عدن أونلاين/ كتب/ سلطان الذيب دائمًا يُظهر لنا التّاريخ في كلّ مرحلة من مراحله عمالقة عظامًا، قطعًا ليس بالأجسام، ولكن بالقيم والمبادئ، وأخلاق الكرام. وأقزام خساس، استحقّوا لعنة الله ولعنة النّاس، وذهبوا إلى مزبلة التّاريخ، دونما حسرة عليهم؛ لأنّهم من الأرجاس، تتبرّأ من أفعالهم الشّياطين، ويهود تكساس. في عامنا المنصرم ظهر لنا عمالقة كبار نسجّل منهم هُنا من تيسّر لنا ذكره، ومن ذاع منهم صيته، وعلت منزلته، لنتذكّرهم، ويكونوا مدرسة لنا وللأجيال.. وعرفنا أيضًا أقزامًا صغارًا، عُرفوا بالظّلم والفجار، فسنذكرهم لنتبرّأ من أعمالهم، ويكونوا عبرة وتذكرة لأولى الأبصار. عملاق ذلك الشّابّ التّونسي، مفجّر الثّورات، ومُسقِط حكّام الجور و الأتاوات، وإنْ كانت وسيلته غير جائزة في الدّين، لكنْ لعلّ الله أن يغفر له، جرّاء نتائج عمله هذا، ويجزيه الجزاء المبين، وأنه لم يكن بيده حيلة أمام الظّلم وجبروته، إلاّ إحراق نفسه. عمالقة أولئك الشّباب في مدينة سيدي بوزيد، التي منها انطلقت الشّرارة، ومنها صافح العرب التّاريخ وبحرارة، واستحقّوا بذلك في دفع الظّلم لَقب الجدارة. عملاق الشّعب التّونسيّ العظيم الذي هبّ كالإعصار، وتحدّى كلّ الأخطار، وأنزل الظّالم من عرشه المختار، على الرّغم من سوطه الجائر وسيفه البتّار، لكنّها إرادة الله، وإرادة الشّعب والأقدار. عملاق ذلك الجنرال التّونسي رشيد عمّار، عندما وقف بجانب الشّعب بجرأة و إصرار، فسيُكتب في التّاريخ من الأبرار. وقزمٌ ذلك الزين، زين الفاسدين، وصاحب بطولة أوّل الهاربين، من صاحب الظّلم وحارب الدّين، وخان الله وشعبه والمسلمين، فإنّي لكِ يا مزبلة التّاريخ من المشفقين، أن تحتضني شخصًا هو زين الهاربين!! عملاق ميدان التحرير بما حمل، رغمَ جبروت الطّغاة ومعركة الجمل، لكنّ شعب مصر أصرّ، وقال لنا من نافذة للأمل، فجمعوا الملايين، وأعدّوا العدّة، دونما تعب أو كلَل.. فلك الله يا شعب مصر، رفضْت الضّيم، وكان النّصر هو الأمل. كم أنتِ عظيمة يا مصر، أخرجتِ الفرعون من القصر، و أودعتِه السّجن فكان لك النّصر، ثورتك -يا أم الدّنيا- هي للعرب في كلّ مصر، ونهضتك -حتمًا- نهضة للأمّة لتواكب العصر. وقزمٌ ذلك "الحسني مبارك"؛ لأنّ فعله غير مبارك، على كرسيّ الحكم فكان كفرعون، أورد النّاس موارد الهلاك والمنون، وأودع كلّ حرٍّ فيهم السّجون، وأذلّهم بالجواسيس والعيون، ومنهم من لقي جرّاء تعذيبه المنون. باع مصر لليهود برخصٍ، وكان لشعبه غشّاشًا خؤونًا.. فكان جزاؤه من جنس عمله، فكُبّل هو وولداه في السّجون. وعمالقة هم ثوّار ليبيا، في كلّ أرضها سهلها والوادي، بدءًا بالعملاقة بنغازي، التي دشّنت صوت الحقّ في وجه الظّلم والأعادي، وعملاق هو ذلك الشّهم ابن عبد الجليل رئيس الانتقاليّ، انتفض ولبّى نداء الحقّ، وقال: نحن على العهد لا نبالي. قزم هو ذلك القذافي، الذي أصابه جنون العظمة والتّعالي، ووصف شعبه بأبشع الألفاظ، وأقبح القوافي، فتحدّى الشّعب، وهاج كالثّور في البراري، ونسي أن إرادة الشّعب من إرادة الباري؛ فكان جزاؤه أن -أعزّكم الله- اختبأ ذليلاً في غرفة المجاري، ونال جزاءه من جنس عمله الجاري. وعمالقة هم شباب اليمن، بصبرهم وجلَدهم، بحضارتهم وسِلمهم، قالوا: لا للظّلم والتّوريث، ولا لكلِّ فاسدٍ خبيث، صمدوا بصدورهم العارية، رغم وابل الرصاص وقنابل الطّاغية، لم يهنوا ولم يضعفوا، ولم يستسلموا، رغم العوز والحاجة؛ لأنّ الوطن هو الغاية، والعدل والحريّة هي أهداف تلك السعاية. عملاقة هي تلك المرأة بنت عبد السلام، من نالت جائزة نوبل للسّلام، جاءتها دون علمها وهي صامدة بإحدى الخيام، جاءتها باحثة عنها، وجائزة مثل هذه يتطاول عليها كل فارس همام، وبنت اليمن الحرّة أخذتها وهي جديرة بهذا المقام... عملاقة تلك الحرّة التي زغردت أمام جثّة أخيها الشّهيد فرحًا به، واستبشارًا بنهاية الظّلام، وكتبته بمداد دمه، فليرحل طاغيتنا الإمام ... عملاقات هن نساء اليمن العظيمات، لقوّة عزيمتهن، وجلَدهنّ وحبّ وطنهن وكنّ بذلك جديرات، وتحمّلن الأذى وكان منهم شهيدات، صبْر يعجز عنه كثير من الرّجال، ولا غرو فهنّ الحافظات للتّوبة والأنفال، وبحجابهنّ فخورات ومقتديات بسنّة سيّد الرجال، فلكُنّ الله عندما تساوي الواحدة منكنّ ألفًا من الأنذال. وقزم ذلك الرّجل المسمّى صالح، وهو في الحقيقة غير صالح.. حكم شعبًا عظيمًا بالجور والفساد، وظلمٌ شكت منه البلاد والعباد.. ثلاثون سنة كلّها بؤس وسبْع شِداد، نفر النّاس منه إلى الغربة وذلّ الاستعباد، الكذب له سجيّة، والغدر والخديعة له مطيّة، ولكنّ شعب اليمن صرخ بوجهه وقال: يكفينا أذيّة، نهايتك أيّها الظّالم حتميّة، أنت وكلّ نفس معك فاجرة شقيّة. عمالقة هم ثوّار الشّام، من فاجؤوا العالم بشجاعة لم نر مثلها في هذا الزّمان. فليس بأمر سهل أن تتصدّى للظّلم، وترفع صوت الحقّ في بلد يحكمه ظالم مستبدّ خوّان، سفّاك للدّماء، سليل رجل في شكل شيطان. كم هم عمالقة ثوّار سوريا؛ لأنّهم علّموا العالم الشّجاعة، وكيف تُشترى الحريّة بثمن غالٍ؛ لأنّها أغلى البضاعة، فكانوا بحقٍّ حديث وخبر السّاعة، فلكم الله يا ثوّار الحقّ، وأبطال الحريّة، ضدّ الظلم والفقر والمجاعة. قزمٌ ذلك القاتل بشّار، شبّيح غادر مكّار، حكم شعبه بالحديد والنار؛ فهو بحقّ من المجرمين الأشرار، وعمّا قريب سيرى مصيره، ويومئذ يفرح الأبرار، ويُذاع خبره بالفرح في كلّ الأمصار. و هناك عمالقة كبار عظام، رجال و نساء في كلّ تلك البلدان التي ذكرنا، قضَوْا نحبهم، وانتقلوا إلى بارئهم قريري العين، بعد أن أبلَوْا بلاء حسنًا في مجابهة الباطل فكانوا بحقٍّ بارّين بمجتمعاتهم وأمّتهم، فلهم منّا جزيل الدّعوات، ولن ننسى جميل صنعهم والتّضحيات. وفي المقابل هناك قَتَلة أقزام، تشمئزّ منهم النّفوس والأبدان، ذوو همم دنيئة، وذئاب في جلود إنسان، إنّهم المرتزقة ماسحو حذاء السّلطان، وبائعو نفوسهم له وللشّيطان، قتلوا خيرة الشّابات والشّبان، بدم بارد وبلا حسبان، فويلٌ لهم، ثم ويلٌ لهم، فإنّ ذلك هو الخسران ..... وفي الختام سيصنع التّاريخ صفَحَات مشرقة للأجيال، لكم أيّها العمالقة الأبطال، يا من صنعتم الثّورات، وقدّمتم الأفعال على الأقوال... وصَفَحات نتنة في مزبلة التّاريخ، لأولئك الأقزام، بائعي الأوهام وعابدي الأصنام، فتبًّا وسحقًا لكم، وعند الله سيكون الخصام، ومحاكمة عادلة تنالون جزاءً عادلاً وأقلّه الإعدام...