوى التحديث في المجتمع،هذا إلى جانب عوامل أخرى ومؤثرات غير مباشرة كان اليمن يتلقاها، وكان الإمام عاجزاً عن منعها.
وكانت صحف عدن قد انتقدت وضع مندوبي الإمام في الاتحاد ووصفوا بالعاطلين عن العمل، والذي لا فائدة ترجى منهم لليمن أو الاتحاد وكذلك انتقد إحسان الجابري في العام التالي الوضع في الاتحاد ، ورأى أن الوحدة كانت غاية وملاذاً، ولكن الاتحاد قصر عن الوصول إلى هذه الغاية، واعتبر الحالة في اليمن شأناً داخلياً وفي يوليو من العام التالي،سافر إلى اليمن،والتقى هناك بالإمام ربما كان يحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه من الاتحاد المنهار.
وفي يونيو 1691م، اتخذ عبدالناصر عدداً من القرارات الاشتراكية، استهدفت تقنين الملكية الزراعية وتوزيع الأرض على الفلاحين، والقيام بإصلاح زراعي شامل وكان طبيعياً أن لايقبل الإمام هذه الخطوة من حليفة عبدالناصر ،رغم أنها لاتنطبق على اليمن، حتى برغم كونه عضواً في الاتحاد، لكنه كان يعتقد أن تأثيرها قد يمتد إلى بلده ، فتحرك مشاعر المستضعفين وتمدهم بسبب جديد للمقاومة، والتطلع إلى مصر الناصرية، كما أن قادة المجتمع الاقطاعي في اليمن قد رأوا فيها تهديداً حقيقياً لمستقبلهم.
وأدركوا في نفس الوقت أن خلافاتهم مع الثورة المصرية من العمق بحيث لايفيد في تجنبها أي صورة من صور التحالف.
وفي الثامن والعشرين من سبتمبر 1691 حدث الانفصال بين مصر وسوريا، ولم يبد الإمام تأييداً علنياً لما حدث، كان يعرف أن الاقليم السوري لم يدخل في حسابات الربح والخسارة عندما فكر في الانضمام إلى الجمهورية العربية ولم تذكر المصادر موقفاً للبدر، والذي كان متحمساً للوحدة لكن الشارع اليمني عبر عن غضبه لما حدث.
وعمت المظاهرات المدن اليمنية بمافيها العاصمة صنعاء، كرد فعل مباشر على عملية الانفصال وكانت مظاهر الرفض هذه تعبيراً غير مباشراً عن تحول نسبي ولكن نوعي في الوعي الوطني والقومي للجماهير اليمنية، لأن الوحدة كانت نصراً عظيماً للأمة العربية وكان الانفصال هزيمة للمشروع القومي العربي، وأدارت الفرحة بالانفصال برؤوس الأسرة المالكة الحاكمة في اليمن، فترك معظم أفرادها تحفظاتهم جانباً وتناسوا أن مملكتهم الهزيلة عضواً في اتحاد الدول العربية، وراحوا يحتفلون علناً بالمناسبة ويقيمون الولائم والأفراح وكأن كابوساً قد أنزاح من على قلوبهم.
ورغم مظاهر الاحتفاء في الأوساط الرسمية اليمنية بالانفصال، فإن الإمام لم يتخذ بعد قراراً كان يريد أن يستخدم الاتحاد حتى اللحظة الأخيرة، إلا أن الانفصال سمح له بالتعبير عن آرائه شعراً فنظم قصيدته المشهورة حول الموقف في الإجراءات الاشتراكية في مصر وأذيعت القصيدة في إذاعة صنعاء مرات وكان مطلعها:
نصيحة تهدى إلى كل العرب
ذوي البطولات العظام والحسب
نصيحة تحرك الضمائرا
وتوقظ القلوب والمشاعرا
إلى أن يقول:
هيا بنا لوحدة مبنية
على أصول بيننا مرعية
قانونها شريعة الإسلام
قدسية الأوصاف والأحكام
ليس بها شائبة في البدع
تجيز ما الإسلام عنه قد منع
من أخذ مال للناس من أموال
وماتكسبوا من الحلال
بحجة التأميم والمعادلة
بين ذوي المال ومن لا مال له
كان ذلك رأي الإمام فيما حدث ويحدث في مصر حينها لقد اعتبر الإجراءات الاشتراكية منافية للدين ومخالفة للشريعة وانتقد ضمناً الوحدة القائمة إذ دعا في قصيدته إلى وحدة مبنية على أصول يرضاها الجميع، وليس فيها شائبة، ومع ذلك فلم يعلن الانسحاب واكتفى بأن أثار نقطة خلاف رئيسية مع القيادة المصرية وربما رأى في نقد أفكار عبدالناصر التي تغلغلت بين أوساط الشباب وحتى المواطنين العاديين ممايستوجب جعل هذا الخلاف علنياً، وقد اختار الدين مجالاً لهذا الاختلاف لأنه يعتقد أن ذلك كان كافياً لجعل رؤيته سليمة وصحيحة في نظر مواطنيه وجماهير الأمة العربية.
ومن المؤكد أن عبدالناصر قد فكر أكثر من مرة فيما كان يجب اتخاذه قبل وبعد قصيدة الإمام، وفي ظل تعاطي الإمام مع الأهداف العامة للاتحاد، أدرك في وقت مبكر أن الإمام يمارس الخديعة والمراوغة ولكنه كان ينتظر ويتأنى ويجامل لعل شيئاً ما يحدث يغير من سير الأحداث أو يتمكن البدر صديقه الضعيف من فعل شيء يعيد لهذه العلاقة حيويتها أما وقد وصلت الأمور إلى هذا المستوى، فإن العلاج الوحيد الناجح هو في فصم عرى هذه العلاقة، وكشف المستور عن وحدة شكلية احتمى الإمام بها سنوات، وكان ضررها كبيراً على الحركة الوطنية المعارضة في اليمن، والقوى الخيرة في المجتمع اليمني وفي 52ديسمبر نشر في وسائل الإعلام المصرية رغبة مصر في إنهاء الاتحاد مع اليمن.
وفي 62 ديسمبر أعلنت مصر قرارها بحل اتحاد الدول العربية من جانب واحد وجاء في ذكر الأسباب مايلي:
أولاً: انه لايوجد في طبيعة أي من الحكومتين مايجعل قيام هذا الاتحاد أداة سياسية فعالة، قادرة على الإسهام الإيجابي في تطوير النضال العربي، ومن هذا الاختلاف في الطبيعة تختلف نظرة كل منهما للأمور، ومع أن هذ حق ثابت لكل من الحكومتين إلا أنه من المتعين مواجهة هذا الاختلاف بطريقة حاسمة بعد سنوات من التجربة، خصوصاً وأن الجمهورية العربية المتحدة، تشعر بالتزامها المسبق أمام حركة الجماهير العربية سعياً للعدل الاجتماعي.
ثانياً: ان حكومة الجمهورية العربية المتحدة تجد لزاماً عليها أن تحدد موقفها في قضايا الوحدة أو الاتحاد في جلاء لايلابسه شك، وموقف الجمهورية العربية المتحدة أن قضية الوحدة أو الاتحاد لايمكن أن تقوم على أسس صحيحة مالم يكن هناك توافق بينها وبين الأطراف التي يعنيها الأمر، على حلول لمشاكل التطور الاجتماعي، وإن كانت الجمهورية العربية المتحدة تعتقد عن إيمان بأن الاشتراكية هي الحل الصحيح لمشاكل الواقع العربي، فإنها في نفس الوقت وبكل إيمانها الذي لايتزعزع بحتمية الوحدة، ترى أن توافق النظرة الاجتماعية حيوي لإنجاح تجربة الوحدة.
ثالثاً: إن حكومة الجمهورية العربية المتحدة، أقبلت على خطوة إقامة الاتحاد العربي ويملؤها الآمال بأن تستطيع هذه الخطوة أن تكون أداة في خدمة الشعب اليمني، وفي خدمة قضاياه، العادلة ولكن تجارب السنوات الماضية، أكدت بما لايقبل الشك أن الشعب اليمني لم يستفد من التجربة..على أن هذه الخطوة، لاتؤثر إطلاقاً في تمسك الجمهورية العربية المتحدة بإمكانية التعايش السلمى، بين الدول التي تختلف نظراتها الاجتماعية ومناهجها، ولسوف تحرص الجمهورية العربية كل الحرص على علاقتها بحكومة اليمن، ولن تتردد في أن تقدم لهذه الحكومة أي مساعدات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية يمكن أن تكون لها فائدة لشعب اليمن.
ورداً على ذلك بثت إذاعة صنعاء بياناً في يوم السادس والعشرين من ديسمبر تضمن آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، يدعم فيها ماذهب إليه الإمام من مقاصد، ثم يشير في البيان قائلاً.. ويؤسفنا أن بعض حكومات الأقطار الشقيقة قد أساءت فهم هذه النصيحة نفسها، فقامت لتذكي في إذاعتها وصحافتها حرباً كلامية على اليمن وأهله وإمامه بدون مبرر، والواقع أن ماذهب إليه بيان الحكومة اليمنية بمهاجمة اليمن وأهله غير صحيح لأن هجوم وسائل الإعلام المصرية كان هجوماً على النظام الملكي وسياسة حكومة الإمام أحمد وكان هذا الخطاب يتفق وخطاب المعارضة اليمنية ذاتها.
وشكل الإمام حكومة جديدة بعد إلغاء الاتحاد العربي برئاسة ولي العهد في محاولة لامتصاص حالة الغضب التي سادت الوسط الاجتماعي، فقد كان الاتحاد آخر تلك الآمال التي علقت على النظام الإمامي ليتقدم بإصلاح نفسه من داخله وهاقد انتهى هذا الأمل، ولكي يكسب هذه الحكومة صفة وطنية جاء معظم أعضائها من خارج الأسرة المالكة، ولم يشارك فيها من الأمراء سوى الحسن بن علي، وهو شاب طموح ومعتدل.
العلاقات اليمنية السعودية
لقد استقرت الأمور بين اليمن والسعودية مؤقتاً على إثر توقيع معاهدة الطائف 4391 ولم تنشأ أية مشاكل حدودية أو غيرها بين البلدين حتى نهاية حكم الإمام يحيى.
فقد عمل الطرفان بعد توقيع المعاهدة مباشرة على إنهاء الترتيبات اللازمة لاجتماع لجنة الحدود المشتركة، وتم تخطيط الحدود في عام 5391 بل وتم رسم أول خريطة للحدود اليمنية السعودية عام 6391 ومنذ ذلك الحين لم تظهر مشكلات حدودية استعصى حلها على السلطات المحلية للطرفين، وكانت المشكلة التي يمكن أن تثور، والذي كان الإمام يتوجس خيفة من وقوعها هي بناء الحصون في المنطقة المحرمة «المنزوعة السلاح» ولكن لم تحدث مخالفات من هذا النوع.
وكانت الحادثة الوحيدة التي كان من الممكن أن تعكر صفو العلاقات بين الطرفين هي التي حدثت في عام 5391م واستهدفت حياة الملك عبدالعزيز، حينما قام ثلاثة يمانيون بمحاولة قتل الملك،وهو يطوف بالكعبة،لكن نجله وولى عهده الأمير سعود حينها تلقى طعنات المهاجمين الثلاثة،في واحدة من أنقى صور الوفاء والتضحية،فأنقذ والده ولكنه أصيب بجروح بالغة،كما قتل المهاجمون،ولم تؤدي هذه الحادثة إلى ردود فعل قوية من جانب الملك عبدالعزيز،إذ يبدو أن التحقيقات السعودية لم تظهر أية أدلة دامغة يمكن أن يُواجه بها الإمام،إلا إن الاعتقاد الذي ساد فيما بعد، هو أن الذي دبر المحاولة كان الأمير أحمد ولي عهد الإمام،ويبدو أن لهذا الاعتقاد مايبرره في ظل ما أشيع عن عدم قبول أحمد بالنتائج التي حدثت في عسير،وزاد أن لهذا الاعتقاد مايبرره ففي عام 7391م،عندما طالب الملك عبدالعزيز الإمام يحيى بأن يقنع ابنه أحمد بعدم المطالبة بعرش لأبيه،ومثل هذا الطلب إذا حدث فعلاً لايمكن فهمه إلا لأسباب موجبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.