عيد آخر زار اليمن هذا العام والحرب لم تضع أوزارها بعد.. أضحى مر في حياتهم دون أن يغنّي اليمنيون "آنستنا يا عيد"، كما هو حال الحاج سيلان، الذي ظل قبيل عيد الأضحى يتنقل بين أسواق المواشي في العاصمة صنعاء بحثاً عن أضحية، دون أن يتمكن من شراء رأس خروف أو ماعز.. من وسط نيران الحرب، وروائح البارود عاش اليمنيون عيدهم، في ظل معاناة مئات آلاف الأسر من صعوبة شراء أضحية العيد، كما اعتادت في كلّ أضحى. كانت الأسعار مرتفعة جداً، والمبلغ الذي بحوزة الحاج 20 ألف ريال، لا يمكنه من شراء الأضحية التي تبلغ العمر المقر شرعاً، وإنما يجلب له أضحية لا يتعدى عمرها 6 أشهر.. وجد سيلان نفسه غير قادر على القيام بتشريع ديني وتقديم الأضحية هذا العيد.. مثل هذا الحاج مواطنون كثر على امتداد اليمن حرمتهم الأوضاع المعيشية الصعبة، الناجمة عن الحرب أضحية العيد هذا العام.. رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية إلى مستويات غير مسبوقة، استعدّت أسواق يمنية لعرض أضاحي العيد، وبدت مظاهر العيد حاضرة في كلّ الأزقة، رغم الحرب والحصار.. إلّا أن أسعار الأضاحي باتت تفوق قدرات الفقراء والميسورين هذا العام، وهو ما دفع تلك الشرائح إلى البحث عن بدائل مناسبة. استعداد بائس استعدّت الأسواق لعرض كمّيّات كبيرة من الماعز والضأن والأبقار، لمواجهة طلب الأضاحي لهذا الموسم، إلّا أن الإقبال على الأضاحي من قبل المواطنين لهذا العام كان دون المستوى. كان العرض أقلّ من كلّ عام، والطلب تراجع إلى أدنى المستويات، بسبب تراجع مستويات الدخل، وارتفاع أسعار المواشي بنسبة 50% عن العام الماضي. وتباينت أسعار الأضاحي المحلّية، ما بين 30 ألف ريال و80 ألف ريال. فيما أسعار الأضاحي المستوردة من دول القرن الأفريقي (بربري)، والتي كان يلجأ إلى شرائها محدودو الدخل، ارتفعت هذا الموسم إلى أعلى المستويات.. وأصبح سعرها مقارباً لأسعار الأضاحي المحلّية (البلدي)، بسبب ارتفاع الدولار، وارتفاع تكلفة النقل من بربرا خارج الصومال، إلى ميناء الحديدة. شهدت أسعار الأضاحي في مدن يمنية عدة، ارتفاعا غير مسبوقا هذا العام، تزامنا مع أزمة السيولة المالية التي تشهدها البلد وعدم صرف مرتبات معظم الموظفين الحكوميين في مرافق ومؤسسات الدولة. الأزمة المالية دفعت الكثير من المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل للإحجام عن شراء الأضاحي، لعدم مقدرتهم على شرائها، علاوة على ارتفاع أسعارها.. فيما دفعت أزمة المرتبات، الموظفين الحكوميين إلى شراء أضاحي العيد التي تشهد ارتفاعا غير مسبوقا هذا العام بالتقسيط وبسعر وصل إلى 40 ألف ريال للرأس المستورد وبزيادة تعدت 10 ألف ريال عن سعره الحقيقي.. غلاء أسعار ورغم قلة الإقبال على شراء الأضاحي في الأسواق، إلا أن سعر الرأس الواحد من الماشية المحلية تجاوز 40 ألف ريال، مقابل 30 ألف ريال للمستوردة، فيما بلغت أسعار العجول بين 500- 600 ألف ريال. ولجأ بعض المواطنين إلى شراء قسائم الأضاحي من الموظفين الحكوميين الذين حصلوا عليها بالتقسيط، لكن بنصف قيمتها نقدا. تجار مواشي أفادوا بزيادة أسعار الأضاحي بنسبة تتراوح ما بين 50 إلى 100% هذا الموسم، نتيجة صعوبة الاستيراد، وأوضحوا أن رأس الغنم وما وزنه 15 كيلو غرام وصل سعره إلى 30 ألف ريال، وكذلك بالنسبة للماعز.. أما أسعار "العجول" الأبقار فشهدت ارتفاع كبير جداً، حسب تجار، رغم أن الطلب عليها كان ضئيل جداً كون أسعارها مرتفعة وتبدأ من 180 ألف ريال وما فوق، وحسب السن والوزن.
اليمنيون يعتبرون اللحوم بأنها وجبة مهمة لا بد أن تحضر موائدهم أغلب أيام السنة، إلا أنها لم تعد كذلك، فأغلبهم لا يأكلونها إلا في عيد الأضحى.. لكن هذا العام وجدوا أنهم غير قادرين على توفيرها، خصوصاً أن السنوات الأخيرة زادت نسبة الفقر، خاصة في ظل الحرب، الأمر الذي حرم الكثير من الأسر اليمنية من اللحوم. فجوة الاستهلاك وفقاً لتقارير صنفت اليمن في المرتبة 13 عربياً في استهلاك اللحوم، وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" قالت في تقارير سابقة إن اليمن تستهلك حوالي 370 ألف طن من اللحوم.. المنظمة أوضحت أن اليمن تحتل المرتبة 13 عربياً و138 عالمياً في استهلاك اللحوم، وبمعدل 16 كيلو استهلاك الفرد سنوياً من إجمالي استهلاك اللحوم.. وفقاً للإحصاءات فإن اليمنيين يستهلكون لحوماً بما قيمته 200 مليون دولار سنوياً، إلا أن هذه الأرقام تراجعت بشكل كبير وفقاً للمهتمين في ظل تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الدخل. تنتج اليمن سنوياً 186 ألف طن من اللحوم الحمراء، و166 ألف طن من اللحوم البيضاء، وفقاً للإحصاء الزراعي التابع لوزارة الزراعة 2013.. إلا أن هذه الكمية من اللحوم الحمراء المنتجة محلياً لا تغطي الطلب الاستهلاكي المحلي، حيث أدى ذلك إلى ظهور فجوة غذائية يتم سدها عن طريق استيراد اللحوم الحمراء المجمدة والحية ومشتقاتها لتلبية احتياجات السوق المحلية.. يشير كتاب الإحصاء الزراعي إلى أن الثروة الحيوانية في اليمن تبلغ حوالي 21 مليون رأس، منها 9.6 مليون رأس من الأغنام، و9.3 ملايين رأس من الماعز، و1.7 مليون رأس من الأبقار، و454 ألف رأس من الجمال. تحديات مستقبلية مستقبل الثروة الحيوانية في اليمن تكتنفه الكثير من التحديات التي تهدد بانقراض هذه الثروة، في ظل غياب الرقابة وعدم تطبيق القوانين، وفقاً لمختصين.. من تلك المهددات "ذبح إناث المواشي"، الأمر الذي يقود إلى تراجع أعداد هذه الثروة، إلى جانب توسيع الفجوة الاستهلاكية ،وحرمان البلد من تحقيق الاكتفاء الذاتي، واللجوء إلى الاستيراد الذي يُكلف الاقتصاد الوطني الكثير من العملة الصعبة. الثروة الحيوانية تعاني من غياب الاهتمام، وفقاً لمصدر في وزارة الزراعة كشف عن إن الإهمال الذي تعانيه هذه الثروة زادت حدته خلال العامين الأخيرين.. يقول المصدر: فالتحصين والعلاج للمواشي في مختلف المزارع اليمنية متوقف تماماً، الأمر الذي يقود إلى تدمير هذه الثروة وإلحاق الضرر بأكلي اللحوم ومستخدمي ألبانها.. ويشير إلى أن هناك أمراضاً مزمنة تصيب الثروة الحيوانية في اليمن وتتطلب إجراءات وقاية بصورة مستمرة.. ويضيف:" فضلاً عن المخاطر التي تواجهها المواشي التابعة للدولة جراء نقص الأعلاف وعدم قدرة إدارات تلك المزارع على توفير الأعلاف".. ويتابع: خاصة أنها تعاني من قلة إيرادات منتجاتها من الألبان جراء قلة الطلب على الألبان الطازجة بسبب غياب التيار الكهربائي في مختلف محافظاتاليمن. مهددات المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال للمشاهد: "توقفت كافة حملات التحصين، وكذلك العلاجات الخاصة بالمواشي، وباتت مئات المواشي تتعرض للموت".. وأفاد أن وزارة الزراعة المعنية بتنمية الثروة الحيوانية غير قادرة على توفير اللقاحات والعلاجات وإقامة الحملات التحصينية والوقائية، لمواجهة الأمراض التي تفتك بهذه الثروة.. وأضاف:" وفي الوقت ذاته تحجم كافة الجهات المالية في الدولة عن صرف الاعتمادات المالية المتعلقة بالحفاظ على المواشي".. الأمر الذي يهدد صحة وسلامة المستهلك اليمني للحوم، وفقاً لذات المصدر، خاصة أن هذه المواشي لا يتم فحصها في المزارع إضافة إلى عدم خضوعها للفحص لدى المسالخ التي تقوم بالذبح. أكثر من سبب أدّى إلى تراجع الطلب على أضاحي العيد في الأسواق اليمنية. فإلى جانب غلاء أسعار الأضاحي، أصبحت مهمّة تبريد لحوم الأضاحي مستحيلة، في ظلّ عدم وجود كهرباء حكومية في أغلب المحافظات أو انطفاءاتها المستمرة.. للحرب والحصار دور رئيس في تراجع الإنتاج المحلّي من المواشي. فالإقتتال الداخلي تسبّب بتراجع الإنتاج المحلّي، هذا العام، من الأغنام والضأن والماعز والأبقار في مختلف المحافظات، بسبب نفوق كمّيّات كبيرة من رؤؤس الأغنام والضأن والأبقار والإبل. سد الفجوة منظّمة الزراعة والأغذية (الفاو) أشارت، في تقريرها السنوي للعام الماضي حول تطوّرات الأمن الغذائي في اليمن، إلى تأثّر الإنتاج الحيواني التجاري بشدّة بالصراع، ممّا يتسبّب في ندرة الأعلاف وغيرها من المدخلات. ولفتت إلى أن ارتفاع أسعار العلف الحيواني والأعلاف، وتدهور أراضي الرعي نتيجة المواجهات المسلّحة، ونزوح المزارعين من منازلهم وأراضيهم، حد من الإنتاج الحيواني في اليمن.. مضيفة أن تراجع هطول الأمطار أجبر مربّي الماشية على بيع بعض الحيوانات، لمواجهة ندرة العلف ومحدودية مناطق الرعي. تفيد الإحصائيّات الرسمية بتراجع الإكتفاء الذاتي من اللحوم لليمن، خلال الفترة من 2008 إلى 2013، من 48.42% إلى 38%، نتيجة تهريب الماشية إلى السعودية، وخصوصاً الإناث وصغار الماشية من أغنام وأبقار وماعز، والتي كانت تصل إلى 100 ألف رأس سنويّاً. وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، استعانت اليمن في سدّ الفجوة في الإكتفاء الذاتي من اللحوم والألبان، بعدد من الدول، منها دول القرن الأفريقي وأستراليا والهند، وبلغت واردات اليمن من المواشي، في تلك الفترة، أكثر من 250 ألف رأس. غياب الرقابة في ظل غياب الرقابة يأكل المستهلك اليمني لحوماً غير خاضعة للفحص، ولا يعرف أنها صالحة للاستهلاك أم لا، ففي مدن يمنية مختلفة تعمل أغلب المسالخ بعيداً عن أية رقابة.. وهو ما يؤكده ملاك مسالخ بإن المواشي التي تفحص هي التي تذبح في المسالخ المركزية التابعة للدولة فقط، أما التي تُذبح في المسالخ الخاصة لا تخضع للفحص.. ورغم أن القانون يمنع أصحاب المسالخ من الذبح في محلاتهم وأن يتم الذبح في المسالخ المركزية التابعة للدولة والتي تقوم بفحص المواشي قبل ذبحها، إلا أن هذا لا يُنفذ، حسب تأكيد ملاك مسالخ. ويحذر أطباء من كارثة صحية وبيئية تخلفها عملية الذبح العشوائي في المسالخ الخاصة داخل الأحياء والأسواق، دون أن تخضع المذبوحات للفحص الطبي.. وينبه أطباء ومختصون من أن مخلفات الذبح لها تأثيراتها البيئية، وفي ظل غياب الدولة وعدم تطبيق القانون يواجه اليمنيون مشاكل متعددة تهدد صحتهم.