عدن الجميلة مدينة الرياضة الرائدة والأولى في اليمن والجزيرة والخليج العربي.. ومن أوائل المدن العربية التي عرفت ممارسة الرياضة بمختلف أنواعها وجمالاتها وألوانها. عدن مهد السباحة الأول والتي ارتبطت بأوثق الصالات بالبحر حتى شكلت معه ثنائياً حميما شديد الارتباط والتلاحم الأمر الذي دفع إلى ترديد هذه المقولة الصادقة إلى حد بعيد والتي تؤكد حميمية علاقة عدن بالبحر، حيث أشارت إلى أن (عدن هي البحر) و(البحر هو عدن)، وذلك نظراً لامتلاكها وتمتعها بشواطئ ساحرة وجذابة وخلابة غاية في الجمال والروعة، ورمال ذهبية شديدة النعومة، كما تمتاز عدن بأن شواطئها هلالية الشكل تحتضن عدن بكل الحب والحنان والدفء، وجعلت منها مسابح طبيعية وموانئ آمنة على امتداد الأفق. هواية ومخاطر****** ولهذا انتشرت في عدن هواية ممارسة السباحة بين أوساط الشباب والذين لم يجدوا سوى البحر بكل ما فيه من غموض ومتعة، وكذا مخاطر للتيارات المائية المتقلبة وأسماك القرش الخطيرة، ورغم كل ذلك القدر الهائل من الغموض والخطورة، فإن شباب عدن وصلوا ممارسة هوايتهم المفضلة السباحة حتى ولو كان في صهاريج الطويلة التي استخدموها لممارسة هوايتهم المفضلة السباحة والتي كانت تكلفهم الكثير والغالي إلى حد دفع حياتهم ثمنا لممارستهم لهذه الهواية الحبيبة ويا له من ثمن غالٍ ونفيس. ووسط مظاهر الحماس الشديد والإقبال الكبير للشباب في عدن لممارسة رياضة السباحة وبطريقة بدائية في ظل كل تلك المخاطر الجسيمة أقام المقاول المعروف سعيد فارع مسبحا عرف باسم (مسبح سعيد فارع) في الشاطئ الذهبي (جولدمور) في منطقة التواهي بعدن، وكان ذلك في أوائل الخمسينات.. وقد وجد الشباب في عدن فرصتهم الذهبية والسانحة لإشباع ممارسة هوايتهم المفضلة رياضة السباحة في مكان آمن. حكاية مسبح حقات.. الازدهار والإغلاق ******** ونظرا لزيادة وتوسع قاعدة ممارسة السباحة في عدن، واتساع وكثرة أعداد الشباب الممارسة لرياضة السباحة لما لها من فوائد عدة ومنعة بالغة، لم يعد مسبح سعيد فارع كافيا لاستيعاب كل تلك المجاميع الشبابية الراغبة والمحبة لممارسة رياضة السباحة لذلك قامت بلدية عدن بإنشاء مسبح حقات في كريتر بعدن والذي تم إنشاؤه في عام 1954م، وهو العام الذي تصادف مع زيارة الملكة إليزابيت الثانية ملكة المملكة المتحدة في إبريل 1954م بمناسبة تتويجها ملكة للمملكة المتحدة، وكان ذلك من حسن حظ مسبح حقات، وضمن برنامج الزيارة زارت مسبح حقات الذي كان حديث الإنشاء، وأبدت الملكة إعجابها الشديد بهذه المنشآت السياحية الكبيرة، والفكرة والهدف المرجو من وراء إقامتها وإنشائها رياضيا وشبابيا واجتماعيا وإنسانيا، وحثت على الاعتناء بمسبح حقات لضمان استمراريته ليجد فيه الشباب المتنفس، ومركز التدريب الذي يصقل مهاراتهم نحو الأفضل، وكذا يقيهم كوارث ومخاطر البحار. وحرصا من بلدية عدن على استمرارية مسبح حقات كمتنفس لكل محبي السباحة ورأفة بالأرواح التي كانت تهدر في البحار.. لذلك قامت بلدية عدن بإدارة هذا المسبح وتحديد الرسوم المناسبة للدخول، وكانت البلدية وقتها تزوده بماء البحر الذي يسحب إلى داخل أحواض المسبح نظيفا بالمطهرات بين الحين والآخر لإزالة الشوائب التي تطفوا على سطح الماء، وكانت صحة البيئة تتردد على المسبح لفحص المياه للتأكد من نظافتها ونقاوتها. كما أن مبنى مسبح حقات لم تقتصر فائدته على ممارسة رياضة السباحة فقط بل كان يتعدى ذلك إلى إقامة المعارض التجارية والمهرجانات الأدبية والفنية والكثير من الفعاليات والنشاطات الاجتماعية المتعددة والمختلفة هذا بالإضافة إلى وجود مقصف نظيف تتوفر فيه جميع الثروة الشروط الصحية ومتطلبات الزوار. ولقد أضف كل ذلك على مسبح حقات المزيد من الأهمية والرونق والجمال باعتباره منشأة رياضية شاملة ومتعددة الأغراض والجوانب لاستخداماته المختلفة والمتعددة، وكان بحق عصرا ذهبيا لمسبح حقات الذي عاش فترة ازدهار زاهية وبهيجة تحول فيها إلى مقصد كل هواة ومحبي ممارسة رياضة السباحة في عدن وخارجها، وكان في الواقع منشأة رياضية بارزة ساهمت في انتشار وتوسيع قاعدة الممارسين لرياضة السباحة، كما شهد مسبح حقات تنظيم وإقامة عدد من المسابقات الرياضية في رحاب السباحة شهدت هذه المسابقات إقبالا كبيرا من قبل السباحين رغم بدائية إقامتها وتنظيمها، وكذا تعليم وتدريب الشباب على القواعد الأساسية للممارسة السباحة. ولكن للأسف الشديد لم تدم مرحلة ازدهار مسبح حقات طويلا إذ سرعان ما تقلص دور هذا المسبح، وشهد مصيرا مأساويا أدى في الأخير إلى إغلاقه تماما بعد أن هجره السباحون الهواة، والغريب حقا أن يكون السبب الأول والأخير في هذا المصير المأساوي لمسبح حقات يعود بالدرجة الأولى إلى الدواعي الأمنية التي أدت إلى إغلاق منطقة حقات التي تمتاز بساحلها الجميل، وهوائها النقي، وكانت متنفسا للمواطنين في كريتر وعدن بأكملها. هكذا نجد أن مسبح حقات كان صرحا رياضيا شامخا وبارزا هوى بفعل الدواعي الأمنية، ليتم مقابل الحفاظ على راحة "فراد معين" حرمانا لأبناء عدن من نسمات الهواء النقي ومكان للراحة والاستجمام لجميع البسطاء في عدن وخارجها.. وقاتل الله الدواعي الأمنية. البداية المنظمة:***** الشخصية التربوية والرياضية والاجتماعية البارزة الأستاذ القدير يوسف حسين السعيدي الذي يعتبر بإجماع جميع الرياضيين الأب الروحي لرياضة السباحة في بلادنا.. وبمهارة العارف بتضاريس وبواطن وخافيا وأسرار هذه الرياضة الممتعة والشيقة، حيث حدثني فقيد الرياضة اليمنية والسباحة في إحدى لقاءاتي المتعددة معه وأثناء تواجده في عدن عن واقع وبداية وتطور وطموحات رياضية السباحة وممارسيها قائلا: "ليس هناك تاريخ محدد لبداية التدريب على رياضة السباحة الفنية المنظمة وفق أسلوب السباحة الأولمبية.. إلا أن هناك عدة محاولات للقيام بالتدريب على السباحة المنظمة.. وكانت أولى هذه المحاولات في عام 1972م، وذلك في إطار الاستعداد لمشاركة في مهرجان الشباب العربي في الجزائر وبعد القيام بتدريب مجموعة من الشباب بطلب من وزارة التربية والتعليم بمساعدة الأستاذ عبدالله عبدالحميد فوجئنا من هيئة الشباب بإلغاء المشاركة في مجال السباحة ليتفرق الشباب بعد عناء وجهد التجميع والتدريب، وفي عام 1973م قمنا بالمحاولة الثانية للتدريب، حيث أقيمت دورات تدريبية للسباحة لعدد من الشباب تحت إشراف مركز التدريب الاجتماعي التابع لوزارة العمل والخدمة المدنية بإشراف مجموعة من الخبراء الذين حضروا لإقامة هذه الدورات، ولكن لم تمارس هذه الفعاليات فتلاشت وتبخرت". وفي العام الدراسي 1976 كانت المحاولة الثالثة، حيث نظمت دورة تأهيلية لمدرسي ومدرسات التربية البدنية الرياضية لمدة عام دراسي في شتى أنواع التربية البدنية نظريا وعمليا ومنها السباحة المنظمة وأشرف عليها الأستاذ علي حسين أحمد، وكان لي الشرف أن أكون أحد المحاضرين.. وتنهت الدورة وعاد الجميع إلى مدارسهم للتطبيق ما تعلموه.. والله أعلم. وفي عامي 1983م-1984م قام الأخوان ناصر سلامة وحسن جعفر سعيدي بمحاولة جادة لتنشيط وممارسة رياضة السباحة في نادي التلال الرياضي في كريتر، ولاقت هذه المحاولة الجادة إقبالا شديدا وكبيرا وحماسيا من قبل الشباب لممارسة التدريب المنظم في مجال رياضي السباحة، حيث أقيمت العديد من البطولات في رياضة السباحة التي شاركت فيها أندية التلال والشرطة والميناء، وكان الهدف الأساسي والأول من إقامة هذه البطولات والمسابقات هو إدخال رياضة السباحة إلى الأندية الرياضية في عدن، إلا أن هذه المحاولات الجادة لم تجد أي اهتمام من قبل الجهات المتخصصة، فلم تحقق محاولة الأخوين سلامة وسعيدي الهدف المرجو والمأمول من ورائها. المشاركة الأولى ****** ويشير الأستاذ القدير يوسف حسن السعيدي في سياق حديثه قائلا لقد شاركنا في رياضة السباحة على المستوى العربي لأول مرة في عام 1979م، وذلك في مشاركتنا في الدورة المدرسية العربية الرياضية الثامنة التي أقيمت في مقديشو عاصمة جمهورية الصومال قام بتدريب فريق السباحة المشارك في هذه الدورة عدد من المدربين المؤهلين أمثال الأستاذ محمد عمر وزان الذي تخرج من معهد السباحة لايبزج الألماني، وقد طلب مني الإشراف على فريق السباحة الذي تم تدريبه في مسبح نادي البحارة التابع لمصافي عدن لمصافي عدن والبريقة "عدن الصغرى". وقد حقق فريق السباحة بعض النتائج الإيجابية مقارنة بمشاركته الأولى هذه في بطولات السباحة العربية المدرسية، ولكن عند عودة فريق السباحة من الصومال لم يجد الفرصة للاستمرار والاهتمام المطلوب والتشجيع المفروض من قبل الجهات الرسمية والمسئولة عن النشاطات الرياضية الشبابية في بلادنا، فتفرق عناصر الفريق وذهب العناء وذهب التدريب والمشاركة هباءً. تواصل المحاولات ***** وأوصل الأستاذ القدير يوسف حسن السعيدي حديثه قائلا: "في عام 1987م أقرت قيادة المجلس الأعلى للرياضة في عدن تشكيل اللجنة العليا للسباحة والتي باشرت أعمالها منذ اللحظات الأولى، وكان شغلها لشاغل هو توفير المسابح الآمنة للقيام بالتدريبات المنظمة لأكبر قطاع من شباب الأندية الرياضية، وقد تم لها تحقيق ذلك من خلال إقامة وتنظيم عدة بطولات في مختلف أنواع السباحة ولعبة كرة الماء، فكان لذلك الوقع الحسن بين أو ساط الرياضيين.. وفي ديسمبر 1988م كان موعد مع قرار وتشكيل المنتخب الوطني للسباحة في بلادنا الذي حقق نتائج إيجابية". عند هذا الحال انتهى حديث الأب الروحي لرياضة السباحة الأستاذ القدير يوسف حسن السعيدي، وهو يعتبر شهادة تاريخية مهمة لرياضة السباحة في بلادنا. مسبح أولمبي في عدن ***** وللمرة المليون نعيد مطالبة الرياضيين في عدن بأن مدينة البحر والرياضة والعراقة والحضارة تستحق وبحكم التاريخ والأصالة والريادة.. وتستحق عدن مهد الرياضة الأولى إنشاء مسبح أولمبي بمواصفات دولية يشفع لها في هذا الاستحقاق الكبير لريادتها الرياضية في مختلف الألعاب الرياضية ومنها رياضة السباحة. فهل تستجيب وزارة الشباب والرياضة وتحقق هذا الحلم المرجو والمنشود بعد طول إهمال وإجحاف.. نأمل ذلك.