من حيث انتهى الدكتور/ أحمد عبيد بن دغر، بدأ الدكتور/معين عبدالملك، أولى مهامه في منصبه الجديد كرئيس لمجلس الوزراء، بزيارة محافظة المهرة وتفقد أوضاع المتضررين هناك جراء العاصفة المدارية "لبان" التي ضربت المحافظة والساحل الجنوبي لليمن، مخلفةً عشرات المنازل المدمرة ومئات المزارع المدفونة وعدداً من الوفيات والمفقودين. وقال الدكتور/ معين، إنه وصل محافظة المهرة- أمس الأربعاء- مع عدد من الوزراء، بناء على توجيهات من الرئيس/ عبدربه منصور هادي، وذلك «للوقوف على الآثار التي خلفها إعصار لبان والعمل من الميدان جنباً إلى جنب مع السلطة المحلية..». وأكد رئيس الوزراء- في تغريدة على حسابه بتويتر- أن زيارته وأعضاء من مجلس الوزراء للمهرة، لن تكون «..بروتوكولية بقدر ما ستكون زيارة عملية من الميدان وتدشين مرحلة التعافي زيارة للمهرة، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية». من هناك انتهى بن دغر في يوم الإثنين 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أصدر الرئيس هادي قراراً جمهورياً حمل الرقم 180 بإعفاء الدكتور/أحمد عبيد بن دغر، من منصبه كرئيس لمجلس الوزراء، وتعيين وزير الأشغال العامة والطرق في حكومته، رئيساً للوزراء، لكن ديباجة وحيثيات القرار الجمهوري حملت إشارات وعبارات ملغمة ضد الرئيس السلف، فيما وضعت تحديات كبيرة، أمام رئيس الوزراء الخلف، ومنها ملف محافظة المهرة. ووفقا لديباجة القرار الجمهوري، فقد تمت إقالة بن دغر من منصبه «نتيجة للإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء الشعب وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصاً انهيار العملة المحلية. وفي الديباجة أيضاً حّمل الرئيس هادي بن دغر، مسؤولية ما حدث من أضرار في محافظة المهرة، باعتبار الحكومة فشلت وفشل بن دغر شخصياً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة، وما أصاب أبناء المهرة جراء هذه الكارثة دون تحرك فعلي من الحكومة وتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار، وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد. لم تكن كارثة إعصار لبان القشة التي قسمت ظهر بن دغر، لكنها كانت واحدة من ضمن الكثير من الأسباب التي تستلزم إقالة الرجل من منصبه. فبحسب الزميل الصحفي/مأرب الورد، «نجح بن دغر في إدارة أزمتي عدنوسقطرى مع التحالف، بذكاء وحكمة وثبات نتيجة تواجده على الأرض وتقديره لأهمية النجاح في هذين الملفين لمستقبل الشرعية، ولعل هذا وغيره من المواقف أزعج السعودية والإمارات معا لأنهما تريدان رجلا يقبل كل شيء دون اعتراض أو إبداء رأي في قضية معينة». ويضيف الورد بأن أبو ظبي حاولت عبر وكلائها المعروفين باسم “المجلس الانتقالي” و“الحزام الأمني” الإطاحة بالحكومة بالقوة بمحاولة انقلابية في عدن مطلع العام الماضي، ولم تنجح وعاودت الكرة لاحقا حتى تحقق لها وللسعودية أخيرا باختيار معين عبدالملك رئيسا جديدا للحكومة وهو قريب من السفير السعودي لدى اليمن ولم يصدر عنه موقف سلبي ضد الإمارات. إعصار شعبي ضد التحالف إلى جانب الإعصار والكارثة الإنسانية التي ألمت بالمهرة، فإن هناك على بعد بضع مترات من المجمع الحكومي ومطار عتق، يواصل المحتجون اعتصامهم للمطالبة برحيل القوات السعودية والإماراتية من المهرة. ومنذ انطلاق احتجاجاتهم يرفع المتظاهرون صور الرئيس هادي ورئيس الوزراء، في حين يهاجمون التواجد السعودي الإماراتي في المحافظة، ويطالبون بأن تغادر قوات التحالف وتتوجه إلى مناطق الاشتباك في الساحل الغربي وشمال البلاد. واكتسب الحراك المهري، زخما شعبيا رغم أنه في بداياته الأولى، وتم تعليقه بعد شهرين من الاعتصامات الرافضة للتواجد العسكري السعودي في المحافظة، والذي جاء بعد حراك شعبي مناهض للتواجد العسكري الإماراتي، إلا أنه تم الالتفاف على ذلك الحراك من خلال استبدال التواجد العسكري الإماراتي بالتواجد العسكري السعودي، وقد حاولت السعودية امتصاص الحراك المناهض لها باتفاق مع أبناء المحافظة ثم سرعان ما نقضته، بعد أن حاولت تمرير تواجدها العسكري بسلاسة عبر السلطة الشرعية التي سارعت إلى إقالة مسؤولين حكوميين في المحافظة بسبب تأييدهم لمطالب المعتصمين. وخلال هذه المرحلة التزم الدكتور/ أحمد بن دغر، الصمت إزاء الحراك ولم يصدر عنه أي قول أو فعل ميداني باتجاه تقريب وجهات النظر وحلحلة الأزمة. وهذا خلاف للعادة التي انتهجها بن دغر خلال الحراك المشابه في محافظة سقطرى، وانتقاداته اللاذعة التي وجهها للتحالف العربي بخصوص سيطرة بعض القوات المحسوبة عليه، على الشارع الجنوبي ومعظم المؤسسات الحكومية هناك، وأخر تلك وتهديد ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المقرب من الإمارات واليت هاجم خلالها صراحة التحالف العربي والإمارات ووصفها بمحاولة احتلال وانتهاك للسيادة اليمنية. ويتحدث السياسيون في اليمن عن صفقة بين الرئاسة والتحالف، جاءت برئيس الوزراء الجديد، وأنهت مسيرة بن دغر وكأنه كبش فداء قدمه الرئيس اليمني/ عبد ربه منصور هادي قربانًا لضغوط المجلس الانتقالي الذي حدد ال14 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ موعدًا للسيطرة على مؤسسات الدولة بالقوة وإعلان انفصالهم عن اليمن، وطرد الحكومة وكل مواليها من الجنوب اليمني. الإقالة والتعيين والصفقة المزعومة في المهرة، ذاتها يذهب المحتجون إلى خيالات ومزاعم عن مؤامرة تحاك ضدهم، أو ما يقولوا أنه مشروع سعودي لتمرير خطاً نفيطي عبر أراضي المحافظة إلى بحر العرب، وذلك في مشروع عملاق يقولون أن السعودية تحاول من خلاله التغلب على مخاطر إغلاق إيران لمضيق هرمز ومن تصدير النفط الخليجي إلى العالم. وربط موقع «المهرة بوست» الإخباري بين إقالة بن دغر وتعيين الدكتور معين خلفاً له، وبين المشروع السعودي لتمرير أنبوب نفطي عبر محافظة المهرة، وذهب الموقع أكثر من ذلك ناقلاً عن مصادر لم يسمها، بأن قرار تعيين معين عبدالملك، جاء فقط لتحقيق المشروع السعودي النفطي عبر محافظة المهرة أو القناة النفطية التي تتحدث عنها وسائل إعلام إيرانية وقطرية وأخرى تابعة للمليشيات الحوثية. ويقول الموقع إن تعيين الدكتور معين، المقرب من السعودية والإمارات والترتيبات الجارية لعقد جلسات البرلمان اليمني، كلها تصب في اتجاه تشريع المشروع السعودي النفطي العابر للمهرة. زيارة ليست بروتوكولية بهذه الكلمة وصف رئيس الوزراء الجديد زيارته للمهرة، متحدثا عن تدشين «مرحلة التعافي والبناء». وبعد وصوله للمهرة ولقاءه المحافظ وقيادات المؤسسة العسكرية والأمنية، تفقد الدكتور معين عبدالملك، ومعه وزراء الكهرباء والطاقة والاتصالات والثروة السمكية والإدارة المحلية والمياه والبيئة، وناطق الحكومة ومحافظ المهرة /راجح باكريت، الطريق الدولي الغيظة شحن واطلعوا على حجم الأضرار في وادي تنهاله الذي خلفها إعصار لبان، كما اطلعوا على أعمال حصر الأضرار التي لحقت بالطريق الدولي الرابط بين شرق اليمن وسلطنة عمان. وأكد عبدالملك أن الحكومة ستضع حلولاً للمواطنين الذين جرفت السيول، وستبذل كل مساعيها لإعادة إعمار المناطق المتضررة، إضافة إلى وضع خطط وتدابير تقي المحافظة الكوارث الماثلة، والعمل على إنشاء البنية التحتية بشكل يضمن عدم تكرار ما حدث. وحظيت الزيارة باتهام كبير في وسائل الإعلام، كونها أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس الحكومة الجديد، بعد تسلمه مهامه الدستورية رسمياً، كما جاءت السيارة في حين تتوالى قوافل المساعدات القادمة من الأقاليم إلى المحافظة لمساعدة أهلها في الخروج من الكارثة. لكن الأهم هو الوضع المتصاعد ضد التحالف في المهرة ومواقف أهلها الموحد ضد التواجد العسكري، وعجز الإطراف المتصارعة في الحكومة وحتى المجلس الانتقالي ودول التحالف، الطعن في شرعية وسلمية الحراك المهري، أو اتهام أي طرف سياسي كالإخوان والإصلاح أو المؤتمر بالوقوف وراء الاحتجاجات والمطالب المشروعة لأبناء المهرة. علاقة التحالف والشرعية بعد تعيين الدكتور/ معين عبدالملك، رئيساً للوزراء، كان لافتاً التوافق السعودي الإماراتي مع الشرعية في هذا الاتجاه، وجاء أكثر وضوحاً في برقيات التهانئ التي بعثها كل نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء الإماراتي الشيخ/ محمد بن راشد آل مكتوم، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية ولي عهد أبوظبي الشيخ/محمد بن زايد آل نهيان، لرئيس الوزراء اليمني، وبرقية التهنئة المرسلة من ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير/ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز. وحملت التهاني من قيادة السعودية والإمارات، مؤشرات مهمة في اتجاه حلحلة الخلافات القائمة بين الشرعية والتحالف العربي، وإعادة تكوين العلاقات وفق أسس جديدة، تَمكن بموجبها الحكومة اليمنية من إدارة المناطق المحررة بشكل كامل، وتنتهي معها (حسب أمال اليمنيين) الازدواجية القائمة بين أجهزة الأمن والجيش في المحافظات الجنوبية والعاصمة المؤقتة عدن. وفي هذا الاتجاه، خاطب وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى، محمد مقبل الحميري، القيادات الخليجية، معبراً عن شكر اليمن لدعم التحالف العربي للشرعية. مضيفاً في منشور على صفحته في الفيسبوك «آن الأوان لتكملوا جميلكم لتهيئة الأجواء في الأراضي المحررة لان ذلك في أيديكم، ونحن والانتقالي رفقاء نضال ولا يجب أن يتصادم مع الشرعية بأي حال من الأحوال». وأكد الوزير الحميري أن نجاح الدكتور/ معين مرتبط بشكل أساسي بتوفر «الأجواء المناسبة للانطلاق من الأراضي المحررة وبالذات من العاصمة المؤقتة عدن..(..) .. وتوحيد الأجهزة الأمنية أمر في غاية الأهمية، توحيد القيادة والقرار العسكري أمر ضروري إذا أردنا الانتصار على الانقلاب الحوثي، الوضوح والصراحة هما ركيزة النصر لأي تحالف». ويبقى رئيس الوزراء الجديد وحكومته القديمة المثقلة بالصراعات والفساد، والمعروفة بالفشل الذريع خلال الفترة الماضية، أمام اختبار حقيقي، وتحديات وصعاب أعلاها وقف نزيف العملة الوطنية وإعادة الاعتبار لها أمام العملات الأجنبية وفرض سياسات اقتصادية تقضي على التلاعب بأسعار المواد الأساسية والمشتقات النفطية، وإعادة تشغيل الموانئ والمطارات والمنافذ المحررة، ورفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة. كما أن التحدي الأخطر والمعقد، يتمثل في الازدواجية القيادية في أجهزة الأمن والجيش بالمناطق المحررة وتحقيق دمجها بسلاسة تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية، وبتوافق مع الإمارات التي تتحكم حسب اتهامات بعض الأطراف السياسية، بالحزام الأمني في عدن ولحجة وأبين، والنخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية في شبوة وحضرموت. كما أن التحدي الأكبر أمام حكومة معين عبدالملك، هي إنجاز ما عجز عن تحقيقه بن دغر في حشد كل الجهود الوطنية والدولية والعربية لاستكمال تحرير الحديدة وباقي المناطق والقضاء على الانقلابيين بالعمل العسكري، أو إحداث قفزة دبلوماسية نوعية في اتجاه مصالحة وطنية وحوار سياسي يفضي لحل كامل وشامل للأزمة اليمنية، بمشاركة الحوثيين، خصوصاً رئيس الحكومة أول المنادين بالتحاور مع المليشيات وإشراكها في السلطة. وتبقى أسئلة كثيرة ينتظر اليمنيون من الدكتور معين عبدالملك الإجابة عليها في أيام قليلة. منها كم سعر صرف الدولار الرسمي؟ متى ستحرر الحديدة؟ ومتى ستبدأ هيكلة وتوحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة؟