على بوابة مسجد "الصالح" بالعاصمة صنعاء اختارت هذه الطفلة الجلوس مع اخيها المعاق – بدون رجلين - وافترشت رداء أبيها استجداء للناس.. كانت تجلس مع أخيها في طريق الاغنياء المترفين القادمين من "فِللهم " ومنازلهم مع أطفالهم الصغار في ترف ونعيم، جميعهم جاء لأجل الصلاة في المسجد المزخرف والذي يشبه بيئتهم وحياتهم الراقية زخرفةً .. يترك بعض المصلين أولادهم في فناء المسجد الواسع وحديقته السياحية ومعهم الالعاب والكيك والمشروبات، منهم من يداعب أولاده في حديقة المسجد ويلتقط معهم الصور التذكارية على مساحة العشب الطبيعي الاخضر طوال خطبة الجمعة ومنهم من يدخل الى المسجد يستمع الخطبة. ما الفرق بين هذه الطفلة الصغيرة المسكينة التي تمارس مهمة قد اُوكِلت اليها من قبل أسرتها المعدمة والفقيرة فحملت أخاها المعاق وجاءت الى باب المسجد لتشاهد أطفال الآخرين في عمرها وعمر أخيها مع آبائهم يضحكون ويأكلون ويلعبون؟. تساؤل دار في الذهن وأنا أحاول المقاربة بين المشهدين أمام عيني، في فناء المسجد نفسه، لم يزعجني مشهد رفاهة اطفال بعض العائلات التي تضحك وتلعب, ولكن الذي يدمي القلب أن بعض أولئك الاطفال – أبناء المسؤولين- يبتسمون في وجه الطفلة المسكينة وأخيها من دون أن يدركون بأن والدهم الوزير أو الوكيل أو المدير أو الضابط والعقيد قد اشترى لهم الالعاب والمنزل والسيارة على حساب أمثال هؤلاء الاطفال والناس الفقراء والمعدمين وأنه مشارك في حرمانهم من طفولتهم ووصولهم إلى هذه الحالة المأساوية. أول ما ادركت الطفلة أني أقوم بتصويرها اشتد حياؤها وابتسمت ابتسامة خفيفة موجهةً رأسها نحو الارض بخلاف الاطفال الذين يتصورون مع عائلاتهم.. ادركت أني أقوم بتصويرها مع أخيها ليس للذكريات ولكن لغرض الكتابة أو الحديث عن أوجاعها التي قلما تجد شخصاً طيباً يلامسها ويعطف عليها بمائة ريال أو عشرة ريالات وعشرين ريالاً تجمعها وتعود بها الى عائلتها فيكافحون بها من أجل البقاء. فيما يكافح الآخرون في سبيل نشل ونهب ثروات وطنهم وبلادهم ويزرعون الألغام الناسفة والسيارات المفخخة في جسده كل يوم بل ويطال أفعالهم بعضاً من هؤلاء الأبرياء. الجولات وأرصفة الشوارع نصادف الآلاف من مثل هؤلاء الاطفال كل يوم، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه هذه الطفلة في المدرسة مع زميلاتها تكون مع اخيها في الجولات وعلى أرصفة الشوارع.. وفي الوقت الذي يجب ان تكون فيه طفلة أخرى تشبه هذه الصغيرة تماماً في منزلهم الى جوار عائلتها يحدثني صديقي أحمد البكاري انه صادفها آخر مرة على رصيف شارع التحرير – صنعاء - مع اقتراب نصف الليل وسط الظلام كانت فتاة بريئة أيضاً تجلس على استحياء شديد موجهة رأسها الى الارض، اقترب منها أحمد والحزن يكوي ضميره من هذا الواقع المؤلم والمخجل. حاول الحديث اليها بأن الوقت متأخر من اليل وبقائها في الشارع غير صحيح، حاول أيضاً مساعدتها من أجل ان تتواصل وترجع الى منزلها أو احد معارفها، لكن الطفلة غرقت في الحياء اكثر وتسمرت في مكانها ولم تستطع رفع عيناها أو مد يدها وأخذ مساعدته البسيطة، تركها أمامها وحمّل نفسه هو الآخر مغادراً. طفولة وإعاقة كيف لأحمد أن يعود ويغمض عينيه وينام وتلك الطفلة وحيدة على الرصيف؟ كيف لي أن أتجاوز الطفلة وشقيقها المعاق وأدخل الى الصلاة؟ كيف يقدر جميع المسؤولين أن يعالجوا أولادهم في دول الخارج ويشتروا السيارات والالعاب وهناك الملايين من الاطفال في العراء بلا كساء ولا غذاء ولا دواء؟. كنت أريد أن أعرف من الطفلة اسمها وبعض المعلومات عن حياتها وأسرتها لكن مع الأسف عند انتهائنا من الصلاة كانت قد حملت نفسها ومعها شقيقها وغادرت المكان لربما الى البوابة الخلفية، أو انها لم تستطع مشاهدة الاطفال الاخرين يبتسمون في وجه الحياة وهي تسمع أنين وأوجاع شقيقها ويحدثها بأن حرارة الشمس محرقة وأنه جائع وتكاد انفاسه تذهب من شدة العطش. الموت يحاصرنا والجوع والفقر يحاصر أطفالنا من كل اتجاه، سأقرأ على ضمير وزراء حكومتنا سورة الفاتحة، على رجال الاعمال في هذه البلد، على فاعلين الخير، على منظمات الطفولة، وحقوق الحيوان.