لا يختلف اثنان على أن الشعر تعبير فطري متداول بشكل شفاهي عبر العصور والأزمنة، ولطالما اعتبر وسيلة مهمة تعبّر عن ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، متضمناً أنواعاً متنوّعة من التعبير اللغوي منها الشعر بشقه الشعبي الذي لا يتكئ على الوزن الشعري للغة العربية الفصيحة، بل يظل قريباً من عقول وقلوب كل شرائح المجتمع ومن عامة مثقفيه لسهولة ألفاظه وقوّة معانيه وسرعة انتشاره، وكان للملاحم الشعرية الشعبية دور إيقاظي ومعنوي في صفوف المقاتلين، وتحريك الراكد في مياه الشارع اليمني ودماء أبنائه في ال 26 من سبتمبر عام 1962م، لينطلقوا كالطوفان من نقم وشمسان وجبال ردفان لاقتلاع الاستعمار البغيض في ال14 من أكتوبر 1963م وجر براثينه إلى خارج الوطن في 30 نوفمبر 1967م. واحداية الكلمة والثورة لقد آمن الشعراء الشعبيون بقضية أمتهم ووطنهم، وتشرّبوا مبادئ الثورة وواحديتها المشتركة من جبال نقم وردفان، فاستشعروا وحدة الأرض والمصير وواحدية النضال والثورة، وسطّر كثيرون من الشعراء الشعبيين من مختلف المحافظات اليمنية ملاحم النضال بالكلمة لنيل الحرية والاستقلال، محملين خطابهم الشعري الثوري الوحدوي مفاهيم ومبادئ الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر الخالدة. فلقد كان الشعر الشعبي حليفها في مختلف مراحل النضال الوطني التي مرّت بها اليمن، وكانت القصيدة الشعبية والزامل والأناشيد الوطنية هي التي تهزُّ المشاعر وتحرّك الجيوش وتلهب الحماس وترفع المعنويات، ولذلك نجد أن الشعر الشعبي كان في خنادق النضال والتضحية والفداء جنباً إلى جنب مع البندقية والرشاش، وأحياناً قد تعادل القصيدة الشعبية المدفع والرشاش وأقوى الأسلحة في ساحة المعركة لما لها من وقع وتأثير في نفوس المقاتلين. وغني عن البيان أن الثورة اليمنية مصدر إلهام لكل الشعراء والمبدعين، فلطالما تغنّوا بالثورة اليمنية وتغنّوا بعظمتها، وفاضت قوائمهم بأروع القصائد والملاحم الثورية التي كانت تلهب الحماس في النفوس، وترفع معنويات المقاتلين، وتشدُّ من عزيمة وإرادة الثوار والجماهير اليمنية الثائرة ضد قوى الظلم والاستبداد وضد القوى الاستعمارية الطامعة، فهي مشاعل تضيء الدروب المظلمة، وتشد العزائم الخائرة في مختلف مراحل الثورة اليمنية المباركة سبتمبر وأكتوبر، فتناقلتها الجماهير اليمنية لقوّة تأثيرها وسهولة ألفاظها ولقربها من نفوس وعقول المجتمع اليمني عموماً. في ذمار كما هو معلوم لم يقتصر الشعر الشعبي في مراحل النضال على محافظة بعينها وإنما كانت كل محافظات ومناطق اليمن تنتج أنواعاً فائقة التعبير من خلال شعرائها، ومحافظه ذمار تعتبر واحدة من أغنى المحافظات بشعرائها الشعبيين وبأدبائها ومبدعيها، وتمتلك عدداً هائلاً من الشعراء الشعبيين الذين لا يمكن حصرهم، فما من قرية أو عزلة إلا ونجد فيها أكثر من شاعر، ومنهم من ذاع صيتهم وملأوا الآفاق من خلال ما أسهموا به من نتاج خلال حياتهم الحافلة بالعطاء والإبداع والنضال الطويل. ولتسليط الضوء على هذه النافذةك حرصت صحيفة «الجمهورية» على أخذ نماذج من الدور الشعري للشعراء الشعبيين من قبل جمعية الشعراء الشعبيين في محافظة ذمار. الرعيل الأول لقد كان الرعيل الأول من شعراء ذمار أعلاماً إبداعية تستحق التقدير والاحترام لإسهاماتهم الرائعة التي قدّموها. ومن أعلام الشعر الشعبي الذين عاصروا مراحل النضال الوطني الثوري قامات سامقة وأسماء كثيرة، ولا يمكن حصر كل الشعراء الذين عاشوا لحظات ميلاد الثورة السبتمبرية ومن أبرزهم على سبيل المثال لا الحصر: الشاعر الراحل محمد ناصر صبر العنسي. الشاعر الراحل محمد حسين الهروجي. الشاعر الراحل عبدالعزيز علي مصلح القعشمي. الشاعر الراحل محمد أحمد عز الدين المقدشي. الشاعر الراحل محمد علي الضوراني. الشاعر الراحل محمد ناصر المنتصر. الشاعر الراحل علي أحمد القرس الكميم. الشاعر الراحل أحمد عايض السنباني. الشاعر الراحل علي أحمد العفيف. الشاعر الراحل أحمد عايض السنباني. الشاعر الراحل محمد مقبل المعلة. الشاعر صالح علي الزعبلي. الشاعر محمد عبدالله الميثالي. الشاعر أحمد حسين الهروجي. الشاعر صالح مقبل السوادي. الشاعر أحمد أبوخليفة الحودي. الشاعر محمد أحمد شرهان. وغيرهم الكثير والكثير من الشعراء الذين نعجز عن حصرهم أو التطرُّق إلى إسهاماتهم ونضالهم في دعم الثورة السبتمبرية المجيدة، فشعراء ذمار الذين عاصروا مرحلة الثورة السبتمبرية وشهدوا لحظاتها، وخلّدوا وقائعها وغنّوا لها بمشاعر صادقة عبّرت عن تطلُّعات كل الجماهير اليمنية للثورة التي يرجوها الشعب. يقول الشاعر الراحل محمد ناصر صبر العنسي، وهو واحد من أبرز الشعراء الشعبيين الذين واكبوا الثورة السبتمبرية منذ بزوغ فجرها: ثأرنا وثرنا كي نحرّر بلادنا من الكبت والسجن الرهيب المحصنا من الفقر والجهل النكير الذي جنا لهذا الغرض ثرنا وجدنا بدمنا لحتى قهرنا كل من كان ضدنا فلما عرف من كان يدعم عدونا خضع وانهزم من بعد توحيد صفنا من الظلم والطغيان والانتقامية وسيطر علينا جهل حقبة إمامية علينا من الأمراض تسعين صامية لكي نحمي الثورة من الإنهزامية بجملة ضحايا... لا بجملة كلامية بأنا صمدنا في الخطوط الأمامية بثورة يمانية مجيدة وسامية وفي أبيات أخرى للشاعر محمد ناصر العنسي : قال أبو سامية يا لوعتي يا غرامي سكتوني ولكني عقيل بالتزامي ذي دفعنا الثمن غالي مائة ألف رامي بالمبردح شراب النار لا بالمخامي وانتصرنا وضمدنا الجراح الدوامي أصبح الشعر في حكم الإمامة جريمة رافض الصمت با أتكلم بقوة عزيمة من عتق لا حرض لا وادعة لا الجميمة خالط الدم ومع الثاكلة واليتيمة بعد ثورة يمانية قوية عظيمة ويقول الشاعر علي أحمد القدس الكميم في إحدى قصائده: يا شعب كلين يلقط بندقه يوم الحسن كان يطرح قاوته ومن تحدا بلدنا نسحقه ثورة قوية بلاش التفرقة ما همنا يوم صحوة والعقيق والجيش من ظلمهم ساقه سويق جيش اليمن يسحق الباغي سحيق وكل خاين حمل ما لا يطيق أما الشاعر صالح علي الزعبلي فقال في مطلع قصيدة ثورية: تحرّك مارد الثورة وطوّق وخلاجن مولانا تنذق صباح يوم الخميس نسرك تحقّق وكسر شعبنا القيد المغلق لهذا الحلم كم شعبي تشوّق وباقي وحدة الشعب الممزق ودك القصر في عدة دقايق وخرجناه من أعلى الطوابق وقلنا للإمام البدر فارق بضرب المدفعية والنبادق وطبقنا الحقائق بالحقائق سنتوحد ونجتاز العوائق والشاعر الراحل عبدالعزيز القعشمي في قصيدة عن الثورة السبتمبرية يقول فيها: أهلاً وسهلاً عيد سبتمبر ذي اجتاح الخطر اليوم ذي حرّر من الظالم ملايين البشر الله وأكبر شعبنا كبّر وصمم وانتصر يا شعب جمهر قل لذي ثور وغور واشتهر قد كل عود افطر على دم الشهيد المعتبر في يوم فجر ثور السادس صناديد الرجال من بعدما غرّر على أبناء الشعب قوم الاحتيال وكسر القيد المزنجر وانتهي حكم الضلال من بعد دم أحمر تطعفر في ميادين النضال من بعدما دمّر عروش الهيمنة والاحتلال وقال في زامل: مرحب فوق رأسي والمقل موكبك هل والشعب احتفل صبحك أشرق وبليولك زجل في وجودك تبادلنا القبل ليش لا وأنت من زال العلل يوم سبتمبر اليوم الفضيل شعبنا الباسل الحر الأصيل وأحجرت ساجي العين الكحيل وابتسمنا لذكراك الجميل لليمانيين جيلاً بعد جيل وقال الشاعر عبدالعزيز القعشمي: أيها الشعب الأبي المناضل أنت شعباً مؤمناً بالرسايل أنت شعباً واعياً لست غافل أنت شعب العز خارج وداخل دك عرش الطاغية والمعاقل لو نضحّي لك بدم القلاقل سير بنا يا شعب لأقصى المراحل في سبيل الحرية والكرامة مؤمناً بالدين منذ قيامه عن سيادة مجدنا واحترامه يشهد التاريخ لك بالزعامة واعلن الثورة وزيل الإمامة لأجل كل إنسان يبلغ مرامه للتقدم رافقتك السلامة والشاعر محمد حسين الهروجي، من الشعراء الذين عاصروا الثورة السبتمبرية وتغنّوا بها قال في إحدى قصائده: يا الله أدعيك لا طفنا وحل المشاكل لا تسلّط علينا كل ظالم وجاهل حطموا شعبنا بالتفرقة والتخاذل يا شباب اليمن قد زال حكم العوايل كلنا شعب واحد رغم كل العراقل كم تكون المآسي كم تكون المهازل في سبيل الحياة واجب علينا نناضل واجعل الشعب يمشي في مراحل سهيلة يسفكوا الحق والباطل يسونه وسيلة واشعلوا النار بين العاصمة والقبيلة وأشرقت شمس سبتمبر وهزّت هليلة لو نوحد قوانا ما لقا الخصم حيلة يكفي الشعب ما عانا وما قد هدي له نحارب الجهل لا ما هو يقرطب رحيله وقال الشاعر محمد حسين الهروجي في قصيدة عن الثورة: الله أكبر وهذا جيشنا اتوحد في شهر سبتمبر اخدم نارها واوقد تحرّر الشعب من حكم الإمام أحمد والحرية مستمرة كل يوم ازيد وأصبح يفكر بعز الشعب والمجدي وقال الشاعر الراحل محمد حسين الهروجي في قصيدته الثورية: بلادي بلادي كافحي ثم كافحي فأنت الدواء وأنت الطيب المجارحي صباح الرضا يأكل كادح وكادحي خما أجمل الأيام تعمل لصالحي وسبتمبر أهدافه تحقق مطامحي وقولي معي لبيك يا ثورة الكفاح وأنت أمل للشعب تتضمد الجراح مع لوعة أشواقي وحبي والانشراح وإن الظلام الماضي اجتاحه الصباح وشعب اليمن في ثورته حقّق النجاح جمعية الشعراء الشعبيين وإبرازاً لدور الشعر الشعبي؛ أوجدت جمعية الشعراء الشعبيين وفتحت لها فروعاً في كثير من المحافظات اليمنية، وعن دورها يقول الأخ الشاعر علي صالح علي القعشمي، رئيس جمعية الشعراء الشعبيين في محافظة ذمار: جمعية الشعراء الشعبيين اليمنيين في محافظة ذمار جمعية تعمل من أجل الاهتمام بالأدب الشعبي والموروث الثقافي اليمني الأصيل والحفاظ عليه وتوثيق قديمه وحديثه. وتعمل الجمعية على تبنّي قضايا الوطن، ولإسهام في نشر التوعية ومحاربة العنف والإرهاب والتطرف ونبذ العادات الدخيلة على مجتمعنا مثل قطع الطرق والاختطاف والوقوف في وجه كل من يثير الفتن والتفرقة والطائفية والتشطير وغرس مبادئ الولاء الوطني والحث على عدم إثارة العصبية والتعصب الأعمى واستخدام النقد كوسيلة للإصلاح لا للتشهير والتجريح باعتبار أن الشعراء هم لسان حال المجتمع، كما أن الجمعية تعمل على رعاية الشعراء الناشئين من الشباب وصقل مواهبهم وإبداعاتهم، إلا أن الجمعية مازالت تعمل بجهود ذاتية ولم تحظ بأي مصدر من مصادر الدعم الرسمية أو الشعبية على مدى أربعة أعوام منذ تأسيسها، ونأمل من الجهات المختصة دعم الشعراء الشعبيين تقديراً لأدوارهم العظيمة؛ فهم يستحقون كل رعاية وتشجيع واهتمام. *الجمهورية