الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثالثة عشرة)
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 08 - 2012


الحلقة السادسة عشرة
كنا نوجه الدعوة و نعمل على انتشارها , أما الآن فقد صارت الدعوة تسبقنا إلى البلاد و القرى و تضطرنا إلى ملاحقتها و أداء حقوقها مهما كان في ذلك من عنت و من إرهاق , و المهم أن الصلة بين هذه الهيئات كلها ليس مجرد التشابه في الاسم أو الوحدة في المقصد العام , كلا بل إنها أقوى الصلات جميعا , إنها صلة الحب العميق و التعاون الوثيق ,و الارتباط القدسي المتين , و الالتفاف التام حول محور الدعوة و مركزها , و الوحدة و الشاملة في الألم و الأمل و الجهاد و العمل , و الوسائل و الغايات و المناهج و الخطوات , و ليس بعد ذلك زيادة لمستزيد .
و ليست هذه الهيئات في البلدان القرى مقتصرة في عملها على تنفيذ تعليمات المكتب الرئيسي لها بالقاهرة , بل إنها تجد و تعمل في مناحي الخدمة العامة فتبني أنديتها , و كثير منها قد بنى داره و أصبحت ملكا خالصا له خاصا به , و كثير منها كذلك قام بالكثير من المشروعات الخيرية و الاقتصادية و الاجتماعية , و جميعها دائمة النشاط جمة الإنتاج كما أن صلة المكتب بفروعه و هيئاته المختلفة ليست صلة الرئيس بالمرؤوس , و ليس صلة الإدارة البحتة و الإشراف العلمي فقط ,و لكنها صلة فوق ذلك كله : صلة الروح أولا , و صلة أفراد الأسرة الواحدة بعضهم ببعض , التزاور في الله , فدعاة الإخوان يزورن إخوانهم و يختلطون بهم و يعرفون أهم ما يتصل بحياتهم و شؤونهم الخاصة و العامة , و لم يتوفر ذك لهيئة من الهيئات القائمة فيما أعلم , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

أيها الإخوان :
لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة , فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين , عظيم الأمل في المستقبل , ما دمتم كذلك أخوة في الله متحابين متعاونين , فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم و عدتكم .
و عن كثيرا من الناس ليتساءل : و من أين يقوم الإخوان المسلمون بنفقات هذه الدعوة , و هي نفقات كثيرة تعجز الأغنياء فضلا عن الفقراء ؟
ألا فليعلم هؤلاء و ليعلم غيرهم أن الإخوان المسلمين لا يبخلون على دعوتهم يوما من الأيام بقوت أولادهم و عصارة دمائهم و ثمن ضرورياتهم , فضلا عن كمالياتهم و الفائض من نفقاتهم , و أنهم يوم أن حملوا هذا العبء عرفوا جيدا أنها دعوة لا ترضى بأقل من الدم و المال , فخرجوا عن ذلك كله لله و فقهوا معنى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة:111) , فقبلوا البيع و قدموا البضاعة عن رضا و طيب نفس , معتقدين أن الفضل كله لله , فاستغنوا بما في أيديهم عما في أيدي الناس , و منحهم الله البركة في القليل فأنتج الكثير .
إلى الآن أيها الإخوان لم يمنح مكتب الإرشاد العام إعانة واحدة من حكومة أيا كانت , و ها هو يباهي و يفاخر و يتحدى الناس جميعا أن يقول أحدهم إن هذا المكتب قد دخل خزانته قرش واحد من غير جيوب أعضائه , و لسنا نريد إلا هذا ، ولن نقبل إلا من عضو أو من محب ، ولن نعتمد علي الحكومات في شيء ، ولا تجعلوا في ترتيبكم ولا منهاجكم ذلك ولا تنظروا إليه ولا تعملوا له ، (وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (النساء:32).
تلك أيها الإخوان بعض خصائص دعوتكم ، انتهزت هذه الفرصة لأتحدث إليكم عنها ، وأنتقل بعد ذلك إلى ناحية هامة من نواحي الدعوة قد يلتبس الأمر في موقف الإخوان منها علي كثير من الناس ، وربما خفي علي بعض الإخوان أنفسهم حتى نحدد معاً ونكشف معاً ما عسي أن يكون من إبهام .


منهاج الإخوان المسلمين

الغاية والوسيلة
أظنكم أيها الاخوة الفضلاء قد عرفتم من هذا الحديث الطويل غاية الإخوان ووسيلتهم ومهمتهم تماماً .
إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها : صيغة الله ومن أحسن من الله صيغة وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها ؛ وأنهم ساروا إلى غايتهم في حدود وسيلتهم فوصلوا إلى درجة من النجاح يطمئنون إليها ويحمدون الله عليها ، و أظنني لست في حاجة إلي مزيد شرح أو بيان في هذه الناحية .

الإخوان والقوة والثورة
ويتساءل كثير من الناس : هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمين في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ ....
ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء ، فليسمع من يشاء .
أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته , فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60).
و النبي يقول (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) , بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء و هو مظهر الخشوع و المسكنة , واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه و يعلمه أصحابه و يناجي به ربه : (اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال) , ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم و الحزن , و ضعف الإنتاج بالعجز و الكسل , و ضعف الجيب و المال بالجبن و البخل , و ضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ؟ .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء , شعاره القوة في كل شيء ؟.. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء , و لابد أن يعملوا في قوة .
و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا و أبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر , فلا يغوصوا في أعماقها و لا يزنوا نتائجها و ما يقصد منها و ما يراد بها , فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان , ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط , ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح , و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا , و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك .
هذه نظرة , و نظرة أخرى : هل أوصى الإسلام و القوة شعاره باستخدام القوة في كل الظروف و الأحوال ؟ أم حدد لذلك حدودا و اشترط شروطا و وجه القوة توجيها محدودا ؟
و نظرة ثالثة : هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ و هل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة و نتائجها الضارة و ما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة و ليكن بعد ذلك ما يكون ؟
هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه , و الثورة أعنف مظاهر القوة , فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق و أعمق , و بخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون .
و بعد كل هذه النظرات و التقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.
وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها , ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها ، وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذا المشاكل ، فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح , وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن و يستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر ، فليسرع المنقذون بالأعمال .

الإخوان المسلمون والحكم

ويتساءل فريق آخر من الناس : هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم ؟ وما وسيلتهم إلى ذلك ؟ ...
ولا أدع هؤلاء المتسائلين أيضاً في حيرة ، ولا نبخل عليهم بالجواب .
فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم علي هدي الإسلام الحنيف كما فهموه ، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة . وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه ، ويعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الإرشاد ، وقديماً قال الخليفة الثالث رضي الله عنه : (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) . وقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم الحكم عروة من عري الإسلام . والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول ، لا من الفقهيات والفروع ، فالإسلام حكم وتنفيذ ، كما هو تشريع وتعليم ، كما هو قانون وقضاء ، لا ينفك واحد منها عن الآخر . والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهاً مرشداً يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول ، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ علي مخالفة أوامره ، فان النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد ونفخة في رماد كما يقولون .
قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ و الإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله و تنفيذا لأحكامه و إيصالا لآياته و لأحاديث نبيه , و أما الحال كما نرى : التشريع الإسلامي في واد و التشريع الفعلي في واد آخر , فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف .
هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا , و لكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف
وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله .
وعلى هذا فالإخوان المسلمون أعقل و أحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم و نفوس الأمة على هذا الحال , فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان و تسود , و يتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
و كلمة لابد أن نقولها في هذا الموقف : هي أن الإخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها و لا الحكومة القائمة و لا الحكومة السابقة , و لا غيرهما من الحكومات الحزبية ن ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية , فلتعلم الأمة ذلك , و لتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية , و ليعمل الإخوان المسلمون .
و كلمة ثانية : أنه ليس أعمق في الخطأ من ظن بعض الناس أن الإخوان المسلمين كانوا في أي عهد من عهود دعوتهم مطية لحكومة من الحكومات , أو منفذين لغاية غير غايتهم , أو عاملين على منهاج غير منهاجهم , فليعلم ذلك من لم يكن يعلمه من الإخوان و من غير الإخوان .
الإخوان المسلمون و الدستور
ويتساءل كذلك فريق من الناس ما موقف مجموعة الإخوان المسلمين من الدستور المصري ؟ و لاسيما بعد أن كتب الأخ صالح أفندي عشماوي رئيس تحرير مجلة النذير في هذا الموضوع , و تناولت كتابته صحيفة ( مصر الفتاة ) بالنقد و الموازنة ,و هذه فرصة طيبة لأتحدث إلى حضراتكم فيها عن رأي الإخوان المسلمين و موقفهم من الدستور المصري , وأحب قبل هذا أن نفرق دائما بين ( الدستور ) وهو نظام الحكم العام الذي ينظم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين , وبين ( القانون ) وهو الذي ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض ويحمى حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال .
و أستطيع بعد هذا البيان أن أجلي لكم موقفنا من نظام الحكم الدستوري عامة , و من الدستور المصري خاصة :
الواقع أيها الإخوان : أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها , وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال , وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم .
ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر .
بقي بعد ذلك أمران : أولهما النصوص التي تصاغ في قالبها هذه المبادئ , و ثانيهما طريقة التطبيق التي تفسر بها عمليا هذه النصوص , إن المبدأ السليم القويم قد يوضع في نص مبهم غامض فيدع مجالا للعبث و بسلامة المبدأ في ذاته , و إن النص الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق و ينفذ بطريقة يمليها الهوى و توحيها الشهوات , فيذهب هذا التطبيق بكل ما يرجى من فائدة .
و إذا تقرر هذا فإن من نصوص من الدستور المصري ما يراه الإخوان المسلمون غامضا مبهما يدع مجالا واسعا للتأويل و التفسير الذي تمليه الغايات و الأهواء , فهي في حاجة إلى وضوح و إلى تحديد و بيان ... هذه واحدة , و الثانية : هي أن طريقة التنفيذ التي يطبق بها الدستور , و يتوصل بها إلى جني ثمرات الحكم الدستوري في مصر , طريقة أثبتت التجارب فشلها و جنت الأمة منها الأضرار لا المنافع , فهي في حاجة شديدة إلى تحوير و إلى تعديل يحقق المقصود و يفي بالغاية .
و حسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب , و هو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون الأمة و يقومون بتنفيذ دستورها و حمايته , و ما جره هذا القانون على الأمة من خصومات و حزازات , و ما أنتجه يشهد به الواقع الملموس , و لابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء و العمل على تعديلها .
لهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة في الدستور المصري , و تعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد , و أظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان , و ردت الأمور إلى نصابها الصحيح .
إن الأخ صالح أفندي عشماوي قد أراد أن يعبر في مقاله الأول عن وجهة النقد التي يراها الإخوان فاحتد و اشتد , و لما نبهناه إلى أن هذا ليس موقفنا في الواقع , فنحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة بل مستمدة من نظام الإسلام , و إنما ننقد الإبهام و طرائق الإنفاذ , أراد أن يعبر عن ذلك و يقر الأمر في وضعه الطبيعي بالنسبة للإخوان فتساهل و لان , و هو في كلا الموقفين مأجور , فالخير أراد , و نية المرء خير من عمله , و نحن نشكر الذين أخذوا على الأخ صالح أفندي هذا الموقف , و لا يضره فيما أعتقد أن يستفيد من هذا التنبيه فيؤثر الاعتدال في كل حال , و أعتقد أنه لا مجال لقول بعد هذا البيان , أما الأمثلة التفصيلية و الأدلة الوافية و وصف طرائق العلاج و الإصلاح ففي رسالة خاصة إن شاء الله .
لإخوان المسلمون و القانون
قدمت أن الدستور شيء و القانون شيء آخر , و قد أبنت موقف الإخوان من الدستور , و أبين لحضراتكم الآن موقفهم من القانون .
إن الإسلام لم يجئ خلواً من القوانين، بل هو قد أوضح كثيراً من أصول التشريع وجزئيات الأحكام، سواء أكانت مادية أم جنائية، تجارية أم دولية ، والقرآن والأحاديث فياضة بهذه المعاني، وكتب الفقهاء غنية كل الغنى بكل هذه النواحي، وقد اعترف الأجانب أنفسهم بهذه الحقيقة، وأقرها مؤتمر لاهاي الدولي أمام ممثلي الأمم من رجال القانون في العالم كله .
فمن غير المفهوم ولا المعقول أن يكون القانون في أمة إسلامية متناقضًا مع تعاليم دينها وأحكام قرآنها وسنة نبيها، مصطدماً كل الاصطدام بما جاء عن الله ورسوله، وقد حذر الله نبيه ص من ذلك من قبل، فقال تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ , أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:49-50) , ذلك بعد قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ُ الظَّالِمُونَ الْفَاسِقُونَ) (المائدة:44 , 45 , 47) ، فكيف يكون موقف المسلم الذي يؤمن بالله وكلماته إذا سمع هذه الآيات البينات وغيرها من الأحاديث والأحكام، ثم رأى نفسه محكوماً بقانون يصطدم معها؟ فإذا طالب بالتعديل قيل له: إن الأجانب لا يرضون بهذا ولا يوافقون عليه ، ثم يقال بعد هذا الحجر والتضييق : إن المصريين مستقلون وهم لم يملكوا بعد أن يتمتعوا بحرية الدين، وهي أقدس الحريات .
على أن هذه القوانين الوضعية كما تصطدم بالدين ونصوصه تصطدم بالدستور الوضعي نفسه الذي يقرر أن دين الدولة هو الإسلام , فكيف نوافق بين هذين يا أولى الألباب ؟
وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا وحظر الربا ومنع الخمور وحارب الميسر وجاء القانون يحمى الزانية و الزاني ويلزم بالربا ويبيح الخمر وينظم القمار فكيف يكون موقف المسلم بينهما ؟ أيطيع الله ورسوله ويعصى الحكومة وقانونها والله خير وأبقى ؟ أم يعصى الله ورسوله ويطيع الحكومة فيشقى في الآخرة والأولى ؟ نريد الجواب على هذا من رفعة رئيس الحكومة و معالي وزير العدل و من علمائنا الفضلاء الأجلاء .
أما الإخوان المسلمون فهم لا يوافقون على هذا القانون أبدا ولا يرضونه بحال وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع الإسلامي العادل الفاضل في نواحي القانون ولسنا هنا في مقام الرد على ما قيل في هذه الناحية من شبهات أو ما يعترض سبيلها من توهم العقبات ولكننا في مقام بيان موقفنا الذي عملنا وسنعمل عليه متخطين في سبيله كل عقبة موضحين كل شبهة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
و لقد تقدم الإخوان المسلمون إلى معالي وزير العدل بمذكرة إضافية في هذا الموضوع , و لقد حذروا الحكومة في نهايتها من إحراج الناس هذا الإحراج , فالعقيدة أثمن ما في الوجود , و سوف يعاودون الكرّة , و سوف لا يكون ذلك آخر مجهودهم (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(التوبة:32)
الإخوان والقومية والعروبة والإسلام
كثيرا ما تتوزع أفكار الناس في هذه النواحي الثلاثة : الوحدة القومية والوحدة العربية والوحدة الإسلامية وقد يضيفون إلى ذلك الوحدة الشرقية ثم تنطلق الألسنة والأفكار بالموازنة بينها وإمكان تحققها أو صعوبة ذلك الإمكان ، ومبلغ الفائدة أو الضر منها و التشجيع لبعضها دون البعض الآخر .
فما موقف الإخوان المسلمين من هذا الخليط ومن الأفكار والمناحي ؟ ولا سيما وكثير من الناس يغمزون الإخوان المسلمين في وطنيتهم ويعتبرون تمسكهم بالأفكار الإسلامية مناعة إياهم من الإخلاص للناحية الوطنية .
والجواب عن هذا أننا لن نحيد عن القاعدة التي وضعناها أساسا لفكرتنا وهى السير على هدى الإسلام وضوء تعاليمه السامية . فما موقف الإسلام نفسه من هذه النواحي ؟
إن الإسلام قد فرضها فريضة لازمة لا مناص منها وأن يعمل كل إنسان لخير بلده وأن يتفانى في خدمته , و أن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا حتى أنه لا يجز أن تنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر – إلا لضرورة – إيثارا للأقربين بالمعروف فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي هي عليها وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين وكان الإخوان المسلمون بالتالي أشد الناس حرصا على خير وطنهم وتفانيا في خدمة قومهم , وهم يتمنون لهذه البلاد العزيزة المجيدة كل عزة ومجد وكل تقدم ورقى , وكل فلاح ونجاح , و قد انتهت إليها رياسة الأمم الإسلامية بحكم ظروف كثيرة تضافرت على هذا الوضع الكريم , و إن حب المدينة لم يمنع رسول الله أن يحن إلى مكة و أن يقول لأصيل , و قد أخذ يصفها (يا أصيل دع القلوب تقر) و أن يجهل بلالا يهتف في قرارة نفسه :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
فالإخوان المسلمون يحبون وطنهم , ويحرصون على وحدته القومية بهذا الاعتبار لا يجدون غضاضة على أي إنسان يخلص لبلده , وأن يفنى في سبيل قومه وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عزة وفخار , هذا من وجهة القومية الخاصة .
ثم إن الإسلام الحنيف نشأ عربيا و وصل إلى الأمم عن طريق العرب , و جاء كتابه بلسان عربي مبين , و توحدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين , و قد جاء في الأثر : إذا ذل العرب ذل الإسلام , و قد تحقق هذا المعنى حين دال سلطان العرب السياسي و انتقل المر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم و الديلم و من إليهم , فالعرب هم عصبة الإسلام و حراسه .
و أحب هنا أن ننوه إلى أن الإخوان المسلمين يعتبرون العروبة , كما عرفها النبي , فيما يرويه ابن كثير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : (ألا إن العربية اللسان , ألا إن العربية السان) .
ومن هنا كانت وحدة العرب أمرا لابد منه لإعادة الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه , ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وهذا موقف مجموعة البحث من الوحدة العربية .
بقي علينا أن نحدد موقفنا من الوحدة الإسلامية , و الحق أن الإسلام كما هو عقيدة وأنه قضى على الفوارق النسبية بين الناس فالله تبارك وتعالى يقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) , والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم) والمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على سواهم .
فالإسلام والحالة هذه لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يعتبر الفروق الجنسية والدموية , ويعتبر المسلمين جميعا أمة واحدة , ويعتبر الوطن الإسلامي وطنا واحدا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده .
وكذلك الإخوان المسلمون يقدسون هذه الوحدة ويؤمنون بهذه الجامعة , ويعملون لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوان الإسلام وينادون بأن وطنهم هو كل شبر أرض فيه مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وما أروع ما قال في هذا المعنى شاعر من شعراء الإخوان :
ولست أدرى سوى الإسلام لي وطنا الشام فيها و وادي النيل سيان
وكلما ذكر اسم الله فى بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني
يقول بعض الناس : إن ذلك يناقض تيار الفكرة السائدة في العالم فكرة التعصب للأجناس و الألوان , و العالم الآن تجربة موجة القوميات الجنسية , فكيف تقفون أمام هذا التيار , و كيف تخرجون على ما اتفق عليه الناس ؟
و جواب ذلك أن الناس يخطئون و أن نتائج خطئهم في ذلك ظاهرة ملموسة في إقلاق راحة الأمم و تعذيب ضمائر الشعوب مما لا يحتاج إلى برهان , و ليست مهمة الطبيب أن يجاري المرضى و لكن أن يعالجهم و أن يهديهم سواء السبيل , و تلك مهمة الإسلام و من وصل دعوته بالإسلام .
و يقول آخرون : إن ذلك غير ممكن و العمل له عبث لا طائل من تحته و مجهود لا فائدة منه , و خير للذين يعملون لهذه الجامعة أن يعملوا لأقوامهم يخدموا أوطانهم الخاصة بجهودهم .
و الجواب على هذا أن هذه لغة الضعف و الاستكانة , فقد كانت هذه الأمم مفرقة من قبل متخالفة في كل شيء : الدين و اللغة , و المشاعر و الآمال و الآلام , فوحدها الإسلام و جمع قلوبها على كلمة سواء , و مازال الإسلام كما هو بحدوده و رسومه , فإذا وجد من أبنائه من ينهض بعبء الدعوة إليه و تجديده في نفوس المسلمين , فإنه يجمع هذه الأمم جميعا من جديد كما جمعها من قديم , و الإعادة أهون من الابتداء , و التجربة أصدق دليل على الإمكان .
يهتف بعض الناس بعد هذا بالوحدة الشرقية , و أظن أنه لم يثر هذه النعرة في نفوس الهاتفين بها إلا تعصب الغربيين لغربهم و سوء عقيدتهم في الشرق و أبنائه , و هم في ذلك مخطئون , و إذا استمر الغربيون على عقيدتهم هذه فستجر عليهم الوبال و النكال , و الإخوان المسلمون لا ينظرون إلى هذه الوحدة الشرقية إلا من خلال هذه العاطفة فقط , و الشرق و الغرب عندهم سيان إذا استوى موقفهما من الإسلام , و هم لا يزنون الناس إلا بهذا الميزان .
وضح إذا أن الإخوان المسلمين يحترمون قوميتهم الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود , و لا يرون بأسا بأن يعمل كل إنسان لوطنه , و أن يقدمه للوطن على سواه , ثم هم بعد ذلك يؤيدون الوحدة العربية باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض , ثم هم يعملون للجامعة الإسلامية باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام , ولى أن أقول بعد هذا : إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله , فهم ينادون بالوحدة العالمية لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ومعنى قول الله تبارك وتعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) .
و أنا في غنى بعد هذا البيان أن أقول أنه لا تعارض بين هذه الوحدات بهذا الاعتبار , و بان كل منهما يشد أزر الأخرى يحقق الغاية منها , فإذا أراد أقوام أن يتخذوا من المناداة بالقومية الخاصة سلاحا يميت الشعور بما عداها , فالإخوان المسلمون ليسوا معهم و لعل هذا هو الفارق بيننا و بين كثير من الناس .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.