شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الحوثيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: 372 قتيلاً خلال 4 أشهر    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    الرسائل السياسية والعسكرية التي وجهها الزُبيدي في ذكرى إعلان عدن التاريخي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    الرئيس الزبيدي: نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    معاداة للإنسانية !    من يسمع ليس كمن يرى مميز    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    أبطال المغرب يعلنون التحدي: ألقاب بطولة المقاتلين المحترفين لنا    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة السادسة عشرة)
نشر في أخبار اليوم يوم 11 - 08 - 2012


في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً , فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيما)ً
المحرم 1357هجرية
إلي العمل
أيها الاخوة ..
كلما وقفت هذا الموقف من جمهور يستمع ، سألت الله أن يقرب اليوم الذي ندع فيه ميدان الكلام إلي ميدان العمل ، وميدان وضع الخطط والمناهج إلي ميدان الإنفاذ والتحقيق ، فقد طال الوقت الذي قضيناه خطباء متكلمين والزمن يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة ، والدنيا كلها تأخذ بأسباب القوة والاستعداد ، ونحن مازلنا بعد في دنيا الأقاويل والأحلام :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ , كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ , إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:2-4)
أيها الأخوة ..
تحدث إليكم الإخوان في شمول معني الإسلام وإحاطته واستيعابه لكل مظاهر حياة الأمم ، ناهضة أو مستقرة منشئة أو مستكملة ، وعرض بعضهم لموقف الإسلام من الوطنية ، فأظهركم علي أن وطنية الإسلام هي أوسع الوطنية حدوداً ، وأعمها وجوداً ، وأسماها خلوداً ، وأن أشد المتطرفين لوطنه المتعصبين لقومه لن يجد في دعوة الوطنيين المجردين ما يلقاه من حماسة وطنية المؤمنين ، ولست أفيض في شرح ذلك بعد إذ عرضوا له ، ولكني سأعرض إلي ناحية واحدة كثر فأغظ الناس بها وكثر تبعاً لذلك غلطهم فيها ، هي : (السياسة والإسلام) .

الدين .. والسياسة
قلما تجد إنساناً يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً ، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب ، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان ، ومن هنا سميت هذه جمعية إسلامية لا سياسية ، وذلك اجتماع ديني لا سياسة فيه ، ورأيت في صدر قوانين الجمعيات الإسلامية ومناهجها (لا تتعرض الجمعية للشئون السياسية) .
وقبل أن أعرض إلي هذه النظرة بتزكية أو تخطئة احب أن الفت النظر إلى أمرين مهمين :
أولهما : أن الفارق بعيد ن عن الحزبية والسياسية ، وقد يجتمعان وقد يفترقان ، فقد يكون الرجال سياسيا بكل ما في الكلمة من معان وهو لا يتصل بحزب ولا يموت إليه ، وقد يكون حزبياًُ وليدري من أمر السياسة شيئاً، وقد يجمع بينهما فيكون سياسياً حزبياً أو حزبياً سياسياً حد سواء ، وأنا حين أتكلم عن السياسة في هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة ، وهى النظر في شؤون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحز بينة بحال .. هذا أمر.
والثاني : أن غير المسلمين حينما جهلوا هذا الإسلام ، أو حينما أعياهم أمر وثباته في نفوس اتباعه ، ورسوخه فت قلوب المؤمنين به ، واستعداد كل مسلم لتفديتة بالنفس والمال ، لم يحول أن يجرحوا في نفوس المسلمين اسم الإسلام ولا مظاهره وشكلياته ، ولكنهم حاولوا يحصروا معناه في دائرة ضيقة تذهب بكل مافية من نواح قوية عملية ، وان تركب للمسلمين بعد ذلك قشور من الألقاب والأشكال والمظهريات لا تسمن ولا تغنى من جوع .... فافهموا المسلمين أن الإسلام شئ والاجتماع شيء أخر ، وان الإسلام شيء والقانون شئ غيره ، وان الإسلام شئ ومسائل الاقتصاد لا تتصل به ، وان الإسلام شئ والثقافة العامة سواه ، وان الإسلام شئ يجب أن يكون بعيداً عن السياسة .
فحدثوني بربكم أيها الإخوان ، إذا كان الإسلام شيئا غير السياسة وغير الاجتماع ،وغير الاقتصاد ، وغير الثقافة ... فما هو إذن ؟ ....
أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر..
أم هذا الألفاظ التي هي كما تقون رابعة العدوية :استغفار يحتاج إلى استغفار ..
ألهذا أيها الاخوة نزل القران نظاما كامل محكما مفصلا :(تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89) .
هذا المعنى المتضائل لفكر الإسلام ، وهذه الحدود الضيقة التي حددها معنى الإسلام ، هي التي حاول خصوم الإسلام أن يحصر فيها المسلمين ، وان يضحكوا عليهم بأن يقولوا لهم بأن تركنا لكم حرية الدين ، وان الدستور ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام .
الإسلام الشامل
أنا أعلن أيها الإخوان من فوق المنبر بكل صراحة ووضوح وقوة ، أن الإسلام شئ غير هذا المعنى الذي أراد خصومة والأعداء من أبنائه أن يحصرون فيه ويقيدون به ، وأن الإسلام عقيدة وعبادة ، ووطن وجنسية ، وسماحة وقوه ، وخلق ومادة ، وثقافة وقانون , وأن المسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعني بكل شؤون أمته ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
واعتقد أن أسلافنا رضوان الله عليه ما فهموا للإسلام معنى غير هذا ، فبه كانوا يحكمون ، وله كانوا يجاهدون ، وعلى قواعده كانوا يتعلمون ، وفى حدوده كانوا يسيرون في كل شان من شؤون الحياة الدنيا العملية قبل شؤون الآخرة الروحية ، ورحم الله الخليفة الأول إذ يقول : (لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله).
بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية ، أستطيع أن اجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا ، يعيد النظر في شؤون أمته ، مهتما بها غيور عليا . وأستطيع كذلك أن أقول أن هذا التحديد التجريد أمر لا يقره الإسلام ، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام.
دعوني أيها الاخوة استرسل معكم قليلا في تقرير هذا المعنى الذي قد يبدو مفاجأة غريبة على قوم تعودوا إن يسمعوا دائما نغمة التفريق بين الإسلام والسياسة ، والذي قد يدع بعض الناس يقولون بعد انصرافنا من هذا الحفل : إن جماعة الإخوان المسلمين قد تركت مبادئها ، وخرجت علي صفتها ، وصارت جماعة سياسية بعد أن كانت جمعية دينية ، ثم يذهب كل متأول في ناحية من نواحي التأويل ملتمساً أسباب هذا الانقلاب في نظره ، وعلم الله أيها السادة أن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام غير سياسيين ، ولن يكونوا يوماً من الأيام غير مسلمين ، وما فرقت دعوتهم أبداً بين السياسة والدين ، ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص:55) ، ومحال أن يسيروا لغاية غير غايتهم أو يعملوا لفكرة سوي فكرتهم أو يتلونوا بلون غير الإسلام الحنيف :(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138) .
السياسة الداخلية
دعوني أيها الأخوة أسترسل معكم في تقرير هذا المعني ، فأقول إن كان يراد بالسياسة معناها الداخلي من حيث تنظيم أمر الحكومة وبيان مهماتها وتفصيل حقوقها وواجباتها ومراقبة الحاكمين والإشراف عليهم ليطاعوا إذا أحسنوا وينقدوا إذا أساءوا ... فالإسلام قد عني بهذه الناحية ، ووضع لها القواعد والأصول ، وفصل حقوق الحاكم والمحكوم ، وبين مواقف الظالم والمظلوم ، ووضع لكل حداً لا يحدوه ولا يتجاوزه .
فالدساتير والقوانين المدنية والجنائية بفروعها المختلفة عرض لها الإسلام ، ووضع نفسه منها بالموضع الذي يجعله أول مصادرها وأقدس منابعها . وهو حين فعل هذا إنما وضع الأصول الكلية ، والقواعد العامة ، والمقاصد الجامعة ، وفرض علي الناس تحقيقها ، وترك لهم الجزئيات والتفاصيل يطبقونها بحسب ظروفهم وعصورهم ، ويجتهدون في ذلك ما وسعتهم المصلحة وواتاهم الاجتهاد .
وقد قرر الإسلام سلطة الأمة وأكدها ، وأوصي بأن يكون كل مسلم مشرفاً تمام الإشراف علي تصرفات حكومته ، يقدم لها النصح والمعونة ويناقشها الحساب ، وهو كما فرض علي الحاكم أن يعمل لمصلحة المحكومين بإحقاق الحق وإبطال الباطل فرض علي المحكومين كذلك أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم ما كان كذلك ، فإذا انحرف فقد وجب عليهم أن يقوموه علي الحق ويلزموه حدود القانون ويعيدوه إلي نصاب العدالة ، هذه تعاليم كلها من كتاب الله :(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ , وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ , أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:48-50) ، إلي عشر من الآيات الكريمة التي تناولت كل ما ذكرنا بالبيان والتفصيل .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير سلطة الأمة وتقرير الرأي العام فيها : (الدين النصيحة) . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين و عامتهم) .. ويقول أيضاً (إن من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ، ويقول كذلك (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) .. وإلي مئات الأحاديث التي تفصل هذا المعني وتوضحه ، وتوجب علي المسلمين أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر ، وأن يراقبوا حكامهم ويشرفوا علي مبلغ احترامهم للحق وإنفاذهم لأحكام الله .
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يأمر بهذا التدخل ، أو الإشراف أو التناصح ، أو سمه ما شئت ، وحين يحض عليه ، ويبين أنه الجهاد الأكبر ، وأن جزاءه الشهادة العظمي .. يخالف تعالىم الإسلام فيخلط السياسة بالدين ، أم أ، هذه هي طبيعة الإسلام الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأننا في الوقت الذي نعدل فيه بالإسلام عن هذا المعني نصور لأنفسنا إسلاماً خاصاً غير الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه .
لقد تقرر هذا المعني الفسيح للإسلام الصحيح في نفوس السلف الصالح لهذه الأمة ، وخالط أرواحهم وعقولهم ، وظهر في كل أدوار حياتهم الاستقلالية قبل ظهور هذا الإسلام الاستعماري الخانع الذليل .
ومن هنا أيها الإخوان كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلمون في نظم الحكم ، ويجاهدون في مناصرة الحق ، ويحتملون عبء سياسة الأمة ، ويظهرون علي الصفة التي وصفوا أنفسهم بها (رهبان بالليل فرسان بالنهار) حتى كانت أم المؤمنين عائشة الصدِّيقة تخطب الناس في دقائق السياسة ، وتصور لهم مواقف الحكومات في بيان رائع وحجة قوية ، ومن هنا كانت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على الحجاج وحاربته وأنكرت عليه بقيادة ابن الأشعث تسمي كتيبة الفقهاء ، إذ كان فيها سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأضرابهما من فقهاء التابعين وجلة علمائهم.
ومن هنا رأينا من مواقف الأئمة رضوان الله عليهم في مناصحة الملوك ومواجهة الأمراء والحكام بالحق ما يضيق بذكر بعضه فضلاً عن كله المقام .
ومن هنا كذلك كانت كتب الفقه الإسلامي قديماً وحديثاً فياضة بأحكام الأمارة والقضاء والشهادة والدعاوى والبيوع والمعاملات والحدود والتعزيزات ، ذلك إلي أن الإسلام أحكام عملية وروحية ، إن قررتها السلطة التشريعية فإنما تقوم علي حراستها وإنفاذ السلطة التنفيذية والقضائية ، ولا قيمة لقول الخطيب كل جمعة علي المنبر(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90) ، في الوقت الذي يجيز فيه القانون السكر وتحمي الشرطة السكيرين وتقودهم إلي بيوتهم آمنين مطمئنين ، ولهذا كانت تعاليم القرآن لا تنفك عن سطوة السلطان ، ولهذا كانت السياسة جزءاً من الدين ، وكان من واجبات المسلم أن يعني بعلاج الناحية الحكومية كما يعني بعلاج الناحية الروحية .
وذلك موقف الإسلام من السياسة الداخلية .
السياسة الخارجية
فإن أريد بالسياسة معناها الخارجي ، وهو المحافظة علي استقلال الأمة وحريتها ، وأشعارها كرامتها وعزتها ، والسير بها إلي الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم ومنزلتها الكريمة في الشعوب والدول ، وتخليصها من استبداد غيرها بها وتدخله في شؤونها ، مع تحديد الصلة بينها وبين سواها تحديداً يفصل حقوقها جميعاً ، ويوجه الدول كلها إلي السلام العالمي العام وهو ما يسمونه (القانون الدولي) .. فإن الإسلام قد عني بذلك كل العناية وأفتي فيه بوضوح وجلاء ، وألزم المسلمين أن يأخذوا بهذه الأحكام في السلم والحرب علي السواء ، ومن قصر في ذلك وأهمله فقد جهل الإسلام أو خرج عليه .
قرر الإسلام سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها للأمم في آيات كثيرة من القرآن ومنها قوله تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110) ، وقوله تعالى :(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) ، وقوله تعالى:(وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8) ، وأكد قوامتها وأرشدها إلي طريق صيانتها وإلي ضرر تدخل غيرها في شؤونها بمثل قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ , هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران:118-119) ، وأشار إلي مضار الاستعمار وسوء أثره في الشعوب فقال تبارك وتعالى :(إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل:34) .
ثم أوجب علي الأمة المحافظة علي هذه السيادة ، وأمرها باستعداد العدة و استكمال القوة ، حتى يسير الحق محفوظاً بجلال السلطة كما هو مشرق بأنوار الهداية(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (لأنفال:60) ، ولم يغفل التحذير من صورة النصر ونشوة الاعتزاز وما تجلبه من مجانبة للعدالة وهضم للحقوق ، فحذر المسلمين العدوان علي أية حال في قوله تعالى :(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا) (المائدة:8) ، مع قوله تعالى(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).
ومن هنا أيها الإخوة رأينا أخلاء المسجد ، وأنضاء العبادة ، وحفظة الكتاب الكريم ، بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان الله عليهم ، لا يقنعون باستقلال بلادهم ، ولا بعزة قومهم ، ولا بتحرير شعوبهم ، ولكنهم ينسابون في الأرض ، ويسيحون في آفاق البلاد فاتحين معلمين ، يحررون الأمم كما تحرروا ، ويهدونها بنور الله الذي اهتدوا به ، ويرشدونها إلي سعادة الدنيا والآخرة ، لا يغلون ولا يغدرون ، ولا يظلمون ولا يعتدون ، ولا يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
ومن هنا رأينا عقبة بن نافع يخوض الأطلسي بلبة جواده قائلاً : (اللهم لو علمت وراء هذا البحر أرضاً لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك) ، في الوقت الذي يكون فيه أبناء العباس الأشقاء قد دفن أحدهم بالطائف إلي جوار مكة ، والثاني بأرض الترك من أقصي الشرق ، والثالث بأفريقيا من أقصي المغرب ، جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته . وهكذا فهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان أن السياسة الخارجية من صميم الإسلام .
الحقوق الدولية
وأحب قبل أن أختم هذا الاسترسال أن أؤكد لحضراتكم تأكيداً قاطعاً أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين ، سواء أكانت حقوق دولية أم كانت حقوق وطنية للأقليات غير المسلمة ، وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ ، والله تبارك وتعالى يقول :(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (لأنفال:58) ، ويقول :(إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4) ، ويقول تعالى :(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (لأنفال:61).
ولئن كانت إيطاليا المتمدنة قد غزت الحبشة حتى استولت عليها ولم تعلن عليها حرباً ولم تسبق إلي ذلك بإنذار ، وحذت حذوها اليابان الراقية فهي تحارب الصين ولم تخطرها ولم تعلنها ، فإن التاريخ لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن صحابته أنهم قاتلوا قوماً أو غزوا قبيلاً دون أن يوجهوا الدعوة ويتقدموا بالإنذار وينبذوا إليه علي سواء .
وقد كفل الإسلام حقوق الأقليات بنص قرآني هو قول الله تبارك وتعالى :(لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) .
كما أن هذه السياسة الإسلامية نفسها لا تنافي أبداً الحكم الدستوري الشورى ، وهي واضعة أصله ومرشدة الناس إليه في قوله تعالى من أوصاف المؤمنين(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38) ، وقوله تعالى:(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (آل عمران:159) ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه وينزل علي رأي الفرد منهم متي وضح له صوابه كما فعل ذلك مع الحباب بن منذر في غزوة بدر ، ويقول لأبي بكر وعمر : (لو اجتمعتما ما خالفتكما) ، وكذلك ترك عمر الأمر شوري بين المسلمين ، ومازال المسلمون بخير ما كان أمرهم شورى بينهم .
سعة التشريع الإسلامي
كما أن تعاليم الإسلام وسياسته ليس فيها معني رجعي أبداً ، بل هي علي أدق قواعد التشريع الصالح ، وقد اعترف التشريع لكثير منها وسيكشف الزمن للناس علي جلاله ما لم يعرفوا بأنها قد سبقته في دقة الأحكام وتصوير الأمور وسعة النظر ، وشهد بذلك كثير من غير المسلمين كما ورد كثيراً في كلام "الميسو لامبير" و إضرابه ، وأكدت ذلك مؤتمرات التشريع الدولية علي أن الإسلام قد وضع من القواعد الكلية ما يترك للمسلم باباً واسعاً في الانتفاع بكل تشريع نافع مفيد لا يتعارض مع أصول الإسلام ومقاصده و أثاب علي الاجتهاد بشروطه ، وقرر قاعدة المصالح المرسلة ، واعتبر العرف ، واحترم رأي الإمام . كل هذه القواعد تجعل التشريع الإسلامي في الذروة السامية بين الشرائع والقوانين والأحكام .
هذه معان أحب أيها السادة أن تذيع بيننا وأن نذيعها في الناس ، فإن كثيرين لازالوا يفهمون من معنى النظام الإسلامي ما لا يتفق بحال مع الحقيقة ، وهم لهذا ينفرون منه ويحاربون الدعوة إليه ، ولو فقهوه علي وجهه لرجعوا به ولكانوا من أوائل أنصاره وأشدهم تحمساً له وأعلاهم صوتاً في الدعوة إليه .
الحزبية السياسية
أيها الاخوة الكرام ..
بقي للسياسة معني آخر يؤسفني أن أقول أنه وحده هو المعني الذي يرادفها ويلازمها بغير حق في أذهان كثير منا ، ذلك هو (الحزبية).
وإن لي في الحزبية السياسية آراء هي لي خاصة ولا أحب أن أفرضها علي الناس فإن ذلك ليس لي ولا لأحد ، ولكني كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم ، وأري أن واجب النصيحة للامة وخصوصاً في مثل هذا الظروف يدعوني إلي المجاهرة بها وعرضها علي الناس في وضوح وجلاء ، وأحب كذلك أن يفهم جيداً أني حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس معني هذا أني أعرض لحزب دون حزب ، أو أرجح أحد الأحزاب علي غيره ، أو أن أنتقص أحدها وأزكي الأخر ، ليس ذلك من مهماتي ، ولكني سأتناول المبدأ من حيث هو ، وسأعرض للنتائج والآثار المترتبة عليه ، وأدع الحكم علي الأحزاب للتاريخ وللرأي العام والجزاء الحق لله وحده(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران:30) .
أعتقد أيها السادة ، أن الحزبية السياسية إن جازت في بعض الظروف في بعض البلدان ، فهي لا تجوز في كلها ، وهي لا تجوز في مصر أبداً ، وخاصةً في هذا الوقت الذي نستفتح فيه عهداً جديداً ، ونريد أن نبني أمتنا بناء قوياً يستلزم تعاون الجهود وتوافر القوي والانتفاع بكل المواهب ، والاستقرار الكامل والتفرغ التام لنواحي الإصلاح . إن وراءنا في الإصلاح الداخلي منهاجاً واسعاً مطولاً ، يجب أن نصرف كل الجهود إلي تحقيقه ، لإنقاذ هذا الشعب الدائم الحيوية ، الجم النشاط ، المجهز بكل وسائل النشاط ، الذي لا ينقصه إلا القيادة الصالحة والتوجيه القويم ، حتى يتكون أصلح تكوين ، يقضي علي الضعف والفقر والجهل والرذيلة ، وهي معاول الهدم وسوس النهضات ، وليس هنا محل تفصيل هذا المنهاج فذلك له وقت آخر ، وأنا أعلم أننا جميعاً نشعر بثقل وطأة الأعباء ، وبالمجهودات العظيمة التي يجب أن تبذل في سبيل التنظيم الداخلي في كل مظاهر الحياة .
وأعتقد كذلك أننا جربنا الوحدة مرتين , كانت كل واحدة منهما ألمع نجم في تاريخ النهضة , أما أولاهما ففي فجر النهضة حينما برزت الأمة صفا متحدا تنادي بحقها وتطالب باستحقاقها في اجتماع أفزع الغاصبين وروع المستعمرين ووهنت أمام سلطانه قوى الظالمين , أما الثاني فحين تكوين الجبهة الوطنية التي خطت بنا خطوة مهما كانت قصيرة فهي إلى الأمام على كل حال , وجربنا التفرقة في مرات كثيرة من قبل ومن بعد فما رأينا إلا تمزيق الجهود , وإحباط الأعمال , وإفساد الشؤون , وإتلاف الأخلاق , وخراب البيوت وتقطيع الأرحام , واستفادة الخصوم على حساب المختلفين المتنابزين .
الحزبية والتدخل
وأعتقد أيها السادة أن التدخل الأجنبي في شؤون الأمة , ليس له من باب إلا التدابر والخلاف , وهذا النظام الحزبي البغيض , وأنه مهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد , يلوّحون له بخصمه الآخر , ويقفون منهما موقف القرد من القطتين , ولا يجني الشعب من وراء ذلك إلا الخسارة من كرامته واستقلاله وأخلاقه ومصالحه .
إننا يا إخوان أمة لم نستكمل استقلالنا بعد استكمالا تاما , ولا زلنا في الميزان , ولا زالت المطامع تحيط بنا من كل مكان , ولا سياج لحماية هذا الاستقلال والقضاء على تلك المطامع إلا الوحدة والتكلف .
وإذا جاز لبعض الأمم التي استكملت استقلالها وفرغت من تكوين نفسها أن تختلف وتتحزب في فرعيات الأمور , فإن ذلك لا يجوز في الأمم الناشئة أبدا , على أننا نلاحظ أن الحوادث العالمية قد ألجأت الأمم جميعا إلى التجرد من الحزبية مطلقا , أو الإبقاء على حزبية صورية تقليدية مع الوحدة في كل الاتجاهات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.