يتقاسم الصحفيون المختطفون في معتقلات المليشيا الحوثية، الألم مع أسرهم من خلف الحواجز والقضبان. عشرة صحفيين مختطفون في سجون مليشيا الحوثي الإنقلابية، تمر على أسرهم مئات الأيام والأعياد والمناسبات وهم ينتظرون فرحتهم المختطفة أن تعود وترسم للأطفال والأمهات بسمة غابت دون سابق إنذار. بينما تغيب الشمس وتختفي وجوه الأحبة عنهم داخل أقبية السجون الحوثية، لا يتورع الجلاد الناقم من ممارسة غواية الانتقام على أجسادهم وتحطيم آمالهم المشرقة في زوايا قضيتهم وحريتهم. تضيق الأرض ذرعاً بأسرهم المسجونة في الفضاء المفتوح، مع مرور أكثر من ثلاثة أعوام وهم في السجون، وتختنق البسمة على شفاه أهاليهم في معتقل كبير يضم معالم الحياة، إلا وجه الابن المنهك في زنازين الموت الحوثية. * 38 شهراً من الاختطاف.. من بين قرابة 15 صحفياً مختطفاً، يقبع 10 صحفيين في قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها بضعة مترات مبنية بأربعة جدران وسقف، يتوسط أحد جدرانها باب من الفولاذ، عبره يمر الهواء والأكل والماء بين الحين والآخر، ومنه أيضاً يطل الظلم والحرمان وسوط قذر، وتتكدس أمامه آثام السجون وحراستها فيغدو مختنقا بركام الاستعباد الذي خلفه أعداء الإنسانية. 38 شهراً هي حياة قضوها - ولا يزالون - ال10 الصحفيين المختطفين في أقبية الإنقلابيين تحت آلة التعذيب والإذلال والحرمان الجاثية على صدورهم منذ اليوم الأول لاختطافهم. * جسد أنهكه التعذيب.. الصحفي المختطف - عبدالخالق عمران - ذو الجسد النحيل والروح الكبيرة، لا يحتمل جسمه الضعيف إرهاب الحوثي وتعذيبه الذي تسبب بألم في عموده الفقري أقعده عن الحركة تماماً. ولا يخلو موضع في جسده النحيل - وفق ما يقول مقربون ل"أخبار اليوم" - من ضربة سوط أو جرح يد آثمة لترسم المعاناة على تقاسيم هيئته العنيدة بوجل. أسرته التي أُعيت بها السُبل وهي تحاول عبر مطالبات ومناشدات لضمائر العالم نقله للعلاج وتلافي الأوجاع قبل استفحالها فتصطدم برفض الحوثيين متعمدين إمعانهم في ترسيخ القهر والألم على جسد عبدالخالق، لعله يكفر بقضيته العادلة وحق حرية الرأي والتعبير. * المحقق كلب بوليسي.. صلاح القاعدي- صحافي آخر- فقد حاسة السمع وتعطلت إحدى أذنيه جراء الضرب واللكم الذي تعرض له أثناء التحقيق ووابل الشتائم والسب الذي كان يفرزه لسان المحقق على شكل حقد وانتقام أشعلا قلبه المغروس في الحقد من الرأي والتعبير الذي يخالف توجهه وجماعته، وهو ينظر لشموخ "صلاح" أمام الجلاد الأخرق، وفي نشوة غيضه يرسل كلبه البوليسي ليكمل مهمته ويقاسمه الذنب والتعذيب بحق هذه الروح الرافضة للخنوع المشبعة بوهج الحرية وكبرياء النضال. * صيادو الصحافة.. لا تقل الحالة الصحية للصحفي - توفيق المنصوري - خطورة عن حالات زملائه الصحفيين، وكغيره من المختطفين الصحفيين أُخضع لجلسات تعذيب وحشية فاقت حدود الإنسانية في قاموس الجلادين، لتتدهور حالته الصحية ويصاب بأمراض القلب وضيق التنفس وتورم البروستات - كما أشار بلاغ لنقابة الصحفيين قبل أكثر من عام ونصف - طالبت فيه بنقل المنصوري إلى المستشفى لتلقي العلاج. نقابة الصحفيين في بلاغها حملت مليشيا التمرد والانقلاب الحوثية في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرتها مسؤولية حياة توفيق وزملائه. * توحش .. لا شيء يوقف توحش المليشيا الحوثية ضد الصحفيين، عشرات البلاغات والبيانات الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية تطالب الحوثيين بالإفراج الفوري عن الصحفيين المختطفين كونهم معتقلي رأي، لكن المليشيا ترمي بكل تلك المطالبات وترسل شياطينها نحو الصحافة والصحفيين. * بقايا تذروه الأوجاع.. أكرم الوليدي- الصحفي المخفي وراء ملامح مجهولة- ظهرت لهول ما يعيشه في زنازين البرابرة، تزوره والدته فلا تعرفه، فقط تُشبه هذا الشبح الذي يرتدي هيئة إنسان بأبنها الجميل أكرم، وتتفاجأ به أصبح بقايا تذروه الأوجاع والأمراض فتجهش بالبكاء. أكرم الوليدي، منحته مليشيا الموت والدمار، مرض القولون العصبي ومنعت عنه الدواء، لتذهب ابتسامته وتبقى شهادة على بشاعة جائحة الحوثي لليمن. والدته المكلومة منذ زيارتها الأولى له غرقت في حزن عميق وغصة ملامح "أكرم" الهزيلة لا تفارق خيالها فلا تهمس إلا دماً. * حزن في كل عيد.. اعتقلت المليشيا الحوثية الإنقلابية الصحفي حسن عناب، واختطفت معه بسمة أربعة أطفال وزوجة أنهكها الحزن والانتظار، وأبوين في الريف شاخا قهرا وكمدا على غياب ابنهما الذي تعودوه بينهم كل فرحة ومناسبة واختفاء دون سابق إنذار. "كلما تقترب مناسبة نحس بحزن شديد وأكثر من الأيام العادية التي نعيش بدون حسن" تقول زوجة الصحفي عناب، المختطف في معتقلات المليشيا الحوثية منذ التاسع من يونيو من العام 2015م. (بابا مش موجود عندنا ما معناش عيد ولا شيء)، بهذه العبارة أستقبل أطفال حسن عناب، عيدهم بعيدا عن والدهم المغيب في سراديب العتمة. * مأساة تعتلي كرسي الفرحة.. حارث حميد، صحفي آخر، توفي والده بعد قرابة عامين من المعاناة والقهر على غياب فلذة كبده في زنازين المليشيا الحوثية، وإمعاناً في إرهابها ضد المختطفين وأسرهم رفضت المليشيا لحارث، بتوديع والده أو إلقاء نظرة عليه. تتساءل شقيقته في العيد الثامن على اختفائه "بأي حال عدت لنا يا عيد؟ مرت علينا الكثير من المناسبات والمواسم العيدية بحزنها الثقيل ولا يزال حارث، في السجون، يقضي رمضان والعيد بعيدا عن والدتي الغارقة بالدموع والأوجاع". تضيف فاطمة حميد، ل"أخبار اليوم" والأسى يعتصر قلبها "في بيتنا يتربع الحزن كرسي الفرحة والبهجة، تخلو ليالي العيد من البسمة ومظاهر الاحتفال، لا نشعر بنشوة العيد في غياب حارث أيقونة سعادتنا وابتسامة الأطفال الذي يتساءلون عنه، لماذا لم يعود لنا حارث؟". * قرية مفجوعة.. هشام طرموم، الناسك في حزنٍ أزلي، لا تستطيع أن تتخيل ملامحه الطيبة تنتهك بلا رحمة وبراءته تزهق على يد جلاد منح نفسه حق التصرف بحياة المعتقلين. وجه "هشام" البشوش تحول محراب تتبتل فيه أوجاع وأحزان لا نهاية لها، تمتد حتى تصل أسرته في القرية المفجوعة بسجن. والدة هشام، أصبحت نهباً للألم، وتهديها بعده العصابات الحوثية عذابا لا تحتمله امرأة تُشيخ بصمت على ولدها المعتقل ظلماً. مرض القلب والتيفوئيد وضعف النظر واضطرابات المعدة من القلق، زوار جدد ينهشون جسد امرأة مسنة، ولم يكتف الأمر بوالدة هشام، بل طال الهم والمرض أفراد أسرته المنكوبة بحاله البائس. * فرحة مفقودة.. (نحن مثل أي أسرة مختطف أو مخفي نعاني ويلات الحرمان وفقدان لذة الفرحة بالعيد) عبارة ممتلئة بالقهر والألم، يقولها محمد بلغيث، شقيق الصحفي عصام بلغيث، والغصة تخنق أنفاسه وهو يتذكر شقيقه وطقوس حضوره بينهم في مثل هذه المناسبات والأيام. يستذكر محمد فيقول: كان عصام في كل سنة من رمضان أو قبل عيد الفطر أو الأضحى يهل علينا بابتسامته الجميلة ويضيء البيت بالسعادة وتعم الفرحة أسرتنا. يضيف: نفرح بالعيد لأن عصام بيننا وكانت والدتي ووالدي يظهرا البسمة والطمأنينة على محياهم وتغمرهما الفرحة بلمتنا كلنا في العيد، ولكن مليشيا الحوثي المتمردة حرمتنا تلك الفرحة منذ أكثر من ثلاث سنوات وشهرين، وغيبت مصدر سعادة منزلنا في زنازين انتزاع الأفراح التابعة لها. * المصير نفسه.. هشام اليوسفي، وهيثم الشهاب، أيضاً كان لهما نصيب من عبث الحوثيين بأرواح البشر، ولا تختلف أوجاعهما ومعاناة أسرهما عن سابقيهم من المختطفين، يقبعان في ذات الزنزانة المكتظة بالظلم والقهر والألم.