مجزرة جمعة 11/11/2011 في محافظة تعز تاريخ يصعب نسيانه لهول فاجعته وفي ذلك هبة من الله للشهيدات اللاتي سقطن في ساحة الحرية وميادين الشرف في هذه المحافظة العصية على الانكسار.. في حين أن النظام كان يفكر في المعادلة الكونية وسر الأسماء التي وهبها الله للنساء اللاتي قتلهن في هذه المدينة، فالتاء يرمز إلى تفاحة التحدي والعين إلى عزيزة العزة والزين إلى زينب الزعامة، بينما أتى حرف الياء في الأخير للشهيدة يا سمين ليؤكد أن تعز ستبقى تعزي وما ترتيب هذه الأحرف وبحسب الأعمار ( تعزي ) إلا مشيئة إلهية تنذر بنهاية مأساوية للنظام المستبد وإني لأرى التاريخ يعيد نفسه فيكون مصير هذا النظام كمصير الملكة شجرة الدر التي فارقت الحياة ضرباً ب"...." وما ذلك على الله ببعيد. يا ابن صالح اقتل منا ما شئت فإنك راحل وتشبث بالكرسي كيفما شئت فإنك مفارقه, وأعلم أن آلات الموت التي توجهها إلى صدورنا سترد عليك عاجلاً غير آجل، لتذيقك في الدنيا خزي المهانة وفي الآخرة عذاب أليم يوم تقف بين يدي عزيز منتقم وذلك هو الخسران المبين.. الشهيدة زينت منظومة أخلاقية متكاملة هي الشهيدة زينب المخلافي التي فارقت الحياة شهيدة في ساحة الحرية في جمعة 11/11، كل من يعرفها يقول عنها كانت بنكاً للمعرفة ورمز العطاء وعنواناً للعفة والشرف، زينت ضربت أروع الأمثال للفتاة المتمسكة بدينها الإسلامي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. زينت ثائرة عملت بكل صمت ووهبت نفسها للثورة ،, هي ثائرة من طراز خاص رفضت الزواج وكرست حياتها للعلم والعبادة.. كانت متفوقة في دراستها وحصلت على إجازة مفتية من مشائخ عدة لتصبح شيخة علم ومعلمة وحافظة لكتاب الله، كانت تقرأ القرآن على الدوام ولم تهجره ليوم واحد، حصلت على الكثير من شهادات التقدير وآخرها شهادة تقدير من منتدى المرأة في ساحة الحرية.. زينت كانت قدوة حسنة يقتدي بها كل من في أسرتها ومن حولها،, شغوفة بالقراءة ولا تحب الظهور على الإطلاق ولطالما رفضت التصريح أو الظهور عبر وسائل الإعلام، تعمل بصمت متكامل ولا تترك أي من فروض الصلاة وتداوم على صيام يومي الاثنين والخميس منذ طفولتها.. بعد الثانوية درست في جمعية معاذ بن جبل العلمية وفيها ختمت المصحف كاملاً، ثم درست العلوم الشرعية على أيدي علماء أجلاء وعملت مدرسة في جامع الإيمان الكائن في حي الروضة. راجعت المصحف عند الشيخ علي المسوري وختمت القرآن مرة أخرى وحصلة على دبلوم في اللغة الانجليزية، بالإضافة إلى دبلوم كمبيوتر وأخذت دورات في الإسعافات الأولية. مع انطلاقة ثورة الشباب الشعبية السلمية حرصت الشهيدة بعدم مفارقة أي مسيرة وكانت تقضي جل وقتها في ساحة الحرية. تقول عنها أمها : عندما كنت أحاول منعها من الذهاب إلى ساحة الحرية كونها كانت العون لي بعد الله تعالى ووالدها كنت ترد عليَّ بقولها: أنا أحبك يا أمي لأنك أمي ولكن أحب وطني كما أحبك. أمي ذهابي للساحة هو جهاد في سبيل الله وأنا مستعدة لتقديم روحي فداء لهذا الوطن، تماما كما فعلت الشهيدة عزيزة،, تحضن أمها وهي تردف: أعدك يا أمي أن أرفع رأسك إن شاء الله وأجعل منك أحسن أم في الدنيا. ترد الأم: زينب أنا أخاف عليك من الساحة ترد عليها: أمي لا تخافي إن الله معنا ولن يضيع أجر المحسنين. وكان هذا هو الحوار الأخير بين الشهيدة وأمها قبل أن ترحل إلى ربها شهيدة. وتزيد أم الشهيدة زينب بالقول: كانت زينب في شوق كبير للساحة وكأنها ذاهبة للحج، استحلفتها بالله بان لا تذهب ولكنها كعادتها ترد عليَّ: أرجوك أمي لا تمنعيني هذه ثورة ستسجل بالتاريخ وسوف يتدارسها الأجيال القادمة، فلا تمنعيني يا أمي أنا ذاهبة للجهاد وأتمنى من الله أن يرزقني الشهادة. أم زينب كان قلبها منقبضاً وكأنها أحست بان ابنتها لن تعود إليها. تقول الأم وعينيها تفيض من الدمع: كي تقنعني وتخرج وأنا راضٍ عنها قالت لي: أمي إذ اشتد القصف أوعدك أني أصلي وأرجع فوراً وان هدأت الأمور سأعود كعادتي للمنزل بالمغرب. تستطرد الأم: قالت لها مع السلامة والله معك ففرحت بموافقتي وعندما هرولت للخروج من البيت وأثناء نزولها درج المنزل قابلت جارتها وقالت لها يا زينب اليوم في قصف على ساحة الثوار فردت عليها زينب: لو كتب لنا الموت ستصل الرصاص إلينا ونحن في منازلنا. تضيف أم زينب ذهبت ابنتي إلى ساحة غير مبالية بالقصف الذي استمر طوال الليل وحتى صباح ذلك اليوم وبدوري ذهبت لأتجهز لصلاة الجمعة وبعد الصلاة جاءنا خبر استشهاد ابنتي... تجهش الأم ببكاء شديد وهي تطلق الدعوات على من قتل فرحة عمرها وزهرة شباب ابنتها.. تكمل حديثها باكية ذهبت لاحتضن ابنتي في وداع أخير في مستشفي الروضة وبقيت هناك وتفجأت بالقذائف فوق رؤوسنا ونحن في داخل المستشفي.. تحكي أخت الشهيدة عن زينب بأنها كانت كل حياتهم بعدما وهبت حياتها للكفاح والعمل في خدمة العلم والقرآن الكريم، وكان كل همها في الأشهر الأخيرة هو نجاح الثورة التي وهبتها كل وقتها وكانت تقوم الليل لتصلي وتدعو بالنصر للثورة والثوار وحتى يوم العيد أخذت أولاد أخواتها إلى الساحة لتلاعبهم فيها وكأنها رأت في منامها أنها ستنال الشهادة. تقول أخت زينب ليلة الجمعة عندما سمعنا قصفاً عنيفاً ظننا في البداية أنها ألعاب نارية، ففرحنا بتوقيع الرئيس على المبادرة وعندما فوجئنا أنها تطلق ضد الشباب في ساحة الحرية قامت زينب إلى سجادتها لتصلي وتتضرع إلى الله بالنصر للثورة واستمرت على حالها حتى ساعات الفجر. قبل استشهادها بيوم تروي أخت زينب الحوار الذي دار بينهما: جلسنا عصر الخميس وكانت لدى زينب ساعة عداد ذكر فقلت لها من وين اشتريني هذه الساعة، لم أجد مثلها بالسوق.. فقالت لي باقي لي يوم واحد وأعطيها لك . فسألتها لماذا تقولي هذا الكلام ؟ فقالت لي هكذا من غير سبب وفي نفس اليوم أحد زميلات زينب تسألها يا زينب ما سر جمالك هذه الأيام وصفاء وجهك فردت على زميلتها هذا لأني شهيدة وكأنها رأت في منامها أنها ستنال الشهادة وكانت تردد دائماً ليتني زي عزيزة وفي الأيام الأخيرة كانت تقول لابن أختها مصعب لماذا لا تذهب وتستشهد لنفتخر فيك لازم يخرج من منزلنا هذا شهيد ليكون فخراً لنا ومجداً للأسرة. بدورها تقول ياسمين عبده مدهش وهي صديقة الشهيدة أن زينب كانت طالبة مجتهدة قليلة الكلام وكثيرة العمل تحب العلوم الشرعية ولا تحب إضاعة أوقات الفراغ وتشجع كل من حولها لحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وكانت السباقة في تعلم القرآن وحفظه. توضح ياسمين أن الثورة قربت زينب كثيراً من الناس وأصبحت تشارك في لجنة النظام والأطباق الخيرية وكانت ابرز ما تحب تشارك فيه هو كتابة اللوحات وكانت زينب تتميز بخطها الجميل، فكانت اغلب شهادات التكريم للجرحى واسر الشهداء كانت بخط الشهيدة زينب. تختم ياسمين: زينب كم أنت عظيمة يا أختاه ستظلين هنا في قلبنا وفي عقولنا وستظل روحك تطوف حولنا وفي كل أرجاء الساحة كم سأفتقدك يا زينب أنتي وتفاحة وعزيزة فقد تركتن فراغاً كبيراً ومساحة خالية في قلوب الجميع. زينب المخلافي الحمامة التي تعثرت بجروحها في ساحة الحرية وهي تحاول النهوض وبالانتقال من الشهيدة زينب العديني التي صعدت بروحها إلى السماء نبقى مع زينب المخلافي التي روت الأرض بجروحها وتناقلت صورتها كل وسائل الإعلام وهي تركض وتسقط وتحاول النهوض ثم تسقط مرة أخرى قبل أن يتداركها الشباب وإسعافها إلى مستشفى الروضة. تروي زينب حادث إصابتها واللحظات التي مرت بها وقت استهدافهن وهن في باحة فندق المجيدي بقولها: بدأ إطلاق الرصاص على الساحة من العاشرة صباحاً عند وصولنا أنا وأختي إليها عشان ننظف مكان المصلى وعندما انتهينا من تنظيف مصلى النساء والاستعداد لصلاة الجمعة جلست أنا ومجموعة بنات من ضمنهن تفاحة وزينب و ياسمين ومريم وتهاني وغيرهن وكان كل حديثنا عن الشهادة ونيلها.. تردف زينب كنا نتكلم عن الشهادة واستهدافنا بالرصاص من قبل قوات النظام، فلم نكن نتوقع أن يتم استهدافنا بقذيفة دبابة ونحن في وقت الصلاة وفي مصلي النساء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قبل وصول القذيفة قالت تفاحة إن شاء الله أكون من الشهداء في هذه الليلة وان شاء الله يتقبلني الله مع الشهداء وكذلك قالت زينب وياسمين ومريم التي أكملت رسم وشم في يدها بعبارة تعز حرة. ياسيمن زادت بقولها: أحس نفسي شهيدة يا بنات وكانت تضحك من أول ما وصلت وكنا نستغرب منها لأول مرة تضحك بهذه الطريقة وقالت لنا أنا اليوم من الشهداء وأوصيكن أن تدفنوني يوم الاثنين أو الخميس أو الجمعة حتى تكون المسيرات مكتملة ويشارك الجميع في جنازتي. فردت عليها مريم إن شاء الله الشهادة أو النصر. عندها كنت ارسم وأكتب في يدي مدينة تعز وقبل أن أكمل الكتابة سقطت القذيفة علينا رمتنا على الأرض وكنت لا اسمع وكنت أشوف الدخان وتدفق الدم الذي شممته رائحته، كنت أريد اخرج لإنقاذ نفسي بعدما رأيت سقوط البنات أمامي لأني توقعت قذيفة ثانية، فحاولت أركض ولم أتمكن من الجروح التي أصابت أقدامي ويديَّ حاولت أزحف بيدي وعندها جاء الشباب وأنقذوني. جرحت في الساحة واستهدفت في الروضة وأطلق عليها النار وهي في حارتها عندها تم إسعافي إلى مستشفى الروضة وأنا غير مستوعبة ما حصل لي بينما وجع رأسي كان شديداً وصوت الانفجار ما يزال صداه يتردد في أذني وعندما وصلنا إلى الروضة وتم إدخالي إلى قسم العمليات في الدور الثالث، جاءت قذيفة أخرى إلى المستشفى وأحسست أن النظام يريد قتلنا بالفعل، فأخرجوني الأطباء إلى غرفة ثانية وعندما بدأوا بالعملية جاءت قذيفة ثانية ثم شن قصف عنيف على مستشفى الروضة. تقول زينب تم نقلنا إلى البدروم الأرضي للمستشفى وبعدها إلى أحد المستشفيات الخاصة بعد ذلك وكان هناك العسكر الذين يأتون إلى صاحب المستشفى ويسألونه عن وصول جرحى من ساحة الحرية فيرد عليهم الأطباء بالنفي، وعندما لاحظ أخي الخطر يحيط بنا أصر على ذهابنا إلى المنزل بالرغم أن العملية تتطلب المكوث بالمستشفى. تواصل زينب: وعند وصولنا إلى الحارة قام بلاطجة النظام بإطلاق النار والرصاص تجاهنا للمرة الثالثة وأحسست حينها أن الله يريد لي الشهادة في هذا اليوم فما كان من أخي إلا أن أخذني إلى حارة أخرى في منزل أحد الأقارب وقعدنا فيه حتى اليوم الثاني. في ختام حديثها تحمل الفتاة التي عرجت بجروها في ساحة الحرية مسئولية ارتكاب الجرائم في تعز كلاً من الزياني وبن عمر وهي تردف: أقول للزياني وبن عمر هما السبب فيما يحصل لثوار اليمن كونهم من أطال عمر النظام وهم يأتون بالمبادرات التي عملت على سفك دماء اليمنيين، هؤلاء لا يأتون من أجل التوقيع على أي مبادرة وإنما للتوقيع على مجزرة جديدة يرتكبها النظام ثم المغادرة، هم يتاجرون بدمائنا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
