الحوار هي الطريقة الراقية للتفاهم والوصول إلى حلول للمشاكل وتقارب وجهات النظر وإعطاء فرصة للعقل أن يعتمل في ميدان الفكر والرأي والرأي الآخر بحيث يستطيع الإنسان أن يخوض تجربة رائعة للتواصل عبر الحوار البناء والنفاذ من خلاله لفسيفساء الأفكار لتأخذ مكانها ميدان بناء المستقبل . عبر التاريخ نرى كل تغيير أو تحول أساسه حوار ينتهي بنجاح باهر ونهضة نوعية ولنتأمل قصة الملكة بلقيس التي أسلمت وأسلم قومها لله نتيجة حوار . وأي تحول أساسه استخدام السطوة لفرض إرادة معينة ينتهي بالخراب والدمار وشتات في الأرض وما المجازر الدموية عنا ببعيد . هنا في اليمن يتعثر الحوار الوطني كثيرا لكن لا بأس فهناك مجتمعات تفتقر كلية إلى ثقافة الحوار أما هنا فالحوار أصبح مطلبا ملحا لكل فئات الشعب والسلطة . فلماذا هذا التعثر ؟ هناك احتمالات لذلك : الاحتمال الأول قد يكون الخوف ، نعم الخوف من خوض تجربة قد تراها بعض الفئات أكبر من حجمها أو فوق مستوى وعيها لأنها لم تتعود إلا على الفرامانات والصوت الصاخب ورجع صداه فجلوسها إلى طاولة حوار هو عملية لا اعتيادية وتصيبها بالذعر من نتائج لم يحسبوا لها حسابا . والاحتمال الآخر هو غياب الرؤية التي يرتكز عليها الحوار أو بمعنى آخر لا يوجد هدف واضح ومطلب محدد ومشروع متكامل للفئة المتحاورة بالتالي يتم التهرب أو العرقلة للحوار لأن دخولها في الحوار سوف يعريها ويظهر مساوئها وعجزها فلن تسمح لغيرها بإجراء حوار قد يحجمها أو ينهي وجودها كقوة . وهناك احتمال أن بعض الأطراف المتحاورة تريد الإمساك بمزيد من أدوات الضغط التي تمكنها من طرح بنودها بكل قوة ، أو أن تمر بمرحلة الحوارات الجانبية قبل الدخول في الحوار الوطني الشامل لاستقراء الأرضية التي سيقف عليها عند الدخول في الحوار . الآن هل الوطن سيظل رهينة لحين يقرر جميع الأطراف أن يتحاوروا ؟ ألم يعي السياسيون أن كل يوم يمر هو مزيد من المعاناة للمواطن ومزيد من الانهيار لكيان الدولة ومزيد من عدم الثقة ومزيد من التدخلات الخارجية التي تلعب في الفضاءات غير المملوءة ، ونحن لا نستطيع أن نلغي الفيزياء ونقول أن الفراغ يظل فراغ إلى أن نشغله بمادة ، فعلى الخائفون والضائعون والمتمهلون السرعة في الجلوس للحوار قبل أن يصبح الحوار بحد ذاته حلما وليس مطلبا .