دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة جميع القوى السياسية والوطنية إلى حوار عاجل لدراسة أسباب تفاقم الأزمة الحالية في مصر ووضع تصورات للخروج منها.. جاء ذلك في بيان أصدره الليلة الفائتة، وتعهد فيه بالطلب من وزارة العدل تشكيل لجنة تحقيق بالأحداث، دون أن يتطرق إلى الموقف من استقالة حكومة عصام شرف الموضوعة بتصرفه. وارتفع عدد ضحايا المواجهات التي دخلت يومها الثالث أمس بين قوات الأمن والمتظاهرين المطالبين بتسليم السلطة إلى مدنيين في ميدان التحرير لتصل إلى أكثر من 30 قتيلاً ونحو ألفي جريح ودرأ المجلس العسكري عن نفسه تهمة قتل المتظاهرين خلال المواجهات التي وقعت مساء أول من أمس في ميدان التحرير، ملقياً المسؤولية على قوات الأمن. وأصدر المجلس العسكري أمس قانون «العزل السياسي» لتطبيقه على كل من يثبت تورطه في إفساد الحياة السياسية,حيث ينص القانون الجديد على أن «كل من يثبت تورطه في جرائم من شأنها إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التهاون فيها، يعاقب بالعزل من الوظائف العامة القيادية، وكذلك بإسقاط العضوية في مجلسي الشعب أو الشورى أو المجالس الشعبية المحلية،إضافة إلى الحرمان لمدة خمس سنوات كحد أقصى من الانتخاب أو الترشيح لأي مجلس من المجالس النيابية وتولي الوظائف العامة، ناهيك عن الانتماء إلى أي حزب سياسي». وأهاب المجلس، في بيان أذاعه التلفزيون المصري، بكافة القوى السياسية والوطنية وجميع المواطنين الالتزام بالهدوء، وخلق مناخ من الاستقرار، بهدف مواصلة العملية السياسية، التي تتم من أجل الوصول إلى نظام ديمقراطي يضع مصر في المكانة اللائقة لها بين الأمم، معرباً عن أسفه لسقوط ضحايا ومصابين، وطلب من وزارة العدل تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأسباب وملابسات ما حدث، وتقديم النتائج في أسرع وقت ممكن واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تورطه. وتضاربت التقارير حول مصير استقالة حكومة عصام شرف التي وضعها بتصرف المجلس العسكري، فقد أكد الناطق باسم المجلس، المقدم عمرو إمام، لCNN قبول الاستقالة، في حين نقل التلفزيون المصري الرسمي عن متحدث عسكري لم يكشف هويته قوله إن المجلس لم يبت بها بعد، في حين يواصل الآلاف الاحتشاد في ميدان التحرير، وسط دعوات لمليونية جديدة الثلاثاء. وفي وقت لاحق، تحدثت CNN إلى الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد حجازي، الذي أكد أن المجلس لم يقبل بعد استقالة حكومة شرف، وأنه يعقد حالياً جلسة أخرى معها. وأكد التلفزيون المصري أن حكومة عصام شرف وضعت استقالتها بتصرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في حين أشارت "بوابة الأهرام" إلى أن شرف قدم استقالة الحكومة "بعد اجتماع لجنة إدارة الأزمات، التي تضم 11 وزيراً، وبعد لقاء مع المجلس العسكري. " ونقلت البوابة عن السفير/ محمد حجازي-المتحدث باسم مجلس الوزراء- قوله: "تقديراً للظروف الصعبة التي تجتازها البلاد في الوقت الراهن فإن الحكومة مستمرة في أداء مهامها كاملة لحين البت في الاستقالة،" مضيفاً أن الحكومة تناشد "المواطنين ضبط النفس لاستعادة الاستقرار تمهيداً لإتمام الانتخابات البرلمانية. ودعا ناشطون إلى تظاهرات مليونية قرروا لها اليوم في ميدان التحرير تحت مسمى «مليونية الإنقاذ الوطني»، التي أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» عدم المشاركة فيها لاستشعارها «محاولات لجر الجماهير إلى الميادين لإحداث فوضى تعرقل الاستحقاق الانتخابي». وتحدث «حزب النور» السلفي عن وساطة تجريها قوى سياسية بين المجلس العسكري والمتظاهرين في محاولة لتدارك الأزمة. ورفض المتظاهرون في ميدان التحرير فض الاعتصام بعد إصدار قانون العزل السياسي, وقال الناطق باسم «حركة 6 أبريل» محمود عفيفي ل «الحياة» إن هذا المطلب تجاوزته الأحداث، ونراه مجرد مسكنات للالتفاف على مطالب الثورة الحقيقية. وأفيد بأن مجموعة من القوى والائتلافات الشبابية حددت أربعة مطالب لفض الاعتصام، أولها إقالة حكومة شرف وسحب وثيقة المبادئ الدستورية ووقف المحاكمات العسكرية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ويتضمن البند الثاني تحديد جدول زمني لتسليم السلطة وإجراء انتخابات الرئاسة قبل حلول منتصف العام 2012، فيما يطالب البند الثالث بسحب قوات الأمن بعيداً عن ميدان التحرير والاكتفاء بتأمين مبنى وزارة الداخلية فقط، وأخيراً اعتذار المجلس العسكري عن أحداث التحرير، وإحالة قادة الشرطة المتسببين فيها على التحقيق. وفي حين تبنت جماعة «الإخوان» مطالب ميدان التحرير ووصلت إلى حد وصف تعامل الأمن مع المتظاهرين ب «الإجرام»، قررت عدم المشاركة في التظاهرات, وبرر الناطق باسمها محمود غزلان ل «الحياة» عدم المشاركة باستشعار الجماعة أن «ما حدث ويحدث إنما هو استدراج لجذب الناس إلى الميادين وإشعال الموقف وافتعال مزيد من الصدامات للتهرب من الاستحقاق الانتخابي، وهو ما نرفضه». ووصفت الجماعة في بيان التعامل الأمني مع المتظاهرين بأنه «إجرام ينبئ عن رغبة دفينة في إشاعة الفوضى وإثارة الرعب لدى جموع الشعب، بغية التهرب من الاستحقاقات الديمقراطية، ويثبت أن هناك أطرافا ًعدة ليس لديها مانع من إحراق البلاد وقتل الشباب من أجل إدخال الشعب بيت الطاعة من جديد». وحذرت الجماعة من «ثورة ثانية», وقالت إن «الشعب الذي أنتج ثورة رائعة قادر على إعادة إنتاجها من جديد»، مطالبة بوقف القتل فوراً، وسحب كل الآليات والجنود من الميادين، وإحالة كل من أمر أو نفذ عمليات القتل والاعتداء على المتظاهرين والمعتصمين إلى التحقيق الفوري، وإصدار جدول زمني محدد لتسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة في موعد غايته منتصف العام المقبل والتعهد بإقالة الحكومة القائمة فور الانتهاء من الانتخابات البرلمانية. وكشف الناطق باسم «حزب النور» السلفي الدكتور/ يسري حماد عن وساطة تتم الآن بين المتظاهرين وقيادات المجلس العسكري لتدارك الأزمة, وقال ل «الحياة» إن قيادات 30 حزباً سياسياً اجتمعت أمس وقررت النزول إلى ميدان التحرير للحديث مع المتظاهرين هناك ونقل طلباتهم إلى المسؤولين، لافتاً إلى اتصال جرى خلال الاجتماع مع وزير الداخلية طالبوه فيه بسحب قوات الشرطة، لكن الوزير رفض هذا الطرح، مشيراً إلى أنه في حال سحب القوات سيقوم المتظاهرون باقتحام وزارة الداخلية، وهو ما تعمل قوات الشرطة على مجابهته. وشدد حماد على رفض القوى السياسية حصول أي مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين, وقال: «سننزل إلى الميدان للحؤول دون تجدد المواجهات».