للريف في بلادنا نكهة اخرى عالم اخر ليس كمثله عالم.. زهو تفتخر به حياة المدن المملة ..فكل عبقري انجبته فكرة المدينة كان للريف فيه بداية مهمة.. وكل تعيس أتعب حياة الكثيرين كانت تملىء حنجرة الريف منه غصة حزن.. عالم مليء بالتناقضات ففيه الشيخ المتسلط الذي يضع حد سيفه على رقبة البسيط صغير وكبير.. وفيه المسكين الذي يسابق شقشقات الصباح الباكر من اجل لقمة العيش وضنكه.. تختلف فيه الالوان وتتعدد ..لكن عبقه الملتصق فيهم دائما يبقى الاجمل مهما اختلفت الانفس والضمائر.. ومن بين كل ذلك الجمال الذي يطرز ازقة الريف وبيوته..تتألق جواهر الصباح ..تستقبلك بأبتسامتها العطرة وروحها الشهية ونظرتها الحذرة.. هي تلك الاميرة التي تحمل فوق رأسها جرار الماء هي تلك الشقية التي تضع قبعة القش على رأسها لتقيها من حر الشمس وزمهريرها.. هي الام ..هي الزوجة..والابنة المطيعة.. تعانق اناملها إخضرار الارض .. تمتع الاشجار بغنائها كعصفورة ملونة..تراقص الطيور ..ترسم برشاقة خطواتها لوحات للريف البهي.. تقود قطيع اغنامها من مرعى لاخر..واحلامها الطفولية تسابقهم عائدة عند الغروب.. يشاركها حمارها الصغير مشقة العمل وفرحة العودة..ولحظات حزنها وابتسامتها.. بسيطة المنطق حنونة العبرات..تفقد ابسط حقوقها في لمحة بصر..دون ان تُسأل عن رأيها..دون ان تختار مستقبلها.. تلد باكية وتموت باكية..يلقى على عاتقها هم اكبر من حجمها ..وسنها.. تقاد دون ان تسأل نحو بيت زوج يكبرها بسنين ..لتصبح ام لاطفال هي لاتعرف شيء عنهم الا انهم جاءوا منها وغصبا عنها.. ينظرون اليها كألة للحصاد والانجاب والخدمة..في عالم يسود فيه الرجل بحكم العرف القبلي والريفي..وهي لاتعي ماالريف ولا القبيلة ومادخلها هي في هذا كله..تقتل فيها الانوثة ..ويسكن مكانها الخشونة..فتختبى هي الاخرى خلفها ..لايسألها احد عن طاقاتها وما تستطيعه وما لاتستطيعه.. تنقطع كل سبل دراستها وتحصيلها العلمي لمجرد انتشار شائعة ما تذم فتاة وتتهمها بمدرس او طالب ما دون ان يُعرف الحق..أو تكتشف الحقائق.. ودون ان ينظر المختصين في امرها..وتأخذ معاناتها بعين الاعتبار وواقع الريف..ومحاولة ان تكون لمدرسة الفتيات مدرسات نساء بدلا من جلب مدرسين رجال.. عوضا عن ان بعد مسافة المَدرسة يكون غالبا سببا في فقدانها حقها التعليمي دون علمها او استشارتها...لكننا لا نتعجب فالمدينة ليست اكثر حظا من الريف في هذا الجانب.. فتاة الريف هي الاقل حظا دائما والاكثر استكانة ورضوخ .. ورغم ان كل الحقائق تقدم دلائل كبيرة عن ان فتاة الريف هي الاكثر عطاء في ظل ما اعطيت الفرصة للدخول نحو المستقبل..وانها الاكثر ثقة بنفسها ان وجدت من يهبها الثقة.. تلكم الفتيات هن امهات المستقبل لشباب المدن في الغد..ولتتقدم حياتنا يتوجب على ذوي المسؤلية الاخذ بعين الاعتبار خلق امهات يبنين وطن بمسئولية .. فالغد لايأتي وليد الصدفه لكنها لبنات تبدأ من قلوب صغيرة ضعيفة تلهم الامة كل القوة