باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثانية عشرة)
نشر في أخبار اليوم يوم 06 - 08 - 2012


4 - التدرج في الخطوات
وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك .
ولكن لاشك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين.
في حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ولا تزال تسير، فقد بدأنا بالدعوة فوجهناها إلى الأمة في دروس متتالية وفي رحلات متلاحقة وفي مطبوعات كثيرة وفي حفلات عامة وخاصة، وفي جريدة الإخوان المسلمين الأولى ثم في مجلة النذير الأسبوعية، ولا زلنا ندعو، وسنظل كذلك، حتى لا يكون هناك فرد واحد لم تصله دعوة الإخوان المسلمين على حقيقتها الناصعة، وعلى وجهها الصحيح، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وأظن أننا وصلنا في هذه المرحلة إلى درجة نطمئن عليها وعلى اطراد السير فيها، وصار من ألزم واجباتنا أن نخطو الخطوة الثانية، خطوة الاختيار والتكوين والتعبئة .
خطونا الخطوة الثانية في صور ثلاث:
1 الكتائب: ويراد بها تقوية الصف بالتعارف، وتمازج النفوس والأرواح ومقاومة العادات والمألوفات، والمران على حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، واستمداد النصر منه، وهذا هو معهد التربية الروحية للإخوان المسلمين.
2 الفرق للكشافة والجوالة والألعاب الرياضية: ويراد بها تقوية الصف بتنمية جسوم الإخوان، وتعويدهم الطاعة والنظام والأخلاق الرياضية الفاضلة، وإعدادهم للجندية الصحيحة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم، وهذا هو معهد التربية الجسمية للإخوان المسلمين.
3 درس التعاليم في الكتائب أو في أندية الإخوان المسلمين: ويراد بها تقوية الصف بتنمية أفكار الإخوان وعقولهم بدراسة جامعة لأهم ما يلزم الأخ المسلم معرفته لدينه ودنياه، وهذا هو معهد التربية العلمية والفكرية للإخوان المسلمين، ذلك إلى مختلف نواحي النشاط الأخرى التي يدرب بها الإخوان على الواجب الذي ينتظرهم كجماعة تعد نفسها لقيادة أمة، بل لهداية العالمين.
بعد أن نطمئن على موقفنا من هذه الخطوة نخطو إن شاء الله الخطوة الثالثة، وهي الخطوة العملية التي تظهر بعدها الثمار الكاملة لدعوة الإخوان المسلمين .
مصارحة
أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم :
اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع : إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده . ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول ، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها . إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال ، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات . ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك علي الله ، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين : إما النصر والسيادة ، وإما الشهادة والسعادة .
أيها الإخوان المسلمون :
ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة . ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، ولا تصادموا نواميس الكون فأنها غلابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض ، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد .
أيها الإخوان المسلمون
إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه ، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين . ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين ، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين . علي أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا طريقكم ، ولا إنتاج إلا مع خطتكم ، ولا صواب إلا فيما تعملون ، فلا تغامروا بجهودكم ولا تقامروا بشعار نجاحكم . واعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم والفوز للعاملين (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة:143) .
متي تكون خطوتنا التنفيذية ؟
أيها الإخوان المسلمون :
نحن هنا في مؤتمر أعتبره مؤتمراً عائلياً يضم أسرة الإخوان المسلمين ، وأريد أن أكون معكم صريحاً للغاية فلم تعد تنفعنا إلا المصارحة :
إن ميدان القول غير ميدان الخيال ، وميدان العمل غير ميدان القول ، وميدان الجهاد غير ميدان العمل ، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ .
يسهل علي كثير ين أن يتخيلوا ، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالا باللسان ، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل ، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل ، ولكن قليلا منهم يقدر علي حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني . وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله ، وفي قصة طالوت بيان لما أقول ، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل ، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها ، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها .
وفي الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا روحياً بالإيمان والعقيدة ، وفكرياً بالعلم والثقافة ، وجسمياً بالتدريب والرياضة ، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار ، وأقتحم بكم عنان السماء . وأغزو بكم كل عنيد جبار ، فإني فاعل إن شاء الله ، وصدق رسول الله القائل: (ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة). إني أقدر لذلك وقتاً ليس طويلاً بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته ، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم ، وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب ، وتختلف النتائج المترتبة عليه ، فأشعروا أنفسكم العبء وألقوا الكتائب وكونوا الفرق ، وأقبلوا علي الدروس ، وسارعوا إلي التدريب وانشروا دعوتكم في الجهاد التي لم تصل إليها بعد ، ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل .
وقد يظن من يسمع هذا أن الإخوان المسلمين قليل عددهم أو ضعيف مجهودهم ، ولست إلى هذا أقصد وليس هذا هو مفهوم كلامي ، فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون ، وإن جماعة يمثلها في هذا الاجتماع آلاف من أعضائها كل منهم ينوب عن شعبة كاملة لأكثر من أن يستقل عددها أو ينسي مجهودها أو يغمط حقها ، ولكن أقصد إلى ما ذكرت أولا من أن رجل القول غير رجل العمل , و رجل العمل غير رجل الجهاد , و رجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقل التضحيات .
5 - إيثار الناحية العملية
و أما إيثار الناحية العملية فقد أثارها في نفوس الإخوان و دعا إليها في منهاجهم أمور :
منها ما جاء في الإسلام خاصا بهذه الناحية بالذات , و مخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليها التلف و الفساد و الموازنة بين هذه النظرة و بين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه , أمر دقيق قلما يتم إلا بتوفيق .
و منها نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة و التهريج الذي ليس من ورائه عمل , و ما أنتجه في هذه الأمة من أثر سيئ و تضليل كبير و فساد ملموس .
و منها ما كان يخشاه الإخوان من معاجلة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عن كليهما تعويق السير أو تعطيل عن الغاية .
كل هذه أمور و ضعها الإخوان في ميزانهم آثروا أن يسيروا في دعوتهم بجد و إسراع و إن لم يشعر بهم إلا من حولهم , و إن لم يؤثر ذلك إلا في محيطهم .
قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان قد يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس , فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس , و إذا هو في صلاة الجمعة يخطب بمنفلوط , فإذا هو في العصر يحاضر بأسيوط , و بعد العشاء يحاضر بسوهاج , ثم يعود أدراجه هادئ النفس مطمئن القلب يحمد الله على ما وفقه إليه و لا يشعر به إلا الذين استمعوه .
هذا مجهود لو قام به غير الإخوان لملأ الدنيا صياحا و دعاية , و لكن الإخوان لما قدمت يؤثرون ألا يراهم الناس إلا عاملين , فمن أقنعه العمل فبها , و من لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول .
قد يقضي الأخ شهرا أو شهرين بعيدا عن أهله و بيته و زوجه و ولده يدعو إلى الله , هو في الليل محاضر و في النهار مسافر , يوما بحزوى و يوما بالعقيق , فيلقي أكثر من ستين محاضرة من شرق القطر إلى غربه , و قد تضم الحفلات التي يحاضر فيها الآلاف من مختلف الطبقات , ثم هو بعد ذلك يوصي ألا يكون محل دعاية أو إعلان .
يعقد الإخوان معسكرا نموذجيا بالأسكندرية قرابة شهر فيكون معسكرا نموذجيا بحق , يجمع رياضة الفكر و الروح إلى رياضة البدن و الجسم , و تتمثل فيه بجلاء وضوح المعاني الرياضية و العسكرية الكاملة , و يدوم ذلك طول هذه الفترة , و يضم تحت خيامه المباركة مائة من الشباب التقي المؤمن , فلا يكون لذلك صداه في غير من حضروه من الإخوان المسلمين .
يعقد مؤتمر كمؤتمركم هذا و هو في الواقع أصدق برلمان لمصر إذ مثلت فيه مديرياتها و مراكزها و قراها و حواضرها من كل الطبقات أصدق تمثيل , و قد حضرتم جميعا لا يحملكم إلى ذلك إلا الرغبة الأكيدة في العمل المنتج , فنوجه إليكم الدعوة و يضمكم معشر الإخوان المسلمين هذا المكان المبارك .
يقوم الإخوان المسلمون بهذا و بغيره من ضروب الإصلاح التي تنتج أحسن الآثار ثم هم بذلك لا يتشدقون و لا يباهون , و لا يذكرون حتى الحقيقة فضلا عن المبالغة و الإغراق , و لو كان بعض هذا النشاط و بعض هذه الأعمال مما يوفق إليه غير الإخوان من الهيئات لملئوا الدنيا صراخا , و لأسمعوا من في المشرق و المغرب , و عجب فنحن في عصر الدعايات .
أيها الإخوان :
ذلك المعنى الذي تقصدون إليه معنى جميل حقا و خطة محمودة عند الله و عند الناس , فادرجوا عليها و لا بأس عليكم , و لكن لا حظوا أنكم الآن و قد أرغمتكم الدعوة على أن تتخطوا الحواجز الخاصة إلى ا لميادين الواسعة , و قد أظهرت الدعوة نفسها فأخذ الناس يتساءلون عنها و عنكم , و أخذ بعض الفضوليين يتطوع بتصويركم لغيركم و هو لا يدري قليلا و لا كثيرا من شؤونكم , فقد وجب عليكم أن تبينوا للناس غايتكم و وسيلتكم و حدود فكرتكم و منهاج أعمالكم , و أن تعلنوا هذه الأعمال على الناس لا للمباهاة بها و لكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة و خير لأبنائها فاكتبوا إلى النذير و هي لسانكم , و اكتبوا إلى الصحف اليومية و أظنها لا تقف ي سبيلكم , و احرصوا على أن تكونوا صادقين لا تتجاوزون الحقيقة , و أن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل و الخلق الفاضل و الحرص التام على جمع القلوب و تأليف الأرواح , و استشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17) .
6 - إقبال الشباب على الدعوة
و أما إقبال الشباب على الدعوة , و نموها في كثير من الأوساط التي هي أخصب المنابت للدعوات التي هي أخصب المنابت للدعوات من الطبقات العاملة و الوسطى , فتوفيق كبير نحمد الله عليه , فقد أقبل الشباب من كل مكان على دعوة الإخوان يؤمن بها و يؤيدها و يناصرها , و يعاهد الله على النهوض بحقها و العمل في سبيلها .
تقدم ستة من شباب الجامعة منذ سنوات يهبون الله نفوسهم و جهودهم , و علم الله منهم ذلك فأيدهم و آزرهم , فإذا بالجامعة كلها من أنصار الإخوان المسلمين تحبهم و تحترمهم و تتمنى لهم النجاح , و إذا من الشباب الجامعي فئة كريمة مؤمنة تتفانى في الدعوة و تبشر بها في كل مكان .
قل مثل ذلك في الأزهر الشريف , و الأزهر بطبعه معقل الدعوة الإسلامية و موئل الإسلام , فليس غريبا عليه أن يعتبر دعوة الإخوان المسلمين دعوته و أن يعد غايتها غايته , و أن تمتلئ الصفوف الإخوانية و الأندية الإخوانية بشبابه الناهض و علمائه الفضلاء و مدرسيه و وعاظه , و أن يكون لهم جميعا أكبر الأثر في نشر الدعوة و تأييدها و المناداة بها في كل مكان , و لم يقتصر إقبال الشباب على طوائف الطلبة و الفضلاء و من إليهم , بل إن كثيرا من طبقات الشعب المؤمنة أقبل على الدعوة و كان خير معوان في مناصرتها , و إن كثيرا من الشباب كان ضالا فهداه الله و كان حائرا فأرشده الله , و كانت المعصية له عادة فوفقه الله إلى الطاعة , و كان لا يعرف له غاية من الحياة فوضحت أمامه الغاية , (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (النور:35) .
و إنا لنعتبر ذلك من علامات التوفيق و نلمس كل يوم تقدما جديدا في هذا الباب يدعونا إلى الأمل القوي و المثابرة و مضاعفة الجهود , (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران:126) .
7 - سرعة الانتشار في القرى و المدن
و أما سرعة انتشار الدعوة في القرى و المدن فقد قدمت لكم أن الدعوة نشأت في الإسماعيلية , و ترعرعت في جوها الصافي و درجت على رمالها الممتدة الجميلة , يغذيها و ينميها ما ترى ما ترى كل صباح و مساء من مظاهر الاحتلال الأجنبي و الاستئثار الأوربي بخير هذا البلد , فهذه قناة السويس علة الداء و أصل البلاء , و في الغرب المعسكر الإنجليزي بأدواته و معداته , و في المشرق المكتب العام لإدارة شركة القناة بأثاثه و رياسته و عظمته و مرتباته , و المصري غريب بين كل هذه الأجواء في بلده محروم و غيره ينعم بخير وطنه ذليل , و الأجنبي يعتز بما يغتصبه من موارد رزقه , كان هذا الشعور غذاء جميلا و مدادا طيبا لدعوة الإخوان فبسطت رواقها في منطقة القناة ثم تخطتها إلى البحر الصغير ثم إلى مديرية الدقهلية , تحتل قلوب المؤمنين بها بذرة صغيرة متواضعة , ثم لا تلبث أن تستولي على هذه القلوب و تستغرق شعورها و تفكيرها , و تصبح للرجل أمل الآمال و غاية الغايات فيدعو و يضحي و يبذل .
و خطت الدعوة إلى القاهرة باندماج جمعية الحضارة الإسلامية بدعاتها و أدواتها إلى الإخوان , إيمانا بفكرتهم و إيثارا للعمل مع الجماعة , و زهادة في الألقاب و الأسماء , و احتقارا لهذه الأنانية الفردية التي أفسدت علينا كل عمل , ثم تبع ذلك تكون مكتب الإرشاد العام بالقاهرة و إشرافه على شعب الجماعة الناشئة في الأقاليم و البلدان , و عمله الدائب على نشر الفكرة و إيصالها للبلدان التي لم تتصل بها بعد .
و دأب المكتب بعد ذلك يقتطع أعضاؤه من قوتهم و أوقاتهم و جهودهم ما يستعينون به على خدمة عقيدتهم في عفة الأسد , و في طهارة ماء الغمام , لا يمدون لأحد يدا و لا يسألون كبيرا و لا هيئة شيئا , و لا يأخذون من مال حكومة و لا يطلبون معونة أحد إلا الله , حتى انتشرت شعب الإخوان بسرعة فائقة في جميع نواحي القطر المصري من أسوان إلى الإسكندرية إلى رشيد إلى بورسعيد إلى السويس إلى طنطا , إلى الفيوم إلى بني سويف , إلى المنيا , إلى أسيوط , إلى جرجا , إلى قنا , و فيما بين ذلك من المراكز و القرى .
و لم تقف عند هذه الحدود المصرية بل تجاوزتها إلى القسم الجنوبي من الوطن الغالي , إلى السودان المفدى , ثم إلى بقية أجزاء الوطن الإسلامي العزيز : سوريا بأقسامها شرقا , و المغرب بأقسامه غربا , ثم إلى غير ذلك من بقية بلادنا الإسلامية المباركة .
كنا نوجه الدعوة و نعمل على انتشارها , أما الآن فقد صارت الدعوة تسبقنا إلى البلاد و القرى و تضطرنا إلى ملاحقتها و أداء حقوقها مهما كان في ذلك من عنت و من إرهاق , و المهم أن الصلة بين هذه الهيئات كلها ليس مجرد التشابه في الاسم أو الوحدة في المقصد العام , كلا بل إنها أقوى الصلات جميعا , إنها صلة الحب العميق و التعاون الوثيق ,و الارتباط القدسي المتين , و الالتفاف التام حول محور الدعوة و مركزها , و الوحدة و الشاملة في الألم و الأمل و الجهاد و العمل , و الوسائل و الغايات و المناهج و الخطوات , و ليس بعد ذلك زيادة لمستزيد .
و ليست هذه الهيئات في البلدان القرى مقتصرة في عملها على تنفيذ تعليمات المكتب الرئيسي لها بالقاهرة , بل إنها تجد و تعمل في مناحي الخدمة العامة فتبني أنديتها , و كثير منها قد بنى داره و أصبحت ملكا خالصا له خاصا به , و كثير منها كذلك قام بالكثير من المشروعات الخيرية و الاقتصادية و الاجتماعية , و جميعها دائمة النشاط جمة الإنتاج كما أن صلة المكتب بفروعه و هيئاته المختلفة ليست صلة الرئيس بالمرؤوس , و ليس صلة الإدارة البحتة و الإشراف العلمي فقط ,و لكنها صلة فوق ذلك كله : صلة الروح أولا , و صلة أفراد الأسرة الواحدة بعضهم ببعض , التزاور في الله , فدعاة الإخوان يزورن إخوانهم و يختلطون بهم و يعرفون أهم ما يتصل بحياتهم و شؤونهم الخاصة و العامة , و لم يتوفر ذك لهيئة من الهيئات القائمة فيما أعلم , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
أيها الإخوان :
لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة , فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين , عظيم الأمل في المستقبل , ما دمتم كذلك أخوة في الله متحابين متعاونين , فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم و عدتكم .
و عن كثيرا من الناس ليتساءل : و من أين يقوم الإخوان المسلمون بنفقات هذه الدعوة , و هي نفقات كثيرة تعجز الأغنياء فضلا عن الفقراء ؟
ألا فليعلم هؤلاء و ليعلم غيرهم أن الإخوان المسلمين لا يبخلون على دعوتهم يوما من الأيام بقوت أولادهم و عصارة دمائهم و ثمن ضرورياتهم , فضلا عن كمالياتهم و الفائض من نفقاتهم , و أنهم يوم أن حملوا هذا العبء عرفوا جيدا أنها دعوة لا ترضى بأقل من الدم و المال , فخرجوا عن ذلك كله لله و فقهوا معنى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة:111) , فقبلوا البيع و قدموا البضاعة عن رضا و طيب نفس , معتقدين أن الفضل كله لله , فاستغنوا بما في أيديهم عما في أيدي الناس , و منحهم الله البركة في القليل فأنتج الكثير .
إلى الآن أيها الإخوان لم يمنح مكتب الإرشاد العام إعانة واحدة من حكومة أيا كانت , و ها هو يباهي و يفاخر و يتحدى الناس جميعا أن يقول أحدهم إن هذا المكتب قد دخل خزانته قرش واحد من غير جيوب أعضائه , و لسنا نريد إلا هذا ، ولن نقبل إلا من عضو أو من محب ، ولن نعتمد علي الحكومات في شيء ، ولا تجعلوا في ترتيبكم ولا منهاجكم ذلك ولا تنظروا إليه ولا تعملوا له ، (وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (النساء:32).
تلك أيها الإخوان بعض خصائص دعوتكم ، انتهزت هذه الفرصة لأتحدث إليكم عنها ، وأنتقل بعد ذلك إلى ناحية هامة من نواحي الدعوة قد يلتبس الأمر في موقف الإخوان منها علي كثير من الناس ، وربما خفي علي بعض الإخوان أنفسهم حتى نحدد معاً ونكشف معاً ما عسي أن يكون من إبهام .
منهاج الإخوان المسلمين

الغاية والوسيلة
أظنكم أيها الاخوة الفضلاء قد عرفتم من هذا الحديث الطويل غاية الإخوان ووسيلتهم ومهمتهم تماماً .
إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها : صيغة الله ومن أحسن من الله صيغة وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها ؛ وأنهم ساروا إلى غايتهم في حدود وسيلتهم فوصلوا إلى درجة من النجاح يطمئنون إليها ويحمدون الله عليها ، و أظنني لست في حاجة إلي مزيد شرح أو بيان في هذه الناحية .

الإخوان والقوة والثورة
ويتساءل كثير من الناس : هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمين في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ ....
ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء ، فليسمع من يشاء .
أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته , فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60).
و النبي يقول (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) , بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء و هو مظهر الخشوع و المسكنة , واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه و يعلمه أصحابه و يناجي به ربه : (اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال) , ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم و الحزن , و ضعف الإنتاج بالعجز و الكسل , و ضعف الجيب و المال بالجبن و البخل , و ضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ؟ .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء , شعاره القوة في كل شيء ؟.. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء , و لابد أن يعملوا في قوة .
و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا و أبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر , فلا يغوصوا في أعماقها و لا يزنوا نتائجها و ما يقصد منها و ما يراد بها , فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان , ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط , ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح , و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا , و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك .
هذه نظرة , و نظرة أخرى : هل أوصى الإسلام و القوة شعاره باستخدام القوة في كل الظروف و الأحوال ؟ أم حدد لذلك حدودا و اشترط شروطا و وجه القوة توجيها محدودا ؟
و نظرة ثالثة : هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ و هل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة و نتائجها الضارة و ما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة و ليكن بعد ذلك ما يكون ؟
هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه , و الثورة أعنف مظاهر القوة , فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق و أعمق , و بخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون .
و بعد كل هذه النظرات و التقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.
وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها , ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها ، وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذا المشاكل ، فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح , وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن و يستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر ، فليسرع المنقذون بالأعمال .
الإخوان المسلمون والحكم

ويتساءل فريق آخر من الناس : هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم ؟ وما وسيلتهم إلى ذلك ؟ ...
ولا أدع هؤلاء المتسائلين أيضاً في حيرة ، ولا نبخل عليهم بالجواب .
فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم علي هدي الإسلام الحنيف كما فهموه ، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة . وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه ، ويعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الإرشاد ، وقديماً قال الخليفة الثالث رضي الله عنه : (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) . وقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم الحكم عروة من عري الإسلام . والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول ، لا من الفقهيات والفروع ، فالإسلام حكم وتنفيذ ، كما هو تشريع وتعليم ، كما هو قانون وقضاء ، لا ينفك واحد منها عن الآخر . والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهاً مرشداً يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول ، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ علي مخالفة أوامره ، فان النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد ونفخة في رماد كما يقولون .
قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ و الإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله و تنفيذا لأحكامه و إيصالا لآياته و لأحاديث نبيه , و أما الحال كما نرى : التشريع الإسلامي في واد و التشريع الفعلي في واد آخر , فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف .
هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا , و لكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف
وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله .
وعلى هذا فالإخوان المسلمون أعقل و أحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم و نفوس الأمة على هذا الحال , فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان و تسود , و يتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
و كلمة لابد أن نقولها في هذا الموقف : هي أن الإخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها و لا الحكومة القائمة و لا الحكومة السابقة , و لا غيرهما من الحكومات الحزبية ن ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية , فلتعلم الأمة ذلك , و لتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية , و ليعمل الإخوان المسلمون .
و كلمة ثانية : أنه ليس أعمق في الخطأ من ظن بعض الناس أن الإخوان المسلمين كانوا في أي عهد من عهود دعوتهم مطية لحكومة من الحكومات , أو منفذين لغاية غير غايتهم , أو عاملين على منهاج غير منهاجهم , فليعلم ذلك من لم يكن يعلمه من الإخوان و من غير الإخوان .
الإخوان المسلمون و الدستور
ويتساءل كذلك فريق من الناس ما موقف مجموعة الإخوان المسلمين من الدستور المصري ؟ و لاسيما بعد أن كتب الأخ صالح أفندي عشماوي رئيس تحرير مجلة النذير في هذا الموضوع , و تناولت كتابته صحيفة ( مصر الفتاة ) بالنقد و الموازنة ,و هذه فرصة طيبة لأتحدث إلى حضراتكم فيها عن رأي الإخوان المسلمين و موقفهم من الدستور المصري , وأحب قبل هذا أن نفرق دائما بين ( الدستور ) وهو نظام الحكم العام الذي ينظم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين , وبين ( القانون ) وهو الذي ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض ويحمى حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال .
و أستطيع بعد هذا البيان أن أجلي لكم موقفنا من نظام الحكم الدستوري عامة , و من الدستور المصري خاصة :
الواقع أيها الإخوان : أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها , وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال , وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم .
ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر .
بقي بعد ذلك أمران : أولهما النصوص التي تصاغ في قالبها هذه المبادئ , و ثانيهما طريقة التطبيق التي تفسر بها عمليا هذه النصوص , إن المبدأ السليم القويم قد يوضع في نص مبهم غامض فيدع مجالا للعبث و بسلامة المبدأ في ذاته , و إن النص الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق و ينفذ بطريقة يمليها الهوى و توحيها الشهوات , فيذهب هذا التطبيق بكل ما يرجى من فائدة .
و إذا تقرر هذا فإن من نصوص من الدستور المصري ما يراه الإخوان المسلمون غامضا مبهما يدع مجالا واسعا للتأويل و التفسير الذي تمليه الغايات و الأهواء , فهي في حاجة إلى وضوح و إلى تحديد و بيان ... هذه واحدة , و الثانية : هي أن طريقة التنفيذ التي يطبق بها الدستور , و يتوصل بها إلى جني ثمرات الحكم الدستوري في مصر , طريقة أثبتت التجارب فشلها و جنت الأمة منها الأضرار لا المنافع , فهي في حاجة شديدة إلى تحوير و إلى تعديل يحقق المقصود و يفي بالغاية .
و حسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب , و هو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون الأمة و يقومون بتنفيذ دستورها و حمايته , و ما جره هذا القانون على الأمة من خصومات و حزازات , و ما أنتجه يشهد به الواقع الملموس , و لابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء و العمل على تعديلها .
لهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة في الدستور المصري , و تعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد , و أظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان , و ردت الأمور إلى نصابها الصحيح .
إن الأخ صالح أفندي عشماوي قد أراد أن يعبر في مقاله الأول عن وجهة النقد التي يراها الإخوان فاحتد و اشتد , و لما نبهناه إلى أن هذا ليس موقفنا في الواقع , فنحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة بل مستمدة من نظام الإسلام , و إنما ننقد الإبهام و طرائق الإنفاذ , أراد أن يعبر عن ذلك و يقر الأمر في وضعه الطبيعي بالنسبة للإخوان فتساهل و لان , و هو في كلا الموقفين مأجور , فالخير أراد , و نية المرء خير من عمله , و نحن نشكر الذين أخذوا على الأخ صالح أفندي هذا الموقف , و لا يضره فيما أعتقد أن يستفيد من هذا التنبيه فيؤثر الاعتدال في كل حال , و أعتقد أنه لا مجال لقول بعد هذا البيان , أما الأمثلة التفصيلية و الأدلة الوافية و وصف طرائق العلاج و الإصلاح ففي رسالة خاصة إن شاء الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.