عاجل: مصرع القيادي الإرهابي رويس الرويمي وخمسة من عناصر القاعدة في عملية أمنية بحضرموت    الشرعية حين تتحول من مبدأ قانوني إلى أداة تعطيل    لسنا بنادق للإيجار.. كاتب جنوبي يؤكد الشراكة مع التحالف ويحذر من استهداف قضية الجنوب    أكد موقف اليمن الثابت مع الصومال ضد العدو الاسرائيلي .. قائد الثورة: أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً لقواتنا المسلحة    نائب وزير العدل يتفقد تجهيز مقرات المحاكم الابتدائية المنشأة حديثًا بأمانة العاصمة    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    حمداً لله على السلامة    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    صحيفة بريطانية: توترات حضرموت تنذر بانفجار صراع جديد يهدد مسار التهدئة في اليمن    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام ينفذ عمليات واسعة لإتلاف مخلفات العدوان بمحافظة الجوف    قوات دولية في غزة لماذا.. وهل ستستمد شرعيتها من مجلس الأمن ؟!    هل يهزم ابن زايد بن سلمان ويتسبب بقسمة تركة الرجل المريض؟    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    بيان مليونية سيئون يجدد التفويض للرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب العربي    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام البنا ومنهجه في التعامل مع الغير (2-2)
نشر في عدن أون لاين يوم 30 - 07 - 2011


بقلم: د. محمد عبد الرحمن
موقف الجماعة من الهيئات العاملة للإسلام على اختلاف أنواعها:
يقول الإمام الشهيد في رسالة المؤتمر السادس:".. وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعًا على اختلاف نزعاتها، فموقف حب وإخاء، وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقًا ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأي فقهي أو خلاف مذهبي، فدين الله يسر ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه.. ".

"ونعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب، والفوارق الشكلية، والحواجز النظرية، وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية؛ حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون.. للدين عاملون.. وفي سبيل الله مجاهدون "(1) .

"وإن الوقت الذي ستظهر فيه الجماعات الإسلامية كلها جبهة موحدة غير بعيد على ما أعتقد .. والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله "(2).

"فلنترك للزمن أداء مهمته وإصدار حكمه، وهو خير كفيل بالصقل والتمييز"(3) .

وبهذا يحدد الإمام الشهيد منهج التعامل مع الهيئات والأفراد التي تعمل للإسلام أو لصالح الوطن في جانب من الجوانب، وتختلف مع الجماعة في الفروع، لكنها لا تخرج على أصول الشرع ومبادئه الأساسية، ويشمل هذا المنهج الآتي:
1- الحب والإخاء والتعاون فيما فيه صالح الدعوة والمجتمع.
2- نحاول جاهدين أن نقرب ونوفق بين وجهات النظر دون اعتساف، في ظل التعاون والحب.
3- ألا يباعد بيننا وبينها في الجانب العملي رأي فقهي- في فروع الدين– أو خلاف مذهبي إذا أصرّ طرف على رأيه.
4- أن نتحرى الحق في أسلوب لين في مناقشاتنا معهم والرد على تساؤلاتهم.
5- أن نحرص على التنسيق بين مختلف الجهود في مجال الدعوة وأعمال البر والإصلاح حتى لا تأتي متضاربة تعاكس بعضها بعضًا.
6- يرقى الإخوان إلى خطوة أكبر من مجرد التنسيق إذا اكتملت لها أركانها إلى التعاون والتكامل والتوظيف للطاقات وهذا التوظيف يأتي من خلال المعايشة والتفاهم وعلاقات الودّ، ويأتي من خلال الاقتناع والتوجيه لكل عناصر الخير في المجتمع ما دامت هذه المجموعات أو هؤلاء الأفراد في إطار العمل للإسلام بوسائله المشروعة.
7- أن تصبر الجماعة وأن تدع للزمن وأحداثه الوقت حتى يأتي اليوم الذي يتبين للجميع فيه صواب المنهج والطريق، ويأتي اليوم الذي تزول فيه الفوارق الشكلية، والحواجز النظرية ليحل محلها الوحدة العملية تحت راية "الإخوان المسلمين".
8- وهي في ذات الوقت على وعي كامل بالاستدراج الذي يقوم به أعداء الإسلام لبعض هذه التجمعات، لضرب الجماعات العاملة للإسلام بعضها ببعض، وتبذل جهدها لتفوت ذلك المخطط.
9- ومع هذا التعاون والتنسيق يجب أن يكون واضحًا تميز منهاج الدعوة واستقلالها الكامل وعدم ذوبانها.
10- يقول الإمام الشهيد موضحًا هذا الجانب: " يجب أن يكون واضحًا أن الإخوان المسلمين متمسكون بدعوتهم، قائمون عليها لا يعملون لدعوة غير دعوتهم ولا منهاج غير منهاجهم.." ".. ولا يصطبغون بلون غير الإسلام" "ومعاذ الله أن نكون في يوم من الأيام لغير دعوة القرآن وتعاليم الإسلام" (4)، "على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم ولا إنتاج إلا مع خطتكم ولا صواب إلا فيما تعملون.."(5)، ". أيها الإخوان لا تستعجلوا، فلا يزال الوقت أمامكم فسيحًا .. "(6).

موقف الجماعة من الأنشطة المنافسة لأنشطتها:
يوضح المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور في رسالة الرؤية الواضحة هذا الأمر فيقول: "وقد تُدفع هيئات لعمل أنشطة مشابهة أو بديلة لأنشطة الدعوة تحت رايات مختلفة؛ بهدف صرف الناس عن الدعوة ومنافستها، وهذه الأنشطة نوعان:
أولهما: منافسة محمودة بأنشطة بديلة مفيدة ومطلوبة، حتى وإن كانت نيتهم فيها منافستنا وتحجيم دورنا، فلا بأس من المشاركة، فيها مثل صلاة العيد ومشروعات التكافل وغيرها (وحجم المشاركة لا يكون على حساب وجودنا وتفعيلنا للأنشطة المشابهة الخاصة بالجماعة والدعوة).

وثانيهما: أعمال تصرف الناس عن أنشطتنا دون أن يكون فيها نفع لشعبنا، مثل بعض الأسر الطلابية، والاتحادات المعينة.. وغيرها في محاولة لطمس الهوية الإسلامية.. وهذه يجب مقاطعتها، وصرف الناس عنها بالحكمة والموعظة الحسنة"(7). مع الوضع في الاعتبار وجود مخطط الإزاحة والإحلال، الذي يجب أن تواجهه الجماعة بالحكمة والمزيد من الوجود والتجذر المجتمعي والأنشطة العملية المفيدة.

موقف أفراد الجماعة في التعامل مع الناس:
وأفراد الإخوان يعتمدون موازين الإسلام وأحكامه في التعامل مع الناس بكل أنواعهم، مع حسن الفقه، والحكمة في التطبيق يقول الإمام الشهيد – مشيرًا إلى الميزان الذي يتعامل به الأخ مع الآخرين-: "والناس عند الأخ الصادق ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد أو مسلم آثم أو ذمي معاهد أو محايد أو محارب".

ولكلٍّ حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء أو العداء"(8) .

ومع هذه المرجعية لأحكام الإسلام وموازينه في رؤية الأخ في تعامله مع الناس، إلا أنه لا يجعل من نفسه قاضيًا وحكمًا على أشخاصهم، إنما هو فقط ينظر للظاهر من سلوكهم ومواقفهم ليحدد ميزان التعامل معهم، كما أن ميزان الحب والكره في الله يقوم على أنه يكره الفعل والخطأ بصرف النظر عن ذات الشخص، ومع هذا التحديد فهناك درجة أعلى، حيث عليه التعامل مع هذه الطوائف من منطلق الدعوة كلٌ حسب ما يناسبه.

ويستلزم هذا من كل أخ أن يتحلى بآداب الدعوة والداعية من:
حسن الاستماع للآخرين، وحسن الرد والتحاور معهم، وكظم الغيظ وسعة الصدر، والدفع بالتي هي أحسن، وعدم رد الإساءة بمثلها (وهذا في غير طائفة المحاربين للوطن) والتجاوز عن الهفوات، والحرص على المساحة المشتركة من التفاهم، وعدم جعل الخلاف والاختلاف هو قاعدة التعامل، وعدم تقديم إساءة الظن، مع دقة الوعي والبصيرة بمجريات الأمور وطبائع الأشخاص (لستُ بالخبِّ .. ولا الخبُّ يخدعني، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب) والتعاون فيما نتفق عليه، والتزام آداب وأخلاق الإسلام السامية العالية في الأقوال والأعمال عند التعامل معهم، وعدم التعالي عليهم.. إلخ كل ذلك مطلوب مع عدم التفريط في القواعد والمبادئ الخاصة بالدعوة أو التراجع عنها أو التحلل منها، وعدم اهتزاز الولاء لديه لدعوته وجماعته أو ضعف التجرد عنده أو تحول المرجعية لديه إلى جهة أخرى مشاركة أو لرأيه وشخصه دون قيادته وجماعته.

كما يجب أن نكون صادقين أمناء عند كلمتنا نفي بالوعد، ونتحلى بلين الجانب فنكسب القلوب ونحوز الاحترام ونبلغ أسمى دعوتنا بأبلغ بيان وأحسنه، ونكون قدوة عملية لما يجب أن يكون عليه المسلم.

موقف عموم الناس من الدعوة:
يقول الإمام الشهيد: "والناس عندما تبلغهم دعوة الإخوان يكونون أحد أربعة أصناف: "مؤمن– متردد– نفعي– متحامل..".

- مؤمن: إما شخص آمن بدعوتنا وصدق بقولنا وأعجب بمبادئنا ورأى فيها خيرًا اطمأنت إليه نفسه وسكن له فؤاده.
* فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا.
- متردد: وهذا شخص لم يستبن له وجه الحق ولم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص والفائدة فهو متوقف متردد.
* فهذا نتركه لتردده ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من بعيد أو من قريب، ويتعرف إلى إخواننا فسيطمئن بعد ذلك إن شاء الله.
- نفعي: وهذا شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم.
* فنقول له: حنانيك .. ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت، فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه وأزاح كابوس الطمع من فؤاده فسيعلم أن ما عند الله خير وأبقى وسينضم إلى كتيبة الله، وإن كانت الأخرى فالله غني عمن لا يرى لله الحق الأول في نفسه، وحاله، ودنياه، وآخرته وموته وحياته.
- متحامل: وهذا شخص ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه وريبه فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم.
* فهذا: ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.. ندعوه إن قبل الدعاء، ونناديه إن أجاب النداء، وندعو الله فيه وهو سبحانه أصل الرجاء.. وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"(9).

موقف الدعوة من أصحاب التحامل والاتهامات للدعوة:
وحول الموقف من هذه الألوان من الناس ينطبق عليها القواعد العامة السابقة التي أشرنا إليها، فنرد عليهم ونوضح إن قبلوا النداء، ولا ندخل في حوار أو جدال، ولا ننشغل برد الاتهامات، ولا نرد بنفس الأسلوب أو ندخل معهم في خصومة، فهذا كفاح سلبي.

ويوضح باختصار الإمام الشهيد أنه ليس لنا مع هؤلاء المتحاملين من جواب إلا أن نقول لهم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.

وقد صنف الإمام الشهيد هذا الصنف من الناس إلى أنواع خمسة أو ستة:
1- شخص متهكم مستهتر لا يعنيه إلا أمر نفسه وإلا أن يهزأ بالجماعات والدعوات والمبادئ والمصلحين.
2- أو شخص غافل عن نفسه وعن الناس جميعًا لا غاية ولا وسيلة ولا فكرة ولا عقيدة، إلا ترديد ما يسمع من اتهامات.
3- أو شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل، ليقول السامعون: إنه عالم ليظن الناس أنه على شيء، وهو يعلم كذب نفسه وإنما يتخذها ستارًا يغطي به قصوره وأنانيته.
4- وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذرًا للقعود وسببًا للانصراف.
5- وكذلك يضاف لهذه الأصناف الذين يهاجمون الدعوة لقاء ثمن بخس من متاع الدنيا، ويتقربون بهذا الهجوم إلى ذوي السلطان والنفوذ، أو يكون مصدر تحاملهم خصومة خاصة وعداء مسبق، وليس لنا مع هذه الأصناف إلا أن نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
6- وهناك صنف آخر من الناس قليل بعدده يسأل إذا دعوته إلى المشاركة بغيرة وإخلاص، إنه غيور تملأ الغيرة قلبه، عامل يودّ لو علم طريقة العمل.. هذا الصنف هو الحلقة المفقودة والضالة المنشودة، وإنا على ثقة إن وقع في أذنه النداء لن يكون إلا أحد رجلين: إما عامل مع المجدين وإما عاطف من المحبين.. فهو إن لم يكن للفكرة فلن يكون عليها.

فعليهم أن يجربوا ولا يتواكلوا، ويندمجوا.. فإن وجدوا صالحًا شجعوه، وإن وجدوا معوجًّا أقاموه، ولا تكن تجربتهم حائلاً بينهم وبين التقدم "أ.ه"(10).

ويقول الإمام الشهيد عن قاعدة عامة وتجربة من تجارب الواقع، في شأن هذه الأصناف المختلفة: "ورأينا منهم ضروبًا وألوانًا وأصنافًا وأشكالاً جعلت النفس لا تركن إليهم، ولا تعتمد في شأن من الشئون مهما كان صغيرًا عليهم"(11) .

كما يذكر في مذكرات الدعوة والداعية ما نصحه به الشيخ محسن العرفي بشأن تزكية الأفراد وإدخالهم الجماعة بأن يحذر الشيخ غير الملتزم، فإن صلاحه لنفسه وعدم التزامه وانضباطه يضرُّ الصف، لكن يستفيد بهم خارج الصف.

حول الفرد المدعو واهتمام الجماعة به:
نشير في هذا الأمر إلى نقطتين:
(أ) بالنسبة لموقف الأفراد، فهناك مساحة من الأفراد تحت شريحة المترددين والمتعاطفين مع الفكرة، فمنهم من أحب الفكرة لكن متردد في الالتزام التنظيمي بالجماعة، ومنهم من يعتبر نفسه منها لكن دون ارتباط حركي أو استيعاب محدد في أوعيتها، وبالتالي يعتبرون مع مرحلة المحب المتعاطف.

وأيًّا كان السبب وراء هذا التردد وهذا الموقف، فقد خاطبهم الإمام الشهيد بمزيد من التقارب العملي إلى أن يصلوا إلى قناعة كاملة بالقيادة وبالمنهج والطريق، ويكون منهم خطوة الارتباط التنظيمي بعد ذلك.

وهذه الشريحة رغم عدم ارتباطها التنظيمي بما يترتب عليه من حقوق وواجبات فإن الجماعة تحرص على استمرار تواصلها معهم ووصول مواقفها وتوضيح جانب الدعوة لهم، والاستماع لآرائهم ونصائحهم، والردّ على تساؤلاتهم دون إلزام لهم بسمع وطاعة، ودون افتئات منهم أو تدخل في تنظيم الجماعة وآليات عملها، وليس هذا التصنيف للأفراد يكون وفق رؤية فرد إنما هي الضوابط التي تضعها مؤسسات الجماعة وتعتمدها قيادتها في شروط الالتزام والاستيعاب، وكذلك بناء على موقف هؤلاء الأفراد العملي من الارتباط التنظيمي بالجماعة وقيادتها رغبة وطواعية.

(ب) أن الجماعة تحمل الحب والتقدير لكل فرد كان معها فترة من الزمن في مجال الحركة والدعوة، ثم فارقها لسبب من الأسباب وتدعو له بالتوفيق والسداد وتكون على علاقة حسنة به، وتتواصل معه بالأسلوب الذي يقبله، ولا يشكل عبئًا أو إعاقة لمسار الدعوة.

وهذا غير الذي خرج عنها وتبنى موقفًا مخالفًا لأصول الدعوة ومبادئها الثابتة؛ كأن انتهج منهج العنف يستحل به الدماء، أو أخذ في الهجوم على الجماعة وقيادتها والتشهير بها.. فهذا لا تشغل الجماعة نفسها به ولا تنزل لمستوى الرد على شخصه، وإذا كان ما يثيره يحدث شبهة من الشبهات حول مبادئ الجماعة، تركت هي للأفراد الرد عليه وفق آداب الإسلام في الرد أو أوضحت هي حقيقة مبادئها دون التعرض لشخص هذا المهاجم.

وهذا الخلق السامي في التعامل مع الأفراد من خارجها ومع المخالفين لها، والمتقولين عليها، يمثل جزءًا أساسيًّا من مبادئ الدعوة ومنهاجها ملازم لها مهما حدث أو تعرضت لحملات الهجوم.

ونذكر هنا موقفًا عمليًّا للإمام الشهيد حيث فارق الجماعة وقتها أحد الأشخاص من ذوي الوجاهة في جنوب الصعيد، وعندما مات قريب له، توجه الإمام سريعًا لأداء واجب العزاء له (رغم غضب هذا الشخص ومفارقته للجماعة) وعندما كانت الحشود الكثيرة من الجمهور مجتمعة طلب منه بعض الحضور أن يلقي كلمة ليستفيد من هذا الحشد، وذلك الموقف في نشر الدعوة فأجاب فضيلته: لقد جئت معزيًا ولم آت داعيًا.

موقف الدعوة من شعوب العالم الغربي:
يفرّق الإمام الشهيد في الموقف والتعامل بين شعوب العالم الغربي، وبين الحكومات الغربية التي تتخذ موقفًا معاديًا للإسلام وشعوبه، وكذلك ما ارتبط بها من منظمات تدور في فلكها وتخدم أغراضها.

فبالنسبة للشعوب نادى الإمام الشهيد بالتعاون ونشر السلام العالمي على أسس العدل والحق، وتوضيح دعوة الإسلام، والرد على حملات التشويه ضده.

وعلاقة الأمة الإسلامية مع غيرها من الدول تقوم على هذه الأسس:
1- الدعوة: أي دعوتهم إلى الإسلام .
2- التعاون لخير الإنسانية.
3- المعاملة بالمثل.
ويشير الإمام الشهيد إلى ذلك فيقول: "وقوم ليسوا كذلك، لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط ( أي رباط العقيدة والوطن) فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا، ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، ونعتقد أنه بيننا وبينهم رابطة، وهي رابطة الدعوة، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه، لأنه خير الإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدده لها الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يُردّ به عدوان المعتدين"(12).

ويقول: "وأما العالمية والإنسانية فهي هدفنا الأسمى، وغايتنا العظمى، وختام الحلقات في سلسة الإصلاح"، "إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله"(13)، "نريد السلام للعالم كله"(14).

ويقول أيضًا: "نحب الخير ونتعاون مع الغير" (15).
"فمن دعوتكم أيها الإخوة الأحبة أن تساهموا في السلام العالمي وفي بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها"(16)، "وأن نقيم في هذا البناء الإنساني لبنة"(17).

كما يشير فضيلته إلى أن تطور الشعوب والزمن سوف يؤدي إلى التمهيد لهذه الفكرة العالمية: "كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية" أ.ه.

هل التيارات المتعارضة مع الدعوة وأهدافها تمثل مشروعًا معاديًا؟:
التيارات والكيانات سواء كانت رموزًا وشخصيات لها تأثير، أو كيانات وتجمعات تحمل فكرًا أو مشروعًا معارضًا لمشروع الدعوة، وكانت ضمن إطار الوطن أو الأمة الإسلامية، فهل تعتبر بأسلوبها وخصومتها مع الدعوة مشروعًا معاديًا؟! إن الجماعة لا تنظر بهذا المنظار إليهم لأن مرجعيتها هي قواعد الإسلام ومبادئه وليس رؤيتها الشخصية، فهي تعدها في مساحة الاختلاف والاجتهاد البشري القائم في المجتمع، وبذلك مهما بلغت معارضتها للدعوة فتعتبر في رؤية الجماعة اتجاهًا منافسًا وليس عدوًّا، فالمشروع المعادي هو المشروع الغربي– الأمريكي– الصهيوني بامتداداته، وينبغي مواجهته والقضاء عليه تمامًا، أما المشاريع والكيانات والتيارات الإسلامية الأخرى مثل المشروع الشيعي، أو الاتجاهات الفكرية لبعض التيارات والرموز الإسلامية، فهي تجمعها دائرة الأمة الإسلامية العامة، وتجمعها قبلة واحدة ورسالة واحدة وإن اختلفت بعد ذلك في باقي الأمور، أو حاولت مزاحمة الجماعة، والتضييق عليها، وبهذا تضع الجماعة قواعد للتعامل معه انطلاقًا من هذه الرؤية:
1- أنه ليس عدوًّا نسعى للقضاء عليه، بل تشمله دائرة الأمة الإسلامية.
2- أن توجه إليهم النصح والإرشاد بالطريقة المناسبة، وأن يكون التنافس في التسابق في عمل الخير ولصالح الأمة وليس بالصراع فيما بيننا.
3- ألا نرد على شتائمه أو محاولات هجومه، وألا نستدرك إلى معارك معه.
4- أن نسعى بأسلوب هادئ حكيم إلى إقناعه بأن يوظف طاقته إلى ميدان الإصلاح والدعوة، ففيه متسع للجميع بدلاً من الحرب والتنافس، ومضايقة كل فصيل للآخر.
5- أن ندعوهم أن يحلَّ مكان هذا التنافس والاستفزاز من طرفهم، التعاون في المساحة المشتركة لصالح الإسلام والمجتمع.
6- أن نستفيد من جوانب الخير التي لا بدَّ أن تكون موجودة عندهم، ونحسن توظيفها والاستفادة العامة منها في تحقيق إصلاح الأمة والمجتمع.
7- ألا نفقد الأمل ولو بعد طول الزمن في تحقيق الوحدة والتوافق على الفهم الشامل والتعاون الصحيح، وأن ندعو الله لنا ولهم.

أما المشروع الغربي المعادي: فلا يمكن أن تلتقي أهدافه وغاياته مع أهداف الإسلام ورسالته، ولا بدَّ في خطة الجماعة من مواجهته ولو بصورة متدرجة أو على مراحل حسب إمكانياتها وقدرتها على إيقاظ وحشد الأمة، ولا يمكن للدعوة أن تلتقي معه في منتصف الطريق، بل تسعى للقضاء على خطره وآثاره السلبية على الأمة الإسلامية.

أما التيارات والرموز والكيانات الأخرى العاملة في مجال الدعوة للإسلام- حسب تصورها وفهمها وهي محايدة في علاقتها بالدعوة والجماعة- فإننا نرحب بها وبوجودها ونتعاون معها إذا قبلت ذلك دون محاولة لإلغاء كيانها أو تذويبها ونترك للزمن دوره في اقتناعها بمنهج العمل الشامل لكل جوانب الإسلام.
هذا والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.