يتحدث الجميع حول ما إذا كان على الولاياتالمتحدة الانسحاب من العراق، ولكن هل هناك من يخطط عمليا لذلك اليوم؟ قد تبدو خطوط المعركة أوضح في واشنطن مما هي عليه في العراق، ويريد الكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون وضع جدولا زمنيا لانسحاب القوات القتالية الأمريكية من معركة لم يعد الشعب الأمريكي يدعمها. وسوف يصوت الرئيس الأمريكي جورج بوش بالفيتو عندما يجتمع بقادة الكونغرس لاحقا هذا الأسبوع ضد القرار. و يحذو السيناتور الجمهوري ماك كين حذو الرئيس بوش الذي يدعم التواجد العسكري الأمريكي في العراق ويحذر من عواقب الانسحاب. وفي لقاء مع طلاب من معهد فيرجينيا العسكري قال ماك كين "إن هذا اختيارا تاريخيا، ذو نتائج حتى للأمريكان الذين لم يولدوا بعد، وحذر من أن انسحابا أمريكيا مبكرا من العراق سوف يخلق "غربا وحشيا بالنسبة للإرهابيين الذين يعتقدون بأننا نحن الأمريكان هدفهم النهائي، وبالنسبة للعراقيين فان الانسحاب الأمريكي سوف يؤدي إلى إبادة جماعية تكون أمريكا متواطئة فيه"ا وقد يكون ماك كين محقا في ذلك. ويؤيد عمال الإغاثة والقادة الإقليميين والمسؤولين العراقيين والمواطنين الاعتياديين بان حالة العراقيين الكارثية سوف تتدهور أكثر في حالة الانسحاب السريع للقوات الأمريكية،محذرين من نزوح جماعي كبير للاجئين من العراقيين باتجاه الحدود، ومن مذابح بين والسنة والشيعة ومن حرب بالوكالة تمول من قبل إيران والسعودية في داخل العراق. ويقول عامل إغاثة يشرف على جزء من عمل إغاثة الأممالمتحدة في العراق والذي لا يريد إطلاق تعليقا قد يأخذ منحى سياسيا "إن النتائج ستكون كارثية في حالة الفشل" ولهذا السبب فان البيت الأبيض يطالب بالمزيد من الوقت. إن عدد القوات الإضافية الأمريكية البالغة 20 ألف جندي إضافي والذي اعلن عنها جورج بوش سابقا لترسل إلى العراق سيصل عددها إلى 30 ألف بالإضافة إلى 134 ألف جندي موجودين أصلا في العراق. وللوصول إلى هذا العدد، فقد صرح روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي في الأسبوع الماضي بأنه سوف يتم تمديد مدة خدمة العديد من الجنود الأمريكيين في العراق. إن الفكرة من هذا القرار لا تكمن في أن هذه القوات ستتمكن من إنهاء التمرد بسرعة، ولكن للمساعدة في إخماد العنف لفترة تكفي لإعادة الأعمار وللمصالحة السياسية بان تتجذر. ويقول ديفيد كيلكولن وهو اختصاصي في مناهضة التمرد "أن هذا ماراثونا وليس ركضا". ومع ذلك، فهناك شعورا متزايدا بين كل من حلفاء أمريكا وأعدائها بان القوات القتالية الأمريكية، ستترك العراق في نهاية العام المقبل على الأقل. وفيما يدعو مشروع قانون مجلس النواب للانسحاب من العراق بحلول آب عام 2008، يضع مجلس الشيوخ هدفا غير ملزم للانسحاب بحلول الحادي والثلاثين من آذار 2008، ولكن الخلاصة هي نفسها "وداعا بغداد" ويكتب ستيفن سايمون من مجلس العلاقات الخارجية " إن الانفجار الداخلي للدعم المحلي للحرب سيرغم القوات الأمريكية على الانسحاب، أنها مجرد مسالة وقت" ويحذر الجنرال باري ماك كارفي من "ويست بوينت" وبعد أسبوع من المقابلات المكثفة في بغداد في الشهر الماضي بان الجيش الأمريكي لن يتمكن من المحافظة على هذا المستوى من الالتزام لأكثر من سنة أخرى. سوف ينكشف الجيش الأمريكي لأنه أصبح ضعيفا جدا بسبب الحرب. وتجادل هذه الأصوات بأنه وبينما البيت الأبيض يأمل الأفضل، عليه بنفس الوقت أن يخطط لما هو أسوأ. إن الحقائق السياسية تجعل هذا الأمر صعبا للغاية. ويقول سايمون "هناك مشكلة حقيقية عند الحديث عن "اليوم التالي" (للانسحاب الامريكي) " في اللحظة التي تنسحب فيها سوف يتسرب الخبر، وستوصف الإدارة على أنها هزمت" وقد قدم كينيث بالاك من "بروكنز للتحليل" تقريرا من 130 صفحة حول نتائج الانسحاب الأمريكي. وقد لاقت ورقة بعنوان "الأشياء تتفكك" دعما رصينا من بيروقراطية الأمن القومي. ويقول أيضا "إنني قلق بعض الشيء، فقبل الغزو كنت أتحدث في كل مكان عن أهمية إعادة الأعمار بعد الحرب، وكنت احصل على تأكيدات كبيرة بان هذا الأمر تمت تغطيته وبأنهم يمتلكون خلايا للتخطيط، لاكتشف فيما بعد حقيقة أن هذه الجهود لم تكن كافية أبدا،وقد تأكدت الآن من هذا الكلام". وفي البتاغون، اخبر غيتس الكونغرس في شباط الماضي انه يستكشف الخطط الاحتياطية في حال فشل خطة دعم القوات الأمريكية في العراق. وقال "سيكون هذا بمثابة عدم شعور بالمسؤولية إن لم أكن أفكر بما ستكون البدائل" ولم يدخل غيتس في التفاصيل عدا انه قال بان الجيش يعمل على إخراج القوات الأمريكية من طريق الأذى. ويقول ضابط كبير في الجيش بان هناك عملا باتجاه خيارات الانسحاب وقد تم تأطيره وتقديمه إلى قسم أبحاث الجيش في معهد تحليل الدفاع. مشروع الانسحاب قدم للبنتاغون وحسب أقوال مستشار كبير في قوات الائتلاف في بغداد، وفضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، فقد طلب من مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي بالبدء للتخطيط ليوم ما بعد الانسحاب (وقال الربيعي بان لا يمكنه التعليق). وقال ماك كين " في الحروب السابقة، فان حكم التاريخ لم يكن رحيما بتلك الحكومات التي فشلت في تخمين سرعة نفاذ الوقت" ويرد فرانك سنيب وهو ضابط ساق في CIA مؤلف كتاب "فترة محترمة" الذي دون فيه سقوط سايغون عام 1975، إن هناك توازيا مباشرا مع الحالة في العراق اليوم. ويقول لقد كان خطأنا إننا لم نجرؤ أن نفكر في الأسوأ في فيتنام، الأمر الذي أوصلنا إلى الفوضى في النهاية، ولم تكن هناك خطط إستراتيجية احتياطية عندما بدأ الجيش الأمريكي المدرب بالانهيار. ولم تكن هناك خطط فعالة لإخلاء العديد من آلاف الفيتناميين الذين عملوا عن قرب مع الولاياتالمتحدة. وكنتيجة لهذا، فقد علقت في الذاكرة صورا لا يمكن نسيانها لأناس تعلقوا بالمروحيات الأمريكية التي أقلعت من السفارة الأمريكية في سايغون تروى الهزيمة الأمريكية هناك. وبينما لا احد يستطيع أن يتنبأ بصورة مؤكدة أي شكل سوف يأخذه النزاع في العراق، فان فيتنام تبقى احد النماذج لانسحاب قوى عظمى بصورة مفاجئة من حرب خارجية. في غالبية الحالات، عملوا خططا لنقل السلطات بصورة سلمية و "فترات محترمة" تزامنت غالبا مع اندفاع عسكري بشكل أو آخر، ولكن ما تركوه خلفهم في آخر النهار كان مجازرا وفوضى. وعندما ترك البريطانيون سيطرتهم الطويلة على الهند عام 1947 ،كانت البلاد قد تقسمت بين المسلمين والهندوس. وكما كتب الشاعر الهندي بعدها بمرارة واصفا الحالة "لقد تم كل شيء في سبعة أسابيع، تم تقررت الحدود، وتم تقسيم القارة" لقد قتل ما لا يقل عن نصف مليون وتم ترحيل أكثر من 12 مليون شخصا. وفي الجزائر عام 1950 فقد أدار الفرنسيون حملة قاسية وفعالة ضد التمرد والتي قضت على حرب العصابات. ولكن في عام 1962 قرر الرئيس الفرنسي التخلي عن حرب طويلة بدت أنها لا تؤدي إلى أي حل. ووجدت فرنسا بعد ذلك نفسها قد فاضت باللاجئين، حوالي 900 ألف من اللاجئين ذوي الخلفية الاستعمارية الأوربية السابقة، وأكثر من 90 ألف من اللاجئين العرب الذين عملوا مع الحكومة وكان هناك أكثر من 100 ألف لاجيء منهم لم يستطيعوا الهرب وواجهوا انتقاما وحشيا. في فيتنام عام 1970 وفي لبنان عام 1980 وفي الصومال عام 1990 أصبح لدى الولاياتالمتحدة سجلا في إقحام قواتها في مهمات "ذات مبادئ" في الأراضي البعيدة ، بينما كانت تخطئ التقدير تماما لطبيعة ومدى المقاومة الوطنية هناك. في كل حالة، وبعد النكسات الكارثية لها، تقسم الولاياتالمتحدة على إبداء الحزم بينما تحاول نقل مسؤوليات معركة الخط الأمامي إلى القوات المحلية. ولكن المسؤولين المحليين لم يستطيعوا أو لم يريدوا أن يقوموا بهذا العمل لوحدهم، ووجد الأمريكان الذين بقوا هناك أنفسهم يتدافعون بحثا عن طريق للخروج. إن الدرس الرئيسي من كل هذه الحالات لم يكن يدور حول إن كان الانسحاب قد أصبح أمرا لا يمكن تفاديه. ولكن الأثر الرجعي في هذه الحالات صار أسوأ بسبب حقيقة أن الحكومات انتظرت طويلا لتعترف لاحقا بان الانسحاب قد يكون ضروريا. وعندما حانت اللحظة فان انسحابهم المستعجل جعل الفوضى التي تلته أسوأ بكثير. بدأت مجالس الخبراء في واشنطن بدراسة نتائج الانسحاب في العراق بالتفصيل. ويحذر تقرير بولاك بالاشتراك مع دانيال بايمان من أن " عندما تقرر الولاياتالمتحدة بان إعادة الأعمار قد فشلت وبان الحرب الأهلية الشاملة في العراق قد اندلعت فان الإجراء العقلاني الوحيد ومهما يكون مريعا هو أن تترك المراكز السكنية في العراق وتعيد تركيز الجهود الأمريكية من منع الحرب الأهلية إلى احتواءها. إن اغلب توصيات هذا التقرير تتماشى مع تلك التي قدمتها مجموعة دراسة العراق بزعامة بيكر – هاملتون في الخريف الماضي وهي العمل على السلام الإقليمي والاستقرار. هناك اقتراحات أخرى متشددة ارتبطت بمخاوف من أحداث كارثية مثل خلق منظومة (مناطق احتجاز) لتجميع اللاجئين عند الحدود. وهذه المقترحات ترعب عمال الإغاثة مثل اندرو هاربر من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. حيث أن المعسكرات الواسعة في الصحراء العراقية القاسية حيث أن تمويلها صعبا جدا أن لم يكن مستحيلا. مع هذا فان أكثر من 750 ألف عراقي قد جاءوا إلى الأردن والتي يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، وفيها شحة مياه. وقد استوعبت سوريا أيضا ما يقارب مليون عراقي. وقد كثفت اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والوكالات الأخرى تواجدها خصوصا في الأردنوسوريا لتلاقي احتياجات 200 ألف لاجئ عراقي. ويقول استرد فان جيندين من مكتب شؤون اللاجئين في جنيف "إن الكارثة تحدث الآن" ومن ناحيتهم فان جيران العراق قلقون "من أن تتحول الحرب إلى نوع من الثقب الاسود يبتلع المنطقة بكاملها" حسب وصف سمير طارق من مركز الشرق للدراسات الإستراتيجية في دمشق. ولذلك فهم قد بدأوا في ضبط حدودهم ولو ببطء. ولكن الحالة الأكثر تميزا هي حالة تركيا حيث دعا رئيس الأركان العامة الجنرال ريشار بويوكانيت الى "تدخل عسكري" لتدمير القواعد الكردية التي تقوم منها حرب عصابات تقاتل ضد حكومة انقرة. وحسب التقارير الصحفية فان هناك تحضيرات لهذا الهجوم تجري الآن حيث أن هناك أكثر من 200 ألف جندي تركي يتحركون باتجاه الحدود العراقية. واقترح ضباط عسكريون متقاعدون أتراك إنشاء نطاق بحدود 25-30 ميلا داخل الأراضي العراقية. إن المحللون الإسرائيليون قلقون أيضا من جهتهم حول إمكانية انسحاب أمريكي مفاجئ. ويقول ضابط امن إسرائيلي كبير إن الخطر على إسرائيل يكمن في اندلاع الإرهاب في إسرائيل إذا انسحبت أمريكا من العراق، فقد يحاول الإرهابيون الوصول إلى إسرائيل عبر الأردن، ويجادل بان على جيش إسرائيل حماية حدود إسرائيل مع الأردن، ولكن لا توجد خطط بهذا الصدد بعد . في النهاية فان المناقشات غير الرسمية حول الخيارات الاحتياطية تصب في نفس الاستنتاج : على القوات الأمريكية أن تبقى في العراق. ربما ليس ضمن ادوار قتالية لكن مع ذلك يجب ان تبقى بأعداد كبيرة. ويبين فيليب زيليكو الذي عمل في السابق مع كونداليزا رايس إن نوع التخفيض الذي يقترحه الديمقراطيون "انه سهل القول ولكن الموضوع هو: ماذا ستسحب؟ إن القوات الأمريكية حيوية جدا بالنسبة للتموين والاستخبارات العسكرية للجيش العراقي. وهي أيضا توفر الانضباط. ويقول زيلكو "إذا انسحب الأمريكان، فان العراقيون في النهاية سوف يحاربون بطريقتهم، وهذا سيكون أقبح من النزاع القائم الآن". *مجلةنيوزويك