القرآن الكريم، ذلك النص الإلهي البليغ، ومعجزة الله الكلامية إلى العالمين، ورسالة الهدى للناس التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نورا للناس وبيانات من الهدى والفرقان، نصا جمالي بامتياز، يحمل الكثير من الصور البلاغية العظيمة والتعبيرات الجمالية الجديرة بالتوقف، فجاء كآية للناس بجلال كلماته وجمال مفرداته وعظمة بلاغته، وقادر على جذب أسماعهم وأبصارهم، ويأسر قلوبهم. وفى القرآن العديد من الآيات التي نزلت بلغة جميلة ووجيزة قادرة على التعبير الجمالي والتصوير الفني، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التي جاءت في القرآن: رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10). نحن نطلب الرحمة دائما من الله، في وقت العجز نرفع أيدينا ابتهالا إلى الله راجين أن يستمع لنا، في الآية السابقة نرى بلاغة الوصف في طلب عباده من أهل الكهف حسبما يشير القصص القرآني الرحمة من الله والهدى، وأن ينزل على قلوبهم السكينة. وبعيدا عن أهل الكهف، فتلك الآية قريبة من القلوب فى الدعاء من الله الدعاء، فالخير رحمة والسلام رحمة والحب إن هدانا الله إليه هو رحمة ولطف على قلوبنا، فيجعل لنا الله من أمرنا فيه رشدا ونورا ونصرا ينير لنا القلوب ويهدى لنا الطريق. وجاء في تفسير ابن كثير: قوله: (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) يخبر تعالى عن أولئك الفتية، الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه، فهربوا منه فلجئوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم، فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم: (ربنا آتنا من لدنك رحمة) أي: هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا (وهيئ لنا من أمرنا رشدا) أي: وقدر لنا من أمرنا هذا رشدا، أي: اجعل عاقبتنا رشدا كما جاء في الحديث: "وما قضيت لنا من قضاء، فاجعل عاقبته رشدا"، وفى المسند من حديث بسر بن أبى أرطاة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: "اللهم، أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة".