كانت معركة تشبه معارك الجيوش، تلك التي شنها الحوثيون اليمنيون الشيعة في محافظة صعدة على منطقة "دمّاج" معقل السلفيين، فالأسلحة التي استخدمها الحوثيون أسلحة ثقيلة لا يستخدمها إلا الجيوش، والقتلى الذين سقطوا من "دمّاج" كثيرون يتخطون المائة. صحيح أن جهود جهات دولية، وعلى رأسها جهود مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن جمال بن عمر، قد تمكنت في النهاية من تنفيذ وقف لإطلاق النار بين الجانبين، مما مكّن وفد للصليب الأحمر من دخول "دمّاج" لعلاج المصابين في القتال وترتيب أمر نقلهم إلى مستشفيات قريبة، إلا إن أسئلة كبيرة تظل مطروحة وتبحث عن إجابة، أهمها ما الذي أدى إلى هذا الصدام؟ وكيف أصبحت محافظة صعدة ترسانة للأسلحة الثقيلة؟ وأين الدولة مما يحدث في صعدة؟ وما هو مستقبل العلاقة بين الحوثيين و"دمّاج" السلفية؟ وإذا كانت صعدة قد شهدت مواجهات متقطعة بين السلفيين والحوثيين منذ عام 2011م، فلماذا تركت الدولة هذا الملف ليصل إلى هذه الدرجة من السخونة والاشتعال؟ في البداية فإننا لا يمكننا إنكار أن الهجمات العسكرية الوحشية التي شنتها جماعة الحوثيين في محافظة صعدة، ضد الجماعة السلفية ببلدة "دمّاج"، لم تكن سوى حرب إبادة طائفية، استخدمت أعتى الأسلحة الثقيلة لتسقط مئات القتلى والمصابين، وتحرق وتدمر المساجد والبيوت والمدارس، في ظل صمت وتخاذل حكومي مريب، عن جماعة طائفية تلقى الدعم والتمويل من إيران، وتهدف إلى تفتيت وتقسيم اليمن، وإشعال نيران الفتنة المذهبية على أراضيه. كانت مشهدًا مؤلمًا أن يشكل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لجنة رئاسية من أجل الوساطة بين الحوثيين والسلفيين في "دمّاج"، وألا يستجيب الحوثيون لنداءات وقف إطلاق النار ويستمرون في تدمير "دمّاج"، رغبة منهم في استئصال الوجود السلفي، بتمويل وتخطيط وتحريض مباشر من إيران. كان المشهد مؤلمًا لأنه بينما يرتكب الحوثيون الشيعة الطائفيون مذبحة دموية وحشية ضد السلفيين في "دمّاج"، قصفوا خلالها البلدة بالصواريخ والمدافع، واجتاحوها بالدبابات، وقتلوا نتيجة لذلك الرجال والشباب والنساء والأطفال وطلاب العلم، وحاصروا البلدة، ومنعوا دخول أية إسعافات أو مواد إغاثية للجرحى والمصابين، لم يرتق الرد الحكومي إلى فداحة الجريمة، ولم تسارع السلطات لإغاثة أهالي "دمّاج"، من عملية التطهير الطائفي البشعة، التي قد تقود اليمن إلى حربٍ ضروس لا هوادة فيها، ووقفت الحكومة عاجزة، بينما الأطراف الدولية هي التي تتفاوض من أجل الوصول إلى هدنة ووقف لإطلاق النار بين الطرفين. مليشيا الحوثي الطائفية فرضت الحصار منذ أشهر على "دمّاج"، من جميع الجهات، ووفي البداية شنوا هجومًا مباغتًا بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الدبابات، ثم قاموا تدريجيًا بدك منازل المواطنين بالأسلحة الثقيلة، ومنعوهم من الدخول والخروج. ويهدف الحوثيون من هجومهم الطائفي هذا، إلى السيطرة الكاملة على منطقة "دمّاج"، التي يسكنها أكثر من 15 ألف مواطن، واستئصال أهل السنّة والسلفيين منها، وتحويل محافظة صعدة إلى منطقة شيعية، تحت سيطرتهم التامة، بينما تقف الدولة عاجزة عن فرض سيطرتها على صعدة، ونزع السلاح الثقيل من مليشيا الحوثي، ومحاكمة قادتهم. الحجة الواهية التي اعتمد عليها الحوثيون وسوقوها هي ادعاؤهم هي وجود مسلحين عرب وأجانب في منطقة "دمّاج"، بينما هم يعلمون تمامًا أن الموجودين هم طلاب علم شرعي، من داخل اليمن وخارجه، يدرسون بمركز "دار الحديث"، وهو معهد يدرّس العلوم الشرعية واللغة العربية، وهو معترف به من الدولة منذ أربعين عاما. معهد "دار الحديث" في "دمّاج" الذي أشعل غيظ وغضب الحوثيين الشيعة، هو معهد سلفي، يضم الجماعة السلفية وأسرهم، وهم ينتمون لجنسيات يمنية وعربية وأجنبية، وبينهم جنسيات أوروبية، وقد أسس المعهد الشيخ الراحل مقبل الوادعي، منذ ثلاثين عامًا، وأصبح المعهد مركز إشعاع علمي تفاخر اليمن به، طلاب المركز لا يحملون السلاح، ويتبعون سياسة عدم الولاء الحزبي، وهدفهم ترسيخ مبادئ الشريعة الإسلامية، لكن المناوشات بدأت من الحوثيين باتجاه "دمّاج" منذ عام 2011م. أهالي "دمّاج" ينتقدون الخطوة الرئاسية بتشكيل لجنة رئاسية يتحكم بتحركاتها محافظ صعدة، الشيخ فارس مناع، المعين أصلا من الحوثيين، ويقولون إنهم يريدون لجنة تستقصي الحقائق على الأرض، منتقدين صمت الحكومة، معتقدين أن قبولها الحوار مع جماعة الحوثي، إنما هو قبول بما ترتكبه من جرائم. وقد أعربت العديد من المصادر السياسية عن اعتقادها أن الاقتتال الدائر حاليا في منطقة "دمّاج" بمحاظة صعدة، شمالي اليمن، بين جماعة الحوثي الزيدية المسلحة وبين السلفيين، يتجه نحو تهيئة الأجواء لحرب طائفية طويلة الأمد تسهم في إيجاد جماعة سلفية جهادية مسلحة في اليمن، في حين يعاني البلد من وطأة تنظيم "القاعدة" الذي وجد من الأراضي اليمنية منطقة خصبة للتمدد والتوسع بشكل مستمر. هناك إذًا مخاوف من أن الأحداث الدائرة في صعدة، وحصار "دمّاج" وتدميرها على يد الحوثيين الطائفيين، سيؤدي إلى تهيئة الأجواء لإيجاد جماعة جهادية مسلحة، لا ينحصر وجودها في "دمّاج" فحسب، بل يتسع هذا الوجود إلى كل المناطق اليمنية، التي فيها حضور كبير للسلفيين. فالمعروف أن السلفيين اليمنيين ظلوا طوال العقود الماضية، يركزون على العلم الشرعي ويبتعدون عن السياسة، ولكن الحصار المسلح لمنطقة "دمّاج" بصعده، حيث تقع أهم معاقلهم، والهجوم عليها من قبل القوات الحوثية، قد يساهم في إيجاد نقطة تحوّل استراتيجي للسلفيين اليمنيين، ليس للمقيمين والدارسين في "دمّاج" فحسب ولكن لكل السلفيين في كل مناطق اليمن. ما جعل بعض المحللين يتبنون هذا التوجه، هو ذلك الاستنفار السلفي الكبير الذي شهده اليمن خلال الأيام القليلة الماضية منذ اشتداد الحصار على "دمّاج" وكثافة القصف الحوثي عليها، ومحاولة اقتحامها وتصفيتها من الوجود السلفي بالقوة، والتي أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى وأضعافهم من الجرحى في صفوف السلفيين، فقد استنفرت العديد من المجموعات السلفية بشكل كبير في كثير من المحافظات اليمنية، وفي مقدمتها العاصمة صنعاء ومأرب وعمران وعدن وتعز وحضرموت، وحاول الكثير من السلفيين الانضمام إلى مناصرة إخوانهم في "دمّاج"، غير أن الحوثيين أطبقوا إغلاق صعده أمامهم. وعليه فإن التطرف الحوثي الشيعي، وتحوله من مجرد فصيل مذهبي محدود، إلى دولة داخل الدولة، بما يملكه من ترسانة أسلحة ثقيلة، ربما لا يملكها الجيش اليمني نفسه، ودخوله في ست حروب متتالية مع الدولة، التي لم تستطع تحجيمه والانتصار عليه، بفعل المساندة الكبيرة والدعم غير المحدود الذي تقدمه إيران لهذا الفصيل، هذا كله قد يدفع السلفيين إلى محاولة تقوية أنفسهم وتعزيز صفوفهم حتى لا يستأصل شأفتهم الحوثيون، خاصة بعد كل هذا الظلم الذي وقع عليهم، ولذلك ربما يلجأ السلفيون إلى فتح جبهات ضد الحوثيين في مناطق أخرى خارج "دمّاج"، كمحافظة عمران وغيرها، بمساعدة القبائل المناهضة للتوجه الحوثي، الذي ينطلق من أن الحوثيين هم أصحاب الحق فقط في قيادة البلاد، بعد أن حكموها نحو ألف عام على أساس ديني مذهبي.