يقال في العربية: بَطُلَ الشيء، أي فسد وتعطَّل وذهب ضياعاً، إنها البطالة إذاً، رأس الفساد ومصدر البؤس والشقاء فالعاطل عن العمل يشعر بكثير من الحرمان والضياع اللذين سرعان ما يقول أنه إلى اختلال في التفكير الذي يؤدي غالباً إلى قلق انفعالي شديد يتبعه انطواء عن الناس في حالة يشعر فيها بعدم الرضا والأمان ويصبح فريسة لأوهام وهواجس لا يكف رنينها في التذكير بفقدان الذات قيمتها وثقتها، فيتغشى العاطل عجز جسمي ونفسي يقعده في كسل وتشاؤم ويأس وإحباط ولامبالاة مع خوف من المستقبل المجهول وقد تبلغ مجتمعة حد الجريمة والانحراف.. كل ذلك بسبب دناءة الحياة وامتهان الكرامة. ما الذي يحدث عندما يعمل خريج كلية الطب عجاناً في إحدى المخابز؟ وما الذي يحدث عندما يكون مصير خريج جامعي سائقاً لمركبة أجرة والمحامي سباكاً والصيدلي إسكافياً للأحذية والمهندس بائعاً للسمك؟ ألا يتساءل كل أولئك الذي هم مجبرون على العمل في غير تخصصاتهم عن جدوى مؤهلاتهم وقيمة العلم؟! ثم كيف يكون حال الذين لم يكملوا تعليمهم؟. عندما يكون الواقع مخالفاً للمنطق والعقل من الطبيعي أن يختل التوازن في الحياة، فتتداخل الأشياء ببعضها وتختلط الأوراق وتضعف العزائم وتنهار الهمم ويقع الشباب في مستنقع الفراغ بعد أن يفقدوا قيمتهم ككيان إنساني، فيعمدون إلى اللهو والمسكرات والسرقة والسلوك المنحرف وحينها تنتشر الرذيلة ويفسد المجتمع. "أخبار اليوم" سلطت الضوء على الآثار النفسية والاجتماعية للبطالة بين الشباب ومجتمعهم وخرجت بهذه الحقائق. بداية يقول الأخ/ سامي حسين عوض – ماجستير علم النفس -: ليس للبطالة آثار نفسية وسلوكية فحسب، بل إن لها آثارا ًاجتماعية، فالشباب حين يكون عاطلاً عن العمل فإن ذلك يعني الإعاقة عن الزواج وتكوين الأسرة والتفكك الأسري وانتشار الرذيلة وتفشي الإرهاب والتشرد في المجتمع وانتشار الجهل والفقر وقلة الإنتاج الفردي، فيولد السلوك العدواني والأمراض النفسية والانتحار، فالبطالة تدمر شخصية العاطل وتدفع به إلى الارتماء في أحضان أي جماعة أو تيار إرهابي دون أن يعي العواقب، فقط ليشبع رغباته وحاجاته بعدما شعر بأن المجتمع حرمه من العمل مع قدرته وكفائته، حينها ينتقم ليلحق الأذى بمن يظن أنهم كانوا سبباً في بؤسه وشقائه. الماضي والحاضر: لم يعرف أجدادنا الأقدمون القراءة والكتابة، لكنهم عرفوا الحركة والعمل وهو ماكان دافعهم للحياة ، لكنَّ جيل هذا العصر عرف العلم، لكنه فقد قيمته، فالمتعلم اليوم لا يعمل وإن كان فنجده يعمل في غير مجاله بمقابل لا يستطيع معه أن يؤمن به العيش حياة كريمة، فيصيبه الإحباط فيكره الحياة. دكتوراه بلا وظيفة كثيرون هم الذين يعانون آلام البطالة، لكن الأشد ألماً والأعمق جراحاً من التقيناهم في نزولنا الميداني ؛ إذ كانت البداية مع الدكتور/ نبيل صالح وافي دكتوراه من الجزائر في الإعداد النفسي للرياضيين وماجستير في تدريب الكاراتيه يؤكد أنه بحث عن وظيفة في أكثر من مؤسسة علمية فتقدم بطلبات توظيف إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وجامعة صنعاء وجامعة ذمار وجامعة الحديدة والتقى ببعض قياداتها أمثال رئيس جامعة صنعاء الذي اعتذر عن قبول طلبه بحجة عدم وجود شاغر وتم قبول أقل كفاءة واستحقاق منه ، كما أن رئيس قسم التربية البدنية بكلية التربية جامعة عدن د. عبد الملك بانافع عبر وسطاء رفض طلبه بحجة أن ( القسم غير محتاج) مع أن القسم حديث النشأة من حيث الاكتفاء في الهيئة التدريسية..فترك بلده اليمن مجبراً وليس بطلاً متجهاً إلى الجزائر لعله يجد في بلده الثاني (الجزائر) ما لم يجده في بلده اليمن والحال لا يختلف كثيراً عند الدكتور/ محمد محمود عوض -دكتوراه في الاقتصاد إدارة الاستثمارات من بلغاريا - ؛ حيث يقول إنه كان قد قُبل من قِبل مجلس جامعة عدن بوظيفة أستاذ مساعد ضمن الهيئة التعليمية بكلية الاقتصاد، إلا أنه اعتذر له بعد ذلك بأنه غير مقبول، بعد قبول زملاءه في الكشف الذي كان بينهم، ليصل قطار البحث إلى محطته ال "14" عفواً السنة ال"14" بنجاح وهاهو أب لطفلتين ومازال يبحث عن وظيفة، بعد أن رفض وظيفة أستاذ مساعد من أكاديمية تسينوف للعلوم الاقتصادية ببلغاريا بعد تخرجه مباشره لتفوقه ، لكن حبه لليمن جعله يرفض ذلك العرض المغري ، ليواجه بالجحود والإهمال. خريج في الورشة: و في مديرية البريقة كان لنا لقاء بالأخ/ أنور صالح علي الطيب خريج كلية تربية عدن عام 2003م بكالوريوس لغة إنجليزية وقد وجدناه في إحدى الورش الخاصة وهو منهك القوى، محبط النفس، ساخطاً على المجتمع، فحاولنا أن نشاركه الهموم فسألناه عن أخباره فأجابنا قائلاً: مضى على تخرجي (8) سنوات وما زلت أبحث عن وظيفة في مجال تخصصي ولا أدري ما الجرم الذي اقترفته حتى أحرم منها. وأضاف: المصيبة أن من يحصلون على الوظائف التربوية في مدارسنا هم من مناطق بعيدة ونحن أبناء المديرية مستبعدون، لأننا لا نؤمن بالرشوة، لو علمت هذه نهايتي ما كنت درست أحمد فضل سعيد والغضب يبدو عليه قال: أنا خريج قسم برمجة حاسوب منذ عام 2004م.. وقبل أن نشرع في سؤاله أجابنا مقاطعاً: هذه الدولة تدمر طاقات الشباب وكأنها تقول لا تتعلموا لأنه لا قيمة للتعليم عندنا والدليل أن عندي مؤهلاً وأعمل سائقاً لتاكسي ولو أدري أن هذه النهاية ما كنت درست. وآخر في المطعم: بحسرة وبعد تنهيدة طويلة يشير علي عبده القباطي إلى أنه حاصل على بكالوريوس لغة انجليزية عام 1999م وإلى اليوم لم يحصل على درجة وظيفية فعمل في أحد المطاعم. وظفوه ثم أسقطوه: أما عبدالله أحمد الغزالي خريج معهد أمين ناشر 1994م ، و يعمل سائق أجرة لكن حكايته مع الوظيفة حكاية غريبة فقد تم توظيفه في 1995م حتى عام 1999م ثم أسقطت درجته الوظيفية بطريقة ذكية أتقن سرقتها سماسرة النصب والاحتيال ليتركوه مجرداً منها شريداً في أرصفة الطرقات تقتله الحسرة والندامة. توصيات لو أن الدولة أدركت خطورة البطالة كمشكلة لوضعت حلولاً تحمي بها الشباب مما تسببه البطالة من آثار سيئة. لو عملت على تطبيق نظام التقاعد لوجد الشباب فرص عمل تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم الجسمية والعقلية، فتضمن بذلك استمرارية الحياة ولو تنوع التعليم وتنوعت أماكن العمل والتخصصات لاستطاعت أن تحد من البطالة. لو تمت محاسبة الفاسدين وقلعت الصلاحيات على المتنفذين لما تفشت المحسوبية والوساطة والتوريث، ولعاش الجميع في ظل مواطنة متساوية. إعطني وخذ مني إعطني معولاً أعطيك رغيفاً، إعطني سيفاً واعرف نصراً ، إعطني احتراماً وخذ ولاءً، إعطني مسكناً وعملاً وخذ وطناً آمناً، إمنحني حقوقاً واعرف واجباً، وهب لي أملاً أعطيك مستقبلاً، وإلا يكون الفساد والدمار تشقى فيه ونفنى معاً.