الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962 الحلق28
نشر في الجمهورية يوم 28 - 09 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
وفي عام 4591م زار الملك سعود اليمن، وكان هدف الزيارة محاولة جمع شمل العائلة المالكة في اليمن على موقف واحد في مسألة «ولاية العهد» وكان الملك سعود يشجع الإمام أحمد على الدعوة لابنه ومواجهة اخوته بالحقيقة وبالأمر الواقع،واستقبل الملك في صنعاء استقبالاً كبيراً، وأتيح لسكان العاصمة وللمرة الأولى منذ توليه العرش أن يستقبلوا إمامهم ومليكهم أيضاً،وكانت أيضاً المرة الأخيرة.
في هذه الفترة كانت المنطقة العربية تشهد حالة من الاضطراب السياسي نتج عن قيام العراق وتركيا بإقامة تحالف عسكري وسياسي بينهما في 42 فبراير 5591م،دعيت إليه إيران وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية،فخلف ذلك إحساسا لدى مصر وسوريا والسعودية لأسباب مختلفة بوجود مخاطر سياسية وأمنية تتطلب موقفاً فردياً أو ثنائياً أو حتى جماعياً لمواجهتها،وسعت مصر الثورة إلى سلسلة من اللقاءات والاتفاقات من أجل التضامن والعمل المشترك،كان منها المؤتمر الذي شاركت فيه حكومات كل من الاردن وسوريا واليمن والسعودية إلى جانب مصر،وأصدر قراراته في 8 نوفمبر 5591م، وكان منها البيان المصري السوري الصادر بدمشق في 3 مارس 5591م،والذي انضمت إليه المملكة العربية السعودية في 5 مارس،وينص على عدم الانضمام إلى الحلف التركي العراقي،أو أية أحلاف أخرى،كما ينص على إقامة منظمة دفاع وتعاون اقتصادي عربي مشترك،وعلى الاشتراك في صد أي عدوان يقع على إحدي دول المنطقة،وإنشاء قيادة مشتركة دائمة، وعلى عدم قيام أي دولة هي عضو في المنظمة بعقد اتفاقات دولية عسكرية مع أطراف أخرى.
كما كان من بين هذه الاتفاقيات العربية ميثاق الدفاع العسكري الذي تم التوقيع عليه في القاهرة في 72 أكتوبر 5591م، بين كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر لضمان الأمن والسلام،ورد العدوان الخارجي عند وقوعه في إطار مبادئ ميثاقي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية،والذي تعزز بعدد غير قليل من الإجراءات المشتركة بين الطرفين، كتعيين قائد عام لقوات البلدين،وقد أُختير عبدالحكيم عامر لهذه المهمة،ووضع الاتفاقية موضع التنفيذ وتشكيل المجلس الحربي،والتي تعكس مستوى رفيع من علاقات الثقة والتضامن بين البلدين.
3 العلاقات مع بقية الأقطار العربية:
من حيث الأهمية فإن علاقة اليمن بالعراق كانت تحتل المرتبة الثالثة في اهتمامات اليمن العربية في عهد الإمام أحمد، لكنها لم تكن كذلك في العقود السابقة، لقد شاءت الأقدار أن يحكم اليمن والعراق والأردن أسراً تنتمي بأصولها إلى فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ورأينا كيف قاربت هذه الأصول في ظروف معينة وفي أحداث معينة بين أنظمة الحكم هذه، فقد سعى العراق إلى التقرب من اليمن وإقامة علاقات روابط قوية معه، وكان الإمام يحيى يرحب بهذه العلاقة.
وكان الإمام يحيى حريصاً على الحصول على اعتراف عربي ودولي بنظام حكمه. والمعاهدة التي وقعها الإمام مع العراق في 22 ذي الحجة سنة 9431 «مايو1391» تؤكد هذا الحرص من جانب الإمام، وهذه الاتفاقية بسيطة، تتكون من ثلاث مواد فقط، نصت الأولى منها على الاعتراف المتبادل بالنظامين القائمين في البلدين، ونصت المادة الثانية على: أن يسود سلم دائم وصداقة وطيدة بين المملكتين المتعاقدتين، ونصت المادة الثالثة على نفاذ الاتفاقية من حينه.
وفي 2ابريل 6391م وقعت العراق والسعودية، على “ميثاق بغداد” وانضمت إليه اليمن في مارس من العام 7391، وكانت نصوص انضمام اليمن إلى الميثاق الذي وقعه مع الوفد العراقي تدل على أن النية من ورائها كان أمنياً وعسكرياً، لقد نصت مواد الاتفاق على قضايا هامة منها عدم الاتفاق مع أي فريق آخر ضد مصلحة أحد الفرقاء ومن بين هؤلاء الفرقاء المملكة العربية السعودية. وأن تحسم الاختلافات بين الأطراف المتعاقدة عن طريق التفاوض، وإذا استحكم الخلاف ذهب المتخاصمان إلى التحكيم كما نصت عليه معاهدة “الطائف بين المملكة واليمن”، كما أشارت الاتفاقية إلى ضرورة توحيد المساعي السلمية في حالة ظهور نزاع بين دول الاتفاق مع دول أخرى، فإذا وقع الاعتداء بالرغم من المساعي أو حتى في غيابها وجب على المتعاقدين أن يتشاوروا في ماهية التدابير التي يجوز القيام بها، وقد عرف الاعتداء بأنه إعلان الحرب، أو الاستيلاء على أراضي إحدى الدول الثلاث من قبل دولة أخرى، أو القيام بهجوم بري أو بحري أو جوي على أراضي أي منهما.
والجانب الآخر في الاتفاق وهو كثير الأهمية لليمن، هو الجانب الخاص بحماية الأنظمة الموقعة على الاتفاق، ففي حالة وجود اضطراب أو فتنة داخلية في أراضي أي من الدول المتعاقدة، فإنه لا يجوز تقديم المساعدة للمتمردين. ومنع رعايا الدولتين الأخريتين من الاشتراك في الفتنة، ومنع وصول المساعدات للمتمردين، أما إذا اقتضى الأمر اتخاذ تدابير مشتركة لقمع التمرد وجب التشاور أولاً لهذا الغرض. كما سمحت الاتفاقية بالإنابة في التمثيل الدبلوماسي الخارجي وشجعت الاتفاقية اليمن على طلب إرسال بعثات ثقافية وتعليمية، وكانت مدة الاتفاقية عشر سنوات، لم تجدد بسبب وجود اتفاق آخر كان قد أُعد له، ونعني به الاتفاق الثلاثي بين مصر والسعودية واليمن، في مواجهة بغداد وتركيا وبريطانيا.
وفي أول ابريل 6491، وقعت الحكومتان العراقية واليمنية معاهدة تبادل المجرمين. وحددت المعاهدة المعنى المقصود بالمجرمين، ونصت على أنها القيام بأفعال كقطع الطرق أو السرقة أو السلب أو النهب أو القتل أو الجرح أو الغزو أو التعدي الشديد سواء كان المجرم فرداً أو جماعة، وسواء كان الإجرام موجهاً ضد فرد أو جماعة ، لكن هذه الاتفاقية، وهو أمر لافت للانتباه حينها، حرمت تسليم المجرمين السياسيين، وكان هذا الاتفاق قد أعاد للعلاقات اليمنية العراقية دفئها بعد أن شهدت شيئاً من الجفوة والفتور أثناء الحرب العالمية الثانية.
وعادت اليمن إلى عزلتها في السنوات الأولى من عهد الإمام أحمد ، لكنها حرصت على القيام بحضور بعض الفعاليات العربية أو المشاركة في الاتفاقيات العربية دون أن تلزم نفسها بتطبيقها، وكان رئيس الوزراء الأمير الحسن قد زار بغداد في حفل تتويج الملك فيصل في مايو3591م.
وكانت العراق وبسبب الضغوط البريطانية قد أخذت موقفاً محايداً من النزاع اليمني البريطاني في العام 4591، واعتذر المندوب العراقي في جامعة الدول العربية من التوقيع على المذكرة الاحتجاجية، التي وجهتها الدول العربية إلى وزارة الخارجية البريطانية، بسبب ازدياد نشاط القوات البريطانية، وكذلك سلاح الجو البريطاني على الحدود اليمنية.
وفي تبرير هذا الموقف قال مندوب العراق لدى الجامعة العربية: إن العراق يود القيام بوساطة بين اليمن وبريطانيا للوصول إلى حل سلمي لمشكلة الجنوب، دون أن يتهم بالتحيز، فترفض وساطته من قبل الجانب البريطاني وقد تأكدت وساطة العراق هذه في وقت لاحق، إلا إنها لم تؤدِ إلى نتيجة.
وكانت العراق قد سعت إلى التأثير على الإمام أحمد ليقبل الانضمام إلى حلف بغداد، إلا أن الرجل كان ينظر للأمور بمعيار محدد، وهو الموقف من الاحتلال البريطاني للجنوب، وقد شعر الإمام منذ اللحظات الأولى باليد الخفية لبريطانيا في الاتفاق العراقي التركي، والتي انضمت إليه بريطانيا فيما بعد، فرفض السعي العراقي، وبدلاً عنه وقع ما عُرف بالاتفاق العسكري الثلاثي مع مصر والسعودية.
وعندما قامت الثورة في العراق، وأطيح بالنظام الملكي هناك اعترفت اليمن بالنظام الجمهوري، وكانت أول دولة عربية تعترف به، وقام ولي العهد البدر بزيارة بغداد في الثاني والعشرين من أغسطس 8591م، حاملاً معه رسالة من والده الإمام إلى قادة الثورة يبلغهم تأييد بلاده، وصرح البدر حينها أن اليمن تضع يدها في يد إخوانها العراقيين في كفاحهم ضد الاستعمار وأذنابه، وأيد «بإخلاص» قائد الثورة عبد الكريم قاسم. وأيدت اليمن انسحاب العراق من حلف بغداد، وإن كانت قد نأت بنفسها عن العراق إثر الصراعات التي عاشتها فصائله الوطنية، بل وصل الأمر إلى مهاجمة عبدالكريم قاسم ذاته، متهمة إياه بالوقوع تحت تأثير الشيوعيين، وكان موقفها هذا يتناغم تماماً مع موقف الجمهورية العربية المتحدة، حليفها في اتحاد الدول العربية، وكانت أحداث العراق حينها، وما حدث من تصفيات دموية بين فصائل العمل الوطني، والذي اتهم فيها الشيوعيون بالقسوة والعنف ضد خصومهم من التيارات الأخرى قد حظيت باهتمام العرب والأوساط اليمنية الرسمية والشعبية.
لقد قررت اليمن في ابريل 1691 إقامة علاقات دبلوماسية مع العراق، والأردن، والمغرب، وتونس، وليبيا وتم تبادل التمثيل الدبلوماسي، فيما عينت اليمن السيد يحيى أحمد المضواحي مفوضاً لها في بغداد كما عينت في مفوضيتها في الأردن السيد محمد بن ابراهيم وفي المغرب وتونس وليبيا السيد عباس بن علي الوزير، وتعيين الأخير ربما جاء في إطار المصالحة التي عقدها الإمام أحمد مع عائلة الوزير التي قادت انقلاب 8491م ضد والده.
ومع ظهور أزمة الكويت في منتصف العام 1691، برفض العراق الاعتراف باستقلالها واعتراض على قبولها عضواً في الجامعة العربية، والأمم المتحدة، وقفت اليمن موقفاً مخالفاً للاجماع العربي، فأرادت أن تكافئ العراق على موقفه الواضح مع قضية الجنوب، واعترافه بحق اليمن في عدن والمحميات، فرفضت الدخول في البعثات التي استهدفت حماية الكويت من التهديد العراقي، أو تأييده بحجة أن قواته العسكرية مشغولة على طول الحدود مع المحميات.
ولم تشهد العلاقات اليمنية السورية تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأولى من حكم الإمام أحمد فقد كانت أول زيارة يقوم بها وفد رفيع المستوى إلى سوريا، هي الزيارة التي قام بها البدر في يناير9491م إلى دمشق، ضمن جولته العربية، والتي كان الإمام ينوي من خلالها القيام بدور وسيط في حل النزاعات والخلافات العربية التي ظهرت في نهاية الاربعينيات ،بسبب قيام الأردن بضم الضفة الشرقية من فلسطين إليها، وقد وقفت مصر وسوريا ولبنان في صف الرافضين للاجراء الأردني، فيما وقف العراق إلى جانبها، وحاولت اليمن التوسط بين طرفي النزاع، لكن انحيازها إلى الأردن كان واضحاً ففشلت وساطتها.
وكان البدر قد التقى هناك بالرئيس شكري القوتلي، وتباحث مع المسئولين السوريين حول مهمته التوفيقية بين العرب، ولم يصدر عن هذه الزيارة شيء مما يؤكد أن السوريين تماماً كالمصريين قللوا من أهميتها، ويبدو أن اليمن لم يكن في موقف يسمح له بالقيام بمهمة من هذا النوع، وربما شخصية البدر لم تؤدِ إلى النتيجة التي كان يبتغيها الإمام أحمد، وفي 03مارس 9491م وقع انقلاب حسني الزعيم ورفضت اليمن في البداية الاعتراف بالنظام الجديد، ورأت في اعتقال شكري القوتلي وخالد العظم رئيس الوزراء عملاً غير لائق، وكان الإمام حينها لايزال تحت تأثير الانقلاب الفاشل الذي أودى بحياة والده الإمام يحيى، فغضب ولم يعترف بالانقلاب وأعلن أنهم إنما يستحقون المحاكمة وأشد درجات العقاب، وأن الاعتراف بهم لابد وأن يشجع غيرهم على القيام بما قاموا به في شتى انحاء الوطن العربي.
وكانت اليمن قد أيدت موقف سوريا ومصر والسعودية من الأحلاف الدولية. وأيدت موقفها من حلف بغداد على وجه الخصوص، ومع ذلك فإن العلاقات بين البلدين تراوحت بين مواقف الدعم السياسي والمواقف التضامنية، وأيدت سوريا في المقابل الموقف اليمني من الجنوب، ونددت الاعتداءات البريطانية، وفي إحدى المذكرات السورية النادرة إلى البعثات الدبلوماسية المعتمدة في سوريا نبهت سوريا إلى حجم الوجود البريطاني في عدن وما يشكله من مخاطر على اليمن والاستقرار في المنطقة، وأشارت إلى وصول كميات غير قليلة من الأسلحة والمعدات الحديثة، وتشكيلات من جنود المظلات إلى عدن، وكأنما بريطانيا كانت تستعد لشن هجوم كبير واسع النطاق على اليمن، الأمر الذي يعرض استقلال اليمن لخطر عدوان تقوده دولة لاتأبه بالعهود الدولية، ولاتحترم ميثاق الأمام المتحدة.
وفي يوليو 7591م قامت سوريا بخطوة مهمة تجاه اليمن، إذ أوفدت صلاح البيطار على رأس وفد كبير، وكان صلاح البيطار مهندس الاتفاق الوحدوي بين سوريا ومصر. وتعتبر تقارير اعضاء الوفد السوري إلى اليمن وثائق هامة عن اليمن في تلك المرحلة، لقد وصف البيطار زيارته إلى اليمن بأنها التقاء قومي بين أمة واحدة، ودعا إلى وحدة العمل العربي، كما دعا إلى دعم اليمن ومساعدته مادياً ومعنوياً.
وكانت بقية التقارير التي رفعت تحمل نفس المضمون لكن أصحابها غاصوا في تفاصيل الحياة العامة من اليمن، وبينوا للأسف الشديد عمق الهوة التي تفصل اليمن عن محيطه العربي والإسلامي، وأوضحوا إلى أية درجة أضرت سياسة الإمام باليمن وبشعب اليمن.
وهذه الزيارة كانت محل اهتمام البعثة المصرية، وقيمت المفوضية زيارة البيطار وأشارت إلى أن الوفد قد قوبل بعدم ارتياح، فالزيارة أتت بمبادرة سورية، والإمام لم يعط للوفد الاهتمام الذي كان يستحقه، كما أن البيطار لم يتمكن من لقاء البدر، لكن اليمن وافقت على إرسال وفد يمني يتابع ماتم التوصل إليه في زيارة البيطار، وكان الوفد السوري قد عرض تقديم المساعدة في المجال الصحي والتعليمي وفي الواقع فإن الزيارة لم تحدث تغييراً كبيراً في موقف اليمن من الأنظمة الجمهورية، فالإمام كان يخاف أن يتكرر ما حدث سابقاً في اليمن، ولذلك فإنه سيقبل على التعاون مع سوريا في حدوده الدنيا، بالرغم من أن سوريا لم تقبل بالأحرار اليمنيين على أرضها، وليس لها خصومة مع اليمن كما لمصر عبدالناصر، ومن اللافت للانتباه أن المذكرة قد نبهت المصريين إلى خطورة الاستخفاف بعادات اليمن وتقاليده المعيشية، ولم يكن لهذا التنبيه علاقة بمضمون الوثيقة.
وكرد على زيارة البيطار قام البدر بزيارة رسمية في الفترة من 1252 يناير 8591وهناك لقي ترحيباً حاراً من الرئيس شكري القوتلي، وانتهت مباحثاته مع الجانب السوري على إرسال بعثة عسكرية سورية إلى اليمن لتدريب الجيش، بالإضافة إلى البعثة العسكرية المصرية، وعلى توثيق العلاقات التجارية بين اليمن وسوريا، وإرسال بعثة فنية سورية مصرية مشتركة لبحث المشاريع الاقتصادية التي يجب أن تقام في اليمن.
حينها كانت مصر وسوريا على أبواب الوحدة، وفي أول إشارة إلى الخطوات المصرية السورية الوحدوية بارك البدر ما تقوم به قيادة البلدين، وتمنى أن تلحق اليمن بركب الوحدة هذا قريباً، وذلك قبل أن يفاجئ الإمام عبدالناصر بطلب الانضمام إلى الوحدة بعد أقل من شهر من تصريح البدر فكأنما البدر قد ساهم في تكوين قناعة والده الإمام بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة مسبقاً، وكأنما الإمام الذي لم يكن يعير أفكار البدر اهتماماً كبيراً قد وافق على ما ذهب إليه البدر وباركه، وهو الذي لا يتخذ قراراً دون أن يجد فيه مصلحة مباشرة له ولنظام حكمه ولليمن.
وفي دمشق وقع البدر نيابة عن والده الإمام وبتكليف منه على اتفاقية الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة، وكان يمكن أن يكون يوم 8مارس ذا قيمة كبيرة في العلاقات اليمنية العربية، لكن اليمن لم تستفد كثيراً، وتوقفت علاقات سوريا أو كادت، حتى بعد فشل الوحدة المصرية السورية وظلت علاقات اليمن مع الإقليم المصري هي الأكثر أهمية في علاقات اليمن بأشقائه العرب، وعندما أعلنت سوريا الانفصال سارع الإمام إلى الاعتراف بحكومة الانفصال السورية، كانت علاقته أيضاً بمصر قد ساءت وانتهت إلى ما انتهت إليه.
وكان البدر قد زار لبنان في يناير9491، ووقع مع رياض الصلح رئيس الوزراء معاهدة صداقة وتجارة بين البلدين، نصت على احترام كل من طرفي المعاهدة سيادة وأراضي الطرف الآخر، والأوضاع القائمة فيه، كما نصت على تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي، وهو الأمر الذي لم يحدث إلا بعد سقوط النظام الإمامي... وجاء في المعاهدة أن واجب مواطني البلدين احترام القوانين السارية في كل بلد ومنحت الاتفاقية للمواطنين في البلدين حق التقاضي أمام المحاكم المحلية، وأن يتمتع مواطنو كل بلد أمام هذه المحاكم بما يتمتع به المواطن، وقضت المعاهدة بأن لشركات الطيران في البلدين الحق في الهبوط في مطارات الفريقين المتعاقدين، وأن مايجري على الطيران يجري على بقية وسائل النقل الأخرى، وعبر إحدى مواد الاتفاقية على أن تنشأ بين الفريقين علاقات تجارية واقتصادية.. ويعامل كل منهما الآخر في ذلك معاملة الدولة الأكثر رعاية، ومنحت الاتفاقية للطلاب بتسهيلات خاصة، وكذلك البعثات العلمية والثقافية.
وأقامت اليمن علاقة خاصة مع الأردن، فاليمن رأت في الحملة على الأردن بسبب ضمها للضفة الشرقية من فلسطين مما لايجوز أن يؤدى إلى تسميم الأجواء العربية.
فوقفت تساند الأردن، وكان الملك فاروق قد اعتبر الخطوة الأردنية مما لايجوز السكوت عليه، وكانت سوريا تتخذ نفس الموقف، وكذلك لبنان، فيما وقفت العراق جانب الأردن، وبسبب هذا الانقسام لم يجد العرب بداً في السنوات اللاحقة من القبول بالأمر، وظل الارتباط الأردني الفلسطيني قائماً حتى سنوات قليلة مضت، وكان العرب على علم أن الملك عبدالله يقيم صلات معينة مع اسرائيل أو على الأقل فإن لدى بعضهم شكوكاً حول هذا الاتصال، وفي 1691م عينت اليمن مفوضاً لها في الأردن هو السيد يحيى أحمد المضواحي، وكان أول مفوض يمني يصل إلى الأردن، فيما عهد الأردن إلى المفوض الأردني يجده علي سيد الكراي بتمثيل الأردن في اليمن، إضافة إلى وظيفته، وعندما تدهورت العلاقات بين مصر واليمن في أعقاب حل اتحاد الدول العربية، طلبت اليمن بعثة عسكرية أردنية لتدريب الجيش اليمني مكونة من عشرة أشخاص، وتذكر الأردن أن عليه ديناً لابد أن يؤديه فآزر الإمام المخلوع، وحقيقة فإن الأردن قد أخذ موقفه استناداً إلى رؤيته السياسية وارتباطاته ومصالحه.
والدولة الإسلامية الوحيدة التي كانت تربطها باليمن علاقات رسمية هي باكستان، حيث وقع البلدان على معاهدة صداقة في 8ابريل 2591م ، وقعها عن اليمن وزيرها المفوض في القاهرة علي المؤيد، وعن الحكومة الباكستانية وزيرها المفوض لدى القاهرة، وعلى إثر الاتفاقية قدم وزير باكستان المفوض أوراق اعتماده إلى الإمام أحمد في 81يوليو 5591م.
بعد هذا الاستعراض المقتضب ، نستطيع أن نقول إن العلاقات اليمنية العربية قد مرت بمرحلتين في عهد الإمام أحمد:
الأولى: في 8491 5591 وهي مرحلة أخذ فيها الإمام أحمد، موقف أبيه الانعزالي المتقوقع على نفسه، فهو لم يقبل الانفتاح على الآخرين، وأغلق الباب تماماً أمام رياح التغيير، وظن أن قسوته في التعامل مع خصومه الداعين إلى الانفتاح والإصلاح والتغيير تكفي لحمايته وحماية نظامه من تأثيرات المحيطين العربي والدولي، وكانت هذه التأثيرات قد أخذت أبعاداً جديدة، بقيام ثورة يوليو في مصر، والإطاحة بالنظام الملكي، وقيام نظام جمهوري هناك، راحت الجماهير العربية واليمنية تتطلع إليه لتجاوز مرحلة ما بعد النكبة في عام 8491م لذلك لم تكن سفارات في اليمن، ولا حتى قنصليات، والقنصليتان الوحيدتان اللتان سمح الإمام بها هما القنصلية المصرية، وكما أشرنا من قبل افتتحت في العام 1591، بعد أن وجهت إلى النظام الإمامي سهام النقد في صحف عدن والصحف والمجلات المصرية واللبنانية، وكذلك القنصلية البريطانية.
أما المرحلة الثانية: فهي المرحلة من 5591 وحتى قيام الثورة في 2691م وفي هذه المرحلة أدرك الإمام، وتحديداً بعيد الانقلاب العسكري «انقلاب الثلايا» وقد جاء بأخيه عبدالله القريب من البريطانيين والأمريكيين، فإن الإمام أحمد سعى لتغيير صورته محلياً، وعربياً وعالمياً، فأقام علاقات تعاون مع بعض الدول العربية، وقبل بفتح قنصليات عربية جديدة للعربية السعودية، والعراق، والأردن وسمح لدخول المزيد من العرب إلى اليمن دبلوماسيين وغير دبلوماسيين، وفتح المجال في حدود معينة أمام المزيد من العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول العربية.
ودخلت اليمن في معمعة الأجواء السياسية المشحونة في المنطقة العربية، وأضحت اليمن عنصراً في المعاهدات العربية لحسابات خاصة بالإمام ونظام حكمه، لقد أرادت اليمن تفعيل دورها عربياً، وعالمياً، فقد كانت سياسة الإمام تقوم دائماً على مبدأ أساسي هو حماية النظام من أية تأثيرات مهما كان مصدرها، ومهما كانت طبيعتها.
لذلك رأيناه «الإمام» يوقع بنفسه على “ميثاق جده” الأمني في ابريل 6591، وهو الميثاق الذي عرف بالحلف العسكري الثلاثي المصري السعودي اليمني، وكان الهدف واضحاً هو مواجهة السياسات البريطانية في الجنوب خصوصاً، وقد أعلن البريطانيون في عام 4591 عن نيتهم لإقامة اتحاد فيدرالي يضم محميات الجنوب وعدن وقد اعتبر الإمام ذلك خطراً يحيق بتوجهاته التي استند إليها من المطالبة بحقوق تاريخية في الجنوب، ثم نراه يقوم بحركة مسرحية بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة، وتألف الاتحاد العربي من الجمهورية العربية المتحدة واليمن، وكان الهدف أيضاً هو احتواء المشاعر الوطنية والقومية التي ظهرت بعد العدوان الثلاثي على مصر، وقيام الوحدة المصرية، وامتصاص الآثار الناجمة عن ظهور عبدالناصر كزعيم عربي أخذ بقلوب الشباب العرب، والشباب في اليمن، كما كان هدفه واضحاً وهو أن مصر قد أخذت منذ قيام الثورة تحتضن زعماء الأحرار، الداعين للتغير والثورة، وتعزيز وتطوير علاقتها بمصر والزعامة المصرية، كان في حسابات الأمام يعني لجم هذه القوى، أو على الأقل منعها من التقدم وتحييدها، طالما أضحى حليفاً لمصر الثورة، وطالما أصبح هو نفسه زعيماً عربياً مقرباً من الرئيس عبدالناصر.
لكن بصورة عامة فإن اليمن قياساً بغيره من الدول العربية ظل بلداً مغلقاً أمام الخارج، أو أن أبوابه ظلت مواربة، وظل الخارج بالنسبة لليمن مجهولاً، لايعرفه إلا القليل من المسئولين الذين تنقلوا في بلدان عديدة، وهؤلاء الطلبة القلائل الذين هاجروا لطلب العلم، فعادوا يحملون أفكاراًجديدة، وطموحات عديدة كانت تصطدم بواقع الحال في اليمن، وكذلك هؤلاء المغتربين اليمنيين، الذين احتكوا بشعوب أخرى، وبهرهم العالم الخارجي بما فيه من تقدم، وعاد بعضهم وفي قلوبهم حسرة وفي عقولهم ثورة على أوضاع بلادهم، وماهي عليه من تخلف وكان من بينهم عائدون حملوا مشغل التغيير، وساهموا في أحداثه فيما بعد.
اليمن والمحيط الدولي
1 العلاقات اليمنية البريطانية
«أ» مؤتمر لندن 0591 1591
ما إن وصل الإمام أحمد إلى السلطة حتى شدد من مطالبه تجاه الجنوب «عدن والمحميات» لقد أدرك بصورة أو بأخرى أن للبريطانيين دوراً فيما جرى في صنعاء في العام 8491م، على الأقل فإن البريطانيين شجعوا جماعة الأحرار، في الوقت الذي أعلنت بريطانيا رسمياً سيادتها على 211 ألف ميل مربع من المحميتين، وأخذ موقفاً متصلباً من مسألة الحدود، وكان هذا الموقف قد ترافق مع بروز ثلاثة عوامل عربية وعالمية.
أولها: ظهور حركة التحرر الوطني العربية بعد 2591م وصعود الفكر القومي الذي أخذ يسيطر على تفكير الغالبية من أبناء الوطن العربي، أو على الأقل غالبية الشرائح المثقفة والمستنيرة من أبناء الوطن العربي، واليمن جزءاً منها.
وثانيها: ظهور مايسمى بحركة التحرر العالمية، والتي تجسدت فيما بعد في حركة عدم الانحياز، ومايعنيه ذلك من اشتداد حركة التضامن في مواجهة المد الاستعماري في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وثالثها: ظهور الكتلة الاشتراكية، حليفة الشعوب المستعمرة، وتأثير الفكر الاشتراكي والتجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي والصين على بعض النخب العربية.
كانت بداية الأزمة الجديدة في العلاقات اليمنية البريطانية، قد بدأت مع تمرد أحد المشايخ في منطقة الضالع على السلطات البريطانية، وحتى يُخمد البريطانيون التمرد استخدموا قواتهم البرية والجوية لمهاجمة المنطقة في نهاية عام 8491م واستعادة السيطرة عليها، وبالطبع فقد كانت عناصر الاتهام من جانب بريطانيا تشير إلى تدخل يمني ما في هذه الأحداث خاصة أن المتمردين قد فروا إلى اليمن، وطلبوا حمياتها، وفي هذه الأزمة حاول الإمام استخدام الجيش الدفاعي، فنقل بعض تكويناته إلى تعز، على أمل نقلهم إلى الحدود، لكن المرض كان قد فتك بالجنود.
لكن الإمام أحمد بعد ذلك أبلغ البريطانيين استعداده لاستقبال حاكم عدن، والتباحث معه حول مستقبل الجنوب، ورحب البريطانيون بالدعوة، ووصل الحاكم إلى تعز في 5 أكتوبر 8491م، واستقبل من قبل الإمام، وما بين 9-11 عقدت عدة اجتماعات بين القاضي حسين الحلالي الذي أصبح مسئولاً عن الديوان الملكي وبعض مساعديه ومنهم الشيخ علي محمد الجبلي من جانب، ووالي عدن والمعتمد البريطاني في الحديدة صالح جعفر، وبحضور مساعد ضباط الحدود البريطاني المقيم في الحديدة، من جانب آخر، ولكن المحادثات لم تثمر عن شيء، سوى بعض الصفقات التجارية والتي راجت حولها الكثير من الأقاويل، وفاحت من حولها روائح غير عطرة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الفترة أي نهاية 8491م وبداية عام 9491م شهدت ميلاد «الجمعية العدنية» التي طالبت بحكم ذاتي لعدن «المدينة» ونادت بشعار عدن للعدنيين، وقد رفض هذا المطلب من قبل البريطانيين، وكانت الحجة أن السكان ليسوا مؤهلين بعد لإدارة شئونهم، وأنهم ليسوا أهلاً لمثل هذا العبء، ولم يكن ظهور الجمعية مما يرضي البريطانيين الذين يرغبون في بقاء الوضع على ماهو عليه، كما أنه لايرضي اليمن التي اعتبرت عدن أرضاً يمنية محتلة، وقد قربت الأحداث فيما بعد بين مواقف الجمعية ومواقف البريطانيين، واتهمت الجمعية بالخيانة، والولاء للمستعمرين، فزاد ذلك من تعقيد الأمور.
كما ظهرت على السطح مشكلة حدودية بين محمية بيحان، وبين اليمن، فقد سمحت السلطات البريطانية لشريف «بيحان» ببناء جمرك في منطقة «نجد مرقد» وقد اعتبرت اليمن ذلك خرقاً لاتفاقية 4391م، بشأن الابقاء على الوضع الراهن كما هو.
وحسب الرواية البريطانية التي أبلغها البريطانيون إلى الخارجية المصرية في سبتمبر 9491م، فإن المشكلة بدأت عندما أبلغ شريف بيحان حاكم عدن أنه ينوي إقامة جمرك قرب حدود اليمن حتى يمنع التهريب، ويحصل على دخل في منطقة «نجد مرقد» على بعد ثلاثة أميال داخل حدود أراضيه، وقد وافق حاكم عدن على اقتراحه، وعندما بدأ بالبناء أبلغ حاكم الدار البيضاء اليمنية المجاورة للحدود بما يقوم به، وأبلغه أيضاً أن البناء لاينطوي على نية عدوانية، لكن اليمن ردت بأن الأرض التي ينوي شريف بيحان البناء عليها تقع ضمن أراضيه، وأن إنشاءه «الجمرك» يعتبر خرقاً للحالة الراهنة التي نصت عليها المعاهدة اليمنية البريطانية، سنة 4391م على احترامها.. وفي هذه الأثناء كانت قوة يمنية مسلحة قد اعتدت على المركز في 3 أغسطس 9491م، ولكنها طردت منه، فعادت في منتصف أغسطس واستمرت في إطلاق النار، ثم أخذت في بناء قلعة داخل أراضي بيحان، فأنذرت بأنها إذا لم تخل الموقع فإنها سوف تضرب.فلم يرد الإمام برد مرضٍ على هذا الانذار، فقامت الطائرات في 2 سبتمبر بضرب المركز اليمني، وعندئذ انسحبت القوات اليمنية.
ومن الواضح من المذكرة اليمنية أن اليمن قد طلبت من الجانب المصري التدخل لدى البريطانيين للتوصل إلى حل للمشكلة، وردت بريطانيا على الخارجية المصرية في ديسمبر 9491م أن الاعتداء جاء من اليمن، وليس من جانب المحمية، وطلب البريطانيون من الخارجية المصرية عدم إثارة الرأي العام العربي، في إشارة إلى الصحف المصرية التي تناولت الاعتداءات البريطانية، وشنت هجوماً على السياسة البريطانية في المحميات.
وهذه الصحف ذاتها كانت قد نشرت أخباراً عن توسط المملكة العربية السعودية بين الطرفين للتوصل إلى حل, ولأن البريطانيين كان هدفهم واضحاً وهو جر اليمن إلى اتفاق لترسيم الحدود فقد اقترحوا على اليمن في ديسمبر 9491م، بوضع علامات على الحدود، وكان طبيعياً أن ترفض اليمن، لأن ذلك يعني ضمنياً القبول بحدود بين عدن والمحميات من ناحية، وبينها وبين اليمن من ناحية أخرى.
لقد علقت اليمن آمالاً على الموقف المصري وعولت كثيراً على تدخل الحكومة المصرية، وفي الرسائل المتبادلة بين الخارجية اليمنية والخارجية المصرية حاولت اليمن تقديم الحجج على صحة موقفها من النزاع، وأبلغت وزير خارجية مصر حينها «محمد صلاح الدين بك» فبراير 0591م بأن المحميات جزء من اليمن، وأنها لذلك تطالب بإرجاعها، وأن الحكومة اليمنية تشكر الحكومة المصرية على جهودها الطيبة إلى جانب اليمن، وهكذا نفهم أن هناك أملاً كان اليمنيون يعلقونه على الوساطة المصرية، وأن هناك تعاطفاً رسمياً وإعلامياً في مصر إلى جانب اليمن.
وبمرور الوقت أدرك الإمام أحمد أن التفاوض مع حكومة عدن لايجدي نفعاً، فقرر ألا يتفاوض في مشكلات الحدود إلا مع الحكومة البريطانية في لندن، فحسب وجهة نظره أن ذلك أدعى إلى احترام استقلال اليمن وسيادته، وقبل البريطانيون أمام إصرار الإمام بنقل المفاوضات إلى لندن على الرغم من تمسكهم بوجهة النظر القائلة بأن القضية هي في الأساس خلاف بين حكومة عدن واليمن، وأن على اليمن التعامل مع الحكومة الانجليزية في عدن، على أمل القبول مستقبلاً بالأمر الواقع، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر في لندن نزولاً عند رغبة صنعاء.
لقد افتتح المؤتمر جلساته في لندن في 91 أغسطس 0591م، وطرحت على بساط البحث القضايا التالية:
1 قضية الحدود بين المملكة اليمنية والمحميات البريطانية.
2 تنظيم التمثيل السياسي بين اليمن وبريطانيا.
3 تعويض منكوبي قنابل الطائرات البريطانية من اليمنيين.
4 قضايا البترول المتوقع ظهوره في «شبوة» المختلف على ملكيتها بين اليمن وحكومة عدن.
وتبادل طرفا المفاوضات المذكرات المطولة حول ادعاء الحقوق، وعقدت العديد من الجلسات، دامت نحو شهر ونصف، انتهت ببيان حدد القضايا التي تم الاتفاق عليها وهي:
1 تبادل التمثيل السياسي «الدبلوماسي» قبل نهاية 1591م.
2 الاتفاق على تنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية.
3 تشكيل لجنة لتسوية المنازعات على الحدود.
4 تتخذ الحكومتان من الإجراءات وفقاً لتشريع كل منهما مع مراعاة الظروف المحلية مايكفل درء أية دعاية موجهة ايجابية أو هدامة يكون من شأنها التأثير على العلاقات الودية بين الطرفين.
5 يتم إخلاء جمرك «نجد مرقد» من جانب حكومة عدن، وتلتزم الحكومة اليمنية عدم إشغال الميناء حتى تنجز لجنة الحدود مهمتها.
ومن الواضح أن اليمن قد قبلت بالنتائج المتواضعة للمؤتمر، وعلى سبيل المثال فإن مسألة التعويضات للمتضررين من القصف البريطاني قد أرجئت لمفاوضات قادمة وأن موضوع جمرك «نجد مرقد» الذي بنته محمية بيحان الغربية قد حيد، ولم تقم لجنة المنازعات الحدودية في حقيقة الأمر بأي دور يذكر، وتجاوز الطرفان الاتفاق بصدد الدعاية والدعاية المضادة، بعد ذلك حدث شيء من الانفراج النسبي في العلاقات بين البلدين، بعد التوقيع على الاتفاق، وحصلت اليمن على بعض المساعدات الاقتصادية والفنية والتعليمية.
ولم يكن بإمكان البريطانيين أن يتجاهلوا محاولات اليمن الحقيقية للاستعانة بقدر الإمكان بأية مساعدات عربية أو إقليمية، لمواجهة الضغوط السياسية والعسكرية التي تواجهها من هذا الصراع، وعندما وقعت اليمن في 71 يونيو0591 على معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، وصادقت عليها رسمياً في 11 يناير 3591م، نظرت بريطانيا لهذا التطور باعتباره مصدراً جديداً للقلق والتوتر، خصوصاً أن المادة الثانية من المعاهدة تنص على أن «كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها، أو على قواتها يعد اعتداء عليها» وإن كانت هذه النصوص في المعاهدات والاتفاقيات العربية قد تكررت فيما بعد دون جدوى أو مضمون.
وكان الهدوء النسبي الذي حدث على الحدود قد خلق شيئاً من الارتياح لدى طرفي التراع، إلا أنه في أبريل 2591م حدث تطور سلبي آخر، أعاد العلاقات بين الجانبين إلى نقطة البداية، فقد استغلت السلطات البريطانية خلافاً نشب بين السلطان فضل عبدالكريم، وبعض أفراد أسرته فقررت بريطانيا الوقوف إلى جانب معارضيه، وعندما تأزم الموقف في المحمية وكانت السلطات البريطانية تغذيه كالعادة قامت السلطات البريطانية بقطع الطرق، وخطوط الهاتف بين لحج وعدن، واحتلت قواتها بالتعاون مع قوات عدن المحمية «الجيش الليوي» لحج وكونت مجلس وصاية في المحمية في 42 ابريل 2591م، وبعد نحو شهر تسلم الأمير علي عبدالكريم الأخ الأصغر للسلطان زمام السلطة من مجلس الوصاية، وهذه هي في الحقيقة الرواية التي ترد في معظم المصادر البريطانية وغير البريطانية.
إلا أن السلطان فضل عبدالكريم يقول إن البريطانيين ظلوا منذ 7391م يطلبون من جميع المحميات التوقيع على اتفاقية «الاستشارة»: تلتزم كل محمية بقبول مستشار بريطاني في المحمية وقد رأى في ذلك نقضاً للمعاهدات القائمة بين بلاده وحكومة عدن فرفض قبول المستشار، فاختلقت بريطانيا خلافاً وربما دفعت كعادتها بخلاف بين أمراء المحمية.
واستغلت هذا الخلاف، واحتلت من جديد لحج، والواقع أنها قامت بإعادة ترتيب الأوضاع في المحمية، لأن صفة الاحتلال لم تزل حتى يكون هناك احتلال جديد.
في هذا الوقت فر السلطان فضل عبدالكريم إلى مملكة اليمن، ثم ذهب إلى مصر، وقدم إلى الجامعة العربية شكوى يطلب فيها إرسال لجنة للتحقيق في الأوضاع القائمة في المحمية؛ وأن تشمل أعمال هذه اللجنة جنوب الجزيرة العربية، كما طالب بانضمام سلطنة لحج إلى جامعة الدول العربية.
كان السلطان فضل عبدالكريم قد منح السلطنة اللحجية دستوراً، اعتبر فيه الشعب مصدر السلطات، وحددت بعض مواده حقوق المواطنين وواجباتهم وأشار الدستور فيما يعتبر نصاً متقدماً على كل النصوص القبلية والعرفية في المحميات إلى أن دم المواطن وماله وعرضه حرام، وأقر بحرية الصحافة، بعد ذلك شكل مجلسا تشريعياً، ودعاه للانعقاد في 13/5/1591م ،هو المجلس الذي تكون من 02 شخصية اجتماعية، تم تعيينهم بالتشاور مع الشخصيات والوجاهات القبلية والمدنية، وكان أبرزهم محمد علي الجفري الذي أصبح زعيماً لرابطة أبناء الجنوب، وكان السلطان فيما يبدو شخصاً محبوباً، حيث يستقبل ويودع بحفاوة جماهيرية عند قدومه أو ذهابه من عدن أو إليها.
لقد شهدت هذه الفترة تنافساً قوياً بين الإمام والبريطانيين على كسب ود السلاطين وقد حقق الإمام تقدماً في هذا الصراع، وإن كان مؤقتاً، حيث استطاع إثارة العديد من المشكلات للبريطانيين في المحميات الغربية، وبسبب القمع الوحشي الذي واجهت به بريطانيا القوى المناهضة للاحتلال في الجنوب، وجد الإمام المبرر القوي لحث العالم العربي والأمم المتحدة على تأكيد حقه في المحميات، والدعوة لضمها إلى اليمن، غير أنه في المقابل كان عاجزاً عن إقناع المناهضين للبريطانيين بالانضمام طواعية إلى اليمن، وكان تخلف اليمن ورجعية نظامه وأسلوب الحكم الظالم فيه مانعاً قوياً للجنوبيين من المطالبة بالانضمام إلى اليمن أيضاً وكان الرأي السائد في الجنوب حينها أنه لا السياسات البريطانية ولا الاحتلال البريطاني كان مقبولاً في الجنوب، ولا السياسة اليمنية أيضاً، برغم ماترفعه من شعارات وطنية.
ب أزمة الحدود 2591 9591:
في الفترة من عام 2591 وحتى 4591 كانت حوادث الحدود قد استمرت على نحو متقطع ففي ديسمبر 2591 وقع أحد شيوخ يافع «بن هرهرة» أسيراً بيد حاكم البيضاء وفي يناير 3591حدثت اضطرابات في منطقة «الصبيحة» من المحمية شارك فيها معظم سكان المنطقة، وكان سببها أن هؤلاء رفضوا دفع الضرائب للسلطات البريطانية، فأرسلت بريطانيا قوة لمعاقبتهم تساندهم الطائرات، فنزح منهم نحو 008 إلى الحدود اليمنية وربما أكثر من هذا العدد، ويبدو أن اليمن قد أعانتهم على القيام ببعض الأعمال العسكرية ضد القوات البريطانية وقوات محمية عدن المحلية وفي مايو 3591 وقعت المزيد من الاضطرابات في مناطق أخرى من الحدود، وتبادل الطرفان تهمة التحريض ضد الطرف الآخر، إلا أن اليمن بادرت بنفي التهمة عن نفسها وبدلاً من ذلك اتهمت القوات المحلية للمحمية وسلاح الطيران الملكي البريطاني بالقيام بعمليات عسكرية داخل حدود اليمن.
كانت ردود الفعل البريطانية في الواقع عنيفة ومبالغاً فيها، وكان القصف الجوي للمناطق الحدودية المتمردة في محمية عدن، والمناطق الحدودية اليمنية التي يهرب إليها هؤلاء المتمردون يثير الكثير من الكراهية ضد الانجليز بسبب مايتركه من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وكان البريطانيون يبررون هذه الوحشية في التعامل مع القبائل بأنها الوسيلة الوحيدة لاستعادة الأمن وعودة النظام والاستقرار في المنطقة، لكن هذا التبرير لم يلقَ قبولاً عربياً وإسلامياً، وعلى الأقل فإن أصدقاء بريطانيا كانوا يتساءلون عن الجدوى من الإرهاب المقابل كوسيلة لمواجهة الإرهاب.
وهكذا استمرت وتيرة الأحداث في الصعود في العام اللاحق «5591» وهددت بريطانيا اليمن بأنها ستتخذ إجراءات رادعة مباشرة ضدها، مالم تقم بمنع الغارات القبلية على الحدود مع المحمية، وتم استدعاء سفير اليمن حسن إبراهيم في لندن إلى الخارجية البريطانية وسلم مذكرة تلفت نظر الحكومة اليمنية إلى استمرار خطورة الوضع وردت الحكومة اليمنية بأن الطائرات البريطانية قد قصفت مواقع حدودية لليمن وأنها روعت السكان في مناطق البيضاء، ونفت اليمن أن تكون سبباً في المشكلة القائمة بين القبائل اليمنية في الجنوب والسلطات البريطانية.
لقد اعتقد البريطانيون أن زيارة الصاغ صلاح سالم، وهو حسب زعمهم أكثر أعضاء الحكومة المصرية آنذاك عداءً لبريطانيا، كانت عاملاً من عوامل تأجيج الموقف على الحدود، والتي كانت هادئة نسبياً قبل زيارته لليمن، وقبل زيارته لمواقع القتال على الحدود اليمنية مع المحمية، ففي هذه الزيارة أثنى صلاح سالم على المقاتلين من رجال القبائل الذين يتصدون للهجوم البريطاني والذين يتعرضون للقصف الجوي.
وبسبب تدهور الموقف على الحدود استمرت العلاقات اليمنية البريطانية في التدهور رغم الزيارة التي قام بها حاكم عدن إلى تعز السير «هيكنيبوتام» حيث التقى خلالها بالإمام أحمد دون التوصل إلى نتائج تذكر، إلا أن البريطانيين تنفسوا الصعداء عندما وقع الانقلاب العسكري في 5591 فهدأت الأحوال بضعة شهور لتعود ثانية بنفس وتيرتها السابقة.
والواقع أن المجموعات القبلية المقاومة للوجود البريطاني، وهي مجموعات غير منظمة كانت تقوم بمهاجمة القوات المحلية والبريطانية في المحمية، ولاتملك برنامجاً ولا قيادة موحدة وهذه المقاومة كانت في نظر بعض المؤرخين مرحلة لابد منها في تطور المقاومة الوطنية وكانت القبائل التي تدخل في خلاف مع السلطات في عدن تلجأ إلى الإمام للحصول على المال والسلاح، فإذا لم تجد لديه مايكفي لجأت إلى السفارات العربية التي أصبحت المصدر الأساسي وخصوصاً عقب الاتفاق الثلاثي «ابريل 6591» وبعد الاتفاق الثلاثي أصبح الإمام المصدر الوحيد للحصول على السلاح فالقبيلة التي ترغب في الحصول على سلاح ومال عليها أن تأتي بعدد من رجالها يتركون كرهائن لدى الإمام وكثيراً ماحصل أن الإمام كان يتسلم الرهائن. ولا يعطي من الأسلحة والمال إلا القليل، فتثور ثائرة القبائل الجنوبية ضده وبعضها يضطر إلى العودة إلى الحظيرة البريطانية، بعد أن تكون قد قارنت بين سلوك الإمام وسلوك البريطانيين فتجد نفسها وقد قبلت بأهون الشرين.
ومع اشتداد الضغط البريطاني على الحدود وجدت اليمن نفسها في حاجة إلى حلفاء اقليميين ودوليين، وهاهي السعودية تعرض حلفاً عسكرياً معها، كانت السعودية قد تعرضت لضغوط شديدة من البريطانيين بسبب الخلاف على واحة «البريمي» وكانت مصر تسعى إلى لم الشمل العربي، في مواجهة الأحلاف المشبوهة في المنطقة.
فاتفق الأطراف الثلاثة على عقد حلف ثلاثي، عرف بميثاق «جدة» في ابريل 6591 وبتوقيع هذا الاتفاق شعرت اليمن للمرة الأولى بأنها لم تعد وحدها في مواجهة الأطماع الاستعمارية في المنطقة وحصلت على الدعم المادي والمعنوي من دولتين إقليميتين في المنطقة، السعودية بما تملك من إمكانات مادية، ومصر التي تقف بثقلها السياسي ومكانتها الدولية خلف اليمن تعضده وتسانده في صراعه المرير مع المستعمرين البريطانيين.
ولقد استغل الإمام هذا الحلف وأعلن عن رغبته في تحرير الجنوب اليمني المحتل فارتفعت وتيرة المشكلات الحدودية، وازداد حجمها ونوعيتها، واشتركت فيها معظم قبائل الجنوب الحدودية، حتى غدت مصدر قلق أكيد للسلطات البريطانية في عدن.
في هذا الوقت كانت الأوضاع في عدن المستعمرة تمضي نحو مزيد من التوتر بين سكان المدينة والقوات البريطانية، ولم يعد بإمكان هذه السلطة تمرير مخططاتها في عدن دون مقاومة واعية من المواطنين لقد تجاوز الوعي الوطني والسياسي في عدن في العام 6591مرحلة هامة من تاريخه، وأصبح لدى السكان مطالب واضحة تتفاوت في مداها بين الحكم الذاتي، والاستقلال الناجز فقاوموا الانتخابات التشريعية وأثبتوا أن بإمكانهم أن يحولوا عدن إلى بركان ثائر في وجه المستعمرين، حينها كانت الحكومة البريطانية تتعرض لضغوط شديدة من قبل المعارضة العمالية التي دعت إلى منح المستعمرات أياً كانت حكماً ذاتياًً لكن وزير خارجية حكومة المحافظين «سلون لديد» رفض مرة ثانية القبول بالفكرة، وردد دائماً ماكان البريطانيون يقولونه بأن الوقت لم يحن بعد وأن هذه الشعوب غير قادرة بمفردها على تحمل المسئولية وكان رد القوى الوطنية على تصريحات وزير الخارجية البريطاني أن هاجمت مجموعات قبلية القطار الوحيد في اليمن الذي يربط عدن بلحج في نوفمبر 6591.
واعتقد البريطانيون أن الوقت قد أصبح مناسباً لإقامة اتحاد فيدرالي يضم محميات عدن الشرقية والغربية في عام 6591، إلا أن الظروف أعاقت إنجازه وفقاً للحسابات البريطانية، كما أن الإمام أحمد قد تسبب في تصعيد الموقف على الحدود مع البريطانيين، وبالمساعدة المباشرة من المملكة العربية السعودية، وبوساطة من حكومة الثورة في مصر عقد الإمام أحمد صفقة شراء الأسلحة من الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.. وابتداءً من نوفمبر 6591بدأت الأسلحة تتدفق على اليمن مما ضاعف من حجم الصراع الدائر ورفع من وتيرته.
ومع نهاية العام كانت الأجواء على الحدود مشحونة بتوتر شديد ويبدو أن البريطانيين قد فكروا بالقيام بعمل واسع النطاق ضد القوات اليمنية والقبائل المناهضة المرابطة على الحدود، وخاصة في منطقة البيضاء، كما واصلوا إرسال قواتهم إلى جزيرة «كمران» وظل طيرانهم يقوم بطلعات جوية فوق الأراضي اليمنية، وكانت اليمن قد حذرت من مغبة القيام بأية أعمال تؤدى إلى مزيد من التوتر، إلا أن البريطانيين قاموا فعلاً بهجوم كبير على مناطق قعطبة والبيضاء والصومعية، فطلبت اليمن تدخل الدول العربية، في وقت كان العالم العربي يعاني من آثار العدوان الثلاثي على مصر.
لكن بعض الأوساط العربية تجاوبت مع النداء اليمني، وكذلك جامعة الدول العربية فأرسل رئيس وزراء السودان عبدالله خليل مندوباً عنه ، للاطلاع على مايجرى على الحدود اليمنية مع المحميات البريطانية وكتب هذا المندوب في مارس 7591 إلى رئيس وزراء السودان قائلاً: لايمكن وصف المعركة الواقعة بين الحدود اليمنية والمحميات البريطانية بأنها حرب كبيرة، وبالمعنى المفهوم مثل الذي حدث في بور سعيد أو الذي يحدث الآن في الجزائر انها شيء مختلف تمام الاختلاف، والأسباب التي استطعت الحصول عليها في تجوالي على الحدود بين المحميات واليمن، ومن اتصالاتي بالمسئولين من الطرفين، واحتكاكي بالشخصيات ذات الطابع السياسي على اختلاف وجهات نظرها خلصت إلى الآتي: إن المنطقة التي تجرى فيها الاشتباكات منطقة وعرة، فالجبال تحيط بالقرى أما رجال القبائل فهم مولعون بالحرب والقتال، وأن هذه القبائل المسلحة ليست خاضعة تماماً للأمراء والسلاطين، بل يخشى هؤلاء بأسها، ويعملون على كسبها بشتى الطرق، وكثيراً ماتتمرد القبائل لأسباب مختلفة، فتلجأ للجبال، وتحارب الحكومة، ثم تلتجئ إلى اليمن، ويفعل ذلك الأفراد والمشائخ، فيجدون عند الإمام وحكومته كل رعاية خاصة عندما يقدمون فروض الولاء والطاعة، وخلافاتهم مع البريطانيين بدأت منذ سنوات، نظراً لأن البريطانيين كانوا ينوون شق طريق مواصلات بري يربط المحميات ببعضها البعض لأسباب سياسية وعسكرية، نتج عنه ضياع مصالح بعض القبائل، التي تعيش أصلاً في حالة من الفقر الشديد.
وقد وجدها الإمام أحمد فرصة لاستغلال هذا الوضع، مستفيداً من مركزه الديني ومن هزائم بريطانيا في مصر، وخروجهم من السودان، وظهور الكتلة الأفريقية الآسيوية في الأمم المتحدة، وبروز المعسكر الاشتراكي، وسلبية الموقف الأمريكي تجاه سياسات انجلترا في الشرق الأوسط من هنا كثر الالتجاء إلى اليمن، وكثرت حركات التمرد في المحميات وحسب التفسير البريطاني للموقف من زاويتهم فهم يضربون التجمعات التي تقلق أمن المحمية، وتخلف حالة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري.. وهم كما يقولون إنهم يحاولون بقدر الإمكان عدم التعرض لليمن كدولة مستقلة.. إلا أنهم يتهمون السعودية ومصر والاتحاد السوفيتي بالتورط في دعم المقاتلين.
وإلى حد كبير فإن تقرير الوفد السوداني دقيق إذا استثنينا بعض فقراته، كقوله إن الإمام يستفيد من موقعه الديني، ذلك أن القبائل المتمردة لاعلاقة لها بالإمام، من ناحية انه إمام الزيدية، والصحيح أنه كان يستفيد من موقعه السياسي باعتباره مدافعاً عن هذه القبائل ومناصراً لها.
لقد تجاوبت مع الاستغاثة اليمنية جامعة الدول العربية، وفي الأول من ابريل 7591 شكلت وفداً لزيارة اليمن والاطلاع على مايجرى على الحدود وتشكل الوفد برئاسة أحمد الشقيري الأمين العام المساعد للجامعة، وقامت البعثة بزيارة اليمن، وندد رئيس البعثة بالأعمال العدوانية للبريطانيين وفي 52 ابريل نشرت البعثة تقريرها عن زيارتها لليمن، قالت فيه إنها تبينت من وجود حركة قومية عامة بين مشايخ القبائل والعشائر وسائر المواطنين، بهدف التحرر من السلطان الأجنبي، وهذه الحركة تعبر عن نفسها بوسائل شتى، ينجم عنها النزاع بين السكان العرب والسلطات البريطانية في عدن، وإلى الغارات، والاعتداء على اليمن، واقترحت البعثة الإسعاف العاجل بالبعثات الطبية، وإغاثة المنكوبين واللاجئين بتقديم المعونات المالية، ودعت إلى تعاون عربي من أجل حل سلمي للقضية واستغلت اليمن وجود ممثل للعراق فطلبت من الحكومة العراقية التوسط لدى البريطانيين.
وعلى الأرض كانت الحشود من الجانبين كبيرة، ولايعرف حجم القوات اليمنية كما لايعرف عدد أفراد القبائل الجنوبية التي تحارب بريطانيا، أما البريطانيون فقد كانت لديهم قوة ثابتة تقدر بنحو عشرة آلاف جندي مدججين بأحدث أنواع الأسلحة، أضيف لهم 0052 جندي بنهاية ديسمبر 6591 وزاد البريطانيون عدد حرس الحدود إلى 0051 جندي، كما نظمت وحدات في الصحراء بلغ تعدادها 0052 جندي، وقد أخذت هذه القوى تتجمع حول القرى والمدن اليمنية.
لقد أشيع بعد العدوان الثلاثي على مصر 6591، أن اليمن قادم على حرب شاملة مع بريطانيا لتحرير الجنوب وأن الإمام أحمد يعد بنفسه للزحف على عدن، وكان هذا الأمر يثير اهتماماً محلياً وعربياً، كما أنه كان يدعو إلى الانزعاج من جانب بريطانيا.
في الواقع لم تكن اليمن مهيأة لأي عمل وطني كبير بهذا الحجم، حيث يتطلب حشد كل الإمكانات المادية والبشرية والسياسية والاجتماعية المتاحة، ولم يكن الإمام في وضع يسمح له بالقيام بذلك، وكان في حالة خصام مع قطاع واسع في المجتمع وقد أطاح سيفه في 8491 و5591 برؤوس كثيرة، وسجونه تغص بالمناضلين وكان الجيش في حالة يرثى لها وهو يعكس صورة المجتمع البائس ولم تكن لدى هذا الجيش من الأسلحة مايؤهله للقيام بهذا الجهد الوطني والقومي الكبير، وحتى ماهو موجود من هذه الأسلحة، والتي كان النظام قد حصل عليها في المعسكر الاشتراكي لاتفي بالغرض ولايوجد من يمكنه استخدامها.. ولم تكن اليمن مهيأة سياسياً وقانونياً إذا ماعرض النزاع على الهيئات الدولية.
والإمام مريض وليس هناك من يتحمل المسئولية من بعده إذا جد الجد، وجهاز الدولة أقرب إلى أجهزة العصور الوسطى، كان هناك عدد من الموظفين الكبار والصغار لكن ليس هناك حكومة بالمعنى الذي تعارف عليه الناس، وهذا الجهاز كان يبتلع موارد البلاد الاقتصادية ويستخدم المساعدات الخارجية بأسوأ مايكون الاستخدام، أضف إلى ذلك أن المواجهة مع بريطانيا ونعني بها مواجهة شاملة لن تكون أبداً نزهة على ساحل البحر، فالبريطانيون يملكون من أسباب النجاح في مثل هذه الحرب مايجعل نتيجتها محسومة مسبقاً لصالحهم ولديهم مايكفي من وسائل الردع.
لقد استخدم الإمام قضية الجنوب لصرف الأنظار عما يجرى في الشمال الذي يحكمه فطالما هناك قضية بحجم الجنوب المحتل، فإن أصوات المعارضة ستكون أقل ضجيجاً وكان الجنوب بالنسبة له كحصان طروادة كلما شعر بامتعاض وطني وسياسي في الداخل أثار قضية الجنوب وأجج الصراع على الحدود، كان يرسل إشارات إلى البريطانيين ليبلغهم أنه لن يستخدم السلاح إلا للدفاع عن النفس وأنه ليس على عداء مع البريطانيين.
وأدرك الإمام بالتجربة أن الطريق العسكري للحل قد أغلقت أمامه كل الأبواب وبقي طريق واحد هو العودة إلى طاولة المفاوضات وكان يحتاج إلى من يأخذ بيده إلى هذه المفاوضات وفجأة دخل الأمريكيون على الخط لحسابات استراتيجية خاصة بهم، فقد لاحظوا أن مشكلة الحدود هي واحدة من العوامل التي تدفع اليمن نحو المعسكر الاشتراكي ونحو البلدان العربية التقدمية وعلى وجه الخصوص مصر وهذا الاتجاه كان يقلقهم كثيراً لذلك ضغطوا على البريطانيين لتقديم تنازلات ترضي الإمام، ثم إنهم وجدوا اليمن يرحب بهذه الوساطة.
لقد قرر الإمام إرسال ابنه وولي عهده البدر إلى لندن للتفاوض ومحاولة الوصول إلى حل ووصل البدر إلى لندن في 9 نوفمبر 7591 وبعد أسبوع من المباحثات فشل الطرفان في الوصول إلى حل يرضي اليمن التي تمسكت بحقها في المحميات وأصر البريطانيون على حسم موضوع الحدود أولاً فغادر البدر لندن إلى موسكو وبراغ ووارسو وبكين، وهناك استقبل استقبالاً كبيراً وقد استخدم البدر نجاحاته الخارجية ضد خصومه وخاصة أنصار عمه الحسن وكانت هذه الجولة بمثابة رسالة سياسية لم تكن خافية لا على البريطانيين ولا على الأمريكان.
وكان قرار الإمام بالذهاب إلى المفاوضات مع البريطانيين، قد أثار شيئاً من القلق في القاهرة والتي تربطها باليمن علاقات خاصة، وقد علقت الإدارة العربية بوزارة الخارجية المصرية على هذه الزيارة بالقول: «إن الزيارة كانت اتجاهاً جديداً في السياسة اليمنية، تتسم بالخضوع والخنوع فبعد أن كانت اليمن تتخذ موقفاً ثابتاً، لايعترف لبريطانيا بأي حقوق في الجنوب وترفض الاعتراف بوجود حدود بين الشمال والجنوب نراها وقد تراجعت إلى القبول بالمحادثات، وأن هذا التراجع سوف تكون له أضراره على القضية الوطنية للمحميات، كما أنه يمثل تخلياً عن آمال الوطنيين فيها وقد تؤدى إلى تثبيت أقدام الإنجليز في المنطقة»، ونوهت الخارجية المصرية بالدور الأمريكي في هذه المحادثات الذي يتجه نحو الضغط على البريطانيين لإرضاء الإمام، ذلك أن الأمريكيين كانوا يرغبون في إقامة علاقات وطيدة مع اليمن، وضمن إطار مشروع ايزنهاور في المنطقة.
هذا الأمر يتأكد من خلال المطالب التي تقدمت بها أمريكا لليمن كشروط لتقديم المعونات الاقتصادية ومن ضمن هذه المطالب إنشاء أربع محطات رادار فوق رؤوس الجبال ولكن الإمام رفض طلبهم مما كان سبباً في تقليص المساعدات الأمريكية التي لم تتجاوز مليون دولار أمريكي.
وكانت المناوشات على الحدود قد استمرت فيما بقي من العام 8591وهو العام الذي أصبحت فيه اليمن عضواً في الاتحاد العربي الذي يجمعها مع الجمهورية العربية المتحدة «مصر وسوريا» وفي هذه المناوشات ضُربت قعطبة، وحريب، والبيضاء وألحقت باليمن خسائر في الأرواح والممتلكات وقادت بريطانيا حملة إعلامية كبيرة ضد اليمن حيث اتهمتها بالشيوعية وسمي البدر «بالأمير الأحمر» لكن حجم التضامن العربي الرسمي والشعبي كان كبيراً إلى جانب اليمن، فقد تدفق المتطوعون العرب من مصر وسوريا والأردن لنجدة إخوتهم وبلغت أعدادهم آلافاً وإن كان الإمام لم يسمح لهم بالوصول إلى الأراضي اليمنية فهو إلى كونه أصلاً لايحب التعامل مع الآخرين حتى ولو كانوا عرباً إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، فإنه كان قد خشي من رد الفعل البريطاني لوجود عرب على الحدود يقاتلون مع اليمنيين جنباً إلى جنب.
وفي مايو من العام الجديد 9591عادت اليمن وبريطانيا للتفاوض مرة أخرى، وهذه المرة في عدن وعودة المفاوضات إلى عدن بدا وكأنه خضوع فعلي للإرادة البريطانية وقبول ولو ضمني بالمطلب البريطاني بضرورة الحوارات مع السلطات في عدن وليس مع الحكومة البريطانية في لندن وترأس وفد اليمن إلى المفاوضات القاضي محمد عبدالله الشامي، وأعلن البدر حينها أنه لايعرف ما إذا كانت هذه المفاوضات سوف تنجح أم لا. والشيء الوحيد الذي يعرفه هو أنه إذا فشلت المفاوضات فلن يكون أمام اليمن غير الحرب، وكان وفد اليمن قد رفض اللقاء مع ممثلي الاتحاد الفيدرالي الذي أعلن عن قيامه قبل ذلك بقليل معتبراً اليمن كلاً لا يتجزأ، وبلداً واحداً، وفشلت المفاوضات لأن اليمن أصرت على موقفها القديم من مسألة المحميات.
وطالبت بالتعويض عن الخسائر في الأرواح والممتلكات ووقف الطلعات الجوية البريطانية فوق الأراضي اليمنية، ولما لم يستجب البريطانيون تقدمت حكومة الإمام بشكوى إلى الأمم المتحدة، طالبت فيها المجتمع الدولي بالتدخل لوقف العدوان البريطاني على أراضيها، فرد البريطانيون بأنهم إنما قاموا بضرب عناصر عبثت بأمن المحمية، وقد كرروا هذا الادعاء مع كل شكوى يمنية.
ج أزمة جزيرة كمران:
وفي مارس 6591 ظهرت أزمة حدودية من نوع آخر، أزمة بحرية حول جزيرة “كمران” وكمران تقع على بعد مائتي ميل شمالي مضيق باب المندب، وعلى بعد يسير لايتعدى الأميال من ساحل اليمن. ولاتبتعد عن جزيرة “الصليف” الملحية اليمنية المشهورة سوى كيل متر واحد، وميناؤها صالح لرسو السفن.
والذي أثار موضوع الجزيرة على نحو حاد في عام 6591م هو أن اليمنيين كانوا قد منحوا شركة “ديلمان الأمريكية” امتيازاً للتنقيب عن النفط في جزيرة الصليف، فرد البريطانيون بأن منحوا شركة “بي بي” امتيازاً بترولياً في جزيرة كمران فاحتجت اليمن على هذا التصرف، ورأت فيه اعتداء جديداً على سيادتها.
وكانت بريطانيا كعادتها قد دأبت منذ عهد بعيد على أن تستولي على الجزر المتناثرة في مداخل البحور والمحيطات لمراكزها الاستراتيجية، أو لاستغلال أهلها وأرضها، أو إعدادها كنقطة للوثوب منها إلى أقطار أخرى، تتاخمها فتضمها إلى مستعمراتها وأملاكها وجزيرة كمران ينطبق عليها هذا الوضع في الواقع تماماً، فانجلترا وهي في سعيها لضم المحميات المتاخمة لليمن رأت أن هذه الجزيرة علاوة على مركزها البحري الممتاز في البحر الأحمر مملكة اليمن فإنها تمثل قيمة عظيمة لمستعمرة عدن في مدخل البحر الأحمر الجنوبي وقد تذرعت بريطانيا لوضع أقدامها فيها أثناء الحرب العالمية الأولى بحجة جعلها محجراً صحياً، ثم لما رأت استنامة الحكومة اليمنية «صمتها» عنها مكتفية باحتجاجات شكلية فقررت تجاهلها، وفي الوقت نفسه أخذت تدعم مركزها وتوطد سيطرتها فيها. ولما اطمأنت لوضعها في الجزيرة أعلنت عام 9491ضمها إلى ممتلكاتها وإلحاقها بمستعمرة عدن ومرة أخرى فإن ردود الفعل اليمنية لم تتجاوز حدود الاحتجاج والشجب. وكانت بريطانيا ترد بعدم الاعتراف بأي حقوق يمنية على الجزيرة.
وبعد ذلك استمرت اليمن في إثارة موضوع الجزيرة من حين لآخر، وفي عام 2691م، وزعت الحكومة اليمنية مذكرة حاولت فيها شرح موقفها من جديد من احتلال الجزيرة من قبل البريطانيين، فرددت الحجج ذاتها التي سبق وأن ذكرتها في مذكرات الاحتجاج السابقة، وأضافت هذه المرة بأن المواثيق الدولية التي تهم جزيرة كمران تقول بصراحة ووضوح ببطلان ادعاء بريطانيا بأي حق في السيادة على الجزيرة، وأن المادة «61» من معاهدة لوزان تركت أمر السيادة على الجزيرة معلقاً، وأن وجهة نظر الأطراف في هذه المعاهدة كانت تتلخص في عدم السماح لأي كائن من كان بامتلاك أقاليم في شبه الجزيرة العربية بما فيها الجزر، ومن بينها جزيرة كمران، وأن انجلترا نفسها قد اعترفت بوجهة النظر هذه، كما أن المعاهدة التي عقدتها بريطانيا من جهة، وايطاليا من جهة أخرى تحول بين بريطانيا ودعواها في شرعية بقائها في جزيرة كمران القصد اتفاق روما 8391 وأن بقاءها لا يبرره سوى إدارتها للجزيرة كمركز حجر صحي، وأن بريطانيا ستظل ملتزمة بعدم الاستيلاء عليها، وبما أن الجزيرة قد استغني عنها كمركز صحي، فلم يعد هناك ما يبرر بقاء البريطانيين فيها.
ولكن البريطانيين كانوا دائماً يتجاهلون المطالب اليمنية حول الجزيرة، خصوصاً وأنهم يدركون أن اليمن لا تملك إمكانية للتأثير الفعلي على وجودهم هناك، خلافاً لمنطقة الحدود البرية، وعند استقلال جنوب اليمن سلمت بريطانيا الجزيرة لحكومة الاستقلال. ومع ظهور مشكلة الحدود بين اليمنيين أعادت اليمن الجنوبية الجزيرة إلى الشمال في عام 2791م.
د الاتحاد الفيدرالي للمحميات:
لقد نشأت فكرة الاتحاد الفيدرالي للمحميات لدى البريطانيين ابتداء من عام 5291، ففي هذا العام طرح السير “برناردرايلي” على حكومته الفكرة، وفي العام 0391 جرت محاولة فاشلة لتحقيقها لكنها لم تجد صدى لدى السلاطين، ولم يكن للسكان أن يلتفتوا إليها، ويأخذوها على محمل الجد، ثم عاد البريطانيون لطرح الفكرة على السلاطين في عام 4591 إذ رأى الحاكم البريطاني السير “هيكنيوتام” ومعه المستشار ”ثريفاسكس” بأن هناك ضرورة عاجلة لقيام مثل هذا الاتحاد، واستدعى في نفس العام حكام المحميات وطرح عليهم المشروع الذي تضمن قيام اتحادين، أحدهما في شرق المحمية وآخر في غربها، وأن تبقى عدن مستعمرة بريطانية، وبعد قيام الاتحادين، أوضح الحاكم العام أنه يمكن دمجهما في اتحاد واحد، ويبدو أن نجاح بعض التجارب في آسيا وأفريقيا، وخاصة اتحاد “ماليزيا” قد شجع البريطانيين على طرح الفكرة، بالرغم من اختلاف الظروف.
وقد استمع الشيوخ والأمراء والسلاطين للحاكم العام البريطاني، وهو يشرح فوائد المشروع للمنطقة، ولمستقبل السكان، ونظروا في البداية بشيء من الريبة والشك للفكرة، إذ إن فكرة المشروع تقوم على تكوين سلطة مركزية واحدة، وهذا يعني أن عليهم أن يتخلوا عن بعض صلاحياتهم في مناطقهم، ومثل هذا الإجراء كان من الطبيعي أن يعرض مصالحهم للتآكل، ويضعف من مكانتهم كشيوخ وحكام في مناطقهم، ومع ذلك فقد وعدوا بدراسة الموضوع، فهم غير قادرين على رفضه، وفي نفس الوقت لايستطيعون قبوله.
وكان طبيعياً أن يرفض الإمام المخطط المتمثل في مشروع الاتحاد، بالرغم مما فيه من بعض الايجابيات، وفي افتتاحيتها علقت صحيفة “سبأ” شبه الرسمية من تعز على الموضوع قائلة: إن هذا الاتحاد الذي يعمل له حكام عدن ليس إلا تمكيناً للاستعمار وتوطيداً لدعائمه في الجنوب، وهو يعد تأييداً وتجميعاً وقحاً ضد استقلال اليمن، فالإنجليز إنما يستهدفون مصالح انجليزية بحتة، وهو اتحاد تابع، كل السلطات في يد الحاكم الانجليزي العام، وتوقعت الصحيفة أن يرفض شيوخ وأمراء المنطقة المشروع، فإن قبلوا فإنما يكونون مرغمين لامختارين.
لقد توخى البريطانيون تحقيق جملة أهداف من الاتحاد المقترح:
أولاً: هم حريصون على وجودهم في المحميات، وفي عدن على وجه خاص لمواجهة أعباء والتزامات سياسية واستراتيجية على الصعيد العالمي، ولكي يحققوا هذا الهدف كان يجب عليهم أن يعدلوا من شكل وجودهم في المنطقة، بعد أن تأكد لهم فشل السياسات القديمة، وعدم ملاءمتها للظروف والمستجدات التي خلقها واقع جديد وذلك لن يتأتى لهم إلا بقيام كيان واحد في الجنوب.
ثانياً: الحفاظ على ماتبقى من سلطة معنوية أو مدنية لحلفائهم في المنطقة، شيوخ وسلاطين وأمراء، وقد أدركت بريطانيا أن النظم القبلية القديمة الموجودة في المحميات قد تمثل خطراً على سياساتها ومصالحها ما لم تشرع بإجراء تحسينات عليها، مع الإبقاء على جوهرها لمواجهة الوعي الراديكالي المتزايد في المنطقة، وقد اختارت لذلك شكلاً سياسياً وأمنياً يحمي مصالحها، وعلى نحو خاص المصالح البترولية.
ثالثاً: تطور الخلاف اليمني البريطاني بعد تصاعد حدة المصادمات على الحدود، وإمكانية نقل هذا الخلاف إلى الهيئات الدولية، فاليمن عضو في جامعة الدول العربية، وعضو في الأمم المتحدة، وقد قام باتصالات دبلوماسية لدى الأوساط الدولية للحصول على الدعم، وبعض هذه الأوساط قد تقف إلى جانب اليمن، كبلدان العالم الثالث والمعسكر الاشتراكي، وهو الأمر الذي يثير قلق الحكومة البريطانية، ويدفعها نحو الإسراع بإقامة كيان يوحد الإمارات المتناثرة ويمحو المظهر الاستعماري الصارخ للمنطقة، دون أن يشكل خطراً على مصالحها الاستراتيجية.
رابعاً: كانت الحركة الوطنية في تصاعد مستمر، بحكم الظروف المتمثلة في حرب السويس ومشاركة بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر عبدالناصر سنة 6591، وهو العدوان الذي ساعد على تشكيل إرهاصات قومية ناهضة على امتداد الساحة العربية.
وقيام اتحاد يضم ولايات الجنوب يؤدي إلى الحد من الروح الوطنية المتنامية، وإقناع المطالبين بالاستقلال وتحذيرهم بأن المشروع المقترح يعتبر خطوة في سبيل جمع شمل هذه النواحي، تمهيداً لقيام دولة مستقلة في الشكل تابعة في الجوهر، والاتحاد صيغة ملائمة لتقييد حركة التحرير الوطني، وخاصة عند انضمام عدن إلى هذا الاتحاد.
خامساً: مجابهة النفوذ الأمريكي المتزايد، وما يرمي إليه من توسع في شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى أن قيام الاتحاد ينفي التهم الموجهة إلى السياسات الاستعمارية بالحرص على بقاء المناطق المستعمرة على ماهي عليه دون تنمية، بعيداً عن ركب الحضارة العالمية.
ويبدو أن البريطانيين قد وجدوا في انضمام اليمن إلى اتحاد الدول العربية في مارس 8591 فرصة مواتية للضغط على شيوخ القبائل، للقبول جدياً بالمشروع في صيغته التي عرضها عليهم “هيكنيوتام” في عام 4591، متجاهلة ازدياد حدة المعارضة الوطنية للمشروع، وأعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي في 11فبراير 9591م.
وفي البدء تشكل الاتحاد من ست إمارات هي إمارة الضالع وسلطنة الفضلي، وسلطنة العواذل، وإمارة بيحان، ومشيخة العوالق العليا، وسلطنة يافع السفلى، وأنشئ للاتحاد مجلس وزراء باسم المجلس الأعلى من ممثل واحد عن كل ولاية من الولايات الست، ومجلس تشريعي باسم المجلس الاتحادي من ستة ممثلين عن كل ولاية، وخلال العام نفسه أبرم الاتحاد الجديد معاهدة دفاع مشابهة للمعاهدات السابقة في مضمونها مع الحكومة البريطانية.
وواجه الاتحاد رفضاً من معظم ولايات الجنوب، فعارضته سلطنة لحج أكبر سلطنات المحمية الغربية، وما كان للبريطانيين أن يسامحوا سلطانهم علي عبدالكريم على هذا الموقف فهاجمت قواتهم السلطنة، لإعادة ترتيب وضعها بما يحقق أهداف السياسة البريطانية، وقد تحقق لها ذلك، فأبعدت علي عبدالكريم، الذي كانت قد جاءت به خلفاً لأخيه فضل عبدالكريم في عام2591. وأرغمت السلطنة على الدخول في الاتحاد لاحقاً، وقد أثار ذلك الأوساط اليمنية لاعتقادها أن كلاً من علي عبدالكريم والجفري يستطيعان منع السلطنة من الانضمام إلى الاتحاد.
وأحجمت حضرموت «المحميات الشرقية» عن الدخول في الاتحاد ويبدو أن ممانعة سلطنات حضرموت على القيام بخطوة كهذه كان يلقى موافقة الإنجليز، بالرغم من أن دخولها إلى الاتحاد كان من الممكن أن يدعم مشروع الاتحاد، ويخلق حالة من التوازن السياسي والاقتصادي للدولة القادمة، وكان ذلك الموقف البريطاني خطأ فادحاً وعارض الاتحاد شيوخ آخرون يختلفون في الأهمية والمكانة وبعضهم عارض، لأنه لم يجد له مكاناً يناسبه في قيادة الاتحاد.
وعارضته رابطة أبناء الجنوب؛ لأنها رأت فيه عاملاً للتجزئة، لا للوحدة، وأن وجوده إنما يخدم مصالح الحكام، والإنجليز معاً، وقدمت رؤيتها لدولة مستقلة، تشمل الجنوب كله بما في ذلك حضرموت، وعدن، ووقفت الحركة العمالية النشطة حيناً موقفاً معارضاً للاتحاد واعتبرت القيادات العمالية الاتحاد الفيدرالي عملاً تآمرياً من جانب بريطانيا لمنع تحقيق وحدة اليمن، في نفس الوقت الذي هاجمت فكرة إبعاد عدن عن الاتحاد، وشنعت الحركة العمالية بموقف السلطان علي عبدالكريم ورابطة أبناء الجنوب من الاتحاد، على أساس ضلوع السلطان في التآمر مع البريطانيين واتهمت الرابطة بممالئته، كما رفض الاتحاد حركة القوميين العرب، واعتبرت قيامه محاولة بريطانية لمواجهة المد القومي التحرري في الوطن العربي، وخطوة من شأنها منع اتحاد الجنوب بالشمال مستقبلاً.
وساندت جامعة الدول العربية موقف اليمن المعارض للاتحاد، ووصفته بأنه تعبير عن الاستعمار الجديد ومحاولة للالتفاف على قضية الجنوب، ودعا مجلس الجامعة سلاطين وأمراء ومشايخ المنطقة بأن لا يتورطوا فيما يخطط لهم من الارتباط بأية اتفاقية أو نظام يتنافى مع روحهم القومية، ويبعدهم عن الارتباط بإخوانهم العرب، وعارضت مصر والسعودية قيام الاتحاد، وأكدتا التزامهما بدعم القوى الوطنية في الجنوب، وهاجم راديو القاهرة الحكام المحليين في المحمية الذين وقعوا على اتفاقية قيام الاتحاد، واعتبرهم خائنين لبلادهم ووطنهم.
وخلال الأربع سنوات التالية انضمت إلى الاتحاد كل من سلطنة لحج، ومشيخة العقارب، وسلطنة العوالق السفلى وولاية دثينة، كمل انضمت إلى الاتحاد سلطنة الواحدي الشرقية، بسبب شعور حكامها بوجود مطامع قعيطية في أراضيها، تتجاوز حدود الاتحاد، ففضلوا الانضمام إلى الاتحاد الفيدرالي للحصول على شيء من الحماية وفي 81ابريل 2691 أعلن رسمياً عن تغيير اسم الاتحاد، ليصبح اسمه ”اتحاد الجنوب العربي” تمهيداً لضم عدن إليه، والتي انضمت إليه في يناير من العام التالي.
وفي البدء تشكل الاتحاد من ست إمارات هي إمارة الضالع وسلطنة الفضلي، وسلطنة العواذل، وإمارة بيحان، ومشيخة العوالق العليا، وسلطنة يافع السفلى، وأنشئ للاتحاد مجلس وزراء باسم المجلس الأعلى من ممثل واحد عن كل ولاية من الولايات الست، ومجلس تشريعي باسم المجلس الاتحادي من ستة ممثلين عن كل ولاية، وخلال العام نفسه أبرم الاتحاد الجديد معاهدة دفاع مشابهة للمعاهدات السابقة في مضمونها مع الحكومة البريطانية.
وواجه الاتحاد رفضاً من معظم ولايات الجنوب، فعارضته سلطنة لحج أكبر سلطنات المحمية الغربية، وما كان للبريطانيين أن يسامحوا سلطانهم علي عبدالكريم على هذا الموقف فهاجمت قواتهم السلطنة، لإعادة ترتيب وضعها بما يحقق أهداف السياسة البريطانية، وقد تحقق لها ذلك، فأبعدت علي عبدالكريم، الذي كانت قد جاءت به خلفاً لأخيه فضل عبدالكريم في عام2591. وأرغمت السلطنة على الدخول في الاتحاد لاحقاً، وقد أثار ذلك الأوساط اليمنية لاعتقادها أن كلاً من علي عبدالكريم والجفري يستطيعان منع السلطنة من الانضمام إلى الاتحاد.
وأحجمت حضرموت «المحميات الشرقية» عن الدخول في الاتحاد ويبدو أن ممانعة سلطنات حضرموت على القيام بخطوة كهذه كان يلقى موافقة الإنجليز، بالرغم من أن دخولها إلى الاتحاد كان من الممكن أن يدعم مشروع الاتحاد، ويخلق حالة من التوازن السياسي والاقتصادي للدولة القادمة، وكان ذلك الموقف البريطاني خطأ فادحاً وعارض الاتحاد شيوخ آخرون يختلفون في الأهمية والمكانة وبعضهم عارض، لأنه لم يجد له مكاناً يناسبه في قيادة الاتحاد.
وعارضته رابطة أبناء الجنوب؛ لأنها رأت فيه عاملاً للتجزئة، لا للوحدة، وأن وجوده إنما يخدم مصالح الحكام، والإنجليز معاً، وقدمت رؤيتها لدولة مستقلة، تشمل الجنوب كله بما في ذلك حضرموت، وعدن، ووقفت الحركة العمالية النشطة حيناً موقفاً معارضاً للاتحاد واعتبرت القيادات العمالية الاتحاد الفيدرالي عملاً تآمرياً من جانب بريطانيا لمنع تحقيق وحدة اليمن، في نفس الوقت الذي هاجمت فكرة إبعاد عدن عن الاتحاد، وشنعت الحركة العمالية بموقف السلطان علي عبدالكريم ورابطة أبناء الجنوب من الاتحاد، على أساس ضلوع السلطان في التآمر مع البريطانيين واتهمت الرابطة بممالئته، كما رفض الاتحاد حركة القوميين العرب، واعتبرت قيامه محاولة بريطانية لمواجهة المد القومي التحرري في الوطن العربي، وخطوة من شأنها منع اتحاد الجنوب بالشمال مستقبلاً.
وساندت جامعة الدول العربية موقف اليمن المعارض للاتحاد، ووصفته بأنه تعبير عن الاستعمار الجديد ومحاولة للالتفاف على قضية الجنوب، ودعا مجلس الجامعة سلاطين وأمراء ومشايخ المنطقة بأن لا يتورطوا فيما يخطط لهم من الارتباط بأية اتفاقية أو نظام يتنافى مع روحهم القومية، ويبعدهم عن الارتباط بإخوانهم العرب، وعارضت مصر والسعودية قيام الاتحاد، وأكدتا التزامهما بدعم القوى الوطنية في الجنوب، وهاجم راديو القاهرة الحكام المحليين في المحمية الذين وقعوا على اتفاقية قيام الاتحاد، واعتبرهم خائنين لبلادهم ووطنهم.
وخلال الأربع سنوات التالية انضمت إلى الاتحاد كل من سلطنة لحج، ومشيخة العقارب، وسلطنة العوالق السفلى وولاية دثينة، كمل انضمت إلى الاتحاد سلطنة الواحدي الشرقية، بسبب شعور حكامها بوجود مطامع قعيطية في أراضيها، تتجاوز حدود الاتحاد، ففضلوا الانضمام إلى الاتحاد الفيدرالي للحصول على شيء من الحماية وفي 81ابريل 2691 أعلن رسمياً عن تغيير اسم الاتحاد، ليصبح اسمه ”اتحاد الجنوب العربي” تمهيداً لضم عدن إليه، والتي انضمت إليه في يناير من العام التالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.