يأتي رمضان هذا العام وموظفو محافظة تعز، وسط اليمن، يعانون، إضافة إلى الحصار والقتل والدمار، انقطاع مرتباتهم، والتي تمثل العمود الفقري للاستمرار في حياتهم. أقدم عدد من تجار المواد الغذائية التجزئة بتعز على إيقاف عمليات البيع الآجل "الدين" للمعلمين بالمحافظة فيما يهدد آخرون باتخاذ نفس الإجراء، معللين ذلك بتراكم الديون عليهم منذ أن توقفت رواتبهم قبل حوالي تسعة أشهر، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية ستجتاح عشرات الآلاف من الأسر. يتجاوز عدد المعلمين في محافظة تعز 43 ألف معلما يعولون أكثر من 250 ألف نسمة وفقا لحسابات متوسط عدد أفراد الأسر والإعالة، ويعتمد السواد الأعظم منهم على راتبه كمصدر دخل وحيد لأسرهم. "ثمانية أشهر والأصوات تتعالى في شارع جمال بتعز، وسط اليمن.. لكن لا جديد سوى المزيد من الأوجاع"، هكذا يصف الأستاذ/ عدنان الأثوري حالة البؤس الساكنة ملامح وجهه.. فمنذ أغسطس/آب 2016، وعدنان، كغيره من موظفي تعز، يعيش وضعاً صعباً بعد انقطاع مرتبه، الأمر الذي فاقم من معاناتهم، وجعل أعباءهم تزيد بشكل كبير، وصار همهم الأكبر هو لقمة العيش. ويعيش سكان مدينة تعز ظروفاً مأساوية بعد أكثر من عامين من الحرب، في حين فاقم تأخر المرتبات من معاناة الناس هناك، لتستمر معاناة الموظفين أكثر في هكذا ظروف صعبة يعيشونها، في ظل الحرب وانقطاع المرتبات، دون أن يلتفت لهم أحد. سبب وضحية لم يتوقع المعلمون بمحافظة تعز أن يأتي عليهم يوم تهددهم فيه المجاعة، ولم يخطر ببالهم خطر الموت جوعا فهذا الأمر كان ضربا من الخيال. غير أن المليشيا الانقلابية استطاعت أن تحول ذلك الخيال إلى واقع بعد أن سطت على مؤسسات الدولة ونهبت مقدراتها لتتسبب في توقف رواتب موظفي الدولة بما فيهم المعلمين.. وعقب عجز الانقلابيين عن دفع المرتبات قبل حوالي تسعة أشهر التزمت الحكومة الشرعية بصرف رواتب الموظفين بما فيهم المعلمين وقد باشرت العمل بهذا الالتزام وصرفت رواتب المعلمين في جميع المحافظات المحررة باستثناء معلمي تعز الذين لم يتسلموا من رواتب التسعة الأشهر سوى راتب شهر نوفمبر 2016م.. علما بأن هذا الراتب لم يصرف منه سوى المرحلة الأولى والتي شملت معلمي بعض المديريات فقط.. الأمر الذي أثار تساؤلات حول موقف الحكومة من محافظة تعز التي تعاني من الحرب والحصار منذ أكثر من عامين.. وبالتالي لم يجد المعلمون حلا لتوفير احتياجات أسرهم الأساسية سوى اللجوء إلى تجار التجزئة في قراهم وعزلهم وحاراتهم بجميع مديريات المحافظة ليأخذوا منهم ما يحتاجون على أن يتم السداد مع استلام الراتب.. غير أن عددا من التجار أوقفوا العمل بهذا الاتفاق معللين ذلك بطول فترة انقطاع الرواتب حيث وصلت إلى قرابة تسعة أشهر. الصورة عن كثب عبد الرحمن الشرعبي معلم لغة عربية تحدث للمشاهد عن الوضع المأساوي الذي يعيشه معلمو تعز منذ أن توقفت رواتبهم فيقول: "في الواقع لا يمكن أن نختزل معاناة تعز أو معلميها في بضعة سطور فهي تحتاج إلى مجلدات، لكن سأتحدث عن الخطر الذي يتهدد معلمي تعز وأسرهم بعد أن رفض أصحاب المحلات الغذائية مواصلة إمدادنا بما نحتاج من الضروريات بعد أن دخلنا في الشهر التاسع على التوالي ونحن بلا مرتبات". ويضيف: "وخلال هذه الفترة كنا نسحب منهم المواد الغذائية على أن نسدد ماعلينا لهم عندما نتسلم رواتبنا، وبالتالي يجد عدد كبير من المعلمين أنفسهم أمام خطر المجاعة وأنا أحد هؤلاء فقبل أسبوع من الآن ذهبت إلى التاجر الذي كنت أعامله وطلبت منه متطلبات شهر رمضان الأساسية لكنه رفض وقال لي بأن مديونيتي تجاوزت أربعمائة ألف ريال". ويتابع: "مع العلم أنني قد صرفت خلال العامين الماضيين كل ما ادخرته سواء كان مالا أو ذهبا خاصا بزوجتي، ولا املك في منزلي من القوت في الوقت الحالي إلا لعشرة أيام ولا ادري ما سيحدث حينها". عبد الباسط الصبري معلم صف، يستعرض أيضا معاناته فيقول: "لدي ثمانية أفراد هم مجموع أسرتي لا أستطيع تصديق حقيقة عجزي عن توفير لقمة العيش الضرورية لهم، وأكاد أجن عندما تساورني أوهام فقدهم لا قدر الله بالموت جوعا". ويضيف الصبري: "تسعة أشهر والحكومة الشرعية توعدنا بصرف رواتبنا لكننا لا نلمس سوى الكذب والخداع، كما لمس ذلك التجار الذين كانوا يبيعون لنا المواد الغذائية بالآجل على اتفاق أن نسددهم عندما نستلم الراتب، فقاموا بإيقاف البيع لنا في الوقت الذي لا نملك فيه أي مصدر دخل آخر وبالتالي نحن على وشك الدخول في مجاعة واسعة ستحصد أرواح الآلاف من الناس". الجدير بالذكر أن عددا كبيرا من المعلمين أكدوا أن التجار الذين ما زالوا يبيعون لهم بالآجل هددوا بإيقاف البيع مالم يتم سداد المبالغ السابقة بأقرب وقت ممكن، وحينها ستتسع رقعة المأساة ودائرة المعاناة. عذر شرعي من جانبهم أوضح بعض تجار التجزئة والمحلات التجارية للمواد الغذائية عن أسباب إيقافهم البيع للمعلمين.. سعيد الحجري– مالك محل لبيع المواد الغذائية في المركزي بتعز- قال أن السبب يعود إلى ارتفاع مديونية المعلمين له من جهة والتي تجاوزت 17 مليون ريال خلال الأشهر الماضية وقلة رأس المال الذي يفترض أن يغطي المبيعات الآجلة من جهة أخرى واستمرارنا بالبيع الآجل يعني الإفلاس".. على شفا كارثة منذ تسعة أشهر والحكومة الشرعية تماطل في تسليم رواتب معلمي محافظة تعز دون أي سبب يذكر، رغم أنها تصرف مرتبات المعلمين في المحافظات الأخرى.. الأمر الذي جعل معلمي تعز يلجؤون إلى الاستدانة من المحلات التجارية المعروفة لديهم غير أن هذا الباب يبدو أنه سينغلق عليهم بعد أن أغلق بعض تجار المواد الغذائية محلاتهم في وجههم بسبب تراكم الديون عليهم. ويلوح آخرون باتخاذ نفس الإجراء، ما يعني أن المعلمين في محافظة تعز على شفا كارثة إنسانية كبيرة ستجتاح أسرهم، لذا ينبغي على الحكومة الشرعية صرف الرواتب بشكل عاجل لتفادي الكارثة. معاناة مستمرة ويعيش سكان مدينة تعز، وسط اليمن، ظروفاً مأساوية بعد عامين من الحرب، بسبب الحصار المفروض من قبل المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على المنفذين الشرقي والغربي للمدينة، ما أدى إلى نقص شديد في المواد الغذائية والطبية. وفاقم تأخر الرواتب من معاناة الناس، إذ تواجه المالية العامة عجزاً في تغطية مرتبات موظفي الدولة المقدر عددهم بنحو 1.25 مليون موظف، فيما تقدر المتطلبات الشهرية للمرتبات وفوائد الدين المحلي بنحو 115 مليار ريال (460 مليون دولار)، بينما تغطي الإيرادات العامة الشهرية نحو 30% فقط من تلك المتطلبات. تستمر معاناة الموظفين في محافظة تعز، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها، دون أن يلتفت لهم أحد. ورغم لجوء البعض منهم إلى العمل على باصات/ حافلات نقل أجرة أو كباعة متجولين، أو في المطاعم، وغيرها من الأعمال، إلا أن ذلك لم يفِ بالغرض، وبالكاد يسكت أمعاء أطفالهم الخاوية. وكانت حكومة بن دغر أعلنت مطلع شهر مارس عن بدء صرف مرتبات موظفي محافظة تعز، وأولهم التربويون، وذلك عبر شركة الكريمي للصرافة، بحسب ما كشفه السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر/ غمدان الشريف ل"سبتمبر نت". جاء ذلك بعد يوم واحد من انتفاضة موظفو محافظة تعز لمطالبة الرئيس عبد ربه منصور هادي توجيه حكومته مباشرة وبدون تلكؤ بصرف رواتبهم المقطوعة لستة أشهر متتالية. ورغم التوجيهات الصادرة عن رئيس الوزراء بصرف مرتبات موظفو تعز، إلا أن موظفي المحافظة يعتبرون ذلك مجرد وعود لتسكين الوجع، حد وصفهم. ولم تكن توجيهات ووعود الحكومة الشرعية هي الأولى من نوعها، فقد سبق أن وجه رئيس الوزراء في تاريخ 20/12/2016 بصرف مرتبات 3 أشهر للموظفين المدنيين بمحافظة تعز. ومطلع مايو وجه رئيس الوزراء- الدكتور/ أحمد عبيد بن دغر بصرف جميع مرتبات موظفي محافظة تعز، وذلك بعد انقضاء أقل من يوم واحد على انطلاق موظفو المحافظة في المسيرة الراجلة "البطون الخاوية" من مدينة تعز باتجاه العاصمة المؤقتة، عدن. إلا أن هذه التوجيهات ظلت حبرا على الورق ولم يستلم الموظفين مرتباتهم، حد تأكيدات موظفين اعتبروا ذلك عملية تحفظ من قبل محافظ البنك المركزي على شيكات مرتبات محافظة تعز التي تأكد استلامه لها. وينتقد ناشطون التباطؤ في تنفيذ تلك التوجيهات، بحجة عدم وجود سيولة تارة وتارة أخرى بمبرر مخاوف انهيار الريال اليمني أمام العملة الصعبة.