طرائف ونوادر اخترتها ليتروح بها الخاطر ويسمر بها السامر ويتحدث بها الجالس فيبتسم منها العابس ويتفكر فيها الذكي ويستفيد الغبي فإلى الطرائف والنوادر : النحل هنا بنو هاشم وجلس بشار بن برد الشاعر المشهور يوماً مع الناس على باب الخليفة العباسي المهدي ينتظرون الإذن، فقال بعض موالي المهدي لمن حضر: ما عندكم في قوله تعالى: ( وَأوْحَى رَبُّكَ إلى النَحْلِ ) ما المراد بالنحل؟ فقال بشار: النحل التي يعرفها الناس، فقال: هيهات يا أبا معاذ! النحل هنا بنو هاشم، وقوله: ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ للنّاسِ ) هي أنواع العلوم. فقال له بشار: جعل الله طعامك وشرابك وشفاءك ما يخرج من بطون بني هاشم، فغضب وشتم بشاراً. وبلغ الخبر المهدي فدعاهما فسألهما عن القصة، فأخبره بشار بها فضحك حتى أمسك على بطنه. حمار بمواصفات خاصة وأتى رجل إلى النخاس فقال له: اطلب لي حماراً ليس بالصغير المحتقر، ولا الكبير المسرف، إن خلا لَهُ الطريقُ تدفق، وإن كثر الزحام ترفق، وإن قللت علفه صبر، وإن أكثرته شكر، وإن ركبته هام، وإن ركبه غيري نام، لا يصادم السواري، ولا يدخل تحت البواري فقال له النخاس: يا عبد الله، اصبر، فإن مسخ الله القاضي حماراً أصبت لك حاجتك إن شاء الله. أبو دلامةفي المعركة !! كان روح بن حاتم المهلبي والياً على البصرة، فخرج إلى حرب الجيوش الخراسانية ومعه أبو دلامة (1) فخرج من صف العدو مبارز، فخرج إليه جماعة فقتلهم، فتقدم روح إلى أبي دلامة بمبارزته فامتنع فألزمه فاستعفاه فلم يعفه، فأنشد أو دلامة: إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فيخزى بي بنو أسد إن المهلب حب الموت أورثكم ... ولم أرث أنا حب الموت من أحد إن الدنو إلى الأعداء أعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد فأقسم عليه ليخرجن وقال: لماذا تأخذ رزق السلطان قال: لأقاتل عنه، قال: فمالك لا تبرز إلى عدو الله فقال: أيها الأمير، إن خرجت إليه لحقت بمن مضى، وما الشرط أن أقتل عن السلطان، بل أقاتل عنه، فحلف روح: لتخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك، فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال: أيها الأمير، تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة، ولابد فيه من الزوادة، فأمر له بذلك، فأخذ رغيفاً مطوياً على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئاً من نقل، وشهر سيفاً وحمل، وكان تحته فرس جواد، فأقبل يجول ويلعب بالرمح، وكان مليحاً في الميدان، والفارس يلاحظه ويطلب منه غرة، حتى إذا وجدها حمل عليه، والغبار كالليل، فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل: لا تعجل واسمع مني - عافاك الله - كلمات ألقيهن إليك، فإنما أتيتك في مهم، فوقف مقابله وقال: ما المهم قال: أتعرفني قال: لا، قال: أنا أبو دلامة، قال: قد سمعت بك حياك الله، فكيف برزت إلي وطمعت في بعد من قتلت من أصحابك فقال: ما خرجت لأقتلك ولا لأقاتلك، ولكني رأيت لباقتك وشهامتك فاشتهيت أن تكون لي صديقاً، وإني لأدلك على ما هو أحسن من قتالنا، قال: قل على بركة الله تعالى، قال: أراك قد تعبت وأنت بغير شك سغبان ظمآن، قال: كذلك هو، قال: فما علينا من خراسان والعراق، إن معي خبزاً ولحماً وشراباً ونقلاً كما يتمنى المتمني، وهذا غدير ماء نمير بالقرب منا، فهلم بنا إليه نصطبح وأترنم لك بشيء من حداء الأعراب، فقال: هذا غاية أملي، فقال: ها أنا أستطرد لك فاتبعني حتى نخرج من حلق الطعان، ففعلا، وروح يتطلب أبا دلامة فلا يجده، والخراسانية تطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة: إن روحاً كما عملت من أبناء الكرام، وحسبك بابن المهلب جواداً، وإنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً وسيفاً محلى ورمحاً طويلاً وجارية بربرية وينزلك في أكثر العطاء، وهذا خاتمه معي لك بذلك، قال: ويحك! وما أصنع بأهلي وعيالي فقال: استخر الله وسر معي ودع أهلك، فالكل يخلف عليك، فقال: سر بنا على بركة الله، فسارا حتى قدما من وراء العسكر، فهجما على روح، فقال: يا أبا دلامة أين كنت قال: في حاجتك، أما قتل الرجل فما أطقته، وأما سفك دمي فما طبت به نفساً، وأما الرجوع خائباً فلم أقدم عليه، وقد تلطفت وأتيتك به أسير كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال: ممضى إذا وثق لي، قال: بماذا قال: بنقل أهله، قال الرجل: أهلي على بعد ولا يمكنني نقلهم الآن، ولكن امدد يدك أصافحك وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك، فإن لم أف إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك نقلها، قال: صدقت، فحلف له وعاهده، ووفى له بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه، وانقلب معهم الخراساني يقاتل الخراسانية، وينكي فيهم أشد نكاية، وكان أكبر أسباب ظفر روح . وعليك تفسير العبارة ودخل أبو دلامة على المهدي فقال له: إني رأيتك في المنا ... م وأنت تعطيني خياره مملوءة بدراهم ... وعليك تفسير العبارة فقال له: هات خيارة تملأ لك، فخرج وأتى بقرعة فقال له: أنت رأيت الخيارة وهذه قرعة فقال: أُم دلامة طالق إن كنت رأيت إلاّ قرعة، ولكني نسيت فما ذكرتها حتى رأيتها في السوق، فضحك المهدي وأمر له بخمسة آلاف درهم. ليلى الأخيلية هي ليلى بنت الأخيل،- شاعرة من القرن الأول الهجري - من عقيل بن كعب، وهي أشعر النساء، لا يقدم عليها غير الخنساء، وكانت تهاجت والنابغة الجعدي، وكان مما هجاها به قوله: أَلاَ حَيَّيَا لَيْلَى وقُولاَ لها هَلاَ ... فقَدْ رَكبَتْ أَمْراً أَغَرَّ مُحَجَّلاَ بُرَيْذِينَةٌ بَلّ البَرَاذينُ ثَفْرَها ... وقَدْ شَرِبَتْ في أَوَّلِ الصَّيْف أُيَّلاَ وقَدْ أَكَلَتْ بَقْلاً وَخِيماً نَبَاتُه ... وقد نَكَحَتْ شَرَّ الأَخَايِلِ أَخْيَلاَ وكيْفَ أُهاجِى شاعراً رُمْحُهُ اسْتُهُ ... خَضِيبَ البَنَانِ لا يَزالُ مُكَحَّلاَ فأجابته وفاقته: أَنَابغَ لم تَنْبُغْ ولم تَكُ أَوَّلاَ ... وكُنْتَ وُشَيْلاً بَيْنَ لِصُبَيْنِ مَجْهَلاَ أَعَيَّرْتَنِى داءً بِأُمِّكَ مِثْلُهُ ... وأَيُّ جَوَادٍ لا يُقَالُ لَهُ هَلاَ تُساوِرُ سُوَّاراً إلى المَجْد والعُلَى ... وفي ذَّمتي لَئِنْ فَعَلْتَ لَيَفْعَلاَ أي ليفعلن وسوارٌ ابن أوفى القشيري وكان زوجها. (1)أبو دلامة زند بن الجون؛ كان صاحب نوادر وحكايات وأدب ونظم، وذكر الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب " تنوير الغبش " أنه كان أسود عبداً حبشياً [مولى لبني أسد وكان أوله عبداً لرجل منهم يقال له قصاقص فأعتقه. أدرك أبو دلامة آخر بني أمية ولم يكن له نباهة في أيامهم، ونبغ في أيام بني العباس، فانقطع إلى السفاح والمنصور والمهدي، وكانوا يقدمونه ويفضلونه ويستطيبون نوادره ت حوالي 161ه ( [email protected] )