"المسار السياسي الذي بدأ بعد الثلاثين من يونيو، وتم تتويجه بوصول عبد الفتاح السيسي إلى منصة الرئاسة، لا يؤكد فقط أن ما حدث في الثلاثين من يونيو كان ثورة مضادة، وأن ما حدث في الثالث من يوليو كان انقلاباً دبر بليل، وإنما، أيضاً، هو محاولة لقبر ثورة 25 يناير ودفنها" لم يعد الجدل حول ما إذا كانت 30 يونيو/حزيران (في مصر) ثورة مضادة أم لا مجدياً، فما تلا هذا التاريخ المشؤوم حسم الجدل نهائياً، فالعبرة بالنتائج وليست بالنوايا. صحيح أن فئات كثيرة خرجت غاضبة من الأداء الهزيل للرئيس محمد مرسي، وفشل جماعة "الإخوان المسلمين" في قراءة تحديات الوضع وتعقيداته آنذاك، بيد أنه من الصحيح، أيضاً، أن كل قوى الثورة المضادة (جيش وشرطة وقضاة ورجال أعمال وإعلام والأزهر والكنيسة، بالإضافة إلى الممول والراعي الخليجي) قد ركبت الغضب الشعبي، وحولته إلى ثورة مضادة متكاملة الأركان. وحقيقة، لا أدري لماذا يرفض بعضهم الاعتراف بهذه الحقيقة، في الوقت الذي اعترف بها صراحة كل رموز الثورة المضادة، بل يتباهى بعضهم الآن بذلك. ولكم بعضاً من تصريحات هؤلاء، "في تمام الساعة التاسعة صباح يوم 30 يونيو، اتصل بي المهندس حسب الله الكفراوي، وزير الإسكان الأسبق، ليدعوني إلى اجتماع طارئ في منزله، فشعرت بالقلق، واتصلت بالكاتب الراحل، سعد هجرس، وأخبرني أنه مدعو إلى نفس الاجتماع، من دون معرفة أي تفاصيل. بدأ الاجتماع برئاسة الكفرواي واللواء فؤاد علام وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق و12 شخصية عامة. وقال لنا الكفراوي إنه على تواصل مع الجيش والفريق السيسي وزير الدفاع وقتها والبابا تواضروس وأحمد الطيب شيخ الأزهر، وأنهم طلبوا منه أن نشارك في بيان ندعو الجيش للتدخل، ومنع الدم والحرب الأهلية". كانت هذه مقتطفات من شهادة الدكتور منى مكرم عبيد، عضو المجلس القومي للمرأة، وأحد الذين سوقوا الانقلاب في العواصم الغربية، لجريدة الشروق الجديد المصرية (29 يونيو/حزيران 2014). حسب صحيفة وول ستريت جورنال (19 يوليو/تموز 2013) فإن (لقاءات سريّة جرت في نادي ضباط البحرية على النيل بين جنرالاتٍ من الجيش وقادة المعارضة في الشهور التي سبقت إطاحة مرسي... كذلك شارك في اللقاءات بعض قيادات الحزب الوطني المنحل، من أجل الترتيب لإحداث عنف ومواجهاتٍ مع جماعة الإخوان المسلمين، والهجوم على مقراتها، مثلما حدث قبل ثورة يناير ضد مقرات الحزب الوطني) والأخطر من ذلك ما تشير إليه الجريدة من أن قضاة من عهد حسني مبارك بدأوا في الإعداد لإطاحة مرسي، بعد إصداره إعلانه الدستوري في نوفمبر/تشرين ثاني 2012. وهو الحديث نفسه الذي أكدته جريدة "ديلي بيست" الأميركية في 12يوليو/تموز 2013، والتي أشارت إلى لقاءاتٍ منتظمةٍ بين قادةٍ سابقين فى الجيش وشباب "حركة تمرد" الذين قاموا بتسخين الشارع ضد مرسي. تقول الجريدة، نقلاً عن محب دوس، أحد المنظمين الأساسيين في حملة "تمرد"، إن (قادة الحركة تلقوا اتصالاتٍ منتظمة من الجيش ومؤسسات الدولة الذين عبّروا عن رغبتهم في التخلص من مرسي، عبر بياناتٍ عديدةٍ في الإعلام المصري، قبل 30 يونيو، ومن خلال الاتصالات الشخصية بقادة "تمرد"، وحثهم على التظاهر ضد حكم الإخوان)، ويضيف عضو آخر في "تمرد" إنه تم التعهد لهم بأن يقوم الأمن بحماية تظاهرات 30 يونيو، ولكن بشرط "ألا تكون هناك هتافات ضد الشرطة أو الجيش"، وهو ما حدث بالفعل. ولن نذهب بعيداً، فقد اعترف أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 إبريل، في رسالةٍ طويلةٍ نشرها قبل شهرين، تحت عنوان "للأسف، كنت أعلم" أنه كان على دراية بالتخطيط للثورة المضادة وانقلاب الثالث من يوليو. يقول ماهر: "التقيت صدفة أحد القيادات الكبيرة في مصر في فبراير 2013 (أي قبل أربعة شهور من تظاهرات 30 يونيو) الذي بشرني بسيناريو افتعال العنف والاشتباكات، ثم سيل مزيد من الدماء، وإحداث فوضى، من أجل أن ينزل الجيش، وسألني: إنت معانا ولا لا؟ إحنا عايزين 6 إبريل هي اللي تقود.. فكانت إجابتي: سيناريو العنف والدم لا يتفق مع مبادئنا وإيديولوجيتنا". أما عن دور "الكفيل الخليجي" فى دعم الثورة المضادة وتمويلها، فالشهادات كثيرة، ويكفي ما قاله المرشح الرئاسي الأسبق، أحمد شفيق، الذي يقيم منذ أكثر من عام فى إحدى عواصم الثورة الإقليمية المضادة، إنه لعب دوراً مهماً في التخطيط لتظاهرات الثلاثين من يونيو. ناهيك عن مليارات الدولارات التي انهمرت على مصر من السعودية والإمارات، بعد انقلاب الثالث من يوليو من أجل دعمه وتثبيته. وبعيداً عن هذه الشهادات الموثقة، فإن المسار السياسي الذي بدأ بعد الثلاثين من يونيو، وتم تتويجه بوصول عبد الفتاح السيسي إلى منصة الرئاسة، لا يؤكد فقط أن ما حدث في الثلاثين من يونيو/حزيران كان ثورة مضادة، وأن ما حدث في الثالث من يوليو/تموز كان انقلاباً دبر بليل، وإنما، أيضاً، هو محاولة لقبر ثورة 25 يناير ودفنها. ولمن لا يزال يكابر ويعاند، فليراجع المعتقلات والسجون وسجلات مشرحة "زينهم"، كي يعرف أن ما حدث كان ثورة مضادة متكاملة الأركان، جرى التخطيط لها وتنفيذها، حسبما يقول الكتاب.