لم نسمع مرحب مرحب يا رمضان، ربما لأن صوت الرصاص ولغة الحرب اللعينة ترسو على عيون وأفواه الفرح، وربما سماعنا لأنين التشرد والنزوح هو ما كان في الأفق يلوح، إنها الأيام والسنين تتغير حتى في أجواء فصولها ويبقى فصل آخر لا تحكيه الأسطر، بل تبلله دموع الأوراق لتسطر معاناة وفاجعة لم يتصورها العقل من قبل، مثلما لا نستطيع أن نتخيل رمضان بدون تمر على مائدة الإفطار لا نستطيع أن نتخيل أنفسنا بعيدين عن ديارنا، نقف على أطلال دمار وربما حصار... يتلوه نزوح ثم ضياع.. تئن عدن بالآم نازحيها وصرخات استغاثاتهم من رمضاء الفقر والجوع والحرمان وظلم القائمين بشؤونهم الذين لم يراعوا فيهم حتى فضيلة الشهر الكريم. "أخبار اليوم" سطرت الآم النازحين في رمضان كما حكتها السنتهم وبكتها قلوبهم فإلى الحصيلة: كانت كلمات المقدمة هي وصف وأحاسيس زميلتي وإن كنت قد اشتركت في جزء بسيط منها والتي حاولنا بقدر الإمكان أن نصور فيها مدى الألم والمعاناة لنازحي أبين أثناء طوافنا في بعض المدارس بعدن، وإن كنا قد عجزنا عن وصف المشهد لكننا رأينا واقعاً بائساً قد لا يتخيله قارئ السطور، فأحوال النازحين أشد سوءاً وتعقيداً في رمضان لقلة القوت وانعدام المؤن ، وظلم القائمين بشؤون النازحين من لجان ومجالس محلية ووحدة تنفيذية، وهذا ما جاء على لسان أحد النازحين وأحد اللجان السابقين في إحدى مدارس عدن. أين الملايين؟! الأخ/ م. س. أحد أعضاء اللجان الإشرافية سابقاً تحدث قائلاً: وضع النازحين حدث عنه ولا حرج... فالكثير منهم لم يتسلموا المواد الغذائية من الوحدة التنفيذية لإغاثة النازحين والتي لديها إمكانيات كبيرة وخُصصت لها ملايين الريالات واكتشفنا أنها وزعت فقط بعض المواد لقليل من الأسر وهي عبارة عن قطمة رز وقطمة سكر وكرتون بازليا والباقي تكفلت به المنظمات، لذلك نسأل الكحلاني أين هي ملايين الريالات التي أعطيت للوحدة التنفيذية التي لم تقم بدورها على أكمل وجه ولم تعطِ مواداً غذائية كافية للأسر والتي تمر عليها أيام رمضان كالجبال فهو أول شهر تقضيه خارج منازلها؟! بلطجية المجالس المحلية ووهمية الكشوفات: تحدث م. س. مضيفاً إلى ما سبق بقوله: فوضى وعشوائية وظلم في عملية توزيع كروت المواد الغذائية، لأن القائمين على ذلك هم بعض من البلاطجة والصيع الذين لم يتم اختيارهم بناءً على كفاءة، وهذا ما أكده أحد أعضاء المجالس المحلية المشهود لهم بالنزاهة عندما حاول تصحيح بعض الأسماء الواردة في أحد كشوفات النازحين التي قال إن معظمها وهمية وأنه يعرف أبناء أبين ولذلك تم استبعاده من اللجان وحرمان أسرته من المعونات. أين التمور يا كحلاني؟! لا توجد مدرسة من مدارس النازحين إلا وتشكو الأسرة فيها من نقص التمر وانعدامه، فالوحدة التنفيذية لم توزع التمور وهذا ما أكده لنا النازحون تصديقاً لحديث الأخ م. س. الذي يقول: 56% المماطلة وهذا ما أدى إلى امتناع أكثر من جهة داعمة من تقديم المعونة للوحدة التنفيذية. النوايا السيئة: تقدم بعض محبي الخير بمقترح إلى الوحدة التنفيذية على أن تقوم بإنشاء غرف عمليات في كل مديرية لحصر وتسجيل النازحين لتسهيل عملية الإحصاء وتوزيع المواد الغذائية، لكن الوحدة التنفيذية رفضت المقترح وقامت بتنفيذ العمل بطريقة مزاجية وعدم وضوح وعشوائية وتسجيل أناس أكثر من مرة، بينما لا يحصل النازح على شيء إلى درجة أن بعض الأسر خرجت من المدارس واستأجرت منازل، فتعمدت الوحدة التنفيذية حرمانهم من المواد الإغاثية. يقولون ما لا يفعلون: أثناء تواجدنا في مكتب وحدة المعلومات في الوحدة التنفيذية حدث موقف أمام أعيننا وكان تصرفاً لا إنسانياً ولا أخلاقي، من مدير وحدة المعلومات ن. ر. تجاه أحد النازحين، جاء ليتأكد من بياناته الشخصية، فما كان من ن. ر، إلا أن نهره بلهجة متعجرفة وقام بطرده بطريقة مهينة بدلاً من التعامل معه بإحسان تقديراً لظروفه النفسية ووضعه الإنساني والمعيشي الصعب. وهناك أيضاً في المجلس المحلي بخور مكسر تحدث إلينا الأخ/ عمر أحمد بامطيرة - أحد نازحي أبين وهو أب لعشرة أولاد، ومنذ شهرين وهو يتردد على المجلس المحلي من أجل المعونة يتصل ليله بنهاره ولم يحصل عليها - حيث قال: أكثر من عشر استمارات التي قمت بتوقيعها وآخرها في رمضان وبالأمس وعدونا أن الصرف سيكون في المساء بعد أن تعلق الكشوفات وذهبنا ولم نجد شيئاً وأمرهم لله فهو وحده العالم بحالنا. مفقود ... مفقود: أحد النازحين وجدناه يصرخ ويرفع يديه إلى السماء فسألناه ما خطبك؟ فقال: ذهبت لأستلم الكرت الخاص بصرف المواد الغذائية، فقيل لي إنه مفقود وأخبرت بأن استخرج بدل فاقد من مكتب الوحدة التنفيذية وذهبت وعندما جئت لاستلام المواد وجدت أن هناك من قام بالتوقيع أمام اسمي واستلم المواد بدلاً مني وعندما سألتهم كيف تم صرف المواد لشخص بدون كرت أو بطاقة، فأجابوا بكل برود هذه غلطة، ولم يتم صرف المواد لي وخرجت خالي اليدين. ما أدراك ما العريش!! في مدرسة العريش حدثنا الأخ محسن صائل - أحد نازحي أبين ورئيس اللجنة المنظمة في المدرسة فقال: عندنا 45 أسرة بمعدل (210) فرد وبالنسبة للدعم فهو شحيح ولا يغطي الأسبوع وأصعب شيء يواجهه النازح هو انقطاع الماء – ومشكلة الصرف الصحي، حيث يوجد خلف الفصول مستنقع يعد مصدراً للأمراض ومضراً بالبيئة وقد تواصلنا مع المنظمة العالمية فأجابتنا إن ذلك من اختصاص المجاري، فذهبنا إليهم وكان ردهم قاسياً من قبل أحد موظفي المكتب الذي قال إن سيارة المجاري لن تخرج إلا بدفع الرسوم، فقلنا له نحن نازحون وهذه مدرستكم وظلت المشكلة كما هي، أما ماء الشرب مقطوع عن المدرسة مع أنه متواجد في البيوت وهذا غريب!!. رأس بصل لكل أسرة: يتابع محسن صايل: المواد الغذائية أكثر شحة وكل ما يقدم لنا من جمعية الإصلاح فقط في الأسبوع كرتون طماطم حبوب وسلة بصل، تصور أن كل أسرة تحصل فقط على رأس بصل فقط وقليل بطاط، أما التمور الوحيد الذي يقدمها لنا هو بسام اليزيدي وشخص آخر لا نعرف من هو وجزاهما الله خير، غير ذلك لا يوجد شيء، فالنازح لا يجد الباناً ولا خضاراً ولا موادً غذائية ولا حتى ماء، فيضطر للوقوف طوابير على الماء. الوحدة التنفيذية: على حسب قول محسن صايل: إن الوحدة التنفيذية تقدم موادً غذائية لا تساوي نصف ما يقدمه أهل الخير وكل ما تقدمه هو كيس دقيق وثلاث دبب شملان زيت ، كرتون فاصوليا، وهذا يتقسم على (45) أسرة ونحن نناشد أهل الخير، أما الدولة قد ركناها على جنب وكل ما يفعله الحكلاني هو فيلم ليظهر على الشاشات بأنه الأب الحنون للنازحين. لا نريد اللجنة: في مدرسة العريش كان أشبه ببركان تفجر وتطايرت حممه، لكن الواقع كان نساءً وأطفال وعجزة جميعهم من النازحين وبصوت واحد مشوب بالألم المخبوء قالوا "لا نريد اللجنة المكونة من محسن صايل ومحمد عبيد، لأنهما يأكلان مستحقاتنا ويحرماننا من المعونات ونحن نوجه رسالة لأهل الخير أنه من أراد أن يقدم لنا مساعدات يجب أن يقدمها مباشرة إلى أيدينا ونطالب الجهات المختصة بتغيير اللجنة القائمة بشؤوننا واختيار أشخاص مناسبين وعندنا بنات جامعيات نثق في نزاهتهن."