عدن اون لاين/ كتب/ فؤاد مسعد الإهداء: إلى أمهات الشهداء و الجرحى و المخطوفين.. إلى أمهات الثوار والمناضلين، لكُنّ التحية يا أكرم الأمهات في يوم عيدكُن، "عيد الأم" تواجه النساء في اليمن العديد من التحديات في المرحلة الراهنة، كما يساور بعضهن القلق من عودة مستوى مشاركة النساء في مراكز القرار و مؤسسات الدولة و المجتمع إلى ما كان عليه الوضع قبل الثورة التي شاركت المرأة فيها بقوة و فاعلية، خصوصا و أنها فتحت لها الأمل بحياة أفضل و مشاركة تتناسب و حجمها و إمكاناتها، و بالقدر الذي فتحت فيه الثورة آفاقا رحبة أمام المرأة فإن ثمة مخاوف تراود النساء في اليمن من انتكاسة قد تواجه آمالهن بالتخلص من تبعات الماضي التي ظلت على الدوام تكبح انطلاقتها و تضع المعوقات في طريقها، و في ما يلي نسلط الضوء على الموضوع من زاويتين هما: مشاركة المرأة اليمنية في الثورة و التحديات التي تواجهها في ضوء مؤشرات الواقع الراهن بما آل إليه من تسوية سياسية أعقبت حراكا ثوريا شمل البلاد كلها على مدى سنة كاملة.
في البدء كانت الثورة ليس من قبيل المبالغة القول إن وجود المرأة اليمنية الفاعل في الثورة هو الملمح الأبرز على مختلف مشاهد هذه الثورة و في كافة مراحلها، بدءا بالمخاض الذي شهدته اليمن و هي تعيش اللحظات التي سبقت اندلاع الثورة الشعبية و مرورا بالصمود الأسطوري للثوار في مختلف ساحات الثورة و ميادينها و انتهاء بما حققته الثورة و ما أفضت إليه من تطورات، ولا يزال الفعل الثوري حتى هذه اللحظة محتفظا بديناميكيته فيما لا تزال المرأة محافظة على وجودها الفاعل و دورها المؤثر في الثورة. في البدء كانت المرأة تبحث لها عن مكان في محيطها الاجتماعي و الثقافي و السياسي المحكوم بموروث يحد من مشاركتها و يبقي دورها ثانويا و تواجدها هامشيا في مختلف المجالات، بيد أن المرحلة الزمنية التي سبقت الثورة شهدت ظهورا ملحوظا للمرأة في مجالات الإعلام و النشاط الحقوقي و العمل المدني أخذ يتوسع بفعل النشاط الملحوظ من عدد من الناشطات، و بعد اندلاع الثورة التونسية و الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي كانت المرأة اليمنية في طليعة الشباب الذين أخذوا يتظاهرون في بعض شوارع صنعاء، و إن كان تواجد المرأة هنا محدودا إلا أنه إذا ما قورن بمحدودية المشاركة بشكل عام في تلك الفعاليات يعد وجودا بارزا و مؤثرا. كانت الناشطتان الإعلاميتان توكل كرمان و سامية الأغبري تتصدران الفعاليات الشبابية التي اندلعت في العاصمة صنعاء احتفاء بانتصار الثورة التونسية، و انخرط بعد ذلك عدد غير قليل من النساء خصوصا طالبات الجامعة و الصحفيات و الناشطات الحقوقيات، و حين اندلعت الثورة كانت المرأة في صنعاء و تعز و عدن قد أخذت مكانها في الصفوف الأولى، و منذ ذلك الوقت (فبراير 2011م) برزت أسماء كثير من الناشطات و المناضلات سواء كقيادات في الثورة الشبابية الشعبية أو منخرطات في النشاط الثوري الذي أخذ يتوسع و يتخذ طابعا منظما عبر تشكيل الكيانات و التيارات الثورية و المكونات الثورية ناهيك عن اللجان التي شكلت لتلبية حاجات الثوار في الساحات كاللجان التنظيمية و لجان الإعلام و الامن و النظام والخدمات و الصحة و النظافة وغيرها، و بطبيعة الحال لم تتخلف المرأة الثائرة عن المشاركة في اللجان و المكونات المختلفة إذ رأت في ذلك تعبيرا عن قناعتها الراسخة في العمل الثوري، و بالتوفيق بين عملها في الثورة و التزاماتها الأخرى في البيت أو العمل أو الدراسة. الناشطة توكل كرمان القيادية في الثورة و الحاصلة على جائزة نوبل للسلام العام الماضي تقول إن الثورة أعادت للمرأة حقوقها وحضورها السياسي، حيث نجد المرأة في كل اللجان والتكتلات الثورية و بعضها في موقع القيادة، وتضيف إن المرأة أثبتت أنها ثائرة بامتياز سواء من خلال الساحات واللجان التنظيمية أو عبر الفيسبوك. و تقول الناشطة في الثورة الشعبية عيشة صالح رئيسة اتحاد منتديات المرأة في عدن إن الثورة في اليمن رفعت الحجب عن المرأة ووضعتها على طريق المشاركة الواسعة في صنع التغيير، وقد استطاعت أن تتجاوز العادات والتقاليد التي تحد من حركتها، وصار حضورها في كافة الميادين أمرا معتادا، وإن فوز الثائرة اليمنية/ توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام دليل على نجاح المرأة اليمنية في كسر طوق القيود التي فرضها المجتمع عليها، و اعتراف من المجتمع الدولي بالدور الذي تقوم به المرأة في الثورة السلمية. و يرى باحثون أن وجود المرأة اليمنية في مجمل نشاطات الثورة يعد أول حضور تاريخي فاعل للمرأة اليمنية في المجال العام، ويعبر عن عمق التغيرات الاجتماعية الهيكلية التي شهدها اليمن الحديث خلال النصف الثاني من القرن الماضي وحتى الآن، واندرج ضمن تحرّكات القوى الاجتماعية التي كانت مكبلة و محتجزة ومعزولة عن الفضاء العام. عن الأيام الأولى للثورة و مشاركة النساء فيها تتذكر الصحفية/ سامية الأغبري الناشطة في الثورة قائلة: كانت الثورة التونسية، وكان الأمل, كن نساء تونس شريكات في هذا الفعل العظيم, انتصرت تونس و انتفضت المرأة اليمنية, و تقدمت النساء الصفوف, اعتٌقلن وضٌربن واستشهدن، و كن بعدساتهن يوثقن للثورة, كن يشهدن جرائم النظام اليومية بحق الثوار, بدمائهن شاركن الرجل كتابة تاريخ اليمن وصناعة فجره الجديد, سطرن أعظم ملاحم التضحية والفداء, لم تكتف المرأة بصناعة الطعام للثوار والدعاء لهم من المنازل, ولم تكتف بتقديم ابنها، زوجها، أخيها وأبيها شهيدا أو جريحا أو مختطفا أو معتقلا, بل كانت شريكته في الميدان, قاسمته المعاناة، الألم و الدموع و الشهادة. العنف يفشل في القمع حين استخدم النظام العنف و الإرهاب لم تتراجع المرأة ولم تضعف، و هو ما أصاب مسئولي السلطة بالذهول من الصمود الذي أبدته النساء في الساحات رغم ما تواجهه تلك الساحات من هجمات عنيفة كانت تزداد ضراوتها يوما بعد آخر بينما كانت المرأة الثائرة تبدو أكثر إصرارا على البقاء و أكثر إيمانا بالثورة و بأهدافها، وفي لحظات الشدة لم يقتصر دور المرأة على المشاركة في المسيرات و المظاهرات و مواجهة أدوات القمع بل كانت إلى جانب الثوار تشد من أزرهم و ترفع معنوياتهم و تحضهم على بذل التضحية من أجل الثورة. لقد استشهدت عدد من الثائرات دون أن ينال ذلك من عزيمة النساء أو يضعف إرادتهن، و تقبلن ذلك بإرادة قوية و عزيمة راسخة على مواصلة الثورة بصبر و ثبات، و خلدت المرأة اليمنية في ملحمة الثورة أروع صور الصمود و أسمى مواقف الصبر و هي ترى قريبها شهيدا أو جريحا فلا تفزع و لا تجزع ولا يجد الخوف إليها سبيلا. وقفت الطفلة (عتاب) على منصة ساحة الثورة و هي لم تتجاوز الثلاثة أعوام لتهتف في وجه صالح: ارحل قتلت أبي، و حين رأت الثائرة/ وفاء الشيباني شقيقها مضرجا بدمه أطلقت زغرودة فرح و كتبت بدم الشهيد على الجدار: ارحل يا سفاح، و تشعر والدة الطفل الشهيد/ أنس السعيدي بالفخر لأنها أم أصغر شهداء الربيع العربي. تحديات المرأة بعد الثورة عندما نتتبع مآلات الأحداث في اليمن عقب الاتفاق السياسي على صيغة التسوية التوافقية من خلال التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية نلاحظ تراجع الفعل الثوري أو انكماشه و عدم تمدده أو تصاعده– و إن بصيغته المباشرة- و بالتالي تراجع الدور المنوط بالمكونات الثورية التي يسجل فيها الشباب من الجنسين حضورا فاعلا، ما يعني بالمقابل خفوت الصوت الثوري الذي كانت المرأة حاضرة في مضامينه و متصدرة لبعض ميادينه، إذ أن الاتفاق على المبادرة أفضى لواقع سياسي جديد مهمته تأمين الانتقال السلس للسلطة مع الإبقاء على جذوة الثورة مشتعلة حتى تتحقق كافة أهداف الثورة، و هو ما يجعل قطاعا واسعا من النساء -خصوصا المستقلات- يبدي خشيته من تراجع دور المرأة أو عودته إلى ما كان عليه قبل الثورة التي رأت النساء فيها نقطة تحول من الواقع القاسي إلى المستقبل المأمول، و ذلك يعني في نظرهن العودة إلى المربع الأول حيث دور المرأة في المجتمع هامشي و مشاركتها في الحياة العامة شبه معدومة ووجودها في بعض المواقع شكلي و خاضع للمزايدة عليها و المساومة باسمها، و يرى المدافعون عن الاتفاق الجاري تنفيذه أن موقع المرأة بعد الثورة صار أكثر فاعلية و لن يعود لسابق عهده قبل الثورة، و في الواقع الجديد مؤشرات تدعم هذا الطرح و تقلل من المخاوف و القلق بشأن مشاركتها مستقبلا، و من تلك المؤشرات ما يلي: · لأول مرة يتضاعف حجم المرأة في مجلس الوزراء إذ تتبوأ حاليا ثلاث حقائب وزارية و هي المرة الأولى، بعدما كان نصيبها لا يتجاوز حقيبة واحدة في أحسن الحالات، · تأكيد القوى السياسية و الفاعلين في مراكز اتخاذ على ضرورة تمثيل المرأة في الحوار الوطني الشامل الذي يبدأ بعد أيام، و ذلك اعتراف من الأطراف الفاعلة و المؤثرة في الثورة و العمل السياسي بما قامت به المرأة منذ اندلاع الثورة، و ما صارت تمثله على المسارين معا، العمل الثوري و العمل السياسي، و هو ما يحسن من فرص المشاركة الفاعلة للنساء على مختلف الصعد السياسية و الاجتماعية و الثقافية، و في آخر خطاب لرئيس مجلس الوزراء أكد حرص حكومته على مشاركة المرأة في الحياة السياسية و أشار في كلمته أمام المئات من النساء المشاركات في المؤتمر الوطني للمرأة المنعقد قبل يومين إلى أهمية دورها و ضرورة تمثيلها في الحوار الوطني القادم. · نصت بنود الاتفاق السياسي الملزم للأطراف الموقعة على ضرورة مشاركة المرأة في كافة الأطر التي يجري تشكيلها خلال المرحلة الانتقالية الحالية بنسبة لا تقل عن 20%، · الضغوط الخارجية من قبل الدول و الجهات و المنظمات المانحة لليمن و الداعمة لخطة التوافق الخليجية تأتي لصالح إشراك أكبر قدر ممكن من النساء في مؤسسات الحكم و الأطر و التشكيلات المؤقتة و الدائمة، و بما يكفل لها حق المشاركة الفاعلة على المدى القريب و المتوسط و البعيد، خصوصا و أن تلك المنح و المساعدات و الدعم المأمول يرتبط بشكل أو بآخر بجملة التزامات تتصدرها مشاركة المرأة و الحد من انتهاك حقوقها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن احتياج اليمن لمعونات الأصدقاء و الشركاء أمر لا غبار عليه و سيظل يفرض نفسه -على الأقل في المرحلة الراهنة و لسنوات قادمة-. و الخلاصة أن موضوع مشاركة المرأة كما تحفه بعض المخاوف من إبقاء مشاركتها رهنا باحتياجات خصوم السياسة و مواقفهم، تحيطه معطيات تشي بإمكانية تحسين فرص تواجدها في مواقع التأثير المرجوة، و في المحصلة ستكون المرحلة القريبة القادمة كفيلة بإزالة ما يثار من مخاوف عبر تعزيز دور المرأة أو إطالة أمد القلق بشأن ما يُنتظر من مفاجئات وما يُستجد من تحولات هي في غالبها لصالح الشعب و ثورته و القيم التي ثار اليمنيون رجالا و نساءا لأجلها.