حضرموت.. تفريق وقفة احتجاجية للتربويين بالقوة واعتقال قيادات نقابية    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    مليشيا الحوثي تشن حملة اختطافات جديدة في إب    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيسي سوريا ولاتفيا بالأمم المتحدة    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    صنعاء.. الداخلية تعلن الاحتفال بالمناسبات الوطنية رسميًا وتمنع أي نشاط خارج الإطار الرسمي    تنفيذية انتقالي المنصورة تناقش الأوضاع الخدمية بالمديرية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ أحمد محمد الهتار    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    أصدقاء جنوب اليمن: زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك تعزز حضور القضية الجنوبية دولياً    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    وقفة شعبية في مديرية الثورة احتفاءً بعيد ثورة 21 سبتمبر وإسناداً لغزة    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    بن الوزير يتابع تأهيل مبنى الإدارة المحلية في شبوة    انفجار قرب سفينة تجارية في خليج عدن    الأرصاد يتوقع أمطارًا متفاوتة الشدة على عدة محافظات    تعز.. المعتصمون يصعدون في وجه السلطة المحلية بعد محاولة تفكيك خيام الاعتصام    إتلاف 5.5 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في البيضاء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    هكذا يتغير الشرق الأوسط.. الصراع السعودي الإسرائيلي    مركز الملك سلمان يوزّع خيام وحقائب إيواء للمتضررين من السيول بمحافظة حجة    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    الديوان الملكي السعودي : وفاة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    أمن العاصمة عدن يضبط متهمًا بسرقة 100 جرام ذهب بالمنصورة    الذهب عند ذروته: ارتفاع قياسي في الأسعار    احترام القانون اساس الأمن والاستقرار ..الاجراءات تجاه ماموري الضبط القضائي انموذجا    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ ويشيد بجهودها الإغاثية والتنموية في بلادنا    بالتتويج الثالث.. بونماتي تكتب التاريخ    بعد 14 عاما.. مارسيليا يُسقِط باريس في ال«فيلودروم»    قوات الإصلاح في تعز تحمي قتلة "افتهان المشهري"    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    يامال وفيكي يتوجان بجائزة «كوبا».. ودوناروما الحارس الأفضل    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الاولى)


الإمام الشهيد/ حسن البنا (1906م-1949م)

مصارحة
نحب أن نصارح الناس بغايتنا ، وأن نجلي أمامهم منهجنا ، وأن نوجه إليهم دعوتنا ، في غير لبس ولا غموض ، أضوأ من الشمس وأوضح من فلق الصبح وأبين من غرة النهار.
براءة
ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – و كل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة ، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية ، واحتقرت المنافع المادية ، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض ، ومضت قدما في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه :
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) .
فلسنا نسأل الناس شيئا ، و لا نقتضيهم مالا ولا نطالبهم بأجر ، ولا نستزيد بهم وجاهة ، ولا نريد منهم جزاء ولا شكورا ، إن أجرنا في ذلك إلا على الذي فطرنا.
عاطفة
و نحب أن يعلم قومنا أنهم احب إلينا من أنفسنا ، و أنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ، و أن تزهق ثمنا لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن كان فيها الغناء، و ما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا و ملكت علينا مشاعرنا ، فأقضت مضاجعنا ، و أسالت مدامعنا ، و إنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس ، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب ، و لن نكون عليكم في يوم من الأيام.
لله الفضل و المنة
و لسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلا ، و إنما نعتقد قول الله تعالى :
( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17) .
وكم نتمنى – لو تنفع المنى – أن تتفتح هذه القلوب على مرأى و مسمع من أمتنا ، فينظر إخواننا هل يرون فيها إلا حب الخير لهم و الإشفاق عليهم و التفاني في صالحهم ؟
وهل يجدون إلا ألما مضنيا من هذا الحال التي وصلنا إليها ؟ و لكن حسبنا أن الله يعلم ذلك كله ، و هو وحده الكفيل بالتأييد الموفق للتسديد، بيده أزمة القلوب و مفاتيحها ، من يهد الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هادي له و هو حسبنا و نعم الوكيل . أليس الله بكاف عبده؟
أصناف أربعة
و كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة :
مؤمن :
إما شخص آمن بدعوتنا و صدق بقولنا و أعجب بمبادئنا ، و رأى فيها خيرا اطمأنت إليه نفسه ، و سكن له فؤاده ، فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا و العمل معنا حتى يكثر به عدد المجاهدين و يعلوا بصوته صوت الداعين ، و لا معنى لإيمان لا يتبعه عمل ، و لا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها و التضحية في سبيلها ، و كذلك كان السابقون الأولون ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا أنبيائه و آمنوا برسالاته و جاهدوا فيه حق جهاده ، و لهؤلاء من الله أجزل الأجر و أن يكون لهم مثل ثواب من اتبعوهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
متردد :
وإما شخص لم يستبين وجه الحق ، و لم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص و الفائدة ، فهذا نتركه لتردده و نوصيه بأن يتصل بنا عن كثب ، و يقرأ عنا من قريب أو بعيد ، و يطالع كتاباتنا و يزور أنديتنا و يتعرف إلى إخواننا ، فسيطمئن بعد ذلك لنا إن شاء الله ، و كذلك كان شأن المترددين من أتباع الرسل من قبل .
نفعي :
وإما شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة و ما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له : حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت ، و الجنة إن علم فيك خيرا ، أما نحن فمغمورون جاها فقراء مالا ، شأننا التضحية بما معنا و بذل ما في أيدينا ، و رجاؤنا رضوان الله سبحانه و تعالى و هو نعم المولى و نعم النصير ، فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه و أزاح كابوس الطمع عن فؤاده فسيعلم أن ما عند الله خير و أبقى ، و سينضم إلى كتيبة الله ليجود بما معه من عرض الحياة الدنيا لينال ثواب الله في العقبى ، و ما عندكم ينفد و ما عند الله باق , و إن كانت الأخرى فالله عني عمن لا يرى لله الحق الأول في نفسه و ماله و دنياه و آخرته و موته و حياته , و كذلك كان شأن قوم من أشباهه حين أبوا مبايعة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يجعل لهم الأمر من بعده , فما كان جوابه صلى الله عليه و سلم إلا أن أعلمهم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده , و العاقبة للمتقين
متحامل :
و إما شخص أساء فينا ظنه و أحاطت بنا شكوكه ، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم ، و لا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك ، و يأبى إلا أن يلج في غروره و يسدر في شكوكه و يظل مع أوهامه ، فهذا ندعو الله لنا و له أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه ، و أن يلهمنا و إياه الرشد ، ندعوه إن قبل الدعاء و نناديه إن أجاب النداء و ندعو الله فيه و هو أهل الرجاء ، و لقد أنزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس :
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص:56) .
وهذا سنظل نحبه و نرجو فيئه إلينا و اقتناعه بدعوتنا ، و إنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه و سلم من قبل : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
نحب أن يكون الناس معنا واحدا من هؤلاء ، و قد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يدرك غايته و يحدد وجهته ، و يعمل لهذه الوجهة حتى يصل إلى غايته المنشودة ، أما تلك الغفلة السادرة و الخطرات اللاهية و القلوب الساهية و الانصياع الأعمى و اتباع كل ناعق فما هو من سبيل المؤمنين في شيء .
فناء
و نحب أن يعلم قومنا إلى جانب هذا أن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها و وهب لها ما تكلفه إياه من نفسه و ماله و وقته و صحته ، قال تعالى :
(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24) .
فهي دعوة لا تقبل الشركة إذ أن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد عاش بها و عاشت به ، و من ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين و يكون مع المخلفين و يقعد مع القاعدين ، و يستبدل الله لدعوته به قوما آخرين (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) (المائدة:54) .
وضوح
نحن ندعو الناس إلي (مبدأ) .. مبدأ واضح محدود مسلم به منهم جميعاً ، هم جميعاً يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلاصهم وإسعادهم وراحتهم ... مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلاحيته للخلود وأهليته لإصلاح الوجود .
إيمانان
والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا علي حكمه ولا أن يعملون بمقتضاه ، علي حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين . ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين أن نؤمن بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث إليهم عنا أنها ستحملنا علي نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا ، حتى إذا هدأت ثائرة الكلام وانفض نظام الجمع نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته ، فهو لا يفكر في العمل لها ولا بحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها ، بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان حتى يعمل علي ضدها وهو يشعر أو لا يشعر ؟ أولست تضحك عجباً حين تري رجلاً من رجال الفكر والعمل والثقافة في ساعتين اثنتين متجاورتين من ساعات النهار ملحداً مع الملحدين وعابداً مع العابدين ! .
هذا الخور أو النسيان أو الغفلة أو النوم أو قل ما شئت هو الذي جعلنا نحاول أن نوقظ (مبدأنا) وهو هو المبدأ المسلم به من قومنا في نفوس هؤلاء القوم المحبوبين .
دعوات
وإذن سأعود إلي أول كلمتي فأقول إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة مبدأ ، وفي الشرق والغرب اليوم دعوات ومبادئ وفكر ومذاهب وآراء ومنازع كلها تتقسم عقول الناس وتتنازع ألبابهم ، وكل منها يزينه أهله ويقوم بالدعاية له أبناؤه وأتباعه وعشاقه ومريدوه ، ويدعون له المزايا والمحاسن ويبالغون في هذا الادعاء ما يبرزه للناس جميلاً خلاباً رائعاً .
دعاة
والدعاة اليوم غيرهم بالأمس فهم مثقفون مجهزون مدربون أخصائيون - ولا سيما في البلاد الغربية - حيث تختص بكل فكرة كتيبة مدربة توضح غامضها وتكشف عن محاسنها وتبتكر لها وسائل النشر وطرائق الدعاية ، وتتلمس لها في نفوس الناس أيسر السبل وأهونها وأقربها إلي الاقتناع والاتباع .
وسائل
و وسائل الدعاية الآن غيرها بالأمس كذلك , فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة أو اجتماع أو كلمة تكتب في رسالة أو خطاب , أما الآن فنشرات و مجلات و جرائد و رسالات و مسارح و خيالات و حاك و مذياع , و قد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم , نساء و رجالا في بيوتهم و متاجرهم و مصانعهم و مزارعهم
لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعا حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة
و مالي و لهذا الاستطراد ؟ سأعود مرة ثانية فأقول إن العالم الآن في حال تخمة بالدعوات ما بين سياسية و قومية و وطنية و اقتصادية و عسكرية و سلمية , فأين دعوة الإخوان المسلمين من هذا المزيج المركب كله ؟
سيدعوني ذلك أن أتكلم في أمرين : أولهما هيكل دعوتنا الإيجابي المجرد , ثم بعد ذلك موقفها من كل نوع من أنواع الدعوات .
لا تؤاخذني بهذا الاستطراد فقد أخذت على نفسي أن اكتب في كما أتحدث , و أن أتناول موضوعي بهذا اللون من ألوان الكتابة في غير تكلف ولا عناء , و إنما أريد أن يفهمني كما الناس أنا و يصل كلامي إلى نفوسهم خاليا من التزويق و التقسيم.
إسلامنا
اسمع يا أخي : دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به أنها ( إسلامية ) و لهذه الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذي يفهمه الناس، فإنا نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعا، و يفتي في كل شأن منها و يضع له نظاما محكما دقيقا، و لا يقف مكتوفا أمام المشكلات الحيوية و النظم التي لا بد منها لإصلاح الناس. فهم بعض الناس خطأ أن الإسلام مقصور على ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية، و حصروا أنفسهم و أفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم المحصور.
و لكنا نفهم الإسلام على غير هذا الوجه فهما فسيحا واسعا ينتظم شؤون الدنيا و الآخرة ، و لسنا ندعي هذا ادعاء أو نتوسع فيه من أنفسنا ، و إنما هو ما فهمناه من كتاب الله و سيرة المسلمين الأولين، فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة إسلامية فليمسك بمصحفه و ليجرد نفسه من الهوى و الغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن فسيرى في ذلك دعوة الإخوان.
أجل : دعوتنا إسلامية ، بكل ما تحتمل الكلمة من معان ، فافهم فيها ما شئت بعد ذلك و أنت في فهمك هذا مقيد بكتاب الله و سنة رسوله و سيرة السلف الصالحين من المسلمين ، فأما كتاب الله فهو أساس الإسلام و دعامته و أما سنة نبيه فهي مبينة الكتاب و شارحته و أما سيرة السلف الصالح فهم رضوان الله عليهم منفذو أوامره و الآخذون بتعاليمه و هم المثل العملية و الصورة الماثلة لهذه الأوامر و التعاليم.
موقفنا من الدعوات المختلفة
و موقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب و بلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا فما وافقها فمرحبا به و ما خالفها فنحن براء منه و نحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به و أشارت إليه
الوطنية
افتتن كثير من الناس بدعوة الوطنية تارة و القومية تارة أخرى و بخاصة في الشرق حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءة نالت من عزتها و كرامتها و استقلالها و أخذت من مالها و من دمها و حيث تتألم هذه الشعوب من هذا النير الغربي الذي فرض عليها فرضا , فهي تحاول الخلاص منه بكل ما في و سعها من قوة و منعة و جهاد و جلاد , فانطلقت ألسن الزعماء و سالت انهار الصحف , و كتب الكاتبون و خطب الخطباء و هتف الهاتفون باسم الوطنية و جلال القومية
حسن ذلك و جميل و لكن من غير الحسن وغير الجميل أنك تحاول إفهام الشعوب الشرقية و هي مسلمة أن ذلك في الإسلام بأوفى وأزكى و أسمى و أنبل مما هو في أفواه الغربيين و كتابات الأوروبيين أبوا ذلك عليك و لجوا في تقليدهم يعمهون , و زعموا لك أن الإسلام من ناحية و هذه الفكرة من ناحية أخرى ، و ظن بعضهم أن ذلك مما يفرق وحدة الأمة و يضعف رابطة الشباب
هذا الوهم الخاطئ كان خطرا على الشعوب الشرقية من كل الوجهات و بهذا الوهم أحببت أن أعرض هنا إلى موقف الإخوان المسلمين و دعوتهم من فكرة الوطنية و ذلك الموقف الذي ارتضوه لأنفسهم و الذي يريدون و يحاولون أن يرضاه الناس معهم .
وطنية الحنين
إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض، وألفتها والحنين إليها والانعطاف حولها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى، وإن بلالا الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته، ودينه هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذ خر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
ولقد سمع رسول ص وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنينا إليها وقال: (يا أصيل دع القلوب تقر).
وطنية الحرية والعزة
وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من الغاصبين وتوفير استقلاله، وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، فنحن معهم في ذلك أيضا وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد، فقال تبارك وتعالى: (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8) ، ويقول: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء:141) .
وطنية المجتمع
وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد، وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم، فذلك نوافقهم فيه أيضا ويراه الإسلام فريضة لازمة، فيقول نبيه صلى الله عليه وسلم : (وكونوا عباد الله إخوانا) , ويقول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118) .
وطنية الفتح
وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح، فذلك قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ) (البقرة:193).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.