لم تكن الجغرافيا في أي يوم من الأيام سمة بارزة للثورات في كل أصقاع المعمورة ذلك إن الثورة كمفهوم عام هي مجموعة من القيم والمبادئ والأخلاقيات التي يؤمن بها أفرادا متعددي الجغرافيا والهوية يجمعهم الهدف الذي يثورون من اجله ، تحركهم غرائزهم الرافضة للظلم من أيا كان وعلى أيا كان وتدفعهم تلك القيم النبيلة التي يحملونها في دواخلهم وتجيش بها أعماقهم . إن الثوري الحقيقي لا يؤمن مطلقا بالهويات المختلفة ولا يجهد نفسه بالبحث عن جذور الأفراد وأصولهم ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن تنحدر أخلاقياته حد التفكير الانغلاقي المعزول والعودة إلى الحدود الضيقة التي تربطه بالجغرافيا ذلك انه سيصبح ( ثوريٌ مزيف ) ليس له أي علاقة بالثورية لا من قريب ولا من بعيد وسيتحمل وزر ما يبثه من سموم إن عاجلا أم آجلا أمام الأجيال والتاريخ . لقد حارب كثير من ثوار العالم في كثير من مناطق العالم من أجل الحرية والكرامة التي يؤمنون بها وتجسيدا لمبادئهم العظيمة المنطلقة من أن الثورة هي الهدف السامي الرائع لإعادة اعتبار الأفراد والشعوب المقهورة من المستبدين واكلي الحقوق والظالمين أينما وجدوا وكصيرورة أزلية لم تكن (الجغرافيا ) البتة هي المحدد الرئيس للثورات كونها مجموعة من التضاريس والأودية والأفراد بينما ( الثورية ) هي شذرات من القيم والأخلاقيات والمبادئ وكنتيجة حتمية فالذي ينتمي إلى الجغرافيا ربما لا يحمل بذور الثورية بداخله . إن ( الطارئين ) على الثورية لا يمكنهم تجريد الآخرين منها على أساس حزبي أو مناطقي وتعبئة مجاميعهم على هذه المفاهيم المؤذية قد تدفع بالآخرين إن يدافعوا عن أنفسهم والتحالف حتى مع الشيطان مكرهين تجرهم ثقافة الاستعداء المبتذلة ، ومن المعيب أن ننسى نضالات هؤلاء وتضحياتهم ليأتي ( الطارئون لدحضها ببيان مشوه أو خطبة جوفاء . إنه لمن المعيب والعار على الثوري الصادق الذي يؤمن بنبل ثوريته أن يشكك بثورية الآخرين ويسعى دائما لتخوينهم تصريحا أو تلميحا أفرادا وأحزابا وجماعات ، كما انه من المخجل تصنيف الناس بحسب انتمئاتهم الجغرافية أو الحزبية ولعل الذي يحدث اليوم من قبل البعض شيء يندى له الجبين وهو مؤسف إلى الدرجة التي تبعث التقزز والغثيان لا ينبغي أن يتأتى ممن يبحثون عن الحقوق ويغمطون حقوق غيرهم وممن يثورون ضد الظلم وفي نفس الوقت يمارسونه بكفاءة على الآخرين سواء قولا أو فعلا ، لا ينبغي أن يحدث هذا ممن ثاروا من اجل كرامتهم ليمارسوا اهانة غيرهم ، يناضلون من اجل حريتهم ليتعاملوا مع الآخرين بإجحاف ودونية وبطريقة غرائبية يمارسون الشيء وضده وفي الوقت ذاته ..! إن ثورة الكرامة التي تفتق أوجها العظيم يجب أن تظل عظيمة كنواة خصبة للثورة الكبرى التي ستخلص الجميع من براثن الطغيان والاستبداد وتقع عليها مسؤوليات جسيمة في إقناع الكل بنهجها النبيل وقيمها الثورية الجليلة وهو شرطا لنجاحها وبلوغ أهدافها ومراميها ويتحتم عليها الحفاظ على تماسك بنيانها من الاختراقات السلطوية والمخترقين والطارئين . لقد آن الأوان أن يكون الجميع بمستوى نضالات تلك الحشود التي تهادت لنصرة القضية من كل حدب وصوب ولم تذعن لكل الظروف التي أحيطت بها من قتل وبطش ومطاردة واعتقالات وتعذيب وكانت تصبو دائما إلى أن تجني ثمار تضحياتها ولازالت على الوتيرة نفسها آخذة على عاتقها المثقل الثار لمن نزفت دمائهم في الميادين والساحات والشوارع من القتلة والمجرمين تواقة باستمرار إلى الخلاص ممن نهب الحقوق وعاث بالأرض فسادا ، فهل تعي بعض القيادات ( الطارئة ) حجم هذه التضحيات ؟؟؟.