هلّ شهر رمضان لهذا العام، وقد ساءت الأحوال كثيراً في يمننا، بعد أن تقلبت بأهله الأيام وحروف الدهر، فتغيرت معها أحوال الناس تغيرات اخترقت أعماق حياة سكان هذا البلد المبتلى بعصابة حاكمة فاسدة أبت إلا أن تتحكم بمصائر الناس، عصابة حاكت ضد شعبها المؤامرات وافتعلت له الأزمات حتى تركته منهكاً لم تخل عيشته من الكرب والهم تحت وطأة الجوع والحرمان، وانعدام الأمن والأمان ومقومات المعيشة الضرورية، وغلاء الأسعار وتعمد إخفاء المشتقات النفطية، مع هشاشة العملة وصغرها، فأقبل رمضان وقد تعطلت الحياة وتضاعفت الأحزان وضاق الحال وانقطع الرجاء وغشي الناس من الغم ما غشيهم، فباتوا يحنون إلى ذكريات أعوام مضت كان فيها رمضان موسماً للعبادات ونزول الرحمات. (أخبار اليوم) استطلعت أحوال المواطن في رمضان ورصدت بعضاً منها في عدن فإلى الحصيلة: لم يجد اليمنيون لذة العبادة وروحانية شعيرة شهر رمضان كغيرهم من الشعوب المسلمة الآمنة في أوطانها، فقد حالت الأزمات بينهم وبين تذوق حلاوة العبادة في هذا الشهر الكريم، بعد أن حاصرتهم الهموم والأحزان يصلون فيها ليلهم بنارهم، يبحثون عن المشتقات النفطية وغاز الطبخ المنزلي، وما تبقى من الوقت يسعون فيه للحصول على المواد الغذائية التي غيبها جشع التجار الذين غالوا في ثمن أسعارها، فأصبحت هي شغل الناس الشاغل، لتأتي بعدها مرارات انقطاع الكهرباء يتجرعها المواطن مرات عديدة بين كل وجبتين. الأسواق في رمضان الأخ محمد الدهبلي تحدث قائلاً: حالة من الذهول تصيب الناظر إلى الأسواق اليمنية اليوم، فهي لم تعد كتلك المعهودة، فالناس فيها مثقلون بالهموم والأحزان حتى الباعة لا تبدو على محياهم علامات الرخص والسرور، وأضاف الدهبلي: ولا يختلف عنهم المواطن المرتاد للسوق الذي يكتوي بنار الأسعار والتي حرمته ارتفاعها من الشراء، فصار الكثير من الناس يكتفي بالنظر فقط بعد أن أيقن أن ما في جيوبه من الريالات لا تكفي حتى بالحلم في شراء كيلو من اللحم أو السمك بل لا تكفي لشراء بعض الخضار التي وصل فيها سعر الكيلو الطماطم ب(500) ريال والكوسة ب(300) ريال، ليجد نفسه بعد الطواف في السوق مستقراً عند بائع الثلج لعله ما معه من ريالات تمكنه من شراء قطعة ثلج ربما هي من تطفئ لهيب ظمأه وأسرته الصائمة. حكايات من سوق السمك واللحم أحد أسواق مديرية البريقة بعدن قادتنا أقدامنا إليه كان سوق السمك واللحم والذي كانت حركته شبه ميتة حينما كنا نرقبها من بعيد وبدا خالياً من الناس والباعة إلا القليل وهناك التقينا الأخ أحمد القردعي الذي أجاب عن دهشتنا فقال: الوضع أسوأ مما تتصوره، فالأسعار الملتهبة تكاد تحرق الناس مع انعدام وشحة في المنتجات التي هي مرتبطة بالمشتقات النفطية، وتابع القردعي: أنا اشتريت ربع لحم ب(3700) ريال ولا أظن أنه سيكفي ليومين طبعاً هذا وأنا حالتي متوسطة، أما غيري فقد لا يفكر ولا يخطر على باله شراء اللحم، ولكن حسبنا الله في هذه الدولة التي أوصلت الناس إلى هذه الحالة ولم تحترم حتى شهر رمضان. ماذا عن السمك؟ بعد أن أصابنا القنوط في سوق اللحم رجونا أن نلقى ما يسرنا في سوق السمك، لكن الأمر لم يكن كذلك، فالسمك أيضاً بعيد المنال عن المواطن بسبب غلاء أسعاره وهذا ما أكده الأخ محمد هبة علي في حديث مشترك مع بائع السمك الذي يشكو هو الآخر فقال: يصل سعر الكيلو السمك الجيد إلى (2500) ريال، بينما كان ب(200) ريال والسبب احتكار بعض التجار للإنتاج وتصديره إلى السعودية وبالتالي يحرم المواطن اليمني منه، بالإضافة إلى ما يعانيه الصياد في ظل أزمة المشتقات النفطية وانعدامها وهذه كلها تعود بضررها على المواطن. وللخضار حديث: يقول بائع الخضار محمد العرطة للفواكه والخضروات حديث آخر ليس فيه ما يطرب الآذان ولا ما يسر الخاطر، فمن ذا الذي سيصدق بأن الكيلو الطماطم يصل اليوم إلى (500) ريال، بينما البسباس يصل إلى (650) ريالاً والكوسة إلى (400) ريال، أما التفاح الخارجي بلغ سعره إلى (800) ريال للكيلو. ويضيف العرطة: والمعنى في بطن النظام.. فإذا كان المواطن البسيط لا يستطيع أن يشتري بعض الخضار المهمة، فكيف يستطيع شراء الفواكه وطبيعي فإن غلاء أسعار الخضروات يشكل عبئاً كبيراً علينا وعلى المواطن. حصار وجهاد: الأخ/ ناصر سليم أشار إلى أن المواطن اليوم يعيش حالة من الحصار وانعدام المشتقات النفطية وغلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء المتكرر في الليل والنهار يصل إلى (30) ساعة، والبحث عن الغاز المنزلي وأضاف سليم: يمر اليوم الواحد على المواطن وهو في جهاد بحثاً عن متطلبات العيش الضروري، فأين يجد في نفسه متسعاً لاستشعار العبادة في هذا الشهر الفضيل فحسبنا الله ممن حرمنا من اغتنام هذا الموسم الرباني. لا أمان ولا قوت: الأخ/ عبدربه فضل عبدالله التقيناه أمام محل بيع الثلج وقد بدت عليه علامات البؤس والشقاء فهو من نازحي أبين وعن أحوال الناس تحدث: كيف لي أن أصف حال الناس في أبين، فالطريق مقطوع والحرب مستمرة والناس تحت الحصار لا ماء ولا كهرباء ولا مشتقات نفطية ولا مستشفيات ولا أسواق، بالإضافة إلى تفشي الأمراض وأضاف: الحالة في أبين صعبة للغاية حتى نحن الذين نزحنا من بيوتنا أوضاعنا متردية ونواجه متاعب، لا سيما في رمضان وندعو أهل الفضل والإحسان النظر في حالة النازح الذي فقد كل شيء في لحظة وأصبح تائهاً جائعاً فقيراً معدماً لا يملك قوت يومه. عاجز حيران: أثناء تجوالنا في عدد من الأسواق في نواحي عدن لفت انتباهنا رجل طاعن في السن محدودب الظهر ضعيف البصر كان قاعداً وبجانبه ولده وبجوارهما (كبش) وأكثر ما شد انتباهنا أنه كان ممسكاً بصحيفة (أخبار اليوم) ويقلب صفحاتها وبدا وكأنه يستمتع ويجد السلوان بها، فبادرناه بالسؤال ماذا تفعل يا عماه؟ فنظر إلينا ثم قال: هذه الصحيفة هي ما تبقى لنا لأنها تتلمس معاناة المواطن، فقلنا له نحن من جهتها وجئنا نسأل عن حالك فتهلل وجهه وقال مرحباً بكم وجزاكم الله خيراً عنا ثم قال: أنا من إحدى قرى الريف وقد جئت إلى عدن لكي أبيع هذا الكبش في سوق المواشي، لكن للأسف لم أجد من يثمن سعره وقد أعطيت لي ريالات معدودة فهي لا تكفي لأجرة السيارة التي بلغت اليوم ب(4000) ريال للنفر الواحد وأنا الآن محتار في أمري. وأضاف: أصبحت الحياة نكدة في ظل هذه الأوضاع ولم نعد ندري كيف نوفر متطلبات أسرنا فكل شيء أصبح مستحيلاً أمام المواطن ولا حول ولا قوة إلا بالله والله يجازي من كان السبب. حبيس الأحزان تركنا الأسواق وبها ما بها من الأحزان المتراكمة على مواطن وجد نفسه حبيساً لها لا تغادره ولا يغادرها، بعد أن تيقن بأنه هناك من يسعى خلف الأزمات لينتقم من شعب لا ذنب له سوى أنه طالب بالتغيير، فكان عقابه شديداً قاسياً لم يشفع له فيه حتى شهر رمضان الذي اقترن دوماً بالرحمات والإحسان.