تذكرت هذا القول و أنا أتابع الحلقة النقاشية التي أقامها منتدى التنمية السياسية قبل بضعة أيام في عدن والتي كان عنوانها (( نحو صوت موحد للجنوبيين )) وكان الهدف من هذه الندوة هو فتح الحوار العلني بين المكونات الجنوبية و إشراك الشباب والمرأة في مناقشة القضية التي تهم مستقبلهم السياسي و تؤثر فيهم بصورة كبيرة . و بقدر ما انتابني شئ من الإحباط في بداية هذه النقاشات نظرا لتباين وجهات النظر بين أفراد البيت الواحد و تصاعد حدة اللهجة المستخدمة في الحوارات بقدر ما بعث في نفسي الطمأنينة بعدها ملاحظتي لحرص الاستاذ علي سيف حسن رئيس المنتدى على انجاح الحوار اضافة الى حرصه الشديد على توحيد الصف الجنوبي - كبداية - وليس الصوت الجنوبي من اجل خلق ارضية قوية و ملائمة تحمل القضية الجنوبية على عاتقها و تتحمل أبعادها و مقتضياتها و أعتقد ان الهدف الحقيقي للندوة هو الوصول الى هذه النقطة ..توحيد الرؤى للقضية الجنوبية لدى الأطراف التي تتبناها . و من المؤسف حقا ما نلاحظه في الشارع الجنوبي خلال هذه الفترة ، و بعيدا عن التنظير والخطب الرنانة للمعارضة حول القضية الجنوبية ، و هي نفسها المعارضة التي دخلت اليوم في وفاق مع النظام الذي ثرنا ضده ، فأن الواقع على الارض لا يشي أبدا بتفاعلها الحقيقي مع هذه القضية على المستوى المطلوب ، وكثير من الجنوبيين لا يثقون مطلقا بهذه المعارضة خاصة وان منهم من يرى انها قد خذلت الشباب في الساحات بتوقيعها على المبادرة الخليجية التي خدمت اللاصالح ولم تحقق الهدف الرئيسي من قيام الثورة و هو اسقاط النظام كاملا بكافة رموزه . و من الملاحظ في الشارع أيضا ان أحزاب المعارضة و بعض من قيادات الحراك أحالوا القضية الجنوبية - و ربما دون ان يقصدوا أو يعوا - الى مجرد مسيرات من ناحية و مسيرات مناهضة لها من ناحية أخرى ، فهؤلاء يخرجون بمسيرات تنادي بفك الارتباط ، و هؤلاء يخرجون بمسيرات تعلن حرصها الشديد على بقاء الوحدة مهما حصل ، مع عدم انكار وجود مسيرات من الطرفين تخرج بتلقائية دون ايعاز أو دعوة من أحد ، و انما هي عبارة عن حراكات شعبية خالصة تثور من تلقاء نفسها و من ارادتها في التغيير و الحرية . و لكن الامور وصلت الى حد مقلق في هذا الجانب فقد بدا ان الهدف الرئيسي الذي هو حل القضية الجنوبية لم يعد محل مرأى الطرفين و غاية حراكهما في الوقت الراهن ، بقدر ما صارت المنافسة بين الطرفين تحتل الاولوية و كأنها أصبحت هي الهدف ، يخرج الحراك اليوم مسيرة حاشدة في المعلا للمناداة بالانفصال ..فتخرج مسيرة أكبر من ساحة الحرية في كريتر ترفع راية الوحدة .. لتتبعها مسيرة أكثر حشدا من الميدان في كريتر أو ساحة الشهداء في المنصورة ترفع العلم السابق للجنوب ...و هكذا من مسيرة لمسيرة مناهضة ، ثم يبدأ التخوين والتشكيك في الدوافع والاهداف بين الطرفين .. فهؤلاء يتهمون حزب الاصلاح بدعم مسيرات الوحدة في عدن و كأنه يرتكب جريمة عظمى في ذلك و يعتبروه تشويشا للرغبة الحقيقية لابناء الجنوب وكأن الذين يخرجون في هذه المسيرة قد جاؤا من المريخ و ليسوا من الجنوب ... و أولئك يتهمون الامن القومي و عبد الكريم شائف بخلق فصيل جديد يدعي انه تابع للحراك ، ليعطي زخما أكبر للمنادين بالانفصال ، بحيث تبدو الصورة التي حاول اللا صالح أن يرسمها عن تفتت اليمن بعد رحيله ، هي الأقرب للحدوث و يخلق تحديا جديدا للثورة المتصاعدة ضده في جميع الساحات، و أولئك مخطئون لو ظنوا ان ما يفعله شائف واتباعه قد يفسد على الحراك نضاله السلمي الذي بدا من 2007 و فقد فيه الجنوبيون مئات الشهداء من اجل الحصول على حريتهم . هل يمكن القول ان هذا الصراع الذي يحدث الان في الجنوب يصب في مصلحة القضية الجنوبية و الثورة الشبابية الشعبية ضد النظام ، في ظني انه ليس في صالح الثورة الشبابية الشعبية بعد ان تحقق أهدافها الكاملة التي قامت من أجلها ، أن تجد ان الوضع قد تفاقم في الجنوب و تحول الى صراع قاس يصبح بعده الحديث عن وحدة ستظل صامدة ممكنا ، خاصة ان هذا التصعيد الحاصل الان وصل الى درجة لا يجدي معها العودة الى نقطة البداية. كذلك فان هذا الصراع ليس في صالح القضية الجنوبية ، اذ بدلا من ان تتحد جميع الاطراف في الجنوب لتوحيد رؤاهم في حل هذه القضية ، يصبح كل همهم من فيهم سيبدو صاحب الحجة الأقوى ، ومن فيهم من يملك القاعدة الجماهيرية الاكبر و الاقوى التي تؤيده ، و فعلا من سيلاحظ شكل الاحتجاجات و المسيرات التي تخرج في عدن تحديدا خاصة في المناسبات والاعياد الوطنية سيلاحظ استعراض القوى القائم بين الطرفين هناك مما لا شك فيه ان جميع هذه الاطراف بالرغم من هذه الأخطاء التي ترتكبها تريد وضع حلا حقيقيا للقضية الجنوبية ، و على هؤلاء ان يعوا أن هذه الاستعراضات المثيرة للضحك والخيبة في الوقت نفسه يجب ان تتوقف الان ، فهي في الاول و الأخير لا تعد استفتاءا حقيقيا لخيار أبناء الجنوب للوضع الذي سيؤول اليه جنوبهم الحبيب في المستقبل ، وكم كنا نتمنى لو يحاول الطرفان الاشتراك معا في بعض المسيرات والمظاهرات و يبدأن بحوارات تقرب بين وجهات النظر للجميع . ما سيخدم القضية الجنوبية الان من وجهة نظري المتواضعة هو ان تتوحد الصفوف المتشردة في أكثر من اتجاه ، ان الفريق المؤيد للوحدة في الجنوب معروف سواء أكان طرفا مستقلا أو يتبع أحزابا بعينها ، و هو يشكل فريقا واحدا لا هدف له ولا غاية الا المحافظة على الوحدة وحل المشاكل التي عانى منها الجنوب بعد قيامها . لكن الطرف الأخر الذي يرى صعوبة حقيقية في بقاء خيار الوحدة ، هو ما يشكو من التباين و يبدو كأنه مجموعة من الفرق التي لا يوحدها شئ بقدر ما يوحدها اختلافها مع الفريق الراغب في بقاء الوحدة. لذا فان ما يخدم القضية الجنوبية أيضا ان تلتئم لحمة قوى الحراك الجنوبي السلمي بكافة فصائله اضافة الى مؤيديه من المستقلين الذين لا يدعمون خيار الوحدة ثم يقومون بوضع مسارات محددة للقضية الجنوبية ليصلوا بها الى أهدافهم و تحقيق خياراتهم في الانفصال أو الحكم الفيدرالي ، كما ان عليهم ان يضعوا من الان تصورهم للمرحلة القادمة و خطتهم للدولة الجنوبية القادمة ... اذا كانت هذه الدولة هي الخيار الذي سيرسو عليه أبناء الجنوب في آخر المطاف . ان الخلاف الذي حدث في مؤتمر القاهرة الأخير بين بعض المشاركين والخلاف الذي يسود كثير من المؤتمرات التي تجتمع فيها أطراف القضية الجنوبية يفضح و بشدة الحاجة الملحة لتوحيد أهداف هذه القوى و تحديد مساراتها و اختيار ألية فاعلة و مضمونة لتحقيق غايتهم المنشودة . من ناحية أخرى على الفريق الآخر الذي ينادي بخيار البقاء على الوحدة أن يكف عن ترديد شعار الوحدة أو الموت ، كما على المعارضة أن تمنع قادتها و خاصة أولئك الذين لا ينتمون الى الجنوب من الخوض - سواء في خطبهم أو لقاءاتهم التلفزيونية - في رؤيتهم لحل القضية الجنوبية ، فهذا التصرف منهم يثير حفيظة عدد كبير من أبناء الجنوب حتى أولئك المؤيدين للوحدة ، اذ انهم يرون أن المخول في التحدث عن هذه القضية هم أبناء الجنوب أنفسهم و انهم لن يقبلوا باي املاءات أو رؤى تطرح من سواهم . و على أية حال و بحسب ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية رقم 114 ، فأن هناك ما يشير بقوة الى أن خيار استمرار الحكومة المركزية والوحدة على ما هي عليها وخيار الانفصال الفوري ، سيمثلان مخاطر جدية باندلاع صراع عنيف ، فالخيار الأول سينكر على الجنوبيين مطالبهم المشروعة بقدر أكبر من المشاركة و السيطرة على مواردهم المحلية ، و كذلك حماية هويتهم و ثقافتهم المحلية ، أما الخيار الأخير فانه لن يغضب الشماليين فقط - و لازال الكلام هنا لتقرير مجموعة الازمات - بل العديد من الجنوبيين الذين يفضلون بقوة الاصلاح البقاء في سياق الوحدة ، و من شبه المؤكد ان يفضي الى الحرب . الخيارات الأخرى - المتمثلة في الفيدرالية بنوعيها - تستحق قدرا أكبر من النقاشات و المفاوضات المستفيضة من أجل التغلب على مختلف المخاوف . و في رأئي ان هذه النقاشات والمفاوضات المستفيضة التي أشارت مجموعة الأزمات الى أهميتها ، يجب أن تبدأ من الان و بشكل أكثر جدية من السابق ومن داخل المحافظات الجنوبية و ليس في مؤتمرات خارجية لا يستطيع المشاركة فيها قطاع عريض من المعنيين بها، ومن الجدير بالاشادة ما قام به الاخوة في منتدى التنمية السياسية في هذا الجانب والنابع من حسهم الوطني و ادراكهم لخطورة المرحلة التي تعد بمثابة عنق الزجاجة بالنسبة للقضية الجنوبية في الندوة التي أقامها هذا المنتدى مؤخرا ، قال بعض المشاركين انه من الخطأ تسمية الندوة ( نحو صوت موحد للجنوبيين ) لأن ذلك شئ مستحيل ، و الحقيقة ان الخطأ يكمن في قولهم هذا ، فهذا يعني ضمنيا عدم رغبتهم في أن يفضي حوارهم و نقاشاتهم الى توحيد رؤاهم حول المرحلة القادمة ، من البديهي ان تكون هناك بعض الاختلافات في التفاصيل أو الاراء ، لكن توحيد المسارات و الأهداف ليس من الصعوبة بمكان ، ان توفرت النوايا الحسنة و وجدت الارادة القوية الساعية لتوحيد الصف الجنوبي ، مما يعني في الاخير الوصول الى صوت موحد للجنوبيين يستطيع ايصال القضية الجنوبية الى بر الأمان.