في محاضرة لأمين عام اللجنة الوطنية اليمنية لليونسكو في المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتجية المستقبل "منارات" تحدث الدكتور/ محمد عبدالباري القدسي عن علوم الأرض والتي لم يعد الاهتمام بها ترفاً علمياً بل انعكاساً لمدى معرفة الأمةبمكنونات معادنها وثرواتها. وهنا نورد نص المحاضرة للاستفادة وكما عودنا القارئ الكريم على ذلك. لم يعد الاهتمام الكبير بعلوم الأرض ترفاً علمياً، بل أضحى انعكاسا لمدى معرفة أي أمة بمكنونات جبالها من معادن وثروات، وتوجهاً حقيقياً لاستعداد أي أمة في الاستفادة من ثروات الإنسان من أجل صالح الإنسان وسعادته، ولتشعب اهتمامات علوم الأرض ميادين تربط العديد من العلوم حتى عرف أن الجيولوجي "عالم الأرض" يمكن أن يعالج شعباً من سموم أو مواد إشعاعية بالتحكم بالمصدر، في الوقت الذي قد لا يستطيع الطبيب إلا أن يعالج كل فرد على حدة لمحدودية علمه بالعلاج وعدم معرفته بالمصدر. يمثل النقش المسندي الذي اكتشفه وترجمه وحققه الأستاذ الدكتور والباحث الشاعر الأديب/ مطهر الإرياني قد فتح أفاقاً رحبة للبحث العلمي في مجالات علوم الأرض الموثقة في النقوش والمخطوطات، وإن كان يصعب أحياناً التحقق من الأمكنة والأزمنة إلا أن الباحث المنصف هو من يخضع ما يجد من نصوص منقوشة تحت الفحص والتمحيص، ويوثق ما يراه اليوم حقيقة ويفتح الآفاق للمجتهدين من بعده. إن ما وجد في هذا النقش المسندي يعد مكسباً علمياً لعلماء الأرض، يؤصل لاهتمام الأجداد بالظواهر الأرضية، ويدلل على اختيارهم للمفردات العلمية عند شرحهم لتلك الظواهر، الأمر الذي مكننا من إقتراح إضافة بعض تلك المفردات "ثيل" إلى قواميس علم البراكين. يؤكد النقش المسندي وواقع المنطقة "ضروان" الجيولوجي أن هذه المنطقة بركانية تحتوي على العديد من المخاريط البركانية الرباعية التي نشطت قبل حادثة أصحاب الجنة، ولذلك فإن الاستنتاجات تؤكد أن خصوبة التربة دليل على المكونات البركانية، وأن المكونات البركانية "الرماد الحار الملتهب" كان أداة العقاب التي أحرقت يخضور الجنة. إن أي تأكيد قد تفرضه الشواهد المستقاة من الميدان اليوم تدفعنا بروح الباحثين إلى تحصيل المزيد من الحقائق التي ستجعل الباب مشرعاً على مصراعيه أمام أي مجتهد إلى أن تنجلي الصورة كاملة بالحقائق الدامغة التي تستند إلى ما يقره العلم وتثبته النصوص. الجزء الأول: علوم الأرض ميادين علوم الأرض: تشعبت علوم الأرض إلى أن أصبحت مكوناً يأخذ من كافة التخصصات، وهذا ما نراه اليوم قد سد الثغرات بين كافة التخصصات، فهناك الجيولوجيا الطبية، والجيولوجيا العسكرية، وجيولوجية الكواكب السيارة وغيرها من العلوم. وبالرغم من كبر الأرض التي يراها الإنسان نسبة إلى جسمه، إلا أنه يدرك أنها لا تشكل نسبة الواحد الصحيح مقارنة بغيرها من الكواكب أو النجوم، فكما قيل: إن أعلى نقطة في جبل على سطح الأرض، وأخفض نقطة في المحيط قد لا ترى بارزة إذا ما ابتعدنا قليلاً في الغلاف الجوي. يختص علوم الأرض بدراسة الأرض ومكوناتها وما يجري عليها من مياه مالحة وعذبة، كما يبحث هذا العلم في علاقة الأرض بالكواكب "القريب منها والبعيد" أملاً في أن يجد تفسيرات تعينه على الاستفادة مما يجد على الكوكب الذي يقف عليه. وفي الوقت الذي استطاع الجيولوجي أن يبدع في المعامل بين الأجهزة والمعدات، يمكنه أن يعمل كذلك في الميدان يتحدث مع الصخور، فيفهم لغتها ويفسر مكوناتها ويستغل ثرواتها فيما يصلح حال الأمة ويحرك عجلة التنمية. أفرع علوم الأرض وأقسامه: الجيولوجيا التاريخية، الجيوفيزياء، علوم التربة، علوم تخطيط المحيطات، علوم المياه السطحية والجوفية، علم الثلوج، علوم الغلاف الجوي، علم المعادن، علم الصخور، الجيولوجيا البنائية، الجيوفيزياء، الجيولوجيا الفيزيائية، علم الزلازل، علم طبقات الأرض، علم الأحافير، الجيولوجيا التاريخية، الجيولوجيا الاقتصادية، الجيولوجيا الطبية. إن كل علم من هذه العلوم، وكل فرع يرتبط مع غيره بجسور لا تنفك، وإنما تتطور كلما حقق الإنسان فتوحات تضيف إلى معارفه. سطح الأرض المتغير "تحرك القارات": تؤكد الحقائق العلمية الجيولوجية أن سطح الأرض "اليابسة والماء" لم يكن على ما هو عليه اليوم، بل كانت اليابسة متجمعة في قطع متجاورة بدأت تنفك مع مرور الزمن وتوفر الأسباب، حتى غدت على ما هي عليه اليوم من توزيع يكفل للإنسان حياة بيئية مناسبة، إنها مشيئة الله الذي جهز هذه الأرض وأعدها لتكون صالحة على مر الأزمان لمخلوقات متعاقبة جاء الإنسان آخرها، ولا يعلم إلا الله من سيسكنها فيما بعد. لقد مر على الأرض حين من الدهر كانت فيه كتلة نارية، ثم جرت عليها المياه لكنها خالية من الأملاح، وأذابت تلك المياه ما يكفيها من الأملاح مكونة البحار، وتقول المراجع العلمية أن عمر الأرض "بعمر أقدم صخر فيها" وهو "4500" مليون عام، كما تؤكد تلك المراجع أن أقدم حفرية عثر عليها يمكن أن تكون لإنسان لا تتجاوز أثنين مليون عام، وهذا قد يعطينا المعنى الحقيقي للخالق العظيم، وأنه هو الصبور سبحانه وتعالى. لماذا الاهتمام بعلوم الأرض؟ لأنها: 1- علوم تدرس الأرض التي نعيش عليها. 2- علوم تطبيقية ترفد التنمية "المعادن، النفط، وعلوم التربة". 3- معرفة تفاصيلها تجنب البشرية العديد من الكوارث. الأرض مليئة بالآيات: ليس هناك شبر على سطح الأرض أو في باطنها، في محيطها الحيوي أو المائي إلا ويحمل آيات وعبر يمكن أن يستفيد منها الإنسان ويعتبر بها، ومن تلك الآيات ما يمكن مشاهدته في الصخور أو المعادن ومنها ما هو مستتر يحتاج إلى أن ينقب الإنسان عنه مع إعمال للعقل والتأمل. ومن تلك الآيات أن الحجر الأسود ليس من صخور الأرض وقد شهد به جيولوجيون من غير المسلمين، وفي الصخور تستودع الكائنات الحية التي كانت تعيش أيام أن كانت تلك الصخور رخوة وقابلة لأن تغوص بها تلك الكائنات، وهذا يجعل الإنسان قادراً بما وهبه الله من علم أن يستنبط أعمار الطبقات الأرضية. براكين اليمن: تقع الجمهورية اليمنية بين أخدودي البحر الأحمر وخليج عدن، وهذا ما جعلها عرضة للحركات الزلزالية والأنشطة البركانية، وقد تعاقبت البراكين على اليمن منذ العصور القديمة ثم عمتها في العصر الثلاثي فيما يعرف ببراكين اليمن الثلاثية، تلتها بعد ذلك أنشطة بركانية تزامنت مع بوادر وخلال خسف البحر الأحمر، وهي ما تسمى بالبركانيات الرباعية، ومنها حقل صنعاء - عمران والذي يقع فيه حقل همدان ومخاريط وفرشات البازلت المشهورة بأرض أصحاب الجنة. من خواص البراكين الرباعية في اليمن أن منها ما هو حامضي وما هو قاعدي "فلسي ومافي" وتنتشر هذه البراكين في مواقع مختلفة من اليمن بين صنعاءوعمران وذمار ورداع وبراكين عدن وبراكين شقرى وبير علي وبراكين الجزر اليمنية مثل جزيرة جبل الطير وحنيش وغيرها. البراكين الرباعية اليمنية منها ما هو إنفجاري يرمي بالرماد إلى ارتفاعات عالية "قد تصل إلى عشرات الكيلومترات" ومنها ما هو انشقاقي يتسلل عبر الشقوق الأرضية فيسيل دون أن يرتفع له رماد مكوناً ثيلا يمتد لعشرات الكيلو مترات. أضرار وفوائد البراكين: مثلما أن للبراكين أضرار فإن لها فوائد لا تحصى، ومن تلك الفوائد أنها المخصب الجيد للتربة الزراعية كما أنها مصدر من مصادر الخامات المعدنية والصخور الإنشائية والتربة الزراعية، إضافة إلى ذلك يمكن القول أن البراكين قد تشكل مناطق سياحية إلى جانب أنها منفذ من منافذ خروج الطاقة الحرارية الأرضية، وعليه يمكن استخدامها في توليد الكهرباء. أما أضرار البراكين فتنحصر فيما قد تسببه للمدن والمنشآت والمزروعات من أضرار، ولكن ذلك الضرر يتوقف على علم الإنسان أو جهله بمناطق نشاطها. ويقول المختصون أن أضرار البراكين قد تكون أقل من أضرار الزلازل. الإنسان خليفة الله في الأرض: اختار الخالق سبحانه وتعالى الإنسان ليكون خليفته في الأرض، يعبد الله فيها، ويعمرها ويزرع الخير ليجنيه في الآخرة. والخلافة على هذا الكوكب تستلزم المعرفة بتفاصيل مكونات الأرض ليستفاد منها، وقد علم الخالق جل وعلا الإنسان أسماء الأشياء ليكون مؤهلاً للخلافة وجديراً بالمحافظة عليها من أي تغيير قد يحيلها إلى كوكب ملوث أو مكان غير آمن للسكنى. الجزء الثاني: النقش المسندي النقش المسندي "كما شرحه أ.د. مطهر الإرياني": قال النقش: "وجاء الثيل - سيل الحمم ذقن "مهاجماً بقوة مدينة" دمهان"، ومكتسحاً كل ما أمامه من مظاهر "البركانية - من قبل جبل الحياة، في كل أرض اجتازها، حتى لقد وصل هذا "النيل" إلى أراضي - مخلاف -"مأذن"... الخ ولمزيد من المعلومات عن النقش المسندي يمكن الرجوع إلى مقال الأستاذ الدكتور/ مطهر الإرياني. الفوائد العلمية من النقش: 1- فتح أبواب عديدة للبحث العلمي. 2- رسم الموقع بتفاصيله التي تستوجب مزيداً من البحث. 3- أكد اهتمام الأجداد بالعلوم ووصف حوادث البراكين. 4- أضاف مفردة ثيل التي ستسجل كأفضل مفردة لشرح الطفوح البركانية. أصحاب الجنة: تواترت الأقوال أن أصحاب الجنة وأرضهم في غرب صنعاء، في منطقة تسمى ضروان، ومنها سميت "نار ضروان"، وهذه القصة مشهورة كتب عنها الكثير، شعراً ونثراً، كما ألفت منها مسرحيات تحكي عن عدم جدوى الندم بعد نزول العقاب، وتدعو للتوبة عند الوقوع في العقاب. قال تعالى: "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم * فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين * فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون * بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" [القلم: 18-33]. استنتاجات من الرحلة الجيولوجية الاستطلاعية: 1- كانت الجنة في أرض بركانية تميزت بالخصوبة؛ لأن مواد البراكين "القاعدية عامل تخصيب جيد. 2- كانت منافذ البراكين موجودة "أرض حية بالبراكين"، والدليل أن كاتب النقش كان دقيقاً في وصف الثيل، ومسار الثيل الطويل وجريانه. 3- ليس بالضرورة أن تكون مساكن أصحاب الجنة بالقرب منها كما يعتقد البعض، وبالتالي فقد حدث النفث البركاني مما أحال كامل الحقول إلى مناطق مغطاة بالرماد، في الوقت الذي كان فيه القوم في سبات عميق لم يسمعوا ولم يتوقعوا ما حدث لمزروعاتهم.