يبدو أن الزيارة المفاجئة لمحافظة عدن، أحمد حامد لملس، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقيم فيها قيادات المجلس الانتقالي، «الجناح المتشدد للانفصال»، ستكون لها تداعياتها على محافظة عدن خاصة، وعمل الحكومة والأجهزة الأمنية بشكل عام، سيما وأنه لازال أمامنا مشهد غامض ينتظر عدن التي تحاول تنفس الصعداء باستكمال تنفيذ الشقين الأمني والعسكري لاتفاق الرياض وإخراج القوات العسكرية منها وترك المجل للقوات الأمنية، بحسب ما نص عليه اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في الخامس من نوفمبر من العام 2019م، لتأمين المدينة وحماية المنشآت الحكومية واتاحة المجال للحكومة للعمل من الميدان وليس من غرف «قصر معاشيق».. في مقابلة تلفزيونية مع قناة حضرموت، قبيل مغادرته عدن بيوم، أو بشكل أدق قبل استدعائه من قبل قيادة المجلس الانتقالي «عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك» اللذان يتعطيان مع المحافظ كموظف تابع لهما وليس للحكومة أو الرئاسة وتم تعيينه بقرار جمهوري، طرح لملس نقاط مهمة تعكس توجهات الرجل نحو محاولة إعادة بناء مؤسسات الدولة والسلطة المحلية ولو في شكلها الهش والابتعاد عن العشوائية والارتجال في إدارة أهم محافظة يمنية من الناحية السياسية والاقتصادية، حيث قال الرجل في ذلك اللقاء بأن مدينة عدن عاصمة لكل اليمنيين وأن المدينة ترحب بكل أبناء المحافظاتاليمنية الأخرى. وأن ممارسات منع دخول أبناء المحافظاتاليمنية الأخرى إلى عدن توقفت. وطالب لملس بخروج كافة القوات العسكرية من عدن، مشيراً الى انه يجب ان يتم منع الاطقم التي على متنها أسلحة «دوشكا» والاكتفاء بالمظاهر العادية للشرطة. بالوقف على هذه التصريحات مع العودة قليلاً إلى الوراء سيتذكر الجميع أن قيادة الانتقالي وفي مقدمتهم «هاني بن بريك- نائب رئيس المجلس» هو من قاد حملات التهجير والمنع ضد أبناء المحافظات الشمالية وخاصة أبناء تعز، التي ينتمي إليها رئيس الوزراء الحالي، ذات أكثر كثافة سكانية في المحافظاتاليمنية، وبالتدقيق أكثر حول رؤية الرجل في كيفية إدارة العاصمة المؤقتة وتأمينها، من خلال ما ذهب إليه في المقابلة، سيصل الجميع إلى نتيجة بأن كلامه موجه للتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي «قوات الدعم والاسناد والأحزمة الأمنية والصاعقة، ومكافحة الإرهاب وغيرها»، التي تتزاحم بعرباتها المدرعة، في هذه المدينة الساحلية الدافئة، التي لا تتجاوز مساحته «760 كم²»، وإلى قيادة المجلس، فهي وحدها من تتواجد في عدن وتنتشر فيها تحت مسميات عدة، وترفض السير باتجاه تنفيذ الشق الأمني والعسكري لاتفاق الرياض المتعثر، والذي يلزم التشكيلات العسكرية التابعة للانتقالي الخروج من المدينة مع دخول قوة من الحماية الرئاسية لتأمين الحكومة ومقرها بقصر معاشيق ومحيطه، وقوات من النجدة، واعادة دمج وتأهيل القوات التابعة لأمن عدن التي تتبع المجلس الانتقالي، مع تسليم السلاح الثقيل للجنة مشتركة من التحالف والشرعية والانتقالي، والدفع به إلى الجبهات خارج مدينة عدن بهدف منع حدوث أي صراعات مستقبلية وسط هذه المدينة.. هذه التصريحات بالتأكيد أنها أزعجت قادة المجلس الانتقالي، واعتبرت مرشحها الذي يشغل اليوم منصب محافظ عدن، الذي حاول أن يستعيد خلفيته الإدارية في السلطة المحلية من خلال عمله كمدير لمديرتين في عدن إبان النظام السابق، قد تمرد على توجهات المجلس وبات يغرد خارج السرب ويسبح في فلك الحكومة والشرعية، التي بات المجلس الانتقالي شريك فيها بخمسة وزراء، لذا تم استدعائه إلى الإمارات لتذكيره كما يبدو ب «القسم الجنوبي للمجلس»، ودفعه للحنث بقسمه الدستوري، الذي أداه قبل عدة أشهر أمام رئيس الجمهورية في الرياض، كمحافظ لمحافظة عدن وليس ك «أمين عام للمجلس الانتقالي»، الصفة التي يشغلها في المجلس والتي بموجبها تم استدعائه كموظف في المجلس كما يبدو، بغية كسر شوكته وكبح جماحه في التوجه نحو إيجاد أبسط الخدمات لهذه المدينة التي عانت وتعاني الكثير من المشاكل الخدمية وتعصف بها الفوضى الأمنية، ويسعى الرجل لانتشالها من بركة المجاري التي تغرق فيها منذ تحريرها يونيو 2015م، مستغلاً تواجد الحكومة إلى جواره في المدينة، رغم تقييد حركتها داخل «قصر معاشيق» وإخافة أعضائها بين الحين والآخر بتفجيرات وتصريحات نارية من شخصيات قيادية تابعة للمجلس الانتقالي. إلاّ أن هذا التوجه يبدو أزعج الإمارات والمجلس الانتقالي لأنه في الأخير إن حقق شيء سيحسب للحكومة وللمحافظ لملس، سيما وأن قيادة الانتقالي ظلت على مدى أكثر من عام ونصف وتحديداً منذ انقلاب اغسطس 2019م واخراج الحكومة من عدن، وحتى تشكيل الحكومة في ديسمبر 2020م، وهي تسيطر على المدينة وتلتهم إيراداتها ولم تقم بأي اصلاحات ولم تقدم أي خدمات بل أغرقتها في مزيد من الأزمات التي لا حصر لها، واهتمت بالشعارات الكاذبة ورفع الأعلام الانفصالية، التي لم يعد يأبه بها المواطن المغلوب على أمره، ونجحت في إثراء شخصيات قيادية في المجلس لم تكن حتى وقت قريب تمتلك شقة للسكن في عدن وباتت اليوم تتاجر في العقارات داخل وخارج البلاد، مقابل تسليم الجنوب وسقطرى وعدد من الجزر للقوات الإماراتية و وأخرى موالية لها.. من هذه المعطيات والمقدمات يمكننا القول بأن عودة محافظ عدن من الإمارات سيكون لها ما بعدها، في حال لم يتم إجباره على الاستقالة أو إذا أصر على السير وفق خطته التي وضعها لنفسه لانتشال عدن من تلك البركة الأسنة، وتقديم خدمات يلمسها المواطن البسيط، الذي لا يحلم سوى بكهرباء وماء لا ينقطعان، وأمن يمكنهم من الخروج في أي وقت للبحث عن أرزاقهم، في هذه الحالة أيضاً سيكون الرجل قد قرر الصدام مع الانتقالي وقد يلقى مصير المحافظ الأسبق «جعفر محمد سعد» الذي تم اغتياله بعملية إرهابية في السادس من ديسمبر للعام 2015م، بمنطقة التواهي، في جريمة هزت عدنواليمن ككل وتبناها بعد ذلك تنظيم «داعش»، وأثيرت حولها الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة التي لم تلق إجابات حتى اليوم.. أما في حل تم الضغط عليه بالبقاء في موقعه كمحافظ، وإلزامه بتوجهات وسياسة المجلس، من مطلق أن المجلس هو من رشحه، بهدف تنفيذ أجندته، وليس الأجندة التي يريدها أبناء عدن البسطاء ويطمح لملس في تحقيقها، فسيحكمون على الرجل بالفشل ويجعلونه رئيساً لما يسمى الإدارة الذاتية التي كان المجلس قد أعلن تخليها عنها، والدفع بعدن نحو مزيد من الأزمات والفوضى الأمنية بهدف تحريك الشارع ضد الحكومة وصرفها عن مهمتها التي جاءت وتشكلت من أجلها، توفير الخدمات والأمن، واعادة ما تبقى من مؤسسات الدولة، وإبقائها حبيسة «معاشيق» لفترة من الزمان ثم الضغط عليها للمغادرة وإعلان الفشل.. لكن حينها لن يكون الفشل فشل الحكومة أو المحافظ لملس الذي قد يضطر أيضاً لتقديم استقالته للحفاظ على ما له من رصيد احترام وتقدير من أبناء اليمن ككل وعدن خاصة، بل سيكون الفشل، فشل السعودية قائدة التحالف، وراعية اتفاق الرياض المتعثر، والشرعية اليمنية ككل، وتهديد مباشر لمصالح الرياض الاستراتيجية التي تحاول تأمينها في المحافظات الشرقية اليمنية من جهة، ومن جهة ثانية دفن أي آمال لدى الشعب بأن بمقدور الصراع الذي يسمى «تحالف» والشرعية استعادة الدولة التي تنهشها الانقلابات المتعددة المدعومة من الخارج المسكون بالخوف من عودة يمن موحد وقوي، وهو ذاته الذي يحرص على اغراق هذا البلاد في مزيد من الصراع الداخلي لتنفيذ مخطط كبير في المنطقة ككل، تعد اليمن من خلاله موقعها الاستراتيجي المطل على أحد أهم المضايق المائية وطرق الملاحة الدولية، واحدة من أهم الأحجارالتي سيتم استخدامها في إعادة تشكيل خارطة النفوذ في المنطقة، وتسعى الكثير من القوى الإقليمة والدولية أبرزها إيران حالياً لأن تكون هي الوحيدة القادرة على تحريك هذه الحجر الثقية والثمينة، في حال تعثر أي تقارب سعودي، قطري، تركي، وانجازه قد يعيد شيء من موازين القوى في هذه المنطقة الجغرافية المضطربة.