تناولت محاضرة المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل مساء الثلاثاء مشكلات دراسة تاريخ اليمن وخاصة المشكلات التي تواجه قراءة التاريخ اليمني، وكتابته ومشكلاتالمحاولات السابقة لكتابة تاريخ اليمن للدكتور نزار عبد اللطيف الحديثي رئيس قسم التاريخ/جامعة صنعاء وهنا نستعرض المحاضرة كاملة حيث بدأ الحديثي محاضرته بالقول :صحيح أن لا فرق كبير بين الأمرين غير أن التمييز بينهما ضروري لمسالة الوعي، وتقدير مضمون المعرفة التاريخية التي نتداولها. وإذا كنت بدأت محاضرتي بعنوان محدد: (مشكلات دراسة التاريخ اليمني)، فهذا يعني ضمنيا أنني أجد اليمن بيئة لصنع التاريخ، وإنتاج المعرفة التاريخية، لكنني قد اختلف مع الآخر أيا كان في توصيف هذه التاريخانية، الأمر الذي يلزمني بتحديد هيكليتي للموضوع كي ابدوا واضحا، ولأتيح للآخر أن يفهمني ويتحاور بوجهة نظره مع وجهة نظري. على هذا الأساس فان محاضرتي سوف تتناول المحاور الآتية: أولا- توصيف التاريخ اليمني. ثانيا- تحديد مشكلات التاريخ اليمني "وجهة نظر خاصة". 1. مشكلات ذاتية في التاريخ نفسه. 2. مشكلات موضوعية في البيئة العلمية. 3. مشكلات صنعتها تجربة كتابة تاريخ لليمن سابقا. 4. مشكلات معاصرة في تقييم تأريخانية اليمن وكتاباته السابقة. ثالثا- مقترحات رابعا- فلسفة التجربة التاريخية اليمنية، "رؤية خاصة". أولا- توصيف التاريخ اليمني: تصدر جميع أشكال التناول للزمن التاريخي في اليمن ايماءات بأنه زمن قديم البداية، وان بدايته ترتبط بنشأة مبكرة يجري البحث الآن في تحديد بداياتها، وتقترن تلك البداية بنشاط تاريخي شمل معظم البيئة اليمنية، نمتلك عنه شواهد صحيح إنها غير متكاملة ( لم نعثر على انسانها) لكنها تعطي أفكاراً أولية متعددة الجوانب من خلال (جوها الانثربولوجي): 1. فهي تغطي الأزمنة التاريخية التي تعارف عليها دارسوا التاريخ، ففيها شواهد تعود إلى ما قبل الإنسان العاقل، وشواهد ترتبط بالإنسان العاقل في عصوره الثلاث ( الحجري والبرونزي والكتابي) 2. و تغطي البيئة اليمنية جغرافيا بدء من حضرموت إلى الهضبة إلى تهامة إلى الجزر اليمنية. 3. و فيها ملامح تكون سلالي، بمعنى أنها شهدت تداولا بشريا متصلا، وهو الشرط الأساسي لتكوين زمن تاريخي، فبعض هذه المواقع بقيت موضع استخدام بشري طويل الأمد. 4. والأهم أن ذاكرة الإنسان اليمني تختزن صورا لهذا التاريخ بقيت تتداولها، تتسم ببنائية لها ميدانها التاريخي( اليمن)، وعنصرها الأساسي( الإنسان اليمني)، ودورها( الوطني والقومي والإنساني). يبدأ الزمن التاريخي اليمني وفق هذه الشواهد في حدود 150 الف عام تقاسمها( حسب المعلومات المتاحة) نوعان من البشر، هما الإنسان الأول، والإنسان العاقل الذي نتحدر نحن منه، غير إننا لا نملك معلومات عن هذا الزمن انما عن جزء بسيط منه، وبسيط جدا مقداره ألف سنة غير انه اتسم بسمات حضارية مهمة، فهو كتابي، ويمتلك نظاما اجتماعيا متكاملا لتقسيم العمل، وهي السمة التي تجعل تحديداتنا لبدايته غير دقيقة. فليس من المعتاد ان يوجد الإنسان مرة واحدة في مجتمع يعرف الكتابة، وله بنيوية واضحة متكاملة، ويجيد بناء المنشآت الحضارية ومتمدن. فالطبيعي ان الإنسان يوجد بدائيا ثم يتطور والزمن البدائي هو الاطول، فعلا سبيل المثال الإنسان العاقل في العراق قضى حوالي ثلاثين الف سنة بدائيا، استقر في اخر 15-10 الف سنة منها وابتكر الكتابة في أخر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة سبقت الميلاد. وإذا كنا نعتقد جازمين في العراق ان الإنسان العراقي ابن حراك بشري جاء به من بيئة حضارية أولى في جزيرة العرب، فلنا ان ندرك كم هي قديمة تلك البيئة اذن؟ أخلص هنا الى ان تاريخ اليمن الذي نهايته بايدينا الان موغل في القدم، وتشكّل مهمة تحديد بدايته من حيث الزمان والمكان، أول التي تواجه المؤرخين اليمنيين، وهي واحدة من ابرز مشكلات دراسة تاريخ اليمن. ثانيا- مشكلات دراسة التاريخ اليمني: 1. مشكلات ذاتية: أ - يعاني الزمن التاريخي اليمني من ظاهرة عدم الوضوح الذي يوحي بوجود انقطاع، يحس به الباحث فيه، وقد ألمحت الى ذلك قبل اكثر من ثلاثين عام عندما قلت بان في التاريخ اليمني فجوة حضارية سبقت الدول التي وصلت اخبارها لنا من (ق.9ق.م)، وان مصدر هذه الفجوة ليس ذاتيا انما فنيا سببه عدم وجود ستراتيجية وطنية للبحث والتنقيب تمكننا من تتبع المظاهر الحضارية للتاريخ اليمني. ب - طبيعة المخلفات القديمة خاصة الكتابية. فالكتابات المسندية التي وصلت الينا تكاد تكون احادية الجانب( كتابات نذرية)، غير ان هذا ليس بالسبب القوي الذي يفرض علينا ضمورا في المعرفة التاريخية، اضافة الى ان هذه النقوش لم تدرس تاريخيا بصورة كاملة انما اكتفينا بترجمتها، وهذا انجاز رائع حققه اللغويون يمنيون واصدقاء ولكن هناك فرق بين الترجمة والقراءة التاريخية للكتابات المسندية، ناهيك عن ان هذه النقوش هي التي وصلت الينا، فالتقطناها، ولنا ان نتوقع المزيد منها مما لم يصل الينا لاسباب طبيعية( الاندثار)، أو لقصور التنقيبات. ت - الكتابات التاريخية وومدونات كتابة التاريخ. لدينا من الماضي الاسلامي لليمن نوعين من الكتابات، الاول: كتابة تاريخية صرفة تتمثل في المؤلفات التي وضعها مؤرخون يمنيون اشتغلوا بكتابة التاريخ العام، أو التواريخ المحلية، أو الانساب، أو تاريخ المدن، أو التراجم والسير، أو الاخبار. والثاني: مدونات ذات نكهة تاريخية، اي انها تعرضت لمظاهر الحياة اليمنية، واصبحت الان اساسية في كتابة تاريخ لليمن. 2. مشكلات موضوعية: أ - منهجية دراسة التاريخ: يعاني التاريخ العربي عموما واليمني من ضمنه من غياب منهجية وطنية قومية تنهج علميا في كتابة التاريخ، وحتى المحاولات العربية التي بذلت مخلصة لم تستطع مغادرة المنهجية الاوربية. ومما عزز الخلل اننا لم نقيم المنهجية الاوربية تقييما دقيقا فنقف على طبيعة تشكيل العقلية الاوربية، ودوافع الاوربيين في تناولهم لتاريخنا فأستسلمنا، وذهب بنا الاستسلام الى حد نفي ذاتنا واسقاطها من حساب الحضارة والتاريخ والعلم، في حين ان الذين درسوا تاريخنا وحضارتنا وعلومنا لم يكونوا يملكون مثلها انذاك. ب - القصور في اعداد المتخصصين في الدراسات التاريخية، وغياب ستراتيجية واضحة في الدراسات العليا تراعي التنوع، والتوزيع الجيد للمختصين في جوانب الدراسة والبحث فتاريخنا لم يكن آحادي الجانب(سياسي) انما متكامل الجوانب( حضاري) بل ان السياسي فيه اسوأ جوانبه. ت - غياب ستراتيجية وطنية للتقيبات، وقصور في رصد المواقع الاثارية، بسبب نقص الخبرات والدعم وغياب الاهتمام الشعبي. ث - غياب قانون وطني يحسم ملكية الموروث التاريخي والحضاري، ويجعلها ملكية وطنية بدل ان تكون ملكية شخصية تنهب ولاتحمي من أطراف تنشد الربح على حساب الوطن والهوية. ج - المهددات الكثيرة التي تهدد الموروث الحضاري ماديا أو علميا، وفي مقدمتها عبث الجهل والتخلف، وتهديدات البيئة الطبيعية( الرطوبة والحشرات)،