بعد حرب 94م كنت قدتناولت ظاهرة تمدد القبيلة في محافظات الجنوب ،حينها كتبت موضوعا في صحيفة الأياموحمل عنوان ( حزبي يبحث عن قبيلة ) ربما كان العنوان تأسيا بكتابات ساخرة للرائععبد الكريم الرازحي بعيد تحقيق الوحدة والتي نشرتها صحيفة الشورى متسلسلة أسبوعياوتحت عنوان واحد هو( قبيلي يبحث عن حزب ) . وقتها كان الفارق شاسعا ما بين قبيلي الشمال الذي بات همه الانخراط فيعضوية الأحزاب السياسية عقب التوحد وإعلان التعددية الحزبية وبين حزبي الجنوب الذيوجد ذاته باحثا عن بطاقة شيخ في مصلحة القبائل ، بلا شك المقاربة صعبة للغاية مابين الحالتين ، فالقبيلي الباحث عن عضوية حزب أعده حالة متطورة عن الحزبي الباحثعن بطاقة شيخ قبيلة من لدى مصلحة القبائل . اليوم أجدني أكتب عنمؤتمر القبيلة المنعقد في العاصمة صنعاء وتحت شعار ( القبيلة حضارة وبناء ) فلاأعلم كيف لمجتمع مازالت القبيلة فيه مقوضة لكل فكرة حضارية ومدنية ؛ ومن ثم تكونالقبيلة برهان تحضر وانتماء للحداثة والنهضة ؟. ما أعلمه هو أن القبيلة في اليمن تعد سببا رئيساوجوهريا في تخلف وضعف الدولة اليمنية ؛ فيكفي التأكيد هنا الى دراسة بحثية صدرتقبل عامين عن مؤسسة حقوقية إذ أوردت أرقاما ونسبا كدلالة لخضوع المؤسسات الحكومية لهيمنة النخبة القبلية،فحوالي 65% من وكلاء المحافظات والوكلاء المساعدين البالغ عددهم 139 وكيلاًووكيلاً مساعداً، هم من أبناء شيوخ القبائل. كما ويشكل شيوخالقبائل وأبناء شيوخ القبائل حوالي 62% من محافظي المحافظات، و50% من أعضاء مجلسالنواب، وحوالي 35% من أعضاء مجلس الشورى، فكل أسرة من الأسر المشيخيه الكبيرة،لها عضو في مجلس النواب أو مجلس الشورى، وعضو في المجالس المحلية ومحافظ أو وكيلمحافظة أو وكيل محافظة مساعد. أما الأسر المشيخيه الكبيرة التي ليس لها ممثلفي السلطة التشريعية، فتعوض في السلطة التنفيذية، فيعين 2 أو 3 من أفرادها وكلاءمحافظات أو وكلاء محافظات مساعدين. وبشكلٍ عام فإن شيوخ القبائل وأبناء شيوخالقبائل يستحوذون على ما يزيد قليلاً عن نصف المراكز العليا في مؤسسات السلطتين التشريعيةوالتنفيذية. فقد خلص تحليل فريقالبحث للانتماءات الاجتماعية لشاغلي المواقع العليا في هاتين السلطتين عام 2009، إلىأن شيوخ القبائل والمنتمين لعائلات مشيخيه يشكلون حوالي 50.5% من أعضاء مجلسالنواب، 35% من أعضاء مجلس الشورى، 62% من محافظي المحافظات، وحوالي 64.75% منوكلاء المحافظات والوكلاء المساعدين. نعم ؛ فالقبيلة لم ولن تكون إلا فكرة متخلفةمناهضة مناقضة لفكرة الدولة المدنية الحديثة القائمة على معيار المساواة بين كافةمواطنيها ودونما تمايز أو فروق مثلما هو الحال في القبيلة ، كما أن شغل السلطة أوالوظيفة في الدولة يقوم على أساس الكفاءة والقدرة بينما المشيخة لا يستلزمها غيررابط الدم ووصية وارث . في كل الأحوال الدولة والحزبية والحضارة والنهضةجميعها مفاهيم قائمة على أساس الانتماء الواسع والأكبر الذي يتجاوز الانتماءللقبيلة والفئة والعصبة الاثنية . البعض تجده منافحا عن القبيلة بكونها كيانامجتمعيا يصعب تجاوزه والقفز عليه خاصة في ظل واقع كهذا الذي يصير الحديث فيه عندولة المؤسسات والعدالة والمواطنة المتساوية أشبه بنظرية الكتاب الأخضر وصاحبهالمهووس ألقذافي الذي ظل عقودا ينفي بكونه رئيسا لجماهيريته العجيبة كما وظن شعبهزمنا بكونه مالكا لثروته وقراره . لكننا مع ذلك نقولبان القبيلة يجب أن لا تبقى حجر كأدا في طريق بناء الدولة اليمنية ، فأيا كانت المبررات والحجج التي يتم تسويقها مع كل فعل تقوم به القبيلة ؛ كأن تسمع أحدهم قائلا : القبيلة موجودة في الأردن وليبيا ومصر وتونس والخليج ؛ فعلام هذا القلق والفزع من مؤتمر قبلي شعاره الحضارة والبناء ؟ . ومتى كانت القبيلة رافضة للتحضر والتمدن ؟ الحقيقة أن مثل هذا الكلام فيه الكثير من التضليل والخداع والمكر ، فالقبيلة في الأردن أو العراق أو الخليج مازالت بالفعل كيانا قائما ؛لكنها ليست فوق الدولة والنظام والأحزاب والدستور والسيادة والحكومة ، إما القبيلة في اليمن فمازالت حائلة دون قيام دولة ونظام وأحزاب وسيادة ووحدة وطنية وغيرها منمفردات الحضارة الإنسانية المعاصرة . أتأمل اليوم جنوبا فلا أرى غير أطلال دولة ونظام كان قائما هناك قبل أن تجتاحه قبائل الحروب والغنائم،أنظر في حال التعددية الحزبية ؛ فلا أجد شيئا إلا وناله عبث وخراب ما قبل التحزب والتحضر ، أسأل الآن : أين قبيلي الرازحي الباحث عن حزب سياسي بعيد تحقيق الوحدة ؟أين ذهب رفيقي الباحث له - بعد كارثة حرب 94م - عن بطاقة مشيخ في صنعاء ؟. لا إجابة سوى أن الاثنين انتقلا من حالة البحث عن الحزب والقبيلة الى حالة البحث عن الدولة ، وشتان ما بين الانتماء للدولة والحزب وبين الانتماء للقبيلة والمنطقة ! بين سلطة دولة فوق العشيرة والقبيلة والطائفة والسلالة وبين قبيلة وسلالة وطائفة سلطانها وهيلمانها فوق الدولة والنظاموالحزب والشعب وووو!!