: يبدو أن مقولة "في الحرب تصمت القوانين"، بحسب الفيلسوف شيشرون، أصبحت فاقدة للصلاحية، ففي حي كريتر في مدينة عدن، أضحى للحرب قوانين بدائية وأكثر وحشية تتحكم في تصرفات قناصة مليشيا صالح والحوثيين الانقلابية المتمركزين على جبال معاشيق المطلة على المدينة. وشهدت عدة مديريات في مدينة عدن حالات قنص طالت المدنيين بين أطفال ونساء، لكن حي كريتر ناله النصيب الأوفر، بحكم تضاريس المنطقة ووجود القصر الرئاسي. ويحيط بحي كريتر سلسلة جبال متصلة ومطلة على الأحياء السكنية من كل الاتجاهات.
فجأة وبدون أي مقدمات، وجد سكان كريتر - خصوصاً الأطفال والنساء- أنفسهم ضمن بنك أهداف القناصة، الذين يصوبون فوهات بنادقهم ناحية أي جسم يتحرك، بما في ذلك الحيوانات، بحسب شهود عيان.
وبحسب إحصائية حقوقية حديثة صدرت عن مؤسسة "خليج عدن للإعلام"، فقد بلغ عدد المدنيين الذين تعرضوا للقنص في حي كريتر فقط 15 حالة، بينهم 4 أطفال تراوحت أعمارهم بين 4 أعوام و12 عاماً، فيما قتل أربع نساء داخل منازلهن، ولم يسلم المرضى العقليون من قناصة المليشيا، حيث أكدت الإحصائية مقتل 3، إضافة إلى 4 رجال تم قنصهم داخل منازلهم، وتقول الإحصائية بأن العدد مرشح للتصاعد بسبب أعمال القنص اليومية.
"معاشيق".. موت يستهدف المدنيين
إنه الموت القادم من "معاشيق"، كما يسميه أهالي المدينة المسكونة بالرعب، وبحسب شهادات السكان، فإن القناصة يتعمدون استهداف المدنيين العزل داخل منازلهم.
ويقول علي فؤاد عمر إنه أصيب، ظهر الأربعاء الماضي، برصاصة قناص استقرت في ركبته بجوار منزله المقابل لجبل "معاشيق"، أثناء محاولته إسعاف جاره الطفل عبد الرحمن، ذي الأعوام الأربعة، والذي قضى هو الآخر برصاصة قناص استقرت في العنق حين كان يلعب مع أقرانه بجوار منزل جده، فارق على إثرها الحياة. ويضيف عمر بأن المدنيين أصبحوا هم الأهداف الرئيسية للقناصة، مشيراً إلى أن الوضع خطير، وينبئ بكارثة حقيقية على أهالي وسكان المدينة.
بعده بيومين، تم قنص طفلين داخل منزليهما بنفس الطريقة، إحداهما فتاة تبلغ من العمر ست سنوات تدعى آمال، إصابتها في منطقة الحوض، والآخر طفل يدعى أحمد، أصيب في الصدر، ويخضعان للعلاج في المستشفى.
وكان مكتب الصحة بعدن كشف في آخر إحصائية له بأن "عدد القتلى بعدن من المدنيين وصل إلى 273 قتيلاً، في إحصائيات رسمية لعدد من المستشفيات، بينهم نساء وأطفال". ويتوقع أن "يكون القتلى أكبر من هذا الرقم، على اعتبار أن هناك قتلى لا يصلون إلى المستشفيات بينهم نساء وأطفال".
وأشار د. حميد سالم، الطبيب الجراح في مشفى الجمهورية، إلى أن أغلب حالات القنص توزعت بين الرأس والصدر والرقبة. ويصف الناشط السياسي أحمد جعفان عمليات استهداف النساء والأطفال بأنه يأتي في سياق متصل مع كل أدوات الحرب التي تتجاوز فيها عصابات الموت والإرهاب كل القيم والأخلاق المتعارف عليها أثناء خوض الحروب.
وأضاف سالم، في حديث ل"الخليج أونلاين"، أن تلك الأعمال موجهة بالدرجة الأولى ضد المقاومين وبيئتهم الاجتماعية الحاضنة، بغرض بث الخوف والترهيب، والتعويض عن الخسائر التي لحقت بها من المقاومة الشعبية.
ويشير جعفان "إلى أن قتل الأطفال بتلك الطريقة التي شاهدناها، هو دليل عاهة أخلاقية ناتجة عن التشوه والانتكاس المخيف في البيئة النفسية غير السوية التي تنم عنها تلك الأفعال". مؤكداً ضرورة توثيق كل ما من شأنه إثبات جرائم تلك المليشيا التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
ويحرم القانون الدولي والبروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف، الأفعال التي تهدف إلى نشر الرعب بين السكان المدنيين، و"لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا، وكذا الأشخاص المدنيون، محلاً للهجوم. وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين".
- استهداف المدنيين لثني المقاومة
وبحسب مصادر في المقاومة، فإن سلاح القناصة غالباً ما يستخدم ضد المدنيين بغرض الضغط على المقاومين، وثني إرادتهم عن أعمال المواجهة المسلحة التي تستهدف إخراج المليشيات من مدينتهم.
ويقول محمد المسجدي، العضو الميداني في المقاومة، بأن قنص المدنيين يبدأ يومياً مع حلول الظلام، وغالباً لا تكون هناك مواجهات مسلحة في هذا التوقيت، مضيفاً أن كل ضحايا القنص من المدنيين، مشيراً إلى أن مليشيا صالح والحوثي تتجنب مواجهة المقاومين باللجوء إلى قصف الأحياء السكنية بالدبابات، وأعمال القنص؛ بهدف بث الرعب والهزيمة في أوساط المقاومة، وهو ما لن يحدث، حسب قوله.
ويؤكد المسجدي بأن قصف الطيران أثبت فاعلية محدودة في التعامل مع القناصة، حيث يحرصون على الانسحاب أثناء الغارة، وإعادة الانتشار مجدداً فوق جبل معاشيق. مشيراً إلى افتقار المقاومة إلى أسلحة نوعية بعيدة المدى من شأنها الحد من خطر القناصة.
ويقول السكان بأنهم لن يغادروا منازلهم تحت أي ظرف، مشيرين، في أحاديث متفرقة، إلى أن مليشيا الحوثي وصالح تهدف من خلف تلك الأعمال إلى تهجير المدنيين وتحويل مدينتهم إلى مدينة أشباح، لكنهم يصرون على أن الغزاة هم فقط من عليهم أن يرحلوا مهما كانت الكلفة.